logo

logo

logo

logo

logo

هابسبورغ (أسرة-)

هابسبورغ (اسره)

Habsburg family - Famille d’Habsburg

هابسبورغ (أسرة ـ)

 

بدّل زوال الامبراطورية الكارولنجية[ر. الكارولنجيون] مصور أوربا تبديلاً عميقاً حينما تجزأت تلك الامبراطورية إلى عدة ممالك: مملكة جرمانيا، مملكة بروڤانس، مملكة بورغونديا، مملكة اللورين، مملكة إيطاليا.

وفي منتصف القرن العاشر الميلادي لم تكن هذه الممالك إلا فسيفساء من الدول على رأس كل منها دوق أو ماركيز أو كونت، وليس للسلطة الملكية المركزية عليها في الغالب أي تأثير فعلي، ومع الزمن أخذت الإقطاعات الكبرى تنتقل بالوراثة. وعلى هذه الصورة تألفت أسر حقيقية لا تخضع للسلطة الملكية، أخذ أفرادها يتوارثون وظائفهم عبر الأبناء والأحفاد. وقد شهد القرن العاشر في مختلف بلدان الغرب ظهور القصور المنيعة والمدن المحصنة التي أنشأتها تلك العائلات. ومن تلك العائلات ذات البصمات الواضحة التي عُدت من أقوى الأسر الأوربية والتي عمرت طويلاً أسرة هابسبورغ Habsburg التي أسست امبراطورية في أوربا الوسطى، وكانت تتطلع إلى إحياء الامبراطورية الرومانية المقدسة.

واسمها مشتق من القلعة التي نشأت فيها، وهي «قلعة الصقر» Habichtsburg في سويسرا في دوقية شڤابن Schwaben التي كانت جزءاً رئيساً من الأراضي الجرمانية التابعة للامبراطورية الرومانية المقدسة.

امتد تأثير الأسرة ونفوذها إلى الجنوب الغربي من جرمانيا، وبصفة رئيسة إلى الألزاس Alsace وسويسرا، وكذلك إلى الجنوب الشرقي أو ما يعرف بالأراضي النمساوية. وفي جيلين أو ثلاثة تمكن آل هابسبورغ من ضبط الأمن وحماية هذه المناطق التابعة لعرش الامبراطورية. وقد أصبحت النمسا إمارة عام 1156، آلت زعامتها إلى سلالة هابسبورغ عام 1246، واستمرت في ظل هذه الأسرة حتى عام 1918.

كان ارتقاء آل هابسبورغ وصعودهم إلى قمة السلطة في جرمانيا سبباً جوهرياً في تأسيس امبراطوريتهم وترسيخها، فبعد فراغ العرش الألماني بوفاة الامبراطور فريدريش الثاني انتخب رودُلف الأول Rudolf I كونت هابسبورغ ملكاً على ألمانيا سنه 1273؛ إذ كان ملوك تلك المقاطعات يتم تعيينهم بالانتخاب، وفي عام 1282 منح رودلف ابنه ألبرت عرش النمسا، ومن ذلك الحين تطابق تاريخ النمسا مع آل هابسبورغ.

وفي عام 1306 اعتلى رودلف الثالث عرش بوهيميا وأصبح أخوه فريدريش الأول ملكأ لجرمانيا (1314- 1335). وفي عام 1437 انتخب ألبرت الخامس ملكاً لهنغاريا وضمّ إليه فيما بعد بوهيميا. وفي عام 1440 انتخب فريديش الثالث ملكاً لجرمانيا وحصل على تاج الإمبراطورية الرومانية المقدسة إذ إنه آخر الأباطرة الذين تُوِّجوا في روما عام 1452. وكان فريدريش يتمتع بقدرات وإمكانات مميزة جعلته يطغى بشخصيته فقد كان أهم ملوك آل هابسبورغ الذين عزّزوا دورهم وامبراطوريتهم الواسعة، وفرض على ملك النمسا من آل هابسبورغ أن يستخدم لقب أرشيدوق النمسا Archducke of Austria. وبعد وفاة فريدريش ورثه ابنه مكسميليان Maximilian الذي صنع أعظم عرش في التاريخ الأوربي.

وقد أسس آل هابسبورغ امبراطورية بسطت نفوذها على ممالك وأراضٍ واسعة في أوربا. فبعد زواج مكسميليان الأول بماري وريثة عرش بورغوندي Burgundy، وزواج ابنه فيليب من جوانا وريثة عرش إسبانيا؛ ورث ابنهما كارل الخامس عرش إسبانيا وجنوبي إيطاليا والنمسا، وورث ولده فيليب الثاني عرش البرتغال ومستعمراتها، وتشكلت تحت سلطة مكسميليان الثاني امبراطورية كبرى، جعلها آل هابسبورغ الأوائل تابعة لقلعة شِرْبورغ cherbourg التي تُعدّ المقر الصيفي لآل هابسبورغ في ڤيينا من رموز الأسرة الحاكمة.

بعد عام 1521 توزعت الأسرة الحاكمة الهابسبورغية إلى فرعين، ولاسيما بعد وفاة كارل الخامس، فاختص فرديناند الأول بالأراضي النمساوية وتولى كارل الأول مملكة إسبانيا.

عمل آل هابسبورغ - الفرع النمساوي - تحت شعار عودة الامبراطورية الرومانية المقدسة، على أن تشمل الأراضي الموروثة لآل هابسبورغ ومملكة بوهيميا وهنغاريا، في حين اقتصر الفرع الإسباني على مملكة إسبانيا، وكانت تشمل الأراضي المنخفضة (هولندا، بلجيكا - لوكسمبورغ) التي وقعت تحت سيطرة آل هابسبورغ عام 1477، وكذلك الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم في إيطاليا والبرتغال. وقد استمرت سلالة فرديناند تحكم الامبراطورية حتى عام 1740، وأحفاد فيليب يحكمون إسبانيا حتى عام 1700.

واجه آل هابسبورغ في كلا الفرعين تحديات ومعارك وحروباً، ولاسيما ما واجهه الفرع الإسباني من تمرد في الأراضي المنخفضة؛ وبتشجيع من أعدائهم الإنكليز والفرنسيين، وقد توحدت هذه البلدان التي كانت تشكل الولايات الشمالية من الامبراطورية الإسبانية في عام 1597.

ولكن بعد سلسلة من النزاعات أخذت هذه المقاطعات تعلن انسحابها من الاتحاد الإسباني واستقلالها عن آل هابسبورغ في عام 1648، وذلك بموجب اتفاقية سلام ڤستفاليا Westphalia التي ألغت سيادة آل هابسبورغ على الأراضي المنخفضة، وقيدت بقسوة سلطة الامبراطور على الإمارات الجرمانية وأعادت الأراضي الواقعة تحت حكم آل هابسبورغ في الألزاس إلى فرنسا.

ومنذ أواخر عام 1620 عملت أسرة آل بوربون الصاعدة في فرنسا على التضييق على فرعي آل هابسبورغ. واستمرت فرنسا في حربها ضد الإسبان حتى عام 1659 عندما أنجز سلام البيرينيه Peace of the Pyrenees الذي أدى إلى انفصال بعض الأراضي جنوبي اللوكسمبورغ عن إسبانيا، وشهدت الثلاثون سنة التالية نهاية هيمنة آل هابسبورغ في أوربا عبر الهجوم الفرنسي منذ عام 1667 الذي كان يهدف إلى استقطاع منطقة إثر الأخرى من إسبانيا الهابسبورغية. وقد سبّب صعود آل بوربون في فرنسا قلقاً لدى القوى الأوربية الأخرى حول مصير إسبانيا، ولاسيما أنه لم يكن لملك إسبانيا كارلوس الثاني وريث ذكر، وكانت خلافته على العرش سبباً أدى إلى نشوء صراع بين أمير باڤاريا المنتخب من آل هابسبورغ جوزف فرديناند وبين الأمير فيليب آنجو من آل بوربون؛ وهو الحفيد الثاني للويس ملك فرنسا الذي ينتسب إلى آل هابسبورغ من ناحية أمه. وحين مات كارلوس الثاني في عام 1700 كان قد سمّى خليفته فيليب آنجو، مما آثار القوى الإنكليزية والألمانية، ودفع إسبانيا إلى الوقوع في أتون ما سُمّي حرب الوراثة.

كذلك واجه آل هابسبورغ في النمسا صراعاً على الوراثة بعد عام 1740 انتهى بتسمية ماريا تيريزا Maria Teresa ملكة على النمسا. ولكن الحرب النمساوية البروسية أفضت إلى خسارة النمسا معظم أراضي سيليزيا وجزء من لومبارديا ودوقيات بارما Parma وبياسنزا Piacenza بموجب معاهدة إكس لاشابيل (آخن) Aachen ت1748.

كان فرانتس ستيفان Franz Stephan ـ زوج ماريا تيريزا امبراطورة النمسا ـ قد أصبح في عام 1737 وريث دوقية توسكاني، ويعمل تحت راية الامبراطورية الرومانية المقدسة وينتسب إلى آل هابسبورغ؛ ولذلك فقد أعلن نفسه امبراطوراً على النمسا باسم فرانتس الأول.

ولضمان مركز الامبراطورية في ألمانيا مارس آل هابسبورغ بأنفسهم تعزيز إقليم أوربا الوسطى الذي يسيطرون عليه، وقد شمل توسعهم المناطق الشمالية الغربية في أوربا التي أصبحت بسبب عوامل خارجية تحت وصاية جوزف الثاني ابن الامبراطور فرانتس الأول، وكان جوزف أكثر اهتماماً بالتوسع نحو الغرب عبر باڤاريا التي تضمن تحصين حدوده الاستراتيجية الغربية، وتعزز مكانته بين الأمراء الألمان سياسياً، ولكن قوة بروسيا المضادة قللت من مكاسبه في حرب باڤاريا وسكسونيا.

بعد هذا التراجع الذي بدأت تعانيه ملكية آل هابسبورغ نتيجة القوى الأوربية الصاعدة، ونزعة القوميات الأوربية، يمكن القول: إن سلطة آل هابسبورغ كانت لقرن من الزمان قد أصبحت تابعة لبرلمان ڤيينا، وقد أثر التيار الملكي المحافظ في بروز القوميات ضمن الامبراطورية، كالألمانية والإيطالية والهنغارية والسلافية والرومانية، وذلك رد فعل على تمسك الأسرة بسلطتها من جهة واستجابة للروح القومية الحديثة التي بدأت تجتاح أوربا في القرن التاسع عشر من جهةٍ ثانية. ونتيجة هذه الظروف خسرت الامبراطورية النمساوية في عام 1859 لومبارديا لمصالحة سردينيا بيدمونت ليكونا معاً نواة مملكة إيطاليا، ومن ثم خسر آل هابسبورغ مقاطعتي توسكاني ومودينا. وفي عام 1866 وبضغط من بروسيا القوية والمتحالفة مع إيطاليا تخلى آل هابسبورغ عن ڤنيتي Veneti. ونتيجة هذه الأوضاع الكارثية لآل هابسبورغ أقدم الامبراطور فرانتس يوزف على منح هنغاريا الاستقلال الذاتي لتتساوى مع النمسا وسمّى الامبراطورية الجديدة «الامبراطورية النمساوية - الهنغارية»، وسرعان ما احتلت القوة النمساوية الهنغارية إقليم البوسنة والهرسك الذي كان يخضع للسلطة العثمانية حتى عام 1878.

في عام 1914 اغتال أحد الطلبة الصرب في سيراييڤو عاصمة الإقليم الأرشيدوق النمساوي فرانتس فرديناند الوريث المحتمل للملكية الثنائية، فكان ذلك الشرارة التي فجرت الحرب العالمية الأولى وانتهت إلى تمزيق امبراطورية آل هابسبورغ، وسرعان ما بادرت القوميات التي كانت تتبع لتلك الامبراطورية إلى المطالبة باستقلالها ومنها شعوب التشيك والبولنديين والرومان والصرب والكرواتيين، وانهارت الامبراطورية النمساوية ومعها سقط كارل آخر ملوك آل هابسبورغ.

بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى أعلن المجلس القومي لجمهورية النمسا في 3 نيسان/أبريل 1919 تحرير قانون هابسبورغ وإنهاء الملكية. وقضى القانون بمعاقبة آل هابسبورغ على أراضي النمسا ما لم يتخلوا عن أي إدعاء بالسيادة أو الملكية، وأن يقبلوا بمراكزهم مواطنين ذوي امتيازات خاصة. كذلك حدث في هنغاريا في 3 تشرين الأول/ نوڤمبر 1921 إنهاء حقوق سلطة كارل آخر ملوك آل هابسبورغ وذلك بعد محاولات مخفقة للعودة إلى الملكية بضغوط من القوى الأوربية الأخرى (تشيكوسلوڤاكيا - رومانيا - يوغوسلاڤيا). وبقي آل هابسبورغ يتمتعون بامتياز قانون 1919 حتى أوقفه هتلر في عام 1938 حين غادرت العائلة أراضي النمسا، وفي حزيران/يونيو عام 1961 رفضت الحكومة النمساوية مطالب الأرشيدوق أوتو Otto رأس عائلة هابسبورغ السماح له بالعودة إلى النمسا مواطناً ذا امتياز خاص، ولكن في عام 1963 سمحت المحكمة الإدارية النمساوية لأوتو بالعودة إلى النمسا وعدت عودته قانونية بموافقة حزب الشعب النمساوي في عام 1966 بعد أن منعه الاشتراكيون من قبل.

سامي هابيل

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

ليوبولد الأول.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ نور الدين حاطوم، تاريخ العصر الوسيط في أوربا (دار الفكر الحديث، بيروت 1967).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الواحد والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 267
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1030
الكل : 58480554
اليوم : 53068

ري كيجونغ

ري كيجونغ (1895 ـ 1984)    يُعدّ ري كيجونغ Ri Kijòng، أو يي كي ـ يونغ Yi Ki-Yòng، عميد الأدب الكوري المعاصر. ولد في بلدة هورجونغ Hoerjòng وتوفي في مدينة بيونغيانغ P’yongyang. منذ يفاعته جاب ري كيجونغ مناطق جنوبي كوريا، متنقلاً من عمل إلى آخر بحثاً عن لقمة العيش، وبهدف التعرف إلى بلده وناسها، إلى أن تسنى له السفر في عام 1922 إلى اليابان حيث قضى سنتين، درس فيهما الآداب الأوربية، واطلع على الأدب الروسي/ السوڤييتي الذي ترك في نفسه أثراً عميقاً، ولاسيما أعمال مكسيم غوركي[ر] المبكرة.
المزيد »