logo

logo

logo

logo

logo

اليانية

يانيه

Jainism - Jaïnisme

اليانية

 

اليانية Jainism (أو الجاينية) مذهب فلسفي وعقائدي هندي قديم، اشتق اسمه من كلمة يينا Jina التي تعني المنتصر أو الظافر، وهو لقب كان يطلق على مؤسسه واردهمانا Vardhamana ت( 529ـ599) ق.م وفي مصادر أخرى (504 ـ 468ق.م)، وقد لقب أيضاً بمهاويرا Mahavira أي «البطل العظيم» وهو الاسم الذي اشتهر به.

واليانية من المذاهب الفلسفية ذات الطابع المادي التي تنكر قدسية الفيدا[ر] (وهي مجموعة الكتب المقدسة لدى البراهمانية)، وقد نشأت شأنها شأن البوذية في رحم طبقة الكشاتريا Kshatriyas؛ أي الطبقة الأرستقراطية العسكرية التي ينتمي إليها كل من مهاويرا وبوذا[ر] معاصره، والتي كانت من أكثر الطبقات سخطاً على الامتيازات التي خص بها البراهمة أنفسهم.

يتضمن تراث اليانية الاعتقاد بوجود 24 سلفاً لمهاويرا من المرشدين العابرين (تيرثا نكارا Tirthankara)؛ أي الذين عبروا محراث التناسخ[ر] Metempsychosis أو اجتازوا محيط التقمص وهجرة النفوس وانتقالاتها، وأشهر هؤلاء الدعاة العابرين بارشواناتا Parshvanatha من القرن الثامن قبل الميلاد، وهو أيضاً كان يحمل لقب يينا المنتصر مثل مهاويرا.

لا تؤمن اليانية بوجود كائن أعلى في السماء خلق العالم، ولا بحقيقة خلود العالم أيضاً، فما هو خالد خلوداً أبدياً بالنسبة إليهم هي روح الإنسان، والآلهة في نظرهم ليست مصدر الحكمة، بل مصدرها الرهبان والقديسون الذين اكتملت معرفتهم عن العالم وارتبط سلوكهم بهذه المعارف. ولاتؤمن اليانية بالطبقات والطوائف ولا بالأصنام وعبادتها، ولا بتقديم الأضاحي والقرابين للآلهة والصلاة لها، لكنها تؤمن بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة. ولذلك عُدّت حركة عقلية متحررة من سلطان البراهمة، وحركة مناهضة للهندوسية[ر] بصفة عامة، مع أنها ظلت مطبوعة بالذهن الهندوسي العام، مع احترامها لآلهة البراهمةعامة، عدا الثالوث (براهما وشنو وسيفا).

ويعتقد اليانيون أن الكائنات والأشياء حتى الجمادات أرواح حية (جيڤا Jiva) هي مصدر الوعي، وأن نزوع الروح إلى الاتحاد بالجسد (وهي حصيلة حياتها الماضية) وانقيادها إلى رغباته وشهواته الجامحة هو سبب تعاسة الإنسان الناجمة عن الجهل بالحياة، لذا تقع على عاتق المعرفة مهمة تحرير الروح من أسر المادة.

وخلافاً لموقف الهندوسية في موضع الكارما Karma والتناسخ ترى اليانية أن الكارما كائن مادي يخالط الروح منذ الولادة، ويمكن تحرير الروح من أسوار الكارما عن طريق التقشف والزهد Asceticism والتطهير من أوساخ العواطف والشهوات الحيوانية، ومن قيود الحياة ومن تكرار المولد والموت، ويرى اليانيون أن هذا الطريق يقود إلى النجاة (موكشا Moksha)، وأن السبيل إلى النجاة والتحرر والانعتاق شاق وعسير، ولايطمح فيه إلا الخاصة من الرهبان والراهبات بوصفهم المثل الأعلى في المعتقدات اليانية، فهم لايملكون سوى مكنسة للنظافة ورداء متواضع وإناء للطعام وعصا للمشي، ويمشي الراهب متجولاً يتسول الطعام معذباً نفسه بقهر جميع المشاعر والعواطف والحاجات، فلا يشعر بما حوله، ويمكن أن يتعرى فلا يحس بحياء أو عار، فالشعور بالحياء يتضمن تصور الإثم، وإن الانقطاع عن الحياة وعدم الاهتمام بالجسد الفاني، حتى الانتحار أمر شائع عند الرهبان قديماً، والياني المخلص الذي يشعر باستعداده للموت يأخذ عهد «السالخانة» ويقابل الموت في صوم مستمر وتحت إرشاد الراهب أو المرشد. ويحرص اليانيون على عدم إزهاق روح أي كائن حي مهما كان ضئيلاً، لذلك فهم لايأكلون اللحوم ولا المنتجات الحيوانية ولا الحليب، ولايغلون الماء خوفاً من إيذاء الكائنات الحية فيه، فشعارهم الرئيس هو اللاعنف (أهيمسا Ahimsa).

يتكون التراث المقدس لليانية من خطب مهاويرا ووصاياه وخطب مريديه ووصاياهم وكذلك من خطب الرهبان والنساك، ومن القانون الياني الذي كتبه زعماؤهم عام 57م وعدد من الكتب المقدسة، من أهمها ما وضعه كندا كندا Kunda Kunda وأما سواتي Umasvati في القرن الأول الميلادي. وتتمثل الفلسفة اليانية بالقول إن الحياة الدنيا تعاسة مستمرة نعيمها زائل والعيش فيها باطل، وأن الغواية Mihpaiua هي سبب العقائد الفاسدة والأخلاق السيئة والجهل والضلال، وأن الروح تظل تتأرجح بين الموت والولادة حتى ينبثق النور الذي يوصل إلى بر السلامة وإلى السعادة الروحية، إما بطريق المصادفة أو الإلهام، وإما بتوجيه المرشدين والمبشرين وهدايتهم، وللوصول إلى ذلك لابد من التمسك بثلاث جواهر أو يواقيت هي:

ـ الاعتقاد الصحيح بالتراث المقدس، وهو رأس «النجاة».

ـ العلم الصحيح؛ أي معرفة الكون بفصل أثر المادة عن الروح، ليبدو الكون في صورته الحقيقية، وتتكشف للمرء الحقائق اليقينية.

ـ الخلق الصحيح؛ أي التمسك بالحسنات والابتعاد عن السيئات واتباع الوصايا الخمس (وهي: لا تقتل، ولا تكذب، ولا تسرق، ولا تحيا حياة الفجور، ولا ترغب في شيء على الإطلاق).

 وقد وضع اليانيون سبعة مبادئ رئيسة لطهارة الروح هي:

ـ تقديم العهود والمواثيق للقادة والرهبان بالتمسك بالأخلاق الحميدة والزهد والتقى.

ـ المحافظة على الورع وتجنب الأذى والضرر لأي كائن حي مهما كان ضئيلاً.

ـ التقليل من الكلام والحركات البدنية، وعدم إضاعة الجهد والوقت في التفكير بأمر الحياة الثانوية والتافهة.

ـ التحلي بعشر خصال هي أمهات الفضائل وهي: العفو والصدق والاستقامة والتواضع والنظافة وضبط النفس والتقشف الظاهري والباطني والزهد والإيثار واعتزال النساء.

ـ التركيز على التفكير بحقائق الكون والنفس الرئيسة بوساطة الحواس والعقل.

ـ السيطرة على متاعب الحياة وهمومها وعدم الاهتمام بالنزوات والشهوات المادية.

ـ القناعة الكاملة والطمأنينة والخلق الحسن والطهارة الظاهرية والباطنية.

وتقسم الفلسفة اليانية العلم أربعة أقسام رئيسة هي:

ـ علم الإدراك بطريق الحواس.

ـ العلم عن طريق الوثائق المقدسة.

ـ العلم بالوجدان المحدود المحيط؛ أي إدراك ماليس له صورة الآن بطريق الروح، فهو إدراك يتخطى الأزمنة والأمكنة والظاهر والباطن.

ـ العلم بمكنونات الضمائر والتصورات في السرائر، وهو العلم بما لم يوجد بعد من حيث أنه خاطر في الذهن، وهو أرقى درجات العلم.

كانت اليانية فرقة واحدة طوال حياة مهاويرا، وفي عام 79م انشق اليانيون إلى فرقتين نتيجة اختلاف الرأي حول موضوع العري، تسمى إحداهما ديغامبارا Digambara أي أصحاب الزي السماوي (أي العراة)، والثانية تدعى سويتامبارا Svetambara أي أصحاب الزي الأبيض. ومن هاتين الفرقتين تفرعت فرق أخرى مهمة، لكن تعدد الفرق لم يمس الفلسفة أو العقائد الأساس لليانية، علماً أن أبناء الفرقتين يلبسون اليوم الثياب العادية، وإن كان الرهبان وحدهم لايزالون يجوبون الطرقات عراة الأجسام، والراهبات يرتدين الملابس العادية، ويؤلف الرهبان والراهبات المنقطعون للعبادة فرقة خاصة، أما عامة اليانيين فإن دورهم هو في التمسك بالعقيدة والأخلاق اليانية ودعم الرهبان مادياً.

ويمثل اليانيون المجموعة الدينية السادسة في الهند من حيث العدد؛ إذ يزيد عددهم على ثلاثة ملايين ياني، ولهم بحكم تراثهم ومركزهم المالي أثر قوي في حياة الهند وتاريخها، كما أن هناك جماعات يانية صغيرة في شرقي إفريقيا (كينيا) وأوربا (إنكلترا) والولايات المتحدة وكندا.

ويتجه عامة اليانيين بسبب عقيدتهم إلى عالم المال والتجارة والمصارف؛ إذ وفرت لهم هذه الأعمال نصيباً كبيراً في الثراء، مما أكسبهم نفوذاً واسعاً في خدمة الثقافة الهندية والتراث العلمي والفني.

لم يعرف اليانيون المعابد والتماثيل في أول الأمر، لكنهم بمضي الزمن بنوا عدة معابد وأقاموا تماثيل كبيرة لمهاويرا والعابرين المبشرين الثلاثة والعشرين، وبرعوا في النحت براعة فائقة، وقد نحتوا الكهف العظيم المسمى «هاتي كنبا» في منطقة أوريسة في القرن الثاني قبل الميلاد، والكهوف اليانية كثيرة ومنتشرة في مختلف أنحاء الهند، كما كان لليانيين الفضل في النهوض بفن العمارة؛ إذ يحب أثرياؤهم صرف الأموال على بناء المعابد لأبناء عقيدتهم، حتى أصبح في الهند اليوم نحو أربعين ألف معبد، بعضها آية في الروعة والجمال، وتُعدّ من المعالم السياحية البارزة ولاسيما في منطقة «كهجورا»، كما يعدّ معبدهم فوق جبل «آبو» من عجائب الهند السبع.

عدنان شكري يوسف

 الموضوعات ذات الصلة:

 

براهمان ـ بوذا ـ التناسخ ـ الفيدا ـ الهندوسية.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ أحمد شلبي، أديان الهند الكبرى (مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1986).

ـ سايمان مظهر، قصة الديانات (دار الوطن العربي، بيروت 1984).

ـ علي زيعور، الفلسفة العلمية والنظرية في الهند والصين (دار النهضة العربية، بيروت 2006).


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
المجلد: المجلد الثاني والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 469
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1037
الكل : 58480581
اليوم : 53095

بهزاد (كمال الدين-)

بِهْزاد (كمال الدين ـ) (854هـ ـ ؟)   كمال الدين بهزاد مصوّر منمنمات إيراني. ولد في مدينة هرات في إيران، وهي المدينة التي عُرفت بوجود مدرسة فيها لنسخ المخطوطات وتذهيبها وتزيينها بالمنمنمات والزخارف. وقد تميزت منمنمات مدرسة هرات هذه بتصوير المناظر بألوان زاهية وتضمينها عمائر وشخوصاً بتناسب مدروس بين هذه العناصر. وذلك في المرحلة التيمورية في الفن الإيراني في القرنين الثامن والتاسع الهجريين.
المزيد »