تقاعد
Retirement - Retraite

التقاعد

 

تعريفه وتطوره التاريخي

يقصد بالتقاعد la retraite النظام الذي تفرضه الدولة للموظفين أو لعمال القطاع الخاص، لتؤمن لهم بمقتضاه المعاش أو التعويض عند العزل أو الاعتزال من الخدمة بعد مدة معينة، يدفعون خلالها أقساطاً محددة من رواتبهم وأجورهم لصناديق التقاعد المؤسسة لهذا الغرض.

والغاية من هذا النظام، بحسب الظاهر، هي تمكين المشمولين به وعوائلهم من الحصول على وسائل عيشهم عندما يتركون وظائفهم وتنتهي استفادتهم من رواتبهم، لأسباب معينة يحددها القانون، وقد بدأت الدول في وضع نظم التقاعد للموظفين منذ أواخر القرن الثامن عشر، إذ أقرته فرنسة عام 1776 للعجزة من العسكريين، ثم أقرته الثورة الفرنسية عام 1790، أما في إنكلترة فقد تقررت هذه الحقوق للموظفين الرسميين منذ عام 1834، أما في أمريكة فتقررت منذ عام 1776 للمحاربين العجزة وعوائلهم، ومنذ 1920 للموظفين المدنيين، وكان أول تشريع عرفته سورية نظاماً مستقلاً للتقاعد، هو قانون التقاعد العثماني الصادر بتاريخ 11/8/1909.

حالات الإحالة على التقاعد

إن أهم حالة من حالات الإحالة على التقاعد تتمثل في بلوغ الموظف أو العامل السن التي حددها القانون لانتهاء الخدمة، وتتفق قوانين الموظفين في العالم على وجوب تحديد سن معينة لترك الخدمة، والسن القانونية للإحالة على التقاعد، بحسب قوانين الجمهورية العربية السورية، هي ستون عاماً، مع ملاحظة أن هناك بعض النصوص الخاصة التي تنظم مراكز بعض الموظفين والتي ترفع سن انتهاء الخدمة إلى أكثر من ذلك.

ويجيز القانون في سورية ـ في حالات الضرورة ـ تمديد خدمة العامل بعد إتمامه الستين من العمر، وذلك لمدة سنة قابلة للتجديد حتى خمس سنوات على أبعد حد، ولكن بشرط صدور قرار من رئيس مجلس الوزراء بقبول ذلك بناءً على طلب العامل واقتراح الوزير المختص، وذلك مع دخول الخدمة الممددة في حساب المعاش والترفيع، في حين تتشدد بعض القوانين في ذلك كما هو شأن قانون العاملين المصري الذي يمنع صراحة تمديد خدمة العامل بعد بلوغه السن القانونية، لأي سبب كان، ولكن إذا تم تمديد خدمة العامل بعد بلوغه السن المقررة للتقاعد، فإن خدمته المحددة لا تختلف عن الخدمة السابقة من حيث الحقوق والالتزامات، كما لا يجوز شغل وظيفة الموظف الذي تم تمديد خدمته عند بلوغه سن الستين، إذ يُعد هذا الموظف شاغلاً لوظيفته مدة التمديد.

وبتمام سن التقاعد تنتهي خدمة الموظف بقوة القانون، ويعتبر الصك الصادر بالإحالة على التقاعد كاشفاً، لا منشئاً لوضع قانوني جديد، ولكن لا يوجد مانع قانوني من إعادة الموظف المحال على التقاعد إلى الخدمة متى تبين للجهة الإدارية المعنية أنه لم يبلغ هذه السن، غير أن استمرار الموظف بالعمل بتكليف من الإدارة، على الرغم من بلوغه سن التقاعد، ينطوي على خطأ، ويعتبر الموظف في هذه الحالة موظفاً فعلياً ويستحق التعويض على أساس نظرية الإثراء بلا سبب[ر].

وإلى جانب هذه الحالة الرئيسية للإحالة على التقاعد، هناك حالات أخرى تتشابه مع التقاعد، بسبب استحقاق شاغلها للمعاش بعد انتهاء الخدمة، وذلك على الرغم من الاختلاف في المضمون القانوني لكل واحد من هذه المراكز، لعل أهمها العجز الصحي والوفاة، وإضافة إلى ذلك فإن بعض القوانين الأخرى تعتبر الإحالة على التقاعد من قبيل العقوبات التأديبية، كما هو الحال في قانون العاملين المصري.

الراتب التقاعدي

الراتب التقاعدي هو الأجر الذي يتقاضاه الموظف أو العامل عندما يكف عن ممارسة وظائفه بالإحالة على التقاعد، ويعد الراتب التقاعدي امتداداً للراتب الوظيفي، وهو أساسي في حياة الموظف أو العامل، وتبعاً لذلك، فإن المبادئ العامة التي تحكم الراتب الوظيفي هي ذاتها التي تحكم الراتب التقاعدي. ولا سيما من حيث عدم جواز التنازل عنه وعدم جواز الحجز عليه، كما يمكن أن يزاد بسبب الأعباء العائلية الملقاة على عاتق من يستحقه، كما يطبق مبدأ المساواة في المعاملة ضمن الوظيفة العامة في مجال الراتب التقاعدي كما هي الحال في الراتب الأصلي الساري وقت الخدمة تماماً، ولا يمكن للإدارة بأي حال من الأحوال أن تعدل أو تلغي الراتب التقاعدي عند استحقاقه.

 ويقيد حساب الراتب التقاعدي بقاعدة عامة في معظم القوانين المقارنة وهي عدم تقييد قيمة الراتب المذكور بالاقتطاعات التي تمت في أثناء الخدمة من الراتب الوظيفي، إنما بقيمة الراتب في لحظة التقاعد، إذ يحسب الراتب التقاعدي في القانون الفرنسي مثلاً على أساس راتب الدرجة الوظيفية الأخيرة، بشرط أن يكون قد مضى على شغل هذه الدرجة الوظيفية ستة أشهر على الأقل، أما في سورية، فيحتسب الراتب التقاعدي اليوم على أساس المعادلة التالية، وذلك لجميع الموظفين والعاملين كقاعدة عامة مع وجود بعض الاستثناءات على هذه القاعدة:

عدد سنوات الخدمة × متوسط أجر السنة الأخيرة ÷40.

وقد كان المعاش التقاعدي خاضعاً لقيود السقوف الرقمية في سورية بحيث يقيد بمبالغ رقمية لا يمكن تجاوزها، حتى تدخل المشرع فألغى السقوف الرقمية، مع بقاء السقف النسبي عند حساب الراتب التقاعدي بحيث يكون الحد الأقصى للمعاشات المخصصة بموجب أحكام تأمين الشيخوخة أو العجز 75% من متوسط الأجر الشهري الذي حسب على أساسه المعاش.

وقد أجاز المشرع لأصحاب المعاشات أو المستحقين عنهم أو عن المؤمن عليهم الذين يغادرون أراضي الجمهورية العربية السورية طلب تحويل المعاش المستحق لهم إلى البلد الذي يقيمون فيه، وتقع نفقات التحويل على عاتقهم في هذه الحالة، وذلك مع شرط المعاملة بالمثل لغير السوريين، وبشرط التقيد بأنظمة القطع النافذة، كما أجاز لهم طلب استبدال التعويض النقدي من دفعة واحدة بالمعاش المستحق، كما يلاحظ أن القانون يعاقب بالحبس شهراً واحداً، وبغرامة لا تقل عن خمسة عشر ألف ليرة سورية، ولا تزيد عن ثلاثين ألف ليرة سورية، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يتواطأ عن طريق إعطاء بيانات خاطئة للحصول على التعويض أو معاش من المؤسسة له، أو لغيره دون وجه حق.

ويؤمن الراتب التقاعدي من موارد مختلفة ومتعددة أهمها الاقتطاعات من الراتب في أثناء الخدمة، واشتراكات أرباب العمل التي يلزمهم القانون بها.

العمل بعد التقاعد وشروط الجمع بين الراتب التقاعدي ودخل العمل

ليس ثمة مانع قانوني يمنع العاملين في القطاع الخاص الذين استحقوا معاش الشيخوخة من العمل في أي جهة من جهات القطاع الخاص الأخرى، وكذلك ليس ثمة من حيث المبدأ مانع قانوني يحول دون عمل الموظف العام المتقاعد في أي جهة من جهات القطاع الخاص، وجمعه بين أجره من عمله المذكور ومعاشه التقاعدي، ولكن يقع على الموظف الذي انتهت خدمته التزام حدده القانون بأن لايُستخدم بأي صورة كانت بعد انتهاء خدمته لدى إحدى الجهات الخاصة المحلية أو الأجنبية التي لها علاقة بوظيفته السابقة، مالم تنقض خمس سنوات على انفكاكه عن وظيفته، كما يجوز الجمع بين الأجر الناجم عن الاستخدام أو التعاقد مع إحدى الإدارات الحكومية من جهة والمعاش التقاعدي من جهة أخرى (مهما كان القانون الذي استحق بموجبه هذا المعاش) شريطة أن لايتجاوز المجموع المقدار الأكبر من المقدارين التاليين:

1ـ مقدار الراتب أو الأجر الشهري المقطوع الذي حسب المعاش على أساسه، مضافاً إليه الزيادات العامة في الرواتب والأجور التي لحقت هذا المقدار بمقتضى النصوص التشريعية الصادرة بهذا الشأن.

2ـ أو مقدار الحد الأدنى لأجر الفئة الأولى، ولكن يجوز تجاوز هذا الحد الأدنى إلى مقدار الحد الأقصى لأجر الفئة الخامسة، شريطة أن يكون هذا التجاوز بسبب الترفيع وفي حدوده، وفي كل الحالات يجوز تجاوز الحدود القصوى السابقة بمرسوم، إذا كان صاحب المعاش المراد استخدامه أو التعاقد معه، من الخبراء أو أصحاب الاختصاصات أو الخبرات الفنية النادرة.

الجهات الإدارية التي تشرف على تطبيق أنظمة التقاعد في سورية

تتولى تطبيق أنظمة التقاعد في الجمهورية العربية السورية عدة جهات إدارية، وتقوم مؤسسة التأمينات الاجتماعية المنشأة تنفيذاً لقانون التأمينات الاجتماعية (رقم 92 لسنة 1959) بالدور المحوري في هذا المجال، وتتمتع هذه المؤسسة بالشخصية الاعتبارية المستقلة، ولها ممارسة الحقوق المخولة للسلطات المالية المختصة، بموجب قانون جباية الأموال العامة لتحصيل المبالغ المترتبة لها بموجب قانون التأمينات الاجتماعية سالف الذكر من المشتركين والمتخلفين عن الاشتراك، وترتبط هذه المؤسسة وصائياً بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وإضافة إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية هناك المؤسسة العامة للتأمين والمعاشات، وهي تتمتع بالشخصية الاعتبارية، ولها ميزانية خاصة بها، ويمثلها مديرها العام في صلاتها مع الغير، وترتبط وصائياً بوزارة المالية، وقد كانت هذه المؤسسة الأخيرة متخصصة بتصفية الحقوق التقاعدية لجميع العاملين في القطاع الخاص أو القطاع العام الخاضعين في نظامهم الوظيفي لقانون العاملين الأساسي رقم 1 لسنة 1985، غير أن القانون 78 لسنة 2001 وحد المرجع التأميني لجميع العاملين في الدولة تقريباً، فأدخلت معظم الفئات المستثناة سابقاً من اختصاص مؤسسة التأمينات الاجتماعية إلى اختصاص هذه المؤسسة الأخيرة، مع بقاء المعينين ـ من هذه الفئات المستثناة قبل نفاذ القانون 78 لسنة 2001 ـ خاضعين لاختصاص مؤسسة التأمين والمعاشات.

وإلى جانب هاتين المؤسستين كانت هناك مؤسسة عامة ثالثة مختصة بشؤون تقاعد موظفي ومستخدمي البلديات، إلا أنه تم إلغاؤها، وحلت المؤسسة العامة للتأمين و المعاشات محل المؤسسة المذكورة في كل مالها من حقوق وما عليها من التزامات، في حين بقي صندوق التأمين والمعاشات لموظفي المصرف الزراعي التعاوني ممارساً لصلاحياته كجهة إدارية ثالثة تشرف على إدارة الشؤون التقاعدية لفئة محددة من الموظفين.

التعديلات التي طرأت على أنظمة التقاعد في سورية

1ـ التوسع في حالات التقاعد واستحقاق الراتب التقاعدي: إذ اتسعت احتمالات التقاعد لتشمل حالات جديدة، فصار بالإمكان انتهاء الخدمة ومن ثم استحقاق الراتب التقاعدي في الحالات الآتية:

أ ـ انتهاء الخدمة بعد إتمام المؤمن عليه سن الستين، والمؤمن عليها سن الخامسة والخمسين، وبلوغ الخدمة المحسوبة في المعاش خمسة عشر عاماً.

ب ـ انتهاء الخدمة بسبب إتمام المؤمن عليه سن الخامسة والخمسين والمؤمن عليها سن الخمسين وبلوغ مدة الخدمة المحسوبة في المعاش خمسة عشر عاماً على الأقل.

2ـ إيجاد نظام التقاعد المبكر، إذ يمكن للعامل أن يطلب الإحالة إلى التقاعد بعد بلوغ الخدمة المحسوبة في المعاش 25 سنة، ومن دون التقيد بشرط السن.

3ـ النظام الاستثماري لجانب من أموال المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، إذ صار يحق لها استثمار50٪ من فائض أموالها في مجالات تضمن ريعية استثمارية استناداً لدراسة الجدوى الاقتصادية للمشاريع، وبما يضمن أماناً استثمارياً.

 

مهند نوح

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

التسريح ـ الرسوم ـ الضرائب ـ القانون الإداري.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ سليمان الدوس، الموسوعة العمالية (مؤسسة النوري، دمشق 1996).

ـ زين العابدين بركات، مبادئ القانون الإداري (دمشق 1996).

- J.M.Auby & J.B.Auby,Droit de la fonction publique (Dalloz,Paris,1997).


- التصنيف : القانون - المجلد : المجلد السادس - رقم الصفحة ضمن المجلد : 709 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة