ابن نبي (مالك-)
نبي (مالك)
Ibn Nabi (Malik-) - Ibn Nabi (Malik-)
ابن نبي (مالك ـ)
(1905 ـ 1973)
مالك بن عمر بن الخضر بن مصطفى بن نبي، عالم ومفكر إصلاحي جزائري، ولد بمدينة قسنطينة في الجزائر، انتقلت أسرته وهو ما يزال طفلاً إلى مدينة تبسة، وهنالك دخل الكتّاب لحفظ القرآن الكريم إلى جانب مواصلته الدراسة في المدرسة الابتدائية، وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية انتقل للدراسة في المدرسة الإعدادية التي تخرج فيها بتفوق؛ مما أهله للحصول على منحة لإكمال دراسته الثانوية في مدينة قسنطينة، وفي عام 1920 تقدم لامتحانات الدخول إلى المدرسة الثانوية ونجح فيها، وفي هذه المرحلة بدأت تتبلور أفكاره، فقد تأثر بالمناخ الثقافي العام الذي كان سائداً في منطقة الشرق الجزائري، التي بدأت تنتشر فيها روح الإصلاح والثقافة العربية، والاتصال بالمشرق الإسلامي، إضافة إلى تأثره بأفكار الشيخ عبد الحميد بن باديس الإصلاحية، وبما كان ينشر في بعض الصحف المحلية مثل «الشهاب» و«الإقدام» و«الإنسانية».
بعد انتهائه من دراسته الثانوية عام 1925 سافر مع صديق له إلى فرنسا للبحث عن عمل، فزارا مرسيليا، وليون، وباريس، إلا أنهما لم يحظيا بعمل مناسب، فعادا أدراجهما إلى الجزائر، وفي عام 1930 عاد ثانية إلى فرنسا، وحاول الالتحاق بمعهد الدراسات الشرقية، لكنه لم يوفق في ذلك لأن الدخول إليه لا يخضع لمقياس علمي ـ كما يقول ـ وإنما لمقياس سياسي، ولهذا دخل مدرسة (اللاسلكي) ولكنه سرعان ما تحول عنها إلى مدرسة (الكهرباء والميكانيك) استجابة لنصيحة أحد أساتذته، ولاستعداداته النظرية التي يمتلكها، وفي عام 1935 أتم دراسته في الكهرباء والميكانيك، إلا أنه لم يتمكن من إجراء الامتحان التطبيقي الضروري لتخرجه مهندساً، وباءت محاولاته جميعاً بالإخفاق؛ بسبب اعتذار المؤسسات والمصانع التي يمكن التطبيق فيها عن قبوله، لنشاطه في مقاومة الاستعمار، وكان قبل تخرجه في عام 1931 قد تزوج من شابة فرنسية أسلمت على يديه وسمّت نفسها (خديجة)، وهيأت له أسباب الراحة وساعدته على مواصلة دراسته.
وفي فترة إقامته في فرنسا حاول مزاولة بعض الأعمال إلا أنه لم يوفق فيها بسبب محاربة الفرنسيين لأبناء مستعمراتهم، ولهذا عاد إلى تبسة ولكن سبل العيش ضاقت به من جديد، فقرر الهجرة مرة أخرى إلى فرنسا سنة 1939، وبقي فيها إلى عام 1956 حيث سافر منها إلى مصر، وفي مصر بدأت مرحلة جديدة في حياته، فقد تم تعيينه من قبل الحكومة المصرية مستشاراً في المؤتمر الإسلامي، واستمر عضواً في المؤتمر الذي أصبح يطلق عليه فيما بعد اسم «مجمع البحوث الإسلامية»، وتعد فترة وجوده في مصر من أغنى مراحل عطائه الفكري، إذ ألف فيها عدداً من الكتب، إضافة إلى ترجمة بعضها الآخر من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية، كما أن محاضراته ومناقشاته مع كثير من المفكرين والمثقفين المصريين والعرب ساعدت على ظهوره في الحياة الفكرية ليس في مصر فحسب، بل في العالم العربي أيضاً، وفي أثناء إقامته في مصر تزوج بسيدة جزائرية، كما قام بزيارة كل من سورية ولبنان، وألقى في منتدياتهما الثقافية عدداً من المحاضرات، وقام بجولة أخرى إلى المملكة العربية السعودية والكويت وليبيا، وبقي في مصر يحاضر ويناقش ويؤلف إلى عام 1963، حيث عاد إلى الجزائر فعين مديراً للتعليم العالي، ولكنه استقال من هذا المنصب عام 1967، ليتفرغ للعمل الفكري والإصلاح، وهكذا قضى ما بقي من سنوات عمره، إلى أن توفاه الله في الجزائر.
وقف ابن نبي حياته للإصلاح، وعمل في ميدان الفكر، ولم يعمل في مجال اختصاصه مهندساً كهربائياً؛ لأن شعوره بالخطر الاستعماري، والمعاناة التي عاشها مع شعب الجزائر؛ جعلته يجيب كل من يسأله: بلدي حالياً بحاجة إلى مفكر أكثر من حاجته إلى مهندس.
يتميز في مؤلفاته بعمق التفكير، ومنطقيته وواقعيته، وقوة أسلوبه في الدفاع عن الأفكار التي يتبناها، واستطاع بأسلوبه المتفرد، وثقافته الغربية الواسعة مع ثقافته العربية الإسلامية، أن يوجه إليه أنظار جيل من الشباب الذي يتوق إلى الإصلاح مع احتفاظه بقوة العقيدة، وسلامة التفكير، وهو يطرح الإسلام ملهما للقيم، وقادراً على استعادة دور الإنسان مبرأ من ثقل الحضارة الامبراطورية، كما أنه يرى أن الإسلام لا يقدم إلى العالم كتاباً، وإنما واقعاً اجتماعياً يسهم بشخصيته في بناء مصير الإنسانية.
أما مصادره الفكرية فقد كانت متعددة ومتنوعة، ويأتي القرآن الكريم في طليعتها، فهو الأساس الأول في تكوينه الروحي والعقائدي والفكري، ولذلك فقد وضع أول مؤلف له حول القرآن الكريم، فكان بعنوان «الظاهرة القرآنية»، كذلك فقد اطلع على التراث العربي الإسلامي بما فيه من أدب وتاريخ وفلسفة وما إلى ذلك، وكان تأثره كبيراً بابن خلدون ولاسيما في مقدمته، حيث استمد منها نظريته عن دور الحضارة، كما تأثر بعدد من المفكرين والإصلاحيين في العصر الحديث، مثل الشيخ محمد عبده، وعبد الرحمن الكواكبي، وجمال الدين الأفغاني، والشيخ عبد الحميد بن باديس، وتأثر كذلك بكتابات عدد من المفكرين والفلاسفة الغربيين مثل نيتشه، وآرنولد توينبي، وهيجل وسواهم.
وتأتي دراسته للعلوم التطبيقة في فرنسا، لتؤثر في نمط تفكيره، وفي أسلوب كتابته، فكانت كتاباته دقيقة الأفكار ,محددة الألفاظ، وافية المعاني والدلالات، وكان كثير الا ستخدام للصيغ والمعادلات الرياضية في توضيحه لبعض القضايا الفكرية والاجتماعية، وقد أحدث هذا اللون من التقويم الفكري نقلة في أسلوب تثقيف القارئ العربي.
كان مالك غزيراً في إنتاجه الفكري، فبعض مؤلفاته وضعت كتباً، وبعضها الآخر كان مجموعة محاضرات جمعت في كتب، ومعظم ما كتبه كان باللغة الفرنسية، ومن ثم كان يستعين ببعض طلابه وأصدقائه في تعريبه، وكثيراً ما يكون ذلك قبل طباعة الكتاب، ولهذا فإن معظم كتبه قد ترجمت إلى العربية ولم تطبع أصولها الفرنسية، ومن أبرز الذين ترجموا له , عبد الصبور شاهين، وعمر مسقاوي. ومن كتبه العديدة التي خلفها:
1 ـ «آفاق جزائرية».
2 ـ «إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث».
3 ـ «شروط النهضة».
4 ـ «الصراع الفكري في البلاد المستعمرة».
5 ـ «الظاهرة القرآنية».
6 ـ «فكرة الإفريقية والآسيوية».
7 ـ «مذكرات شاهد القرن ـ الطفل ـ».
8 ـ «مذكرات شاهد القرن ـ الطالب ـ».
9 ـ «المسلم في عالم الاقتصاد».
10 ـ «مشكلة الثقافة».
11 ـ «وجهة العالم الإسلامي».
حمود يونس
مراجع للاستزادة: |
ـ أسعد السحمراني، مالك بن نبي ـ مفكراً إصلاحياً ـ (دار النفائس، بيروت 1404هـ/1984).
ـ الطاهر سعود، التخلف والتنمية في فكر مالك بن نبي (دار الهادي، بيروت 2006). ـ نورة خالد السعيد، التغيير الاجتماعي في فكر مالك بن نبي (الدار السعودية للنشر والتوزيع، جدة، المملكة العربية السعودية 1418هـ/1997م).
- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد العشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 455 مشاركة :