logo

logo

logo

logo

logo

مريم العذراء

مريم عذراء

Virgin Mary - Sainte Marie

مريم العذراء

 

مريم العذراء هي أم يسوع المسيح، النبي عيسىu[ر] الذي أرسله الله إلى بني إسرائيل ليهديهم إلى الحق وسواء السبيل، بعد أن ضلوا وفسدوا وأفسدوا.

ورد ذكر مريم في «العهد الجديد» من الكتاب المقدس[ر] في إشارات قليلة لا تقدم صورة واضحة عن سيرة حياةِ شخصيةٍ بمثل هذه الأهمية الدينية لعدد هائل من البشر في أنحاء الأرض كافة. والمرجح أن مؤرخي تلك المرحلة من اليهود والإغريق والرومان لم يولوا الحركة الدينية الجديدة (المسيحية) كبير اهتمام. ولما كانت الحقائق الموثوقة فيما يتعلق بتفاصيل حياة السيد المسيح نفسه قليلة جداً، فكيف إذاً فيما يخص امرأة لم تُُدْرَك مكانتها إلا بعد بدء رسالة ابنها المسيح وهو في الثلاثين من عمره والتي لم تستمر حتى صلبه وقيامته  ـ حسب المعتقد المسيحي ـ أكثر من ثلاث سنوات وبضعة أشهر!. لكن القرآن الكريم أتى على ذكرها في أكثر من سورة وأفرد لها مكانة خاصة بين نساء العالم قاطبة. وهي مازالت حتى اليوم موضع جدل بين مختلف المذاهب المسيحية، من حيث دورها ومكانتها وتفاصيل سيرة حياتها حتى وفاتها ومآلها.

يلفظ اسمها بالعبرية ميريام Miriam (وهو اسم أخت النبي موسىu حسبما ورد في التوراة)، وبالآرامية واليونانية والعربية مَرْيَم Mariam. أما صيغة ماريا Maria فهي لاتينية. ولدت في بلدة الناصرة Nazaret في منطقة الجليل نحو عام 14 ق.م وتوفيت نحو عام 46م، لكن مكان وفاتها ودفنِها غير مؤكد، فبعض المراجع يُرجح بيت المقدس حيث يوجد قبر يُزعم أنه قبرها؛ وبعضها الآخر يرجح مدينة إفِسوس Ephesos في آسيا الصغرى، حيث عاشت مع الحواري (الرسول) Apostel يوحنا الذي خاطبه المسيح المصلوب قائلاً: «هذه أمك» ولمريم: «هذا ابنك» (إنجيل يوحنا: 19،26- 17)؛ وثمة مراجع أخرى تشير إلى دمشق مكاناً لوفاتها.

مريم العذراء في العهد الجديد:

إن جميع المعلومات المتعلقة بمريم العذراء في «العهد الجديد» محصورة بالأناجيل الأربعة (لوقا، متَّى، يوحنا، مرقص) المعترف بها كنسياً، وهذه المعلومات ذات طابع تبشيري بقدوم السيد المسيح ومعجزة ولادته (من عذراء أو الحبل بلا دنس)، فهي هنا خطيبة يوسف النجار الشابة بعد أن غادرت الهيكل الذي أمضت فيه اثني عشر عاماً وفاء لنذر والدتها حنّة بنت الحاخام مثاتان ووالدها يواخيم (وكلاهما من نسل داود) بعد عقم طويل. وعندما يزورها ملاك الرب جبريل يخاطبها بصفة المُنْعَم عليها والمباركة ويبشرها بأنها ستحمل من الروح القدس ولداً اسمه يسوع  «يملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية» (لوقا: 1،28- 33). كما خبرها بمعجزة حمل نسيبتها (خالتها) إليصابات من النبي العجوز زكريا (بالطفل الذي صار يوحنا المعمدان (يحيىu)[ر. الأنبياء]، (لوقا: 1،34- 35 و41- 45). وخضوع مريم لمشيئة الرب وانصياعها لإرادته في هذا الموقف غير الطبيعي بشرياً هو السبب الأساسي لتبجيلها لاحقاً في التاريخ الكنسي؛ ولشعبيتها الواسعة لدى المؤمنين.

وفي يوم تقديم مريم يسوعَ إلى الهيكل وهو في الثانية عشرة من عمره، تنبأ لها الشيخ سمعان بالآلام التي ستعانيها مع ابنها ومن أجله (لوقا: 2،35) والتي ستتجلى في ابتعاد الصبي عن أمه [رلوقا: 2،38] واستمرار موقفه منها في أثناء عمله التبشيري (لوقا: 8، 19- 21) حتى بلوغ الآلام ذروتها عند الصلب، الذي لا شاهد آخر عليه سوى ما ورد في إنجيل يوحنا. وآخر مرة يُذكر فيها اسم مريم في «العهد الجديد» يأتي في (تاريخ الرسل: 1،14) وهي تصلي مع تلاميذ المسيح بانتظار نزول الروح القدس. وحسبما ورد في «العهد الجديد» لم يخاطب السيد المسيح والدته بـ «يا أمي» أبداً، وإنما دائماً بـ«يا امرأة» وهي صفة تبجيلية في التقاليد القديمة؛ وكل امرأة تنصت إلى كلمة الرب وتعمل بها هي أم مباركة (لوقا: 11،27). وقد أفرد الكتاب مكانة خاصة ليوسف النجار الذي أطاع ربه فحمى مريم «وأخذ امرأته ولم يعرفها (يَقْرَبْها) حتى ولدت ابنها البكر» (متى: 1،24) وهو الذي انتقل بها إلى بيت لحم حيث وضعت وليدها يسوع واستقبلت الملوك الثلاثة الذين قدموا للتأكد من النبوءة، وهو الذي أطاع الرب ثانية فهرب بالطفل وأمه إلى مصر خوفاً من جرائم هيرودس ملك اليهود، ولم يعد إلى الناصرة حتى زوال الخطر بموت الملك. أما موضوع أخوة المسيح وأخواته الذين ورد ذكرهم في غير مكان من «العهد الجديد» فمازال حتى اليوم موضع جدل وتأويلات مختلفة بين المذاهب المسيحية.

مريم في تعاليم الكنيسة وتاريخها

تختلف أهمية مريم دينياً اختلافاً كبيراً بين المذاهب الكنسية، منذ ظهور المؤسسة الكنسية حتى اليوم. فقضية تبجيل السيدة مريم تعود جذورها إلى أوائل القرن الخامس نتيجة خلافات عقيدية بين رجال الدين، ولاسيما بشأن تلقيب مريم «الحاملة بالرب» Theotokos، الأمر الذي عارضه نسطوريوس[ر] أسقف القسطنطينية واقترح بديلاً منه لقب «الحاملة بالمسيح» Christokos، فهي برأيه أم الطبيعة البشرية في المسيح وحسب وليس الطبيعة الإلهية أيضاً. لكن مجمع إفسوس المسكوني في عام 431 أقر لقب «الحاملة بالرب» وعزل نسطوريوس عن منصبه؛ مما أدى إلى انفصال الكنيسة النسطورية. أما الكنيسة الكاثوليكية فإن صورتها عن مريم لا تعتمد كثيراً على ما ورد في أناجيل «العهد الجديد»، بل تستند حصراً إلى «شهادة الروح القدس». وقد طورت هذه الكنيسة ما صار معروفاً بـ«العلوم المريمية» Mariology المكرسة لدراسة دور مريم في «الحدث الرباني» أي «تجسد الرب بشراً». وبسبب الولادة العذرية أسبغت الكنيسة الكاثوليكية على مريم ألقاباً عدة، منها «العذراء المقدسة»، «أم الرب» و«سيدتنا الحبيبة»؛ في حين تكتفي الكنائس الشرقية بلقب «الحاملة بالرب».

يرى بعض علماء الأديان أن «تبجيل مريم» بما يقارب العبادة قد دخل المسيحية عن طريق عبادات وثنية قديمة في المنطقة، مثل عبادة إيزيس أم حورس في مصر الفرعونية. ويميل بعض لاهوتيي الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية إلى تأويل ما ورد في (لوقا: 1،42،48) بما يدل على تبجيل مريم حتى العبادة. وقد وجدت الكنيسة البروتستنتية في ذلك تناقضاً جذرياً مع الوصية الأولى القائلة بأن العبادة لا تجوز إلا للرب الواحد الأحد. ولذلك صارت الكنيسة الكاثوليكية الرسمية تميز بجلاء بين التبجيل الذي يجوز على جميع القديسين، وفي مقدمتهم مريم «العذراء المقدسة» وبين العبادة التي تخص الرب وحده.

يرى المسيحيون البروتستنتيون (الإصلاحيون) والكاثوليكيون المحافظون في مريم صورة من صور كثيرة عن الإيمان المسيحي الحق، لكنهم يرفضون الدور الذي يُنسب إليها كشفيعة ومخلِّصة، كما يرون في معتقد «صعودها إلى الجنة جسدياً» و«بتوليتها الدائمة بعد ولادة المسيح» و«براءتها من الخطيئة الأصلية» هرطقة تتجاوز كل ما ورد في «العهد الجديد» بشأن مريم. كما ترفض الكنيسة الأرثوذكسية قرار الڤاتيكان في عام 1854 بصدد «الحبل بلا دنس» والقرار الثاني في عام 1950 بشأن «صعود مريم جسدياً إلى الجنة».

يحتفل العالم المسيحي بالسيدة مريم على مدار السنة بمناسبات متعددة تزيد على العشرين، وكل مناسبة منها ترتبط بحدث معين من سيرة حياتها.

مريم في القرآن الكريم:

يولي القرآن الكريم مريم مكانة استثنائية جداً؛ فهي المرأة الوحيدة في الكتاب كله التي تُذكر باسمها في تسع عشرة سورة منه. وهناك سورة تحمل اسمها «سورة مريم» التي تروي سيرتها في الآيات (2- 23)، وثمة سورة أخرى تحمل اسم عائلتها «سورة آل عمران» التي تسرد أيضاً جزءاً من سيرتها في الآيات (33- 59). وهناك في «سورة المائدة» كثير من التفصيلات المتعلقة بها وبابنها المسيح عيسى ورسالته إلى بني إسرائيل.

إن الصيغة القرآنية لسيرة السيدة مريم وولادة المسيح تتطابق من حيث الجوهر مع ما ورد في «العهد الجديد»، لكنها تختلف عنها في كثير من التفاصيل، ومنها أن القرآن ينسب مريم إلى آل عمران بينما ينسبها «العهد الجديد» إلى سبط داود. لا يأتي القرآن أبداً على ذكر يوسف النجار أو بيت لحم مكاناً لولادة المسيح ولا رحلة مصر هرباً من هيرودوس، كما لا يذكر المسيح باسم يسوع كما في «العهد الجديد». ولكن الصيغة القرآنية تؤكد على المعجزات التي رافقت ولادة مريم نفسها ثم ولادتها بالمسيح وكذلك المعجزات التي قام بها تعزيزاً لكونه نبي الله المرسل لهداية بني إسرائيل. وفي جميع الحالات التي ورد فيها ذكر مريم والمسيح يرفض القرآن تفسير معجزة ولادة المسيح على أنه «الرب» أو «ابن الرب» وعلى أنها «أم الرب»؛ قال الله تعالى: )لقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ اللهَ هو المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وقَالَ المَسِيحُ يا بَنِي إسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِيّ وَرَبَّكُمْ إنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ باللهِ فَقَدْ حَرَّم اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةُ ومَأوَاهُ النَّارُ وما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أًنْصَار( (المائدة 72)، وقال تعالى: )وإذْا قَالَ اللهُ يا عيسى ابنَ مريمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخذُوني وأُمّيَ إِلهَينِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحانَكَ ما يَكونُ لي أَنْ أقولَ مَا ليْسَ لي بِحَقٍ( (المائدة 116). ومن ثم يؤكد القرآن وحدانية الله الذي لا شريك له، ويحذر المشركين من وبال تأويلاتهم وأفعالهم.

تأثير مريم في الفنون

تعود أولى اللوحات التي تصور مريم والطفل يسوع في حضنها إلى القرن الثاني للميلاد. وهذه اللوحات تحيل المشاهد مباشرة إلى الصور الوثنية التي تمثل الإلهة إيزيس مع الطفل حورُس في حضنها. ومنذ تبني مجمع إفسوس المسكوني عام 431 عقيدة «الحاملة بالرب» أو «أم الرب» ازدهر تصوير العذراء مع الطفل يسوع بأشكال مختلفة وتصورات متعددة. وفي مناطق الثقافة الإغريقية تطور فن الإيقونة المرتبط  بالعذراء في صيغ صارمة، في حين كان فنانو الغرب أكثر حرية في استخدام الخيال عند تصوير مريم وطفلها. ثم ظهرت التماثيل المتعددة الأشكال والأحجام والتي انتشرت في داخل الكنائس وخارجها، ولاسيما في الغرب، واللافت هو أن كثيراً من مشاهد اللوحات لم تُستمد من «العهد الجديد» وإنما من الأناجيل التي رفضتها الكنيسة أو من الحكايات الأسطورية التي صيغت شعبياً عن سيرة مريم العذراء.

وعلى صعيد الموسيقى ازدهرت الأناشيد والتراتيل المريمية التي تصدح بها الجوقات الكنسية في مناسبتي الميلاد والفصح خاصة، وفي أعياد مريم عامة. وقد كانت السيدة مريم موضوعاً لكثير من المسرحيات الدينية منذ أواخر العصر الوسيط في جميع أنحاء أوربا.

نبيل الحفار

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الأنبياء ـ عيسى المسيح ـ الكنيسة ـ نسطوريوس.

 

 مراجع للاستزادة:

 

- HILDA GRAEF, Mary: A History of Doctrine and Devotion, 2 vol. (1963- 65).

- JUNIPER CAROL (ed.), Mariology, 3 vol. (1955- 1961).

- RENÉ LAURENTIN, La Question mariale (1963).

- GIOVANNI MIEGGE, La Vergine Maria (1950).


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
النوع : دين
المجلد: المجلد الثامن عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 453
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1039
الكل : 58492683
اليوم : 65197

مَن (آل-)

مَن (آل ـ)   هاينريش مَن Heinrich Mann ت(1871ـ 1950) روائي وقاص وكاتب مقالات ألماني بارز، عُرف بالتزامه الاجتماعي السياسي ونقده الشديد لاستبداد الدولة وتسلطها تجاه حقوق المواطنين، وما ينجم عن ذلك من بُنى اجتماعية مفككة ونفوس مريضة. ولد في لوبِك Lübeck، وهي من مدن الهانزا Hansestadt الحرة إدارياً وجمركياً على خليج لوبِك شمالي ألمانيا، وتوفي في المهجر الأمريكي في مدينة سانتا مونيكا Santa Monica (كاليفورنيا). كان والده من كبار تجار المدينة وعضواً في مجلس شيوخها، وكانت والدته ألمانية - برازيلية من عائلة تجار ثرية. بعد إنهاء مرحلة التعليم الثانوي بدأ هاينريش العمل متدرباً في إحدى مكتبات درِسدن Dresden عام 1889، ثم انتقل إلى برلين حيث عمل في دار النشر الشهيرة فيشر S.Fischer Verlag بين عامي 1890-1892، وتردد على محاضرات الأدب في جامعتها. بدأ محاولاته الأدبية الأولى منذ أن كان في الثالثة عشرة، وأخذ بعد وفاة والده عام 1891 بنشر مراجعات كتب في صحف برلين.
المزيد »