مغنطيسيه
Magnetism - Magnétisme

المغنطيسية

 

كانت أولى الظواهر المغنطيسية هي التي رافقت ما يُعرف باسم المغانط الطبيعية، وهي قطع من خامات أكسيد الحديد Fe3O4 تُعرف باسم حجر المغنطيس، وُجدت بالقرب من مدينة قديمة تدعى مغنيزيا Magnesia في آسيا الوسطى. وتتميز هذه المغانط الطبيعية بخاصية جذب الحديد غير الممغنَط إليها. وأكثر ما يكون هذا التأثير وضوحاً في مناطق معينة من المغنطيس تدعى الأقطاب. وكانت ظاهرة المغنطيسية magnetism معروفة عند الإغريق والرومان والصينيين. فعند دَلْك قطعة من الحديد بحجر المغنطيس يكتسب الحديد الخاصية ذاتها وهي جذب قطع أخرى من الحديد. والمغانط التي تشكلت بهذه الطريقة تكون مستقطبة polarized، أي إن لكل واحد منها طرفين، أو قطبين، يدعى أحدهما القطب الشمالي والآخر القطب الجنوبي. وكان معروفاً أن الأقطاب المتماثلة تتنافر والأقطاب المختلفة تتجاذب. ظلت المغنطيسية، سنوات عديدة، مرتبطة بمغانط صُنعت على هذا الشكل. ولم تُعرف الصلة التي تربط بين الظواهر الكهربائية والمغنطيسية إلا في عام 1819 عندما لاحظ الفيزيائي الدنماركي أورستد  H.C.Oersted 1777 -1851 أن الظواهر المغنطيسية يمكن توليدها من تيار كهربائي. ويتجلى الاختلاف الأساسي بين المغنطيسية والكهرباء في إمكانية فصل الشحنات الموجبة عن الشحنات السالبة في الكهرباء، في حين لايمكن فصل القطب الشمالي عن القطب الجنوبي في المغنطيس. لذا فإن أبسط تركيب مغنطيسي يمكن أن يوجد هو ذو القطبين المغنطيسي، أو القطباني المغنطيسي magnetic dipole. وتعد عروة التيار current loop، والقضيب المغنطيسي ذو الطول المحدود أمثلةً على القطباني المغنطيسي الذي يتميز بعزمه المغنطيسي M الذي يمكن قياسه تجريبياً بعدة طرق.

تاريخ المغنطيسية: استخدمت البوصلة [ر] في الملاحة في الغرب أول مرة نحو عام 1200م. وفي القرن الثالث عشر الميلادي جرت دراسات مهمة للمغانط قام بها العالم الفرنسي بطرس بيرغرينوس P. Peregrinus. ظلت اكتشافات بِيرغرينوس معمولاً بها ما يقارب 300 عام إلى أن نشر الفيزيائي الإنكليزي وِلْيام جيلْبِرْت (1544 - 1603) W. Gilbert كتاباً عن المغانط بعنوان «الأجسام المغنطيسية والمغنطيس الضخم للأرض» عام 1600. طبَّق جلبرت مناهج علمية في دراسته الكهرباء والمغنطيسية، فأشار إلى أن الأرض نفسها تسلك سلوكاً يشبه سلوك مغنطيس ضخم، وبفضل سلسلة من التجارب قام بها دَحَضَ مفاهيم عديدة خاطئة عن المغنطيسية كانت مقبولة في ذلك الزمان. وبعد ذلك، وفي عام 1750، اخترع الجيولوجي الإنكليزي جون ميتشيل J.Michell ميزاناً استعمله في دراسة القوى المغنطيسية. وقد بيَّن ميتشيل أن قوة التجاذب أو التدافع بين قطبين مغنطيسيين تتناقص كلما ازدادت المسافة بينهما وتتناسب عكساً مع مربع هذه المسافة. وبعد ذلك جاء المهندس الفرنسي شارل أوغستين دو كولون [ر] (C. A. de Coulomb 1736 1806) الذي قاس القوى بين الشحنات الكهربائية ، وتحقق فيما بعد من ملاحظات ميشيل بدقة عالية. وكان كولون أول من وضع علاقة كميَّة للقوة المغنطيسية بين الكتل المغنطيسية عُرفت بقانون كولون.

وفي عام 1819 سجل أورستد، اكتشافاً مهماً؛ فقد اكتشف أن الإبرة المغنطيسية تنحرف بوساطة تيار كهربائي يجري في سلك كائن في الجوار. وتبع هذا الاكتشاف، الذي بيّن وجود صلة بين الكهرباء والمغنطيسية، اكتشاف آخر جاء على يد العالم الفرنسي أندريه ماري أمبير  A. M. Ampère 1775-1836، الذي درس القوى بين الأسلاك التي تجري فيها تيارات كهربائية، وعلى يد الفيزيائي الفرنسي دومِنيك فرانسوا جان أراغو F. J. Arago الذي مغنط قطعة من الحديد بوضعها بالقرب من سلك يجري فيه تيار كهربائي. وفي عام 1831 اكتشف العالم الإنكليزي مايكل فارادي [ر] M. Faraday 1791-1867)(أن المغنطيس المتحرك بالقرب من سلك يحرِّض تياراً كهربائياً في ذلك السلك، وهو الأثر العكسي لما اكتشفه أورستد: فقد بيّن أورستد أن التيار الكهربائي يخلق حقلاً مغنطيسياً، في حين بيّن فارادي أن بإمكان الحقل المغنطيسي أن يخلق تياراً كهربائياً. وتحقق التوحيد الكامل لنظريات الكهرباء والمغنطيسية على يد الفيزيائي الإنكليزي جيمس كلارك ماكسويل [ر] J.C. Maxwell، الذي تنبأ بوجود الأمواج الكهرطيسية وعرّف الضوء أنه ظاهرة كهرطيسية.

اهتمت دراسات المغنطيسية اللاحقة بصورة متزايدة بفهم الأصول الذرية والجزيئية لخصائص المادة المغنطيسية. ففي عام 1905 وضع الفيزيائي الفرنسي بول لانجفان P.Langevin نظرية حول علاقة الخواص المغنطيسية بدرجة الحرارة. قامت النظرية على البنية الذرية للمادة. وتُعد مثالاً مبكراً لوصف الخصائص الجهرية large-scale properties بدلالة خواص الإلكترونات والذرات. ثم وُسِّعت نظرية لانجفان بعد ذلك من قبل الفيزيائي الفرنسي بيير إرنست ويس [ر] P.E.Weiss الذي افترض وجود حقلٍ مغنطيسي »جزيئي« molecular داخلي في بعض المواد مثل الحديد. وعندما أُضيف هذا المفهوم إلى نظرية لانجفان، ساعد على تفسير خصائص المواد شديدة المغنطيسية مثل حجر المغنطيس.

بعد أن قدم ويس نظريته، دُرِسَت الخواص المغنطيسية بصورة مفصلة أكثر فأكثر. فنظرية البنية الذرية للفيزيائي الدنماركي نيلز بور [ر] N.Bohr، على سبيل المثال، قدمت فهماً للجدول الدوري للعناصر وبيَّنت لماذا تحصل المغنطيسية في العناصر الانتقالية. وفي عام 1925 بيَّن الفيزيائيان الأمريكيان صموئيل أبراهام غودشميت وجورج يوجين أولنبيك أن للإلكترون ذاته سبيناً ويسلك سلوك قضيبٍ مغنطيسي صغير له عزم مغنطيسي محدد. إن العزم المغنطيسي لجسم ما هو مقدارٌ متجهٌ يعبِّر عن شدة الحقل المغنطيسي للجسم. وقد أعطى الفيزيائي الألماني فيرنر هايزنبرغ [ر] F. Heisenberg تفسيراً مفصلاً لحقل ويس الجزيئي في عام 1927 على أساس ميكانيك الكم [ر] الذي كان حديث النشأة وقتئذٍ. ثم تنبأ علماء آخرون بعد ذلك بالعديد من الترتيبات الذرية المعقدة للعزم المغنطيسي مع خصائص مغنطيسية مختلفة.

أنواع المواد المغنطيسية

إن بعض المواد، مثل المعادن [ر. المعدن] الانتقالية أو العناصر الترابية النادرة [ر. الأتربة النادرة]، إذا قُرِّبت من قطب مغنطيسي شديد انجذبت إليه، كما أن بعضها الآخر، مثل البزموت، يندفع عن القطب. وقد اصطُلح على تسمية المواد من النوع الأول المواد ذات المغنطيسية المسايرة [ر] أو الطردية paramagnetic ومن النوع الثاني المواد ذات المغنطيسية المعاكسة[ر] diamagnetic. يُفسر الفرق بين الخواص المغنطيسية للمواد بناءً على كيفية تآثر المادة مع الحقل المغنطيسي. فإذا وضعت مادة ذات معنطيسية معاكسة في حقل مغنطيسي تحرض فيها عزم مغنطيسي يعاكس اتجاه الحقل، تولده تيارات كهربائية تتحرض في الذرات والجزيئات. أما إذا كانت المادة ذات مغنطيسية مسايرة فإن الحقل يعمل على اصطفاف كل العزوم المغنطيسية للذرات والجزيئات (التي تكوّن المادة) مع الحقل المعنطيسي وتناحيها، ونتج منه عزم مغنطيسي كلي يُضاف إلى الحقل المطبق.

يعدّ الحديد والكوبالت والنيكل صنفاً من المواد المغنطيسية تدعى ذات المغنطيسية الحديدية[ر] ferromagnetic. تتمتع هذه المواد بعزم مغنطيسي غير معدوم حتى في غياب الحقل المغنطيسي. وهذا المفعول هو نتيجة للتآثر الشديد بين العزوم المغنطيسية للذرات أو الإلكترونات في المادة المغنطيسية التي تدفعها إلى الاصطفاف متوازية بعضها مع بعضها الآخر. تنقسم المواد حديدية المغنطة عادةً إلى مناطق تدعى قطاعات domains، وفي كل قطاع تصطف العزوم الذرية متوازية فيما بينها. وللقطاعات المنفصلة عزومٌ كليةٌ لا تتجه بالضرورة في اتجاه واحد. وهكذا وعلى الرغم من أن قطعة عادية من الحديد قد لايكون لها عزم مغنطيسي إجمالي، فإن المغنطة تُحرَّض فيها بوضعها في حقل مغنطيسي، مما يؤدي إلى اصطفاف عزوم كل القطاعات. إن الطاقة المصروفة في إعادة توجيه القطاعات من حالة المغنطة إلى حالة إزالة المغنطة تتجلى في استجابة متأخرة تعرف باسم البِطاء hysteresis [ر. البطاء المغنطيسي]. تفقد المواد حديدية المغنطة خواصها المغنطيسية عند تسخينها. ويصبح هذا الفقد كاملاً فوق درجة حرارة كوري Curie temperature، نسبة إلى الفيزيائي الفرنسي بيير كوري[ر] P. Curie الذي اكتشفها في عام 1895.

تطبيقات المواد المغنطيسية

ظهر في المئة سنة الماضية العديد من تطبيقات المغنطيسية والمواد المغنطيسية. فالمغنطيس الكهربائي[ر]، على سبيل المثال، هو الأساس الذي يقوم عليه المحرك الكهربائي والمحولة. وقد كان تطوير مواد مغنطيسية جديدة مهماً في ثورة الحواسيب. فالذواكر في الحواسيب تصنع باستخدام نطاقات فقاعية bubble domains. هي مناطق صغيرة من المغنطة، وهي إما أن تكون موازية للمغنطة الكلية للمادة أو أن تكون معاكسة لها. واعتماداً على هذا الاتجاه تشير الفقاعة إما إلى الواحد وإما الصفر، وبذلك يمكن استخدامها رقماً في منظومة الأعداد الثنائية المستخدمة في الحاسوب. كما أن المواد المغنطيسية هي مكونات مهمة للأشرطة المغنطيسية والأقراص المغنطيسية التي تخزَّن عليها المعلومات. تُعد المغانط الضخمة ذات القدرة العالية عنصراً حاسماً في التقانة الحديثة. فالقطارات ذات الرفع المغنطيسي تطفو فوق السكك الحديدية مستخدمة مغانط قوية، وهي بذلك لا تعاني الاحتكاك بسكة الحديد ولا تتباطأ. وتستعمل الحقول المغنطيسية القوية في التصوير بالتجاوب المغنطيسي النووي nuclear magnetic resonance (NMR)، وهو أداة مهمة يستخدمها الأطباء في التشخيص. وتستعمل اليوم المغانط ذات الناقلية الفائقة [ر] superconductivity في مسرِّعات الجسيمات [ر] لإيصالها إلى سرعات هائلة وجعلها تحافظ على تبئيرها وحركتها في مسار مستقيم.

 

محمد قعقع

الموضوعات ذات الصلة:

البطاء المغنطيسي ـ الذرة ـ السبين ـ المعدن ـ المغنطيسية المعاكسة.

 

مراجع للاستزادة:

ـ محمد قعقع، الفيزياء العامة، الجزء الأول (مديرية الكتب الجامعية، دمشق 1976).

ـ توفيق قسام، محمد قعقع، توفيق ياسين، الفيزياء المتقدمة (المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر، دمشق-1998).

-H.D. YONUG &R.A. FREEDMAN, Sears and Zemansk’s, University Physics (Addison- Wesley Longman, Inc.2000).


- التصنيف : الكيمياء و الفيزياء - النوع : علوم - المجلد : المجلد التاسع عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 196 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة