معاوية بن أبي سفيان
معاويه سفيان
Muawiya ibn abi Sufyan - Muawiya ibn abi Sufyan
معاوية بن أبي سفيان
(20ق.هـ -60هـ/603-680م)
أبو عبد الرحمن معاوية بن «أبي سفيان» صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، مؤسس الدولة الأموية في الشام، وأحد دهاة العرب المتميزين الكبار، كان فصيحاً حليماً وقوراً.
ولد بمكة وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف أسلم عام الفتح 8هـ وقيل إنه أسلم قبل أبيه عام الحديبية 6هـ ولكنه لم يلحق برسول اللهr خوفاً من أبيه، ولم يظهر إسلامه إلا عام الفتح، وغدا بعد إسلامه من كتاب رسول اللهr ودخل مع من دخل من أبناء أسرته في خدمة الدولة الجديدة، وغدا أبو سفيان بعد أن أعلن الرسولr أن دخول داره أمان لصاحبه من رجالات الدولة وأسهم في بعض الأعمال الحربية، وتزوج الرسولr أم حبيبة بنت أبي سفيان.
وفي خلافة أبي بكر، تولّى يزيد بن أبي سفيان قيادة أحد جيوش الفتح المتوجهة إلى الشام، ولمّا تُوفي يزيد في طاعون عمواس سنة 18هـ عيّن عمر بن الخطاب معاوية بن أبي سفيان والياً على دمشق والأردن بعد أن كان غازياً تحت إمرة أخيه يزيد ووالياً على الأردن فقط.
كان معاوية أعظم الولاة حظاً في خلافة عثمان (23-34هـ)، فهو الذي مهّد له ما استطاع تحقيقه من نقل الخلافة إلى آل أبي سفيان وتثبيتها في بني أمية، فعثمان هو الذي جمع لمعاوية الشام والجزيرة وثغورهما وأطلق يده في أمور الشام أكثر مما أطلقها الخليفة عمر بن الخطاب؛ إذ إنه أصبح والياً على الصلاة والحرب والخراج، وكانت إمامة الوالي في الصلاة نيابة عن الخليفة تدل على عظم سلطة الوالي وعلى رئاسته العليا السياسية في الدولة،وبما أن الإدارة المالية جمعت له كذلك، فإنه أصبح مطلق التصرف في ولايته، وكان تعيين الولاة على الأجناد عائداً إليه، وهؤلاء الولاة كانوا مسؤولين أمامه.
إنّ هذه الصلاحيات هي التي مكنت معاوية في هذه الفترة من تثبيت سلطانه، فلما كانت الفتنة، وقتل عثمان، وبُويع لعلي بن أبي طالب بالخلافة، اتخذ معاوية من قضية تهاون الخليفة عليّ في القصاص من قتلة عثمان حجة للخروج عليه، وادّعى أنه وليّه وأنه يعمل بقوله تعالى:}وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا{ (الإسراء:33)، وأنه إنما ينفّذ رغبة قومه من بني أمية الذين أغضبهم مقتل قريبهم.
وجرت بين الخليفة علي بن أبي طالب وبين معاوية والي الشام مراسلات طويلة في شأن الخلافة وأحقية كل منهما في قيادة الجماعة الإسلامية، وأضعف الخلاف بينهما مركز الخليفة علي ولاسيما بعد معركة صفين وتحكيم الحكمين وخروج الخوارج، في حين ازداد مركز معاوية قوة، إذ يذكر أبو مخنف عن أبي جهضم الأزدي- رجل من أهل الشام- أنّ أهل الشام عندما انصرفوا من صفين، وكانوا ينتظرون ما يأتي به الحكمان، بايع أهل الشام معاوية بالخلافة، واختلف الناس بالعراق على علي، وأصبح هم معاوية الأوحد مصر، لأنه كان يدرك أن سيطرته على مصر تعني انتصاره على الخليفة علي لأهمية موقعها ولعظم ثروتها، وفي صفر سنة 38هـ سيطر معاوية على مصر بفضل حليفه عمرو بن العاص[ر] ولم يلبث معاوية أن سيطر على الحجاز واليمن بفضل قائده بُسْر بن أبي أرطاة[ر].
وفي سنة 40هـ وقبل مقتل علي جَرَت بين علي ومعاوية المهادنة على أن تضع الحرب أوزارها فيكون لعلي العراق ولمعاوية الشام، وهذا يعني وجود خليفتين في آن واحد، ولكنّ هذا الأمر لم يطل إذ قُتل علي، ولم يستطع ابنه الحسن بن علي الذي بايعه أهل العراق خليفة بعد أبيه أن يتابع قتال الأمويين لضعف أهل العراق، وعدم اطمئنانه إليهم، ومن ثم دخل في مفاوضات مع معاوية انتهت بنزوله عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان سنة 41هـ.
حين آل الأمر إلى بني أمية، اتخذ معاوية دمشق مركزاً للدولة العربية الإسلامية لموقعها المتوسط وتقاليدها الحضارية، وبقي لأهل الشام مكانتهم الخاصة لدى معاوية، فقد كان يرى أنهم عماد دولته المكين وسنده الأمين الذي ينبغي الحفاظ عليه، وفي بعض ما يؤثر عنه أقوال تنم عن شعوره بالود والمحبة لهم، يظهر ذلك من الرواية التي يوردها الطبري على لسان الزهري، عندما أراد معاوية أن يرسل بسجل قد ختم في أسفله إلى قيس ابن سعد (من أتباع علي بن أبي طالب وقادته المخلصين) لكي يسجل فيه مايشاء،فقال له عمرو بن العاص «لاتعطه هذا وقاتله» فقال معاوية: «على رسلك، فإنا لا نخلص إلى قتل هؤلاء حتى يقتلوا أعدادهم من أهل الشام، فما خير العيش بعد ذلك».
كانت خلافة معاوية بداية عهد جديد عاشت فيه الدولة العربية ما يقارب العشرين عاماً من السلام والازدهار في الداخل والانتصارات الحربية في الخارج، وقد ساعده على تحقيق انتصاراته في الخارج الجيش الشامي الذي جمعه ونظمه ودرَّبه منذ أن كان والياً (18-40هـ) والذي أغدق عليه العطاء، ولم يبخل عليه بكل ما يوفر له سبل الرضا والإخلاص بعد أن غدا خليفة. وتعددت لقاءاته في البر والبحر مع الامبراطورية البيزنطية، ويبدو أن معاوية أولى حرب الروم عناية أكبر من الجبهة الشرقية لأسباب من بينها أنه نظر فوجد أن الروم يتربصون بدولته في أكثر من حد وأكثر من جبهة، وأن قربهم من عاصمة دولته يجعل خطرهم خطراً مباشراً قد يصيبه بشر مستطير، في حين أنّ منطلقه إلى الجبهة الشرقية هو العراق، والعراق لا يمكن الاعتماد عليه وعلى أهله في فتح يقوده ولاته وقواده؛ لأن هؤلاء الولاة والقواد كانوا مشغولين بتوطيد الأمن وقمع الفتن، كما أنه لا خطر يهدد الدولة في الجبهة الشرقية بعد انهيار الامبراطورية الساسانية.
كان نشاط معاوية العسكري بعد أن تولى الخلافة استمراراً لنشاطه في هذا الميدان منذ أن كان والياً على الشام، فقد تابع معاركه ضد البيزنطيين في البر والبحر، وقصدت جيوشه آسيا الصغرى غازية، ولأن معاوية كان يدرك منذ أن كان والياً على الشام أن بقاء العرب واحتفاظهم بممتلكاتهم في الشام ومصر، رهن باهتمام العرب بالأسطول وبالاستيلاء على جزر البحر المتوسط التابعة للروم، فقد استمر بتطبيق سياسته الرامية إلى احتلال الجزر التابعة لهم والتي تبعد خطر الأسطول البيزنطي عن شواطئ مصر والشام، والتي تمكنه من تحقيق حلمه في الوصول إلى القسطنطينية، فبعد فتح قبرص وأرواد في عهد ولايته فتح «جنادة بن أمية» رودس في خلافته وأنزلها قوماً من المسلمين كما غزا كريت.
إن سيطرة المسلمين على قبرص ورودس وغاراتهم على كريت واستيلاءَهم فيما بعد على جزيرة كوس Cos، هيّأ وساعد على غزو القسطنطينية، براً وبحراً في خلافة معاوية،إذ اتخذ معاوية من جزيرة سيزيكوس Cyzicus قاعدة لإدارة حملاته ضد العاصمة، فكانت الأساطيل الإسلامية تنقل الجنود من هذه الجزيرة إلى البر لمحاصرة أسوار القسطنطينية، وتقف سفن الأسطول الإسلامي الأخرى مطوقة هذه المدينة من جهة البحر، وبعد أربع سنوات (55-59هـ) من الحصار والمعارك البحرية، انسحب العرب من وراء أسوار هذه المدينة متخلّين مؤقتاً عن مشروعهم في فتحها، ويبدو أنه من العوامل التي جعلت معاوية يقرر سحب قواته المحاصرة للقسطنطينية شعوره بدنو أجله، وأن بيعة ابنه يزيد ستلقى معارضة كثير منهم وأنه لابد من أن يضع تحت تصرف ابنه جيشاً قوياً يسنده في الداخل.
أما أرمينيا هذه الولاية ذات الموقع الاستراتيجي المهم والتي كانت قد سقطت في أيدي البيزنطيين ثانية حين قامت الفتنة واضطر معاوية إلى سحب قواته المرابطة منها، فإن معاوية بعد أن آلت إليه الخلافة أعادها إلى التبعية العربية، وتذكر المصادر الأرمنية أن أفراداً من أشهر عائلات أرمينيا كانوا يحكمون المنطقة باسم الأمويين، فلما انتقضت وخالف أحرارها وأتباعهم في أثناء فتنة عبد الله بن الزبير ولىَّ عبد الملك أخاه محمد بن مروان أرمينيا فحاربهم وسيطر على البلاد.
وفي الوقت الذي كانت فيه جيوش المسلمين تصلي البيزنطيين ناراً حامية في آسيا الصغرى، وجه معاوية اهتمامه إلى إفريقية، ففي سنة 45هـ سار معاوية بن حديج والي مصر وإفريقية واشتبك مع الروم البيزنطيين في معركة حصن الأَجَم وهزمهم فيها، وفي سنة 50هـ قام عقبة بن نافع[ر] بأخذ أول خطوة نحو توطيد الفتح العربي في المغرب عندما فطن إلى أهمية بناء بلدة للمسلمين تكون عاصمة للولاية الإسلامية في إفريقية، وقاعدة لرد هجمات الروم، فأنشأ القيروان[ر]، وفي ولاية أبي المهاجر دينار (55-62هـ) وصلت الجيوش العربية الإسلامية حتى أقصى شمالي ولاية إفريقية أي إلى منطقة تونس الحالية وغرباً إلى أبواب تلمسان.
اعتمد معاوية في حكمه على رجال دهاة أمثال المغيرة بن شعبة وزياد ابن أبيه وعمرو بن العاص، واستعمل أقرباءَه في حكم الحجاز فكان هؤلاء الرجال خير عون له في إدارة دفة الأمور في البلاد، وبرهن معاوية على أنه مربّي دول وسائس أمم وراعي ممالك؛ يحلم في موضع الحلم؛ ويشتد في موضع الشدة. وعن سعيد ابن العاص قال: «سمعت معاوية يوماً يقول: لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولاأضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل وكيف يا أمير المؤمنين؟ قال: كانوا إذا مدوها خلّيتها. وإذا خلوها مددتها».
كان معاوية أول من وضع نظام البريد لوصول الأخبار إليه بسرعة وأول من اتخذ ديوان الخاتم لضبط المعاملات المالية وصيانة الوثائق المهمة.
وأنشأ أول دار لصناعة السفن بالشام إلى جانب دور الصناعة بمصر، فجلب الصناع والنجارين إلى عكا من جند الأردن التي وقع اختياره عليها لينشئ دار الصناعة فيها، كما استطاع معاوية بمعاونة واليه زياد بن أبيه في العراق، وسرجون بن منصور صاحب ديوان الخراج في الشام، وانثناس Athanasius صاحب ديوان الخراج في مصر أن ينشئ وزارة حقيقية للمالية بمفهومها في الوقت الحاضر وفق تعبير إيرفنغ واشنطون Irving Washington، إذ إنه أمر بتسجيل سجلات بمقادير الخراج (الجزية والخراج) لكل منطقة أو إقليم وحفظها، وأمر أن تسهم كل ولاية بإرسال الفائض إلى بيت المال بدمشق، وأنشأ معاوية مبدأ وضع الصوافي عموماً تحت سلطة البيت الحاكم، ويذكر اليعقوبي أن معاوية استصفى ما كان للملوك من الضياع في الشام والجزيرة والعراق فصيّرها لنفسه.
تُوفي معاوية في دمشق ودفن بـ«باب الصغير»، ويذكر المسعودي أن قبره كان يُزار في عهده؛ أي في سنة 332هـ وكان عليه بيت مبني يفتح كل يوم اثنين وخميس.
نجدة خماش
مراجع للاستزادة: |
ـ ابن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (دار المعارف، مصر 1970)
ـ ابن الأثير، الكامل في التاريخ (دار الكتاب العربي، بيروت 1967).
ـ المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر (دار الأندلس د. ت).
ـ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي (دار صادر، بيروت 1379هـ/1960م).
ـ البلاذري، أنساب الأشراف، الفصل (1) من الجزء (4) (مؤسسة الدراسات الإفريقية الإسلامية، القدس 1972).
ـ نجدة خماش، إدارة الولايات في العصر الأموي (دار الفكر، دمشق 1398هـ/1978م).
- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد التاسع عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 44 مشاركة :