معجم عربي
Arabic Dictionary - Dictionnaire arabe

المعجم العربي

 

إن نشأة المعاجم مرحلة لاحقة لنشوء اللغة واستخدامها، وتأتي عندما يصبح المجتمع أكثر تحضراً وأوسع استخداماً للغة. ومن المعروف أن اللغة العربية قامت في أساسها على سليقة الناس وما يتناقلونه منها عن طريق الرواية الشفوية في المجتمع العربي القبلي. ولما تحول العرب من الحياة القبلية إلى نظام الدولة، ومن قبائل عصبية إلى مجتمع متعدد الأعراق والجذور الثقافية واللغوية، ومن الرواية الشفوية إلى الكتابة، ومن اللغة المتوارثة سليقة إلى المكتسبة بالتعلّم، أدرك علماء العرب قديماً الحاجة الملحة إلى التأليف المعجمي وأهمية ذلك؛ والفوائدَ الجليلة المرجوّة منه؛ حفاظاً على اللغة من الاندثار والفساد، وحرصاً على العناية بها وتقديمها لمستخدميها على الشكل السليم، فعمدوا إلى التأليف والتصنيف فيه، وتنوعت وجهاتهم ووسائلهم، فزادت المكتبة العربية ثراء وغنى. وظهرت معاجم متعددة ولغايات متنوعة، فهناك معاجم الألفاظ، ومعاجم المعاني، ومعاجم المصطلحات، والبلدان، والأعلام (الرجال، والشعراء والأدباء..).

1 ـ معاجم الألفاظ

وهي التي «تفيد في الكشف عن لفظ من الألفاظ نجهل معناه كل الجهل، أو نعرفه بشكل غامض، ونود لو نعرفه بشكل دقيق».

وقد بدأت حركة التأليف المعجمي عند العرب في القرن الهجري الثاني على يد علماء اللغة ورواة الأشعار والأخبار؛ بغية جمع ألفاظ العربية من أفواه العرب، وتثبيتها في كتب للحفاظ عليها وتيسير الرجوع إليها.

وكانت بدايات التأليف اللغوي بسيطة كأي بداية، ولم تكن منظمة وذات منهج كالمراحل اللاحقة، فظهرت رسائل لغوية صغيرة تُعنى بجمع الألفاظ وشرحها من دون أي تبويب، مثل كتاب «النوادر في اللغة» لأبي زيد الأنصاري (119-215هـ)،

وظهرت كتب أخرى أكثر تحديداً في موضوعها، فجمعت ألفاظاً يضمّها نسقٌ معين في الترتيب أو الموضوع، مثل كتاب «المطر»، وكتاب «اللِّبأ واللبن»، وكتاب «الهمز» لأبي زيد الأنصاري، وكتاب «الخيل»، و«الشاء» للأصمعي (122-216 هـ).

كما ظهرت بداية التفكير في التأليف المعجمي الشامل عند الخليل ابن أحمد الفراهيدي (100-175 هـ) في معجمه «العين»، ثم تتالى التأليف المعجمي حتى العصر الحاضر.

وتجدر الإشارة إلى أن المؤلفين العرب قديماً وحديثاً لم يلتزموا طريقة واحدة في تأليف معاجمهم وترتيب الألفاظ فيها، بل تفرقوا على مناهج مختلفة، على أنه من الحق القول إن اختلافهم هذا كان بسبب اجتهادهم في سبيل حفظ اللغة وحصر مفرداتها كاملة من دون نقص أو تكرار، وأبرز هذه المناهج:

أـ ترتيب الألفاظ حسب مخارج الحروف:

يتم في هذه الطريقة ترتيب الألفاظ بحسب ترتيب مخارج حروفها من الفم، ويُبحث بعد ذلك في تقاليب هذه الكلمة، فكلمة (بدع) تُستخرَج في باب العين في (عبد)، لأنها أسبق أحرف هذه الكلمة من حيث مخارج الحروف. وتقسم الألفاظ في كل باب إلى فئات حسب بنيتها وعدد حروفها، فهناك قسم للثلاثي الصحيح، وآخر للمعتل، وللرباعي، والخماسي، والمضاعف. وترتيب الحروف في هذه الحالة صوتياً مختلف عن ترتيبها هجائياً، فترتيبها بحسب مخارجها يكون على النحو الآتي: (ع، ح، هـ، خ، غ، ق، ك، ج، ش، ض، ص، س، ز، ط، د، ت، ظ، ذ، ث، ر، ل، ن، ف، ب، م، و، ا، ي).

وأول من ألّف وفق هذه الطريقة الخليل بن أحمد الفراهيدي في معجمه «العين» وقد أسماه هذا الاسم نسبة إلى أسبق الحروف العربية مخرجاً وهو حرف (العين).

وتبعه على هذا النهج أو ما يشابهه عدد من العلماء، وأبرز هؤلاء: محمد ابن أحمد الأزهري (ت370هـ) في معجمه «تهذيب اللغة»، وابن سيده علي ابن إسماعيل (ت458هـ) في معجمه «المحكم».

ب ـ الترتيب حسب أواخرالألفاظ: ويتم ترتيب الكلمات هجائياً بالنظر إلى الحرف الأخير من الكلمة ثم الحرف الأول منها، ويكون الحرف الأخير في باب، والأول في فصل، فكلمة (بدع)، تُستخرج في باب العين فصل الباء.

وأول من ألف على هذا النمط أبو بشر اليمان بن أبي اليمان البَنْدنيجي (ت284هـ)، في معجمه «التقفية في اللغة»، وهو أول معجم عربي يتم فيه ترتيب الألفاظ بالنظر إلى الحرف الأخير من الأصل (قافية اللفظ)، وهو بذلك أسبق من الجوهري صاحب «الصحاح» بأكثر من قرن.

ثم تبعه على هذا المنهج عدد من العلماء، منهم الجوهري إسماعيل بن حماد (ت393هـ)، في معجمه « تاج اللغة وصحاح العربية»، وابن منظور في معجم «لسان العرب»، وهو من أشهر المعاجم العربية، والفيروز أبادي في معجم «القاموس المحيط»، والزَّبيدي في «تاج العروس». وهو شرح للقاموس المحيط.

ج ـ ترتيب الألفاظ حسب أوائلها: يُنظر إلى الكلمة بحسب الحرف الأول فالثاني فالثالث..، وأول من سلك هذا المنهج ابن دريد محمد بن الحسن (ت321هـ) في معجم «جمهرة اللغة»، وقد أضاف إلى هذا الترتيب النظر في كل باب إلى تقاليب الأصل الواحد كما فعل الفراهيدي، ففي كل حرف بابٌ للثنائي الصحيح، وباب للثنائي الملحق بالرباعي، وآخر للثلاثي الصحيح، وللثلاثي المعتل، وللرباعي. ثم ألف الزمخشري محمود بن عمر (ت538هـ) معجم «أساس البلاغة» على هذه الطريقة، وقد تفرد من بين المعاجم العربية بالحديث عن المعاني المجازية، وبعض الأساليب، ولذلك قد لا يوجد ذكر لكلماتٍ فيه لأنها لم تُستخدم استخداماً مجازياً.

ومما هو قريب من هذه الطريقة معجما «مقاييس اللغة»، و«المجمل» لأحمد بن فارس (ت395هـ)، وتميز هذان المعجمان من «جمهرة اللغة» بأن ابن فارس «لم يراعِ تقلبات الأصل الواحد، بل ذكر كل مادة في باب الحرف الأول منها.... ولم يقسم كلا معجميه إلى أبواب كثيرة تبعاً لعدد الحروف التي تتألف منها الأصول العربية.... ولكنه قسم كلاً منها إلى كتب بعدد حروف المعجم، ثم قسم كل كتاب بدوره إلى أبواب ثلاثة: الثنائي المضاعف، الثلاثي، ما فوق الثلاثي».

وقد حفلت المكتبة العربية قديماً بعدد كبير من المعاجم التي رُتبت وفق أحد المناهج السابقة، مع احتفاظها بخصوصيات وغايات أخرى، ومن أشهر هذه المعاجم:

- «الجيم»: لأبي عمرو إسحاق بن مِرار الشيباني (ت نحو 216هـ)، وهو نمط متميز يجمع بين شرح غريب اللغة، ورواية أشعار القبائل.

- «المحيط في اللغة»: لإسماعيل بن عبّاد (385هـ).

- «شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم»: لنشوان بن سعيد الحميري (ت573 هـ).

- «المُغرِب»: لناصر الدين المطرِّزي (ت610هـ).

واهتم اللغويون العرب المعاصرون منذ القرن التاسع عشر الميلادي بالتأليف المعجمي، فصدرت مجموعة من المعاجم، منها:

- «محيط المحيط»: لبطرس البستاني (ت1883م)، جمع فيه ما جاء في القاموس المحيط، وحذف ما رأى أنه يمكن الاستغناء عنه، وأضاف إليه ألفاظاً جديدة؛ ومصطلحات علمية لم ترد في القاموس، ورتبه على أوائل الألفاظ.

- «أقرب الموارد في فصح العربية والشوارد»: لسعيد الشرتوني (ت1912م)، معجم كبير أفاد من المعاجم القديمة وأضاف ما رآه ضرورياً، وقسمه إلى قسمين: الأول للمفردات، والثاني للمصطلحات العلمية والألفاظ المولدة والأعلام. ثم صنع له ملحقاً حوى إضافات جديدة.

- «المنجد»: للأب لويس معلوف (ت1947م)، وهو معجم حاول أن يذكر الألفاظ الأكثر استخداماً، مع إضافةٍ لألفاظ ومصطلحات جديدة وتراجم للأعلام، ووضح بعض المعاني من خلال إيراد صورٍ لها، إلا أنه يُؤخَذ عليه أنه لم يكن موضوعياً في بعض الأحيان.

- «المعجم الوسيط»: أصدره مجمع اللغة العربية في القاهرة، وكان الهدف منه «أن يرجع إليه القارئ المثقف ليسعفه بما يسد الحاجة إلى تحرير الدلالة للفظٍ شائع أو مصطلحٍ متعارفٍ عليه، و...أن يرجع إليه الباحث والدارس لإسعافهما بما تمس الحاجة إليه من فهم نص قديم من المنثور أو المنظوم». ولذلك فإن هذا المعجم سلك منهجاً خاصاً في التأليف، فأهمل الألفاظ المهجورة، وبعض المترادفات، وعني بإثبات الحيّ والسهل والمأنوس من الكلمات والصيغ، مع بعض الألفاظ المولدة والمحدثة والمعربة والدخيلة التي أقرها مجمع القاهرة. ويتضح من اسمه أنه غير شامل، وهذا ما أكده مجمع اللغة العربية في القاهرة عندما بدأ بإصدار «المعجم الكبير».

- «المعجم الكبير»: وهو معجم أشمل من المعجم الوسيط، صدرت بعض أجزائه عن مجمع اللغة العربية في القاهرة.

- «متن اللغة»: للشيخ أحمد رضا، وقد أراد له أن يكون معجماً يستند إلى التراث، ويواكب الحاضر، فتجنب سرد أقوال القدماء في الاستدلال على المعاني، وأشار إلى الاستخدامات المجازية، وأدخل الكلمات التي أقرها مجمعا اللغة العربية في دمشق والقاهرة، والكلمات العامية التي يمكن ردها إلى الفصيح، وحرص على ألا يُغفل كلمةً وردت في «لسان العرب».

- وهناك معاجم أخرى لكل منها هدف من حيث المضمون، أو من حيث مستوى القارئ له، ومن هذه المعاجم: «مُعجمي الحَيّ»: لسهيل سماحة، و«المعجم العربي الأساسي»: صدر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، و«المعجم المدرسي» لمحمد خير أبو حرب، وغيرها.

2ـ معاجم المعاني

وهو نمط من التأليف المعجمي يكاد يكون من مميزات التأليف المعجمي للعرب، وتكاد تتفرد به المكتبة العربية، وهو لا يقل أهمية عن معاجم الألفاظ، ولا يتعارض معها ولا يغني عنها، فلكل وجهة وغاية.

ويميز هذا النوع من المعاجم أنه لا يشرح الألفاظ للباحث، بل يقدم الألفاظ الدقيقة لمن غابت عنه، فالبحث فيه يكون لإيجاد «لفظ لمعنى من المعاني يدور بخلدنا ولا ندري كيف نعبر عنه تعبيراً دقيقاً، وهي فائدة جليلة يقدرها حق قدرها كل من مارس الكتابة أو الشعر أو الخطابة أو الترجمة أو البحث العلمي». ولم يكن التأليف في هذا النوع من المعاجم كثيراً كما في معاجم الألفاظ، إلا أنه يوجد عدد مقبول منه قديماً وحديثاً.

أ ـ عند القدماء:

اشتهر عند القدماء عدد من معاجم المعاني على اختلاف شمولها واتساعها، أو تحديدها وضيق مقاصدها، وأهم هذه المعاجم:

- «كتاب الألفاظ»: ليعقوب بن السكيت (ت 244 هـ).

- «الألفاظ الكتابية»: لعبد الرحمن ابن عيسى الهمذاني (ت 325 هـ).

- «فقه اللغة»: لعبد الملك بن محمد الثعالبي (ت 430 هـ).

- «المخصص»: لابن سيده الأندلسي (ت 458 هـ).

ويَنْظم هذه المعاجم أنها موزعة على أبواب وفصول وأقسام على المعارف العامة وجزئياتها، فمثلا ً: (الجماعات) باب كبير فيه فصول وأقسام تتعلق بما يخص هذه الجماعات مثل: (ترتيب جماعات الناس وتدريجها من القلة إلى الكثرة)، و(ضروب الجماعات)، و(ترتيب جماعات الخيل)، و(وترتيب العساكر)، و(جماعات الضأن والمعز)، وغير ذلك. ومما جاء في (فقه اللغة)، في فصل (ترتيب الحب وتفصيله): «أول مراتب الحب: الهوى، ثم: العَلاقة، وهي الحب اللازم للقلب، ثم: الكَلَف، وهو شدة الحب، ثم: العِشْق، وهو اسم لما فَضل عن المقدار الذي اسمه العشق، ثم: الشَّعَف، وهو إحراق الحبِّ القلبَ مع لذة يجدها، وكذلك اللوعة واللاعج... ثم: الشَّغَف، وهو أن يبلغ الحب شَغاف القلب وهي جلدة دونه... ثم: الجوى: وهو الهوى الباطن، ثم: التيم... ثم: التَّبْل... ثم: التدليه... ثم: الهيوم».

ب ـ عند المعاصرين:

لم تتوقف جهود علماء العربية في معاجم المعاني عند القدماء، بل التفت المعاصرون إلى هذا النوع من المعاجم وعملوا على التأليف فيه وتطويره، ويكفي الإشارة في هذا البحث إلى معجمين:

1 - «مختصر لآلئ العرب»: لسالم خليل رزق ( ت 1943 م ) وهو معجم كبير، عمد فيه المؤلف إلى ترتيب المعاني على ألفاظٍ محددة يندرج تحتها كلّ ما له علاقة بهذا المعنى، ثم رتّب هذه الألفاظ على حروف الهجاء بالنظر إلى أوائلها. ومما جاء في مقدمة التحقيق: « وقد بنى المؤلف معجمه مختصر لآلئ العرب على نهجٍ يختلف عما هو معروف من معاجم المعاني التي وضعها القدماء، فقد جمع فيه /1093/ مادة ما بين اسم ومصدر، ورتبها على حروف الهجاء، وجعل المادة عنواناً، أدرج تحته معاني الاسم أو المصدر، ثم ينتقل بعد ذكر المعاني المختلفة باختلاف وجوه استعمالات هذه المادة إلى ذكر مواد أخرى تتصل بهذه المعاني لا على سبيل الترادف، بل على سبيل الإحاطة بالوجوه المختلفة للمعنى، ثم ما يتشقق منه أو ما يتصل به أو ما يلزمه». وهذا المعجم يشتمل على مادة وافرة من ألفاظ المعاني، ويسلك منهجاً متميزاً في ترتيبها لتيسير العودة إليه. فمثلاً كل ما يتعلق بالإبل يستخرج في مادة (إبل)، ووكل ما يتعلق بالأجر وما إليه يستخرج في (أجر).

2 - «نجعة الرائد وشِرعة الوارد في المترادف والمتوارد»: لإبراهيم اليازجي: قسمه إلى أبواب عامة تنضوي على فصول محددة تشتمل على الألفاظ التي تعبّر عن هذا المعنى بدقة ومرادفاتها.

وهو ينهج منهجاً جديداً بعض الجدة؛ على قربه من مناهج القدماء، لأنه يضيف أساليب جديدة، وينحو نحو الدقة والتيسير في ترتيب المواد. فقد بدأ بالباب الأول «في الخلق وذكر أحوال الفطرة وما يتصل بها»، وتضمن هذا الباب عدة أقسام، منها «في الخلق» و«في قوة البنية وضعفها» و«في حسن المنظر وقبحه» و«في السمن والهزال»، ومما جاء في هذا الفصل: «يقال: رجل سمين، تار، عبل، لحيم، شحيم، ربيل، جسيم، حادر، خدل، بدين، وبادن، ومبدان، متداخل الخلق، متراكب اللحم، مكتنز العضل، غليظ الربلات، ضخم الجثة، ممتلئ البدن، سمين الضواحي».

جهود معجمية أخرى

لم تقتصر الجهود على ما تقدم من تأليف معجمي، بل هناك معاجم أخرى كان لها جانب من الفائدة، وغايات أخرى محددة، ففي باب معاجم الألفاظ هناك: «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير المبارك بن محمد (ت 606 هـ)، وهو معجم يفسر الألفاظ الغريبة التي وردت في الأحاديث الشريفة. و«معجم مفردات ألفاظ القرآن»: للراغب الأصفهاني (ت 503 هـ) ويتضح من اسمه أنه يفسر ألفاظ القرآن الكريم، و«الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي»: للأزهري صاحب (تهذيب اللغة) وهو معجم لغوي لتفسير ما ورد من ألفاظ غريبة في كتب الفقه الشافعي.

وفي معاجم المعاني هناك «جواهر الألفاظ»: لقدامة بن جعفر (بعد 297 هـ)، و«كفاية المتحفظ في اللغة»: لابن الأجدابي (من علماء القرن الخامس الهجري)، و«نظام الغريب في اللغة»: لعيسى بن إبراهيم الربعي (ت 480 هـ).

3 ـ معاجم المصطلحات

وهي معاجم لاتهتم بشرح غريب الألفاظ أو البحث عن لفظ لمعنى، إنما تعمد إلى توضيح الكلمات التي خرجت عن معانيها الحقيقية لتصبح مصطلحاً له دلالة خاصة به، وقد تنبه القدماء والمحدَثون إلى أهمية هذا النمط من المعاجم، ومدى احتياج الباحثين وطلاب العلم إلى مثل هذه المعاجم، فألفوا عدداً كبيراً من هذه المعاجم، ومن أبرزها:

- «كتاب التعريفات»: للجرجاني علي بن محمد (ت 816 هـ)، وجاء في مقدمته: «هذه تعريفات جمعتها، واصطلاحات أخذتها من كتب القوم، ورتبتها على حروف الهجاء من الألف والباء إلى الياء؛ تسهيلاً تناولها للطالبين، وتيسيراً تعاطيها للراغبين». ومما جاء فيه: «الزهد:في اللغة ترك المَيل إلى الشيء. وفي اصطلاح أهل الحقيقة: هو بغض الدنيا والإعراض عنها، وقيل: هو ترك راحة الدنيا طلباً لراحة الآخرة، وقيل: هو أن يخلو قلبك مما خلت منه يدك».

- «الكليات»: لأبي البقاء أيوب بن موسى الكفوي (ت 1094 هـ)، وهو معجم مصطلحات، «أفاد منه كل من عني من المتأخرين بدراسة الفلسفة بعامة، والفلسفة الإسلامية بشكل خاص، وبمعرفة مصطلحات أصحاب كل من الفلسفتين...ثم هو آلة طيعة للعاملين في ميادين العلوم النحوية والصرفية والبلاغية والعروضية، وفي العلوم الفلكية، والحكمة الطبيعية (الفيزياء)، والطب، والرياضيات، والعمران، وغير ذلك من الفنون والعلوم منذ نشأتها عند العرب حتى عصر المؤلف في القرن الحادي عشر للهجرة».

وقد حظي تأليف معاجم المصطلحات بعناية الباحثين المعاصرين، ولعل من أبرز ما يميز حركة التأليف المعجمي المعاصرة اهتمامها بمعاجم المصطلحات، فظهرت مجموعة من المعاجم لمعظم العلوم والفنون، منها:

- «الشذور الذهبية في المصطلحات الطبية»: لمحمد بن عمر التونسي (ت 1857 م).

- «قاموس طبي فرنساوي عربي»: لمحمد رشدي البقلي، صدر في باريس 1870 م.

- «قاموس طبي إنكليزي عربي»: لخليل خير الله، صدر في القاهرة 1898 م.

- «قاموس الإدارة والقضاء»: لفيليب جلال، صدر في الإسكندرية 1900 م.

- «معجم الألفاظ الزراعية»: للأمير مصطفى الشهابي، صدر في دمشق 1943 م.

- «معجم المصطلحات الأثرية» ( فرنسي عربي)، ليحيى الشهابي، صدر في دمشق 1967 م.

- «المعجم العسكري الموحد»: صدر عن الجامعة العربية 1970 م.

- «معجم تعويض الأسنان»: لميشيل خوري، صدر في دمشق 1970 م.

- «مصطلحات طب الأسنان»: لقتيبة الشهابي، صدر في دمشق 1987م.

وثمة معاجم أخرى شملت كثيراً من العلوم مثل:

- «المعجم الموحد لمصطلحات النفط».

- «المعجم الموحد لمصطلحات البيئة».

- «المعجم الموحد لمصطلحات الهندسة الميكانيكية».

- «المعجم الموحد لمصطلحات التقنيات التربوية».

- «المعجم الموحد لمصطلحات الفنون التشكيلية».

- «المعجم الموحد لمصطلحات الأرصاد الجوية».

ولابد من الإشارة هنا إلى أن هذه المعاجم جميعاً مَؤوفةٌ بثلاث آفات على الأقل، مع التقدير الكبير لما بُذل فيها من جهود:

أ: أنها حصيلة جهود فردية، وهي بذلك مظِنة النقص.

ب: أنها في الغالب شبه قُطرية وليست عامة، ولذلك تعددت المصطلحات أحياناً لموضوع واحد.

ج: أن معظم المصطلحات العلمية الواردة فيها غير مُجمع عليها في البلاد العربية.

4 ـمعاجم في التطور الدلالي

 ثمة كتاب فريد في المكتبة العربية التفت فيه المؤلف أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي (ت 322 هـ) إلى تطور دلالة بعض الألفاظ من زمن إلى آخر، وإلى المسميات التي تفردت بها الحضارة العربية الإسلامية، فجمع ما وقف عليه في كتابٍ سماه: «الزينة». وقد نبه محقق هذا الكتاب على طبيعته الفريدة وأهميته فقال: « حاول المؤلف في هذا الكتاب أن يجمع من شتى الألفاظ العربية ألفاظاً تغيرت مدلولاتها ومعانيها في العصر الإسلامي عما كانت عليه في العصر الجاهلي، وبعمله هذا وضع اللبنة الأولى في علم معاني الأسماء العربية والمصطلحات الإسلامية».

ومما لا ريب فيه أن هذه الالتفاتة كانت تعبر عن إحساس متقدم عند القدماء بفكرة التطور الدلالي للألفاظ، ولو توبعت من بعدُ لأثْرتِ المكتبة العربية بجانب من التأليف المعجمي يُفتقد إليه اليوم، وتكثر الدعوات لاستدراكه.

5 ـ معاجم أخرى

لم يقتصر التأليف المعجمي عند هذه المعاجم، بل هناك معاجم أخرى لا تخص الألفاظ والمعاني والدلالة والمصطلح، وإنما تتجه وجهةً أخرى، مثل: معاجم البلدان، ومعاجم الشعراء، والأدباء، والعلماء، وغير ذلك.

ملاحظات عامة

إن الناظر في المعاجم العربية التي وصلت إلينا لا يستطيع أن ينكر الجهود الكبيرة التي بذلت من أجلها، والفوائد العظيمة التي قدمتها للغة وللباحثين. فقد حفظت هذه المعاجم اللغة من الضياع، وضمت في ثنايا صفحاتها من الفوائد العلمية والمعرفية والأشعار والأخبار والنوادر ما لا يوجد في سواها، وقد غدا كثير من المعاجم اللغوية -ولاسيما القديم والكبير منها- أشبه بدوائر المعارف العامة أو الموسوعات، مثل: تهذيب اللغة، وجمهرة اللغة، ولسان العرب، وتاج العروس....

بيد أن فيها بعض المآخذ أو الملاحظات العامة التي قلّلت من فائدتها، أو من اقترابها من الكمال، وأبرز هذه الملاحظ:

1 ـ لم تشمل جميع مفردات اللغة العربية. والسبب في ذلك أنها اعتمدت على جهود أفرادٍ أولاً، وأن الذين جمعوا اللغة قديماً أخذوها من أفواه الأعراب، ومما وصل إليهم من أشعار أو أخبار عن طريق الرواية الشفوية، ولا يستطيع أحد أن يدّعي أنه أحاط بكل مفردات العربية. وهذا النقص هو أحد أبرز الأسباب التي حملت المستشرق الهولندي (دوزي) على صنع معجم ضخم أورد فيه ما لم يرد في المعاجم القديمة، وأسماه «تكملة المعاجم العربية».

أما المعاجم المعاصرة فقد قامت على الاختيار والانتقاء، ولم يصدر معجم لغوي معاصر شامل.

2 ـ اختلفت مناهجها في ترتيب الألفاظ، وبعض هذه المناهج يتطلب جهداً مضاعفاً للوصول إلى الغاية، مثل: معجم العين، وتهذيب اللغة، وجمهرة اللغة.

3 ـ تكرار المعاني في المادة الواحدة، ويظهر هذا جلياً في المعاجم القديمة، ولاسيما في لسان العرب وتاج العروس.

4 ـ اعتمادها على الجذر اللغوي للكلمات، وهذه الطريقة لها فوائد جليلة، وعليها بعض الاعتراضات التي تحتاج إلى حل.

5 ـ لا يتضح فيها ترتيب محدد لإيراد المعاني المتعددة للكلمة الواحدة.

6 ـــ لا تلحظ الترتيب التاريخي لتطور المعاني، ولم تسلم المعاجم المعاصرة من هذا العيب.

المعجم المنشود

مما لاشك فيه أن التطور العلمي والحضاري والمعرفي الذي وصل إليه العالم اليوم، والتقدم الهائل في وسائل البحث وأدواته، يضاف إلى ذلك الحاجة الشديدة إلى اختصار الوقت والحرص عليه؛ أمام التسارع الكبير في الاكتشافات والاختراعات، والزيادة الهائلة فيما ينشر في العالم اليوم، وحاجة الباحثين إلى متابعة ما أمكن منه، كل ذلك وغيره يتطلب إعاة النظر في المعاجم، والعمل على إعداد معجم عربي عصري؛ يواكب النهضة المعاصرة، ويفي بمتطلباتها، ويعين الباحثين، ولا يستهلك وقتاً طويلاً عند الرجوع إليه، ويشتمل على جميع الألفاظ، ويعتمد منهجاً دقيقاً في إيراد المعاني وترتيب الألفاظ، ويفيد من التطور التقاني لتسهيل عملية الرجوع إليه.

 

علي أبوزيد

مراجع للاستزادة:

ـ أبو البقاء الكفوي، الكليات،تحقيق عدنان درويش ومحمد المصري (وزارة الثقافة، دمشق 1981).

ـ أبو حاتم الرازي، الزينة في الكلمات الإسلامية العربية، تحقيق حسين بن فيض الله الهمداني (دار الكتاب العربي، القاهرة 1957).

ـ أمجد الطرابلسي، حركة التأليف عند العرب (دار الفتح، دمشق1973).

ـ الجرجاني، التعريفات (مكتبة لبنان، بيروت 1978).

ـ حسين نصار، المعجم العربي نشأته وتطوره (مكتبة مصر،القاهرة 1968).

ـ حكمت كشلي، المعجم العربي في لبنان (دار ابن خلدون، بيروت 1982).

ـ سالم خليل رزق، مختصر لآلئ العرب، تحقيق عدنان درويش وعلي أبوزيد ومحمد المصري (وزارة الثقافة، دمشق 1991).


- التصنيف : اللغة العربية والأدب العربي - النوع : لغات - المجلد : المجلد التاسع عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 72 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة