منده (أسرة-)
منده (اسره)
Manda family - Famille Manda
مَنْدَة (أُسرة ـ)
آل مَنْدَة إحدى الأسر العلمية المعروفة في التاريخ الإسلامي، بيت علم وفضل مشهور في أَصبَهان، عُني أبناؤه بالحديث النبوي وعلومه رواية ودراية وتأريخاً وتصنيفاً، قال الحافظ أبو علي النيسابوري: «بنو مَنْدَة أعلام الحُفَّاظ في الدنيا قديمًا وحديثًا»، وقال الذهبي: «ما علمت بيتًا في الرُّواة مثل بيت بني مَنْدَة، بقيت الرواية فيهم من خلافة المعتصم وإلى ما بعد الثلاثين وستمئة»، وقد صنَّف الذَّهبيُّ في التعريف بأعلام هذه الأسرة كتاب «آل مَنْدَة» لكنه لم يصلنا.
ومَنْدَة (بفتح الميم وسكون النون وفتح الدال) لقب لرأْس هذه الأُسرة، واسمه إبراهيم بن الوليد بن مَنْدَة بن بُطَّة بن أُستُنْدار بن جَهارْ بُخْت الأَصْبَهانيّ العَبْديِّ (نسبة إلى عبد ياليل أَخوالِه، وقيل: هي نسبة ولاء لعبد القيس)، واسم أُستُنْدار فيرُزان (وأُسْتَنْدار سمة للجيش)، وهو الذي أسلم وقت افتتاح الصحابة أَصبَهان، وكان مجوسياً، وكان من النُّواب على بعض أَعمال أَصبهان.
وأَمَّا إبراهيم صاحب اللَّقب «مَنْدَة» فكان أَوَّل أََفراد هذه الأُسرة الذين ذَكرت كُتب التراجم له اشتغالاً بالعلم، فقد قال الذهبي عنه: «حدَّث بشيءٍ يسير، ومات في دولة المعتصم، وروى ولده يحيى الحديث».
ومن أعلام هذه الأسرة:
محمد بن يحيى بن مَنْدَة (220-301هـ/835- 914م) أبو عبد الله بن مَنْدَة، مؤرِّخ، من حفَّاظ الحديث الثِّقات، سمع: إسماعيل بن موسى الفزاري السدي، ومحمد بن سليمان لُوَيْن، وأبا كُرَيب محمد بن العلاء، وهنَّاد بن السَّريّ، وطبقتهم، وجمع وصنَّف وحدَّث وممن روى عنه: ولده إسحاق بن محمد، والإمام أبو القاسم الطَّبرانيُّ صاحب المعاجم الثلاثة، وأبو الشيخ بن حبان صاحب أخبار أَصبَهان، وأبو إسحاق بن حمزة، ومحمد بن أحمد بن عبد الوهاب. قال عنه أبو الشيخ: «هو أستاذ شيوخنا وإمامهم». توفي في رجب. له كتاب في تاريخ أَصبَهان.
محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى (310 - 395 هـ/922- 1005م) أبو عبدالله ابن مَنْدَة الأَصبَهاني، الإمام الحافظ الجوَّال أعظم أفراد هذه الأسرة وأكثرهم شهرة، واتساعاً في العلم والرواية وحفظ الحديث، والرحلة في طلبه، ومن المكثرين من التَّصنيف فيه. حتى وصف بأَنَّه إمام الأئمة في الحديث.
ابتدأ بسماع الحديث على الشيوخ وله سبع سنين، فسمع أباه وعمَّ أبيه عبد الرحمن بن يحيى، وأبا عليٍّ الحسن بن أبي هريرة وطائفة بأَصبَهان، ثم رحل وعمره تسعَ عشرة سنة رحلات طويلة في سماع الحديث، فسمع من: محمد بن الحسين القطان، وعبد الله بن يعقوب الكرماني، وغيرهما بنيسابور، وأبي سعيد بن الأعرابي بمكة، والهيثم بن كُلَيب الشاشي بسمرقند، وقدِم بلاد الشام فسمع في دمشق من أبي عبد الله بن مروان وانتخب عليه من كتابه الفوائد، وسمع من خيثمة ابن سليمان بأطرابلس، وموسى بن عبد الرحمن الصباغ ببيروت، وعلي ابن عباس الغزي بغزَّة، والحسن بن منصور الإمام بحمص، وإبراهيم بن معاوية القيسراني بقيسارية، وسمع في العراق من أبي جعفر بن البختري، وإسماعيل الصفار وطائفة ببغداد، ثم دخل مصر وأقام فيها سنين وممن سمع منه بمصر أبو الطاهر محمد بن الحسن بن إسماعيل المدائني، وغيره، وكان يقول: «طفت الشرق والغرب مرتين». قال الذَّهبيُّ: «مدائنه التي ارتحل إليها من الإسكندرية إلى الشاش، وما دخل البصرة ولا هَرَاة ولا فارس ولا سِجِسْتان ولا أَذربيجان». وقال: «بقي أبو عبدالله في الرحلة بضعاً وثلاثين سنة» وعدد شيوخه الذين سمعهم وأََخذ عنهم في رحلته أَلف وسبعمئة شيخٍ، وقال هو عن نفسه: «كتبت عن أربعة مشايخ أربعة آلاف جزءٍ، وهم: أبو سعيد بن الأعرابي، وأبو العباس الأصم، وخيثمة الأطرابلسي، والهيثم بن كُليب الشاشي» وأجازه الحافظ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي وغيره، ولمَّا عاد من رحلاته الطويلة كانت كتبه عدة أحمال حتى قيل إِنها كانت أَربعين جملاً، قال الذهبي: «ما بلغنا أَنَّ أَحداً من هذه الأمة سمع ما سمع، ولا جمع ما جمع، وكان ختام الرَّحالين، وفرد المكثرين، مع الحفظ والمعرفة والصدق وكثرة التصانيف» وقال أبو نُعيم الأَصبَهاني عنه: «كان جبلاً من الجبال».
تقدم في علوم الحديث رواية ودراية، وحدَّث عنه عدد كبير جداً من الرواة، منهم أبو عبد الله الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك على الصحيحين وأبو عبد الله غُنْجَار، وتمَّام بن محمد الرَّازي الدمشقي، وحمزة السَّهمي، وبنوه: عبد الرحمن، وعبيد الله، وعبد الوهاب، والقاضي أبو محمد عبد الله ابن أبي الرجاء التميمي وجماعة غيرهم.
قال عن نفسه: «ما افتصدت قط، ولا شربت دواءً قط، وما قبلت من أَحدٍ شيئًا قط».
من كتبه: كتاب «الإيمان» في مجلد، «كتاب في النفس والروح»، «كتاب في الرَّدِّ على اللَّفظية» الذين يقولون: لفظي في القرآن مخلوق، «تاريخ أَصبَهان» كبير جدًّا، «فتح الباب في الكنى والألقاب»، «الرَّدُّ على الجهمية»، «معرفة الصحابة» قال الحافظ ابن عساكر: «له فيه أوهام كثيرة»، و«كتاب التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته على الاتفاق والتفرد» في سبعة أجزاء، «جزء من روى هو وولده وولد ولده». وتوفي بأصفهان في ذي القعدة.
عبيد الله بن محمد بن إسحاق أبو الحسن ابن مَنْدَة (382-462هـ) سمع أباه، وأبا جعفر بن المرزبان، وروى عنه الحسين بن عبد الملك الخلال وجماعة، واشتغل بالتجارة، وعاش نحواً من ثمانين سنة.
عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق (383 -470 هـ/993- 1078م) أبو القاسم ابن مَنْدَة الأَصبهاني مولداً ووفاةً: حافظ، مؤرِّخ، جليل القدر، رحل في سماع الحديث، وكان واسع الرواية، حدَّث عن أبيه، وأبي عبد الله الحاكم النيسابوري، وهلال الحفَّار، وأبي بكر ابن مردويه، ثم طوَّف في البلاد فرحل إلى بغداد وواسط ومكة ونيسابور وغيرها، وسمع من مشايخ تلك البلدان، وانتمت إليه طائفة في الاعتقاد من أهل أَصبَهان يعرفون بـ «العبد رحمانية» وصنَّف كتبًا كثيرةً، وردودًا على المبتدعة، قال ابنُ أخيه يحيى بن عبد الوهاب: «كان عمِّي سيفًا على أهل البدع». وكان يقول: «أنا متمسك بالكتاب والسنة، متبرئ إلى الله من الشَّبه والمِثْل والنِّدِّ والضِّدِّ والأَعضاء والجسم والآلات، ومن كلِّ ما ينسبه إليَّ الناسبون، ويدَّعيه المُدَّعون عليَّ من أن أَقولَ في الله تعالى شيئاً من ذلك، أو قُلْتُه، أَو أَرَاه، أَو أَتَّوهَّمه أو أَصفه به»، قال الذَّهبيُّ: «له محاسن، وهو في تواليفه حاطب ليل يروي الغثَّ والسَّمين، وينظم رديءَ الخرز مع الدُّرِّ الثمين». ومن كتبه «تاريخ أَصبَهان». وصنَّف كتاب «المستخرج من كتب الناس للتذكرة والمستطرف من أحوال الرجال للمعرفة» في الحديث، وله: «الرَّدُّ على الجَهْمية»، «صيام يوم الشك»، «حرمة الدين» توفي يوم السادس من شوال.
يحيى بن عبد الوهاب بن محمد (434-511هـ/1043- 1118م) أبو زكريا ابن مَنْدَة الأَصْبَهانيّ الحنبلي: مؤرِّخ، حافظٌ من كبار الحفاظ، ولد بأَصبَهان في التاسع عشر من شوال، ورحل إلى بعض البلاد، وروى كثيراً عن جماعة من الشيوخ، منهم: أبوه، وعمَّاه، وابن ريذة، وأبو بكر أحمد بن الحسين البَيْهَقيُّ الإمام الحافظ، ومحمد بن علي الجصَّاص، وخلق كثير، وسمع منه أبو طاهرٍ السِّلَفيُّ الحافظ، وأبو موسى المَدينيُّ، وإسماعيل التَّيْميُّ، ومحمد بن عبد الواحد الدقاق، وآخر من حدَّث عنه أبو عبدالله محمد بن إسماعيل الطَّرسوسيُّ، دخل بغداد متوجهًا إلى الحجِّ وهو شيخ، فحدَّث بها، وأَمْلَى بجامع المنصور، وسمع منه عبد القادر الجيلاني، قال السَّمْعانيُّ عنه: «شيخ جليل القدر، وافر الفضل، واسع الرواية، ثقة، حافظ، كثير التصانيف، حَسَنُ السيرة، بعيد عن التَّكلُّف، أوحد بيته في عصره» صنَّف كثيراً من الكتب، منها: «تاريخ أَصبَهان» و«كتاب على الصحيحين» في الحديث، «مناقب العباس» في أجزاء، «مناقب الإمام أحمد بن حنبل» في مجلدٍ كبير، «التنبيه على أحوال الجهال والمنافقين»، «ذِكْرُ من عاش مئة وعشرين سنة من الصحابة» رواه عنه أبو طاهرٍ السِّلَفِيُّ، توفي ببلده في يوم النحر العاشر من ذي الحجَّة.
قال محمد بن أبي نصر اللَّفْتوانيّ الحافظ: «بيت بني مَنْدَة بُدئَ بيحيى، وخُتِم بيحيى».
بديع السيد اللحام
مراجع للاستزادة: |
ـ ابن حبان الأنصاري الأصبهاني، طبقات المحدثين بأَصبَهان والواردين عليها، تحقيق عبد الغفور عبد الحق حسين البلوشي (مؤسسة الرسالة، بيروت، د.ت).
ـ الذهبي، تذكرة الحفاظ (دار إحياء التراث العربي، بيروت، د.ت).
ـ الذهبي، سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرناؤوط وغيره (مؤسسة الرسالة، بيروت، د.ت).
ـ ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب في أخبار من ذهب (دار الفكر، بيروت، د.ت).
- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد التاسع عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 555 مشاركة :