المشبهة (فرقة-)
مشبهه (فرقه)
- - -
المشبِّهة (فرقة ـ)
اتجاه فكري في فهم صفات الله وذاته، عَدّه كثيرٌ من أهل تصانيف الملل فرقة مستقلة. كان ظهور هذا الاتجاه بسبب الخلط بين صفات الذات الإلهية وصفات الفعل الإلهي، فكانت الشروح تُساقُ عن ذلك سوقاً واحداً من دون تفريق أو إيضاح، خاصةً فيما يتعلق بالآيات التي تذكر كلمات يستخدمها البشر لوصف أفعالهم وذواتهم؛ كالاستواء، والمجيء، واليد، والعين، وغيرها من المتشابه من آيات القرآن الكريمة؛ مثل قوله تعالى: )الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى( (طه 5)، و)قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ( (ص 75)، و)وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا( (الفجر 22)، )…وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي( (طه 39).
فاجتمع أئمة السلف وأهل الحديث كالإمام مالك بن أنس، ومن تبعه مثل الإمام أحمد بن حنبل وباقي الأئمة على الإيمان بما ورد في الكتاب والسنة فيما يتعلق بالآيات المتشابهة والصفات، مع نفي تشبيه الله عز وجل بأي شيءٍ من مخلوقاته، وعدِّ أن كل ما تمثل في الذهن لا يشبَّه بالله تعالى على الإطلاق، مستظلين بالآية الكريمة: )…لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ( (الشورى 11)، ورفضوا رفضاً قاطعاً التعرض لتأويل تلك الصفات بكلماتٍ أو معانٍ أخرى خشية الزيغ عن الحق؛ احتجاجاً بالآية الكريمة: )هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ( (آل عمران 7)، كما أنهم عدّوا أن التأويل لا يكون إلا ظنياً ولا يقين فيه، والقول في صفات الباري بالظن غير جائز لأنه قد تؤول الآية على غير مراد الباري تعالى فيقع المؤول في الزيغ، وآمنوا بالآية بظاهر نصها من دون تشبيه ولا تعطيل وقالوا: «آمنا بظاهره، وصدقنا بباطنه، ووكلنا علمه إلى الله تعالى، ولسنا مكلفين بمعرفة ذلك؛ إذ ليس ذلك من شرائط الإيمان وأركانه».
وظهر فريقٌ من المتأخرين زادوا على ما قاله السلف في إثبات الصفات، وتَعَدّوا إلى حد التشبيه بصفات المخلوقات (سمّوا بالمشبِّهة)؛ فقالوا: لابد من إجراء الصفات على ظاهرها في المعنى، والقول بتفسيرها كما وردت؛ فوقعوا فيما وقع فيه القراؤون من اليهود من التشبيه الصرف، وذلك على خلاف ما اعتقده السلف؛ إذ وجدوا في التوراة ألفاظاً كثيرة تدل على ذلك، وتبعهم في ذلك أيضاً جماعات من الشيعة الغالية، وجماعة من أصحاب الحديث الحشوية أيضاً صرّحوا بالتشبيه.
ونفى فريق من المتكلمين الصفات الورادة في النص القرآني نفياً كاملاً، وعطَّلوا الصفات بتأويلها بكلمات أخرى تليق بالمعنى حسب فهمهم (كفِرَقِ المعطِّلة) ومنهم المعتزلة.
تنوعت مذاهب الذين قالوا بالتشبيه، واختلفت كتب الملل في تصنيفهم وأسمائهم خاصةً أن الخلاف أخذ يتشعب في فهم الأفعال المنسوبة إلى الله عزّ وجلّ كالتكلم، والاتجاهات والأمكنة والأعضاء؛ لكن أوضح ما قيل في تصنيفهم، ما ميّزه عبد القاهر البغدادي (ت 429هـ) في كتابه «الفَرق بين الفِرَق» في تقسيمه المشبهة صنفين؛ صنف شبّهوا ذات الله بذات غيره، وصنف آخر شبهوا صفاته بصفات غيره. وكلٌ من الصنفين ينقسم إلى فروع مختلفة، تبعاً لأصحاب تلك الآراء؛ أما الصنف الأول الذين شبّهوا ذات المخلوقات بذات الخالق مثل:
- (السبئية): أتباع عبد الله بن سبأ؛ الذين سمّوا علياً إلهاً، وشبّهوه بذات الإله، ولما أحرق عليٌ قوماً منهم قالوا له: الآن علمنا أنك إله، لأن التعذيب بالنار لا يكون إلا من الله.
- (البيانية): أتباع بيان بن سمعان الذي زعم أن معبوده إنسان من نور، على صورة الإنسان في أعضائه وأنه يفنى كله إلاّ وجهه.
- (المغيرية): أتباع المغيرة بن سعيد العجلي، الذي زعم أن معبوده ذو أعضاء وأن أعضاءه على صور حروف الهجاء.
- (المنصورية): أتباع أبي منصور العجلي الذي شبه نفسه بربه، وزعم أنه صعد إلى السماء وزعم أيضاً أن الله مسح بيده على رأسه وقال له: «يا نبيّ بلّغ عني».
- (الخطابية): الذين قالوا بإلهية الأئمة وبإلهية أبي الخطاب الأسدي.
- (الحلولية): الذين قالوا بحلول الله في أشخاص الأئمة مثل:
´ الحلولية (الحكمانية) المنسوبة إلى أبي حكمان الدمشقي الذي زعم أن الإله يحلّ في كل صورة حسنة، وكان يسجد لكل صورة حسنة.
´ و(المقنّعية المبيضة) الذين ادعوا أن المقنع كان إلهاً وأنه مصور في كل زمان بصورة مخصوصة.
- (العذاقرة): الذين قالوا بإلهية ابن أبي العذاقر.
وتبع هؤلاء أيضاً الذين قالوا بإلهية عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر.
- (الهشامية): المنتسبة إلى هشام ابن الحكم الرافضي الذي زعم أن معبوده سبعة أشبار بشبر نفسه، وأنه جسم ذو حد ونهاية، وأنه طويل عريض عميق وذو لون وطعم ورائحة، وأنه سكيبة الفضة وكاللؤلؤة المستديرة، وله في مقالته هذه تفصيلات كثيرة.
- (الهشامية): المنسوبة إلى هشام ابن سالم الجواليقي الذي زعم أن معبوده نصفه الأعلى مجوف ونصفه الأسفل مصمت، على هيئة بشر، وأن له شعرة سوداء وقلباً تنبع منه الحكمة.
- (اليونسية): المنسوبة إلى يونس ابن عبد الرحمن القمي، الذي زعم أن الله تعالى يحمله حملة عرشه وإن كان هو أقوى منهم على حقيقة الحمل البشري.
- والمشبهة المنسوبة إلى داود الجواري الذي ادعى لمعبوده جميع أعضاء الإنسان.
- (الإبراهيمية): المنسوبة إلى إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي.
- (الحايطية): من القدرية وهم منسوبون إلى أحمد بن حايط وكان من المعتزلة، فشبّه عيسى ابن مريم بربه وزعم أنه الإله الثاني وأنه هو الذي يحاسب الخلق في القيامة.
- (الكرّامية): في دعواها أن الله تعالى جسم له حد ونهاية وأنه محل الحوادث وأنه مماس لعرشه.
أما الصنف الثاني فشبه صفات الله بصفات المخلوقين:
- فأصناف منهم الذين شبّهوا إرادة الله تعالى بإرادة خلقه مثل (المعتزلة البصرية) الذين زعموا أن الله تعالى عزّ وجلّ يريد مراده بإرادة حادثة وزعموا أن إرادته من جنس إرادتنا، وزادت الكرامية على المعتزلة البصرية في تشبيه إرادة الله تعالى بإرادات عباده وزعموا أن إرادته من جنس إرادتنا وأنها حادثة فيه كما تحدث إرادتنا فينا، وزعموا لأجل ذلك أن الله تعالى محل للحوادث، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
- ومنهم الذين شبّهوا كلام الله عزّ وجلّ بكلام خلقه فزعموا أن كلام الله تعالى أصوات وحروف من جنس الأصوات والحروف المنسوبة إلى العباد.
- (الزُّرَارية): أتباع زُرَارة بن أَعْين الرافضي الذين ادعوا أن جميع صفات الله عزّ وجلّ من جنس صفات البشر، وزعموا أن الله تعالى لم يكن في الأزل حياً ولا عالماً ولا قادراً ولا مريداً ولا سميعاً ولا بصيراً وإنما استحق هذه الأوصاف حين أحدث لنفسه حياة وقدرة وعلماً وإرادة وسمعاً وبصراً، ومنهم الذين قالوا من الروافض بأن الله تعالى لا يعلم الشيء حتى يكون، فأوجبوا حدوث علمه كما يجب حدوث علم العالِم منا.
عامر عيسى
مراجع للاستزادة: |
ـ عبد القاهر البغدادي، الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية (دار الآفاق الجديد، بيروت 1982).
ـ الشهرستاني، الملل والنحل، تحقيق محمد سيد كيلاني (دار المعرفة، بيروت 1975).
- التصنيف : التاريخ - النوع : دين - المجلد : المجلد الثامن عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 659 مشاركة :