logo

logo

logo

logo

logo

الموضوعية

موضوعيه

Objectivity - Objectivité

الموضوعية

 

الموضوعية objectivity صفة أو حالة كون الشيء أو الموجود موضوعاً بالنسبة إلى ذات. والموضوعية صفة الموضوعي واتجاه عقلي لرؤية الأشياء كما هي عليه في الواقع، فلا يشوهها بالنظر الضيق أو المنحاز. فإذا توصل العقل إلى إدراك حقيقة ما لها وجود واقعي، قائمة بذاتها ومستقلة عن الذات التي تدركها كانت تلك الحقيقة موضوعية، فاليقين الموضوعي يستند إلى أسباب تفرض نفسها على جميع العقول، فإذا كانت القيم الأخلاقية مستقلة عن آراء الأفراد وسلوكهم كانت تلك القيم موضوعية، فالحكم الأخلاقي الموضوعي يفترض وجود عنصر أو معيار عام يجعل هذا الحكم عاماً ومشتركاً بين الناس ويتعدى نطاق الذات الفردية، كما في «هذا السلوك خيّر» وكذلك القيم الجمالية في الفن.

وفي العلوم الإنسانية يمكن تمييز دلالات متفاوتة للموضوعية، ومستويات متباينة أيضاً، فهناك ما يعرف بالدلالة الاكسيولوجية (القيميّة) التي تعد الموضوعية تجرداً لكل حكم من أحكام القيمة، والدلالة الإبستمولوجية [ر] (المعرفية) وتعنى بالصلة بين الذات العارفة والموضوع المعروف، وفي إطار هذه الدلالة يتشعب النزاع بين ضروب المثالية [ر]Idealism والواقعية [ر] Realism، بين التجريبية[ر] Empiricism والحدسية Intuitionism، وتشير دلالتها الثقافية إلى الاتفاق والتواضع حول جملة الشروط والتدابير والمعايير السائدة، التي بناءً عليها يجري تحديد جملة المفاهيم والتعريفات والتصورات التي اتفق عليها للتأكد من صحتها وإثباتها.

ويتم تناول الموضوعية بمعنيين اثنين أو على مستويين: المستوى الأنطولوجي (الوجودي) Ontological وهو يتصل بالمحتوى العياني للموضوعات، والثاني المستوى المنهجي Methodological، ويتعلق بكيفية تناول الموضوعات المعنية بالبحث. وعلى المستوى الأنطولوجي يتم التمييز بين أصحاب النزعة الموضوعية Objectivism والنزعة الذاتية Subjectivism فيما يتعلق باستقلالية الوقائع عن عقل الباحث. أصحاب النزعة الموضوعية يميلون إلى الاهتمام بما هو ظاهر ومشترك ومحتوم، وليس للخبرة الذاتية دور في تفسير الوقائع أو الظواهر البشرية؛ لأنها تمتلك وجوداً مستقلاً عن عقل المدرك، في حين لا يعترف الذاتيون إلا بما يشكله الوعي الإنساني والخبرة الذاتية المرتبطة بإرادة الناس ومشاعرهم من أفعال أو وقائع أو تجارب حية. وكثيراً ما كان يجري خلط والتباس في استعمالهما في تاريخ الفكر الفلسفي وعدم فصل تام بين هذين المعنيين. وتتباين وجهات النظر في الموضوعية وتتعدد عند معظم الباحثين والمفكرين، فالموضوعية عند أفلاطون[ر] هي القول أن المُثل أو الأفكار تنتمي إلى عالم مفارق للعالم المادي وموجودة خارج الوعي الإنساني وعلى نحو مستقل عنه، أي إنها موضوعية المُثل. وفي لغة الفلسفة المدرسية Scholastic الموضوعية تطلق على الموضوعات والأشياء عندما يتمثلها أو يدركها الفكر، وليس كونها حقيقة قائمة بذاتها ومستقلة، وهي تقابل ما يعرف بالذاتي subjective أو الصوري formal، فأي موضوع يجري التفكير فيه أو تمثله بحيث يتم تمييزه من فعل التمثل أو التفكير نفسه يكون موضوعياً. كما اقترنت الموضوعية مع المذهب الاسمي [ر] Nominalism في نظرته للكليات على أنها تمثل وجوداً واقعياً موضوعياً بمعزل عن الأشياء التي تمثلها. والحقيقة الموضوعية في تأملات ديكارت [ر] يصفها في مقابل ما يسميه الفلاسفة بالصوري أو الواقعي، وبقي رينوفييه Renouvier ت(1815ـ1903)في تعريفه لما هو موضوعي محافظاً على المعنى المدرسي القديم، قاصداً بالموضوعية كل موضوع أو غرض يمكنه الوصول لتمثل المعرفة، بحيث تكون هذه التمثلات متمايزة عن فعل الذات الخاص أو ما يعرف عنده بالممثَّل.

وتعني الموضوعية في الفلسفة الحديثة النظر إلى الوجود الخارجي مستقلاً عن الوجود الإنساني لأن الأشياء تمتلك بذاتها وجوداً مستقلاً بمعزل عن طريقة النظر إليها أو الخبرة بتلك الموضوعات أو الأشياء، وهي بكونها كذلك تتحول إلى موضوعات للعقل أو الإحساس و لهذا فإن القول بموضوعية الحوادث يجعلها تقترب من النظرة الواقعية للأشياء وتحديداً الفكر التجريبي، فالموضوعية في تجريبية الفكر الحديث عند جون لوك [ر] تعطي الأشياء وجوداً مستقلاً عن الوعي والذات العارفة، فهي حاصلة على كيفيات أولية تنتمي إلى طبيعة الشيء نفسه في حين أن الأحاسيس والأفكار والمدركات تعد كيفية ثانوية تعتمد في وجودها على الأولى. لكن بعض الفلاسفة أمثال صموئيل الكسندر Samuel Alexander ت(1859ـ1939) ينظر إلى الموضوعية نظرة تجاوز تجريبية جون لوك ويقرر بأن موضوعية الأشياء هي تقرير الوجود الشيئي المستقل للشيء الواحد إلى جانب وجوده الموضوعي الممثل بالجانب الذي تعرفه الذات منه، و لكن لما كان هذا الجانب لا يمثل كل وجود الشيء وجب القول باستقلالية الأشياء.

للموضوعية أيضاً دلالة سيكولوجية عند كل من هيوم [ر]  Hume ومِل [ر] Mill، فقد ارتبطت عندهما بدراسة أثر العوامل النفسية في تكوين المعرفة، فكان لارتباط الأفكار والتداعي Association - كونه انعكاساً لقوانين ترابط الأشياء ـ تأثير في تكوين تلك المعرفة.ويطلق كانْت [ر] Kant صفة الموضوعية في نطاق حديثه عن المعرفة، حيث يقرر أن التصورات والمفاهيم قيمة موضوعية، كما يرى أن لمعنى الموضوعية بوصفها تطلق على كل موضوع أو غرض يعد حقيقة قائمة بذاتها، بمعزل عن كل معرفة أو فكرة فائدة حقيقية في نظام المعرفة كما في نظام العمل عند الجميع .

ويتحدث شوبنهور [ر] Schopenhauer عن تموضع objectivation الإرادة بوصفها شيئاً في ذاته بأنه تجلي ذلك الشيء أو الإرادة في صورة ظواهر أو واقع يكوِّن موضوعاً أو غرضاً قابلاً للتفكير فيه أو تمثله من قبل الذات.

وفي موقف معارض لأولئك الذين يسلمون الموضوعية للفهم الواقعي المتمثل باستقلالية الوقائع والأشياء عن الإرادات الفردية، تظهر الموضوعية عند بعض الفلاسفة مثل هوسرل [ر] Husserl أنها لا تعني شيئاً سوى دراسة الأسس المطلقة للمعرفة الإنسانية في الفلسفة والعلم، وذلك بتأسيس «الموضوعية» في «الذاتية»، وذلك «بالرد» إلى الذات و«القصد» إلى الموضوع في محاولة للكشف عن الماهيات الثابتة للشعور، وعند آخرين يتم تأكيد الطابع الحقوقي أو المعياري: وهو كل ما من شأنه (حقيقة كان أم معرفة أم قيمة) أن يكون مقبولاً عموماً أو صالحاً للعقول، فما نطلق عليه اسم الحقيقة الموضوعية بنظر بوانكاريه Poincaré  ت(1854ـ1912) ليس تلك الحقيقة التي يتم تصورها خارج العقل الذي يراها أو يشعر بها فهي مستحيلة، إنها بكلمات بسيطة: «ما هو مشترك بين عدة كائنات مفكرة، وما يمكنه أن يكون مشتركاً بين الجميع». وهو المعنى نفسه الذي يطرحه هوسرل، فهي عنده تعني الحقيقة التي تصدق دائماً عند الجميع. أما في علم الاجتماع فالموضوعية تشير إلى غياب كل عوامل التحيز وكف تأثيرها وعزل كل ما من شأنه أن يؤثر على الباحث في التزامه بالواقع. وهذه الدعوة للالتزام بالوقائع تحقيقاً للموضوعية إنما هي محاولة لتأسيس العلم بتلك الوقائع القائم على الالتزام بالمنهج العلمي، بالاستناد إلى الملاحظة الدقيقة والاعتماد على الاستقراء. فالمعرفة الموضوعية بالمجتمع تستلزم من عالم الاجتماع أن ينظر بالروح نفسها التي ينظر فيها عالم الطبيعة لوقائعه فيعلق مشاعره وأحكامه، ويطرح تصوراته الذاتية لموضوعات البحث، وباعتماده المنهج العلمي يكشف عن القانونية التي تحكم العلاقات والبنى الاجتماعية، بما فيها الإنسان بوصفه فرداً اجتماعياً، تُظهر الفاعلية العقلية لديه التنظيم العيني للمجتمع، فالالتزام بالموضوعية في علم الاجتماع، عند دوركهايم [ر]، يقتصر على رفض كل وسيلة تعتمد على المشاعر الذاتية وأن الوقائع الاجتماعية ليست وليدة إرادات فردية وإنما هي جزء من العالم الموضوعي للطبيعة، تخضع لقوانينها الخاصة التي هي قوانين ومبادئ طبيعية، وأن الموضوعية هي سلبية الباحث الاجتماعي إزاء وقائعه.

وفي علم النفس يشار بالموضوعية إلى الطريقة التي تستعين بالملاحظة الخارجية في مقابل الطريقة التي تستعين بالوعي أو المشاهدة الداخلية التي تكتفي بتسجيل استجابات الكائنات الحية وردود أفعالها وخاصةً الإنسان في ظروف محددة.

سوسان الياس

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الذاتية ـ فلسفة القيم ـ المثالية.

 

 مراجع للاسـتزادة:

 

ـ عاصم قانصو، الموضوعية في العلوم الإنسانية، عرض نقدي لمناهج البحث، (دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة 1980).

ـ يحيى هويدي، دراسات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة، النهضة العربية، (القاهرة 1968).


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
المجلد: المجلد العشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 67
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1049
الكل : 58481361
اليوم : 53875

الدارة الاقتصادية

الدارة الاقتصادية   الدارة circuit كلمة مشتقة لغوياً من فعل دار بمعنى سار في طريق أو مسار حتى ينهي دورة تعود به إلى النقطة التي انطلق منها. وبذلك فإن الدارة لا تختلف عن الدورة فنقول الدورة الدموية والدورة المالية. غير أن الاقتصاديين عرَّبوا تعبير circuit economique بالدارة الاقتصادية تمييزاً لها عن الدورة الاقتصادية cycle economique التي تعني التقلبات الدورية في النشاط الاقتصادي تتمثل في عبور الحالة الاقتصادية دورياً في أربعة مراحل: 1- التوسع الاقتصادي (الازدهار أو النهوض أو الذروة boom). 2- الأزمة crise. 3- الانكماش أو الركود depression/contraction. 4- الانتعاش reprise الذي يمثل بداية انطلاق التوسع الاقتصادي، وبذلك تكون الدورة الاقتصادية قد انغلقت عند نقطة بدايتها[ر. الأزمات والدورات الاقتصادية].
المزيد »