logo

logo

logo

logo

logo

المستقبلية

مستقبليه

Futurism - Futurisme

المستقبلية

 

المستقبلية Futurism اصطلاح اشتق من الإيطالية futurismo التي أخذته من اللاتينية futurum (المستقبل)؛ ليدل على حركة من أهم حركات الفن الأوربي الطليعية في العقدين الأول والثاني من القرن العشرين. وقد لاقت هذه الحركة أكبر تطور لها في إيطاليا وروسيا، وطالت مبادئها وأفكارها حقول الفن بأجناسه المختلفة فوجدت تعبيراً لها في الأدب والموسيقى والمسرح والسينما، وفي نظرية الفن ونظرية الأدب، وامتدت من إيطاليا وروسيا إلى ألمانيا وإنكلترا وفرنسا وبولندا.

يعد البيان المستقبلي Manifesto الذي أعلنه مارينتي F.T.Marinetti في عام 1909ولادةً للمستقبلية الإيطالية. وقد نشر البيان في صحيفة «الفيغارو» الفرنسية، وكان مارينتي المنظِّر والمفكر والرائد في «جماعة ميلانو»، وهو أول تجمع مستقبلي أعلن القطيعة التامة مع الثقافة التقليدية، وصرخ «فلتسقط ثقافة العالم الراهن». وضعت المستقبلية الإيطالية الذوق التقليدي القائم بثبات قيمه ومعاييره في مقابل «الفن - المفاجأة»، ورفضت الجمالية aestheticism الرقيقة الرفيعة؛ لتنادي بجمالية مضاءة فجَّة بعيدة عن الرقة والرفعة، وتخلَّت عن الميراث الإبداعي؛ لتبحث عن أشكال جديدة للتعبير اللغوي أرادتها مؤثرة ومتحررة ومحاكية للصوت والنغم والإيقاع، فكان ذلك انتفاضة تجلت في لغة الصحافة أكثر من تجليها في لغة الشعر. ولم تكتفِ المستقبلية بالهجوم على جماليات الذوق المحافظ، بل مضت تؤكد أن جماليات الحضارة المعاصرة تتمثل في تمدّنها بما فيه من حركيّة واستقلال وانعدام هوية خاصة وخلاعة وطموح نحو الوعي الحقيقي المرصود عند رجل الشارع بنبضه الفوضوي وآلية حياته بوتائرها المتسارعة وتغير أحداث حياته ومصائره في كل لحظة. وقد ترافق هذا زمنياً مع نزعة سادت في إيطاليا تقدس القوة والتعسف والعنف والإكراه، وتهوى «استعراض العضلات» و«اصطياد الفرص» وترى أن الحرب تشكل قمة التسامح الذي يحقق السلم؛ مما أوصل بعض ممثلي هذه الحركة إلى معسكر موسوليني[ر]، مثل مارينتي نفسه.

وعلى صعيد الفن التشكيلي (الرسم والنحت) أصدر في عام 1910 عدد من الرسامين وعلى رأسهم بوتشوني U.Boccioni وبدعم من مارينتي عدداً من البيانات في الاتجاه نفسه. وقد تبنى هؤلاء في تطبيقاتهم تقانات المدرسة التكعيبية[ر]، لكنهم اختلفوا عنها في الموضوعات التي استقيت من المجتمع الصناعي الحديث وعصر السرعة في مظاهره كافة. فتجلت في لوحاتهم إيقاعات الحركة السريعة والعنيفة مع ألوان حية. كما اهتم بوتشوني بالنحت أيضاً فأصدر بياناً خاصاً به في عام 1912، وحقق عدداً من الأعمال النحتية اللافتة عبرت عن بعض تصورات المستقبلية، أما أنطونيو سانتيليا A.Sant’Elia فقد أصدر بياناً خاصاً عام 1914 عن المستقبلية وانعكاساتها في فن العمارة، وكان لمخططاته ورسوماته الجريئة كبير الأثر في أشكال ناطحات السحاب في المدن الحديثة.

كان لزيارة مارينتي إلى روسيا وتبشيره بأفكاره هناك أثر واضح في ظهور حركة المستقبلية الروسية التي صارت لاحقاً مرحلة متقدمة في تطور الأدب والفن الروسيين، ولكن من دون أن يجمعها مع المستقبلية الإيطالية ومفاهيم بوتشوني سوى معاداة الذوق الجمالي السائد. كان سِفريانين I.Severjanin أول من استجاب للدعوة بإصداره عام 1911 «مقدمة بيان المستقبلية» Prolog egofuturizma. وتكونت عام 1913 «جماعة غيلِيا» Gileja التي أصدرت المجموعة الشعرية المشتركة «صفعة على خد الذوق الاجتماعي» Poscecina obscstvennomu vkusu، وكان ماياكوفسكي[ر] واحداً من شعرائها.

كان الأساس العام للحركة المستقبلية الروسية الإحساس الفطري العفوي بـ«حتمية انهيار الغابر التليد» (ماياكوڤسكي)، والطموح نحو التغلب بالفن على «انقلاب عالمي» قادم، وولادة «إنسانية جديدة». وينأى الإبداع الفني بنفسه عن التقليد والمحاكاة، ليصبح استمراراً للطبيعة القادرة ـ من خلال إرادة الإنسان المبدعة ـ على خلق «عالم جديد»، حاضر يومياً (ماليفِتش K.S.Malevich)، وبهذا يتحقق تقويض المنظومة النسبية للأجناس والأساليب الأدبية، وتتم العودة إلى الفولكلور والحكايات والأساطير حيث كانت اللغة «جزءاً من الطبيعة» (خلِبنيكوڤ Chlebnikov)؛ لتكون هذه اللغة حيّة متداولة تعدّ أرضية لاشتغال المستقبليين على شعر غنائي نغمي يقوم على قافية صوتية، قوامه «إبداع بالكلمات وتجديد للألفاظ» وصل إلى درجة ابتداع لهجة أدبية مستقبلية خاصة بهم مضوا يجربونها في الكتابة الشعرية.

تميز إنتاج المستقبليين الإبداعي بتعقيد في الدلالات، وانزياح في التركيب، وحدّة في التباينات «التراجيدية» و«الكوميدية»، خصوصاً في الشعر الغنائي والوحشي، وفي الفانتازيا والكتابة اليومية الحيوية؛ مما أدى إلى مغالاة واختلاط في الأجناس والأساليب؛ إلا أن هذا كله اكتسب ـ في ملاحم خلِبنيكوڤ وماياكوفسكي وكامينسكي Kaminski وفي غنائيات سفريانين وباسترناك[ر] وآسييڤ Aseyev ـ وضعية جعلت منه كلاً موحداً بنية وأسلوباً.

أبدى المستقبليون عامة اهتماماً خاصاً بالعروض المسرحية، لا بمعنى النص المسرحي التقليدي ذي الشخصيات والحبكة، بل بما عُرف بمسرح المنوعات[ر] Variété الذي يتكون عرضه من فقرات فنية منوعة من سيرك ورقص وغناء وموسيقى وشعر وحواة ومسرح. وقد استخدم المستقبليون الروس هذا الشكل المسرحي بفاعلية اجتماعية تغييرية، فكان أبلغ تأثيراً وانتشاراً. ومما لاشك فيه أن الحركة المستقبلية قد وجدت بعضاً من أصدائها لاحقاً في الحركة الدادائية[ر] والسريالية[ر]. 

نبيل الحفار، رضوان القضماني

 

 مراجع للاستزادة:

 

- RICHARD HUMPHREYS, Futurism (Cambridge University Press 1998).

- CAROLINE TISDALE al., Futurism (Oxford University Press 1968).


التصنيف : الأدب
المجلد: المجلد الثامن عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 520
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1037
الكل : 58480590
اليوم : 53104

المعيار والمقاييس في الفن

المعيار والمقياس في الفن   بدأ الفن والعمارة منذ ما قبل التاريخ تلبية لحاجات معاشية أو اجتماعية متصلة بثقافة الإنسان البدائية وبتقاليده وإحساساته الفطرية، وكان هذا الهدف هو المعيار الأساسي critère الذي يكشف عن سمات ذلك الفن وتلك العمارة، وتمثَّل هذا المقياس échelle بالتناسب الذي ولّد مفهوم الجميل والرائع. منذ بداية التاريخ ابتدأ العقل في التدخل على حساب الإحساس الفطري، لكن هذا التدخل استمر وئيداً حتى عهد الأسرات في مصر، حينما أصبح للفن والعمارة قواعد ثابتة استمرت على امتداد الحضارة المصرية. على أن هذا التدخل كان يستند إلى عقائد مصرية قديمة أهمها بعث الحياة بعد الموت، وأبدية الحياة لمن هم في قمة المجتمع. وهذه العقيدة كانت سبب أبدية العمارة. فجميع الروائع المعمارية؛ الأهرامات والقبور والمعابد وما فيها من أعمدة وصروح ومسلات ترمز إلى هذه الأبدية. وفي مجال التصوير فإن جميع الآثار المكتشفة على جدران هذه الأوابد تشير إلى تأكيد الحياة بعد الموت.
المزيد »