logo

logo

logo

logo

logo

الهولوسين

هولوسين

Holocene - Holocène

الهولوسين

 

الهولوسين Holocene، وتعني الحديث أو الجديد هو عصر مناخي يمثل القسم الثاني من الزمن الجيولوجي الرابع Quaternary أو العصر المناخي الجليدي (البليستوسين Pleistocene) قسمه الأول. ومنذ نحو 10 آلاف سنة ق.م ذابت الجليديات التي غطت قسماً كبيراً من نصف الكرة الشمالي وبدأ عصر الهولوسين، وهو عصر مناخي دافئ لازال مستمراً حتى اليوم، وقد قسمه الباحثون استناداً إلى الأنواع النباتية التي عاشت في مختلف مراحله إلى عدة عصور، متباينة مناخياً لكنها ليسـت جليدية، هي من الأقدم إلى الأحـدث: ما قبل البوريال Pre-Boreal وهو عصر دافئ بدأ منذ نحو 9 آلاف سنة ق.م، تلاه البوريال Boreal وهو عصر بارد بدأ منذ نحو 7 آلاف سنة ق.م تلاه الأطلنطي Atlantic الذي عاد فيه المناخ دافئاً منذ نحو الألف السادس ق.م، أتى بعده عصر ما بعد البوريال Sub-Boreal البارد، الذي بدأ في نحو الألف الثالث ق.م، وأخيراً، ومنذ الألف الأول ق.م بدأ عصر ما بعد الأطلنطي Sub-Atlantic الذي رصدت فيه التقلبات المناخية على نحو أدق عبر مختلف مراحلها الدافئة أو الباردة وهو العصر المناخي الحالي.

لقد كان لعصر الهولوسين وللتقلبات المناخية التي حصلت فيه أثر كبير ـ لكنه متفاوت حسب المناطق والقارات ـ في البيئة والعالم الحيواني والنباتي، وهذا بدوره ترك أثره في الإنسان وحضارته على مر الزمن. فقد ارتبط التحسن المناخي وانحسار الجليديات في بداية الهولوسين بخروج الإنسان من المغاور والملاجئ ونزوعه إلى الإقامة في المناطق المكشوفة، وواكب ذلك تكاثر في النباتات والثمار والحيوانات البرية، وهذا ما ساعد على استقرار الإنسان وممارسته زراعة الحبوب، القمح والشعير والذرة، وتدجينه للحيوانات، الماعز والغنم والبقر، وهو ما أطلق عليه اسم «الثورة الزراعية» Neolithic Revolution التي حصلت في المشرق العربي القديم أول مرة منذ الألف التاسع/الثامن ق.م. أدت التقلبات المناخية إلى نمو في مهارات الإنسان وقدراته في التكيف والتأقلم مع الواقع البيئي الجديد، وهكذا حصل تأثير متبادل بين الإنسان ووسطه، مع الملاحظة أن كفة الإنسان كانت هي الراجحة والقادرة على تطويع الوسط البيئي وتوظيفه لخدمة الحاجات الإنسانية المتزايدة.

اقترنت بداية الهولوسين بنشوء الزراعة ثم تبعها نشوء المدن المسورة ذات الأبنية العامة كالمعابد والقصور والمشاغل، وهو ما أصبح يُعرف «بالثورة العمرانية» Urban Revolution في الألف الرابع ق.م، عصر الأطلنطي، تلا ذلك في عصر ما بعد البوريال ـ الألف الثالث ق.م ـ انتشار المعادن، إذ غدا البرونز مادة الاستخدام الرئيسة، ثم ما لبث أن انتقل هذا الدور إلى الحديد في عصر ما بعد الأطلنطي في الألف الأول ق.م.

على صعيد آخر شكلت الترسبات الجيولوجية العائدة لعصر الهولوسين ـ المسماة «مصطبة الهولوسين» Holocene Terrace وهي المؤلفة من الطمي الناعم الغني بالمواد العضوية ـ أراضي زراعية خصبة واسعة الامتداد سواء في أودية الأنهار أم على شواطئ البحار، وكانت هذه التربة أيضاً المادة المثالية لتصنيع الأواني الفخارية ذات الاستخدام الواسع، التي غدت من أهم الميزات الدالة على الشعوب وعلاقاتها وحضاراتها. من جهة ثانية أدى ذوبان الجليديات إلى ارتفاع في مستوى مياه البحار التي غمرت العديد من المستوطنات البشرية المتاخمة للشواطئ فتراجعت الإقامة البشرية باتجاه المناطق اليابسة، كما أن الأنهار قد غيّرت مجاريها بتأثير التقلبات المناخية التي حصلت في الهولوسين، وهذا ما دفع بدوره إلى تغيير تموضع المستوطنات القديمة والمواقع الأثرية وتطور تقانات نقل المياه وشق القنوات لأغراض زراعية أو تجارية. لقد كان لمناخ الهولوسين أكبر الأثر أيضاً في حركات الشعوب وهجراتها البعيدة والقريبة والتي كثيراً ما اقترنت مع كل تبدل مناخي مهم. وهكذا فقد ربط الباحثون هجرات العديد من شعوب الجزيرة العربية وبلاد الرافدين من سومريين وآكاديين وبابليين وغيرهم بالضغوط المناخية التي كانت تواجههم في الألفين الثالث والثاني ق.م، ومثل هذه الضغوط عُدت سبباً لهجرة الآخيين إلى بلاد اليونان في القرن الثالث عشر ق.م، وانتشار الفايكينغ في القرن العاشر ق.م، وتحركات الأتروسكيين في القرن السابع ق.م، وغزوات البرابرة ضد العالم الروماني في القرن الرابع ق.م، والكلتين ضد العالم اليوناني في القرن الثالث ق.م، وما إلى ذلك.

وتشير الدراسات إلى أن الجزء الأخير من الهولوسين قد شهد تحولات مناخية متسارعة تخللها عصر بارد جداً سُمي العصر الجليدي الصغير Little Ice Age أرخ بين منتصف القرن السادس عشر ومنتصف القرن التاسع عشر الميلادي، تلاه عصر مناخي دافئ وبيئة تعاني تلوثاً وضغوطاً متنوعة تهدد الأرض والإنسان.

سلطان محيسن

مراجع للاستزادة:

 

- J. CHALINE, Histoire de l homme et des climats au quaternaire (Dion, Paris 1985).

 - S. M. WILLIIAM et al, Quaternary Environments (London1998).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
المجلد: المجلد الثاني والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 7
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1038
الكل : 58480522
اليوم : 53036

جيوتو دي بوندونه

جيوتّو دي بوندونِه (1266ـ1337)   جيوتو دي بوندونه Giotto di Bondone مصوّر إيطالي، ولد في فيسبينيانو Vespignano، وتوفي في فلورنسة Florance.  تتلمذ في عام 1280 للمصور تشيمابوِه Cimabue (المتوفى 1302)، وكان وقتها أشهر مصوري فلورنسة وأكثرهم حداثةً. تزوج جيوتّو عام 1290 وأنجب ثمانية أولاد. سافر جيوتّو في المدة من 1290-1295 مرات عدة إلى رومة وتعرف في أثنائها فن التصوير والفن الكلاسيكي الذي تزخر به. بعدها بدأ نشاطه الفني برسم جداريات كبيرة في مدينة أسّيزي Assisi تمثل مشاهد مستقاة من العهدين القديم والجديد.
المزيد »