كاهنه (دهيا)
-- - --

الكاهنة (دهيا)

 

الكاهنة «دهيا» ويقال الكاهنة دميا بكسر الدال، لكن المرجح كما يقول ابن خلدون هي (دهيا)، الذي أرجع هذا الاسم إلى الدهاء والمكر، الذي تجلى في أوضح صوره في موقفها المتربص والمعادي لأعمال الفتح العربي الإسلامي بالمغرب الكبير، ولا تعرف تتمة اسم هذه الكاهنة حتى اليوم، وقد جاءت شهرتها في المقام الأول من قيادتها قبيلة جراوة في الأوراس في شرق المغرب الأوسـط (الجزائر اليوم)، وهي من القبائل المغربية التي كانت تعتنق الديانة اليهودية، وكانت هذه القبيلة بزعامة الكاهنة دهيا إحدى العقبات التي أدتّ إلى إطالة أمد عملية الفتح العربي الإسلامي للمغرب الكبير، وهي عملية استمرت سبعين عاماً تقريباً (من سنة 21-87هـ).

في سنة 73هـ ولّى الخليفة عبد الملك بن مروان حسان بن النعمان الغساني لمتابعة الفتح في إفريقية، ومع أن القائد زهير بن قيس البلوي انتصر على كُسيلة زعيم قبائل أوْرَبة وحلفائه من الروم، فإنه استشهد سنة 69هـ مع عدد كبير من جنده بمنطقة برقة حينما دهمه البيزنطيون في منطقة تقترب فيها الجبال من البحر ولا تسمح بمرور الجيش كله، ولم يرد الخليفة على هذه الضربة المؤلمة بسرعة لانشغاله بأمر منافسه على الخلافة عبد الله بن الزبير[ر] فلما تمَّ القضاء على الحركة الزبيرية سنة 73هـ وجه اهتمامه ثانية إلى المغرب.

ركَّز حسان هجومه أول الأمر على الروم وقاعدتهم البحرية والإدارية قرطاجنة واحتلها، ولكنه أخفق أمام الخصوم الآخين من بربر الأوراس بزعامة الكاهنة التي كان «جميع من بإفريقيا من الروم منها خائفون وجميع البربر لها مطيعون».

وقد ألحقت الكاهنة بحسان وجيشه هزيمة كبرى قتل فيها كثيرون، ووقع العديد من الوجهاء في الأسر، فاضطر إلى التراجع حتى نزل في منطقة قريبة من تاورغي (ليبيا حالياً)، وأقام بها وبنى هناك قصوراً عرفت بقصور حسان.

يبدو في كل عمل حسان بن النعمان ما يوحي وكأن الفاتحين أصبحوا يسيرون وفق خط يستفيدون فيه من تجاربهم الماضية، فتلك الاندفاعات التي كان ينتصر فيها المغاربة، كانت أشبه بموجات أو عاصفة عاتية، لا تلبث أن تهدأ بعد أمد قصير؛ لأنها مبنية على تحالفات في وجه خطر مهدد، فما إن يلوح زواله حتى ينفرط عقدها، أو تعود الأطراف المكونة لها إلى التصادم، وهذا يتيح للفاتحين العودة مستفيدين من ضعف خصومهم؛ وهذا ما حصل مع الكاهنة التي لجأت إلى تخريب القرى والعمران حتى تزيل مطامع العرب في إفريقية حسب رأيها، فوقع الخلاف بينها وبين المستقرين من أفارقة وروم، وقدَّم ذلك لحسان فرصة مواتية في الوقت الذي وصلته فيه إمدادات جديدة، فسار من جديد نحو إفريقيا سنة 79هـ بعد إقامته متربصاً في برقة خمس سنوات، وما إن دخل حسان قابس أول بلد في إفريقية، لم يتوقف خصوم الكاهنة عند حدّ الكف عن مقاومته بل استقبلوه بالترحيب، وقدموا العون إليه وتوجه بعد ذلك نحو بلاد الجريد حيث الكاهنة التي جابهته في موقعتين قتلت في الثانية بعد مطاردتها إثر هزيمة جيشها.

ولكي يأمن حسان ولاء قبائل الأوراس عقد لولدي الكاهنة لكل منهما على ستة آلاف فارس، وأخرجهم مع العرب يتجولون في المغرب يقاتلون الروم ومن كان ينضم إليهم ممن كفر من البربر.

بقضاء حسان على الكاهنة وانتصاره على الروم البيزنطيين قبل ذلك استقامت إفريقية لسلطان المسلمين وسارت عملية تحرير المغرب بعد ذلك بوتيرة عالية.

عبد الكريم العلي

الموضوعات ذات الصلة:

 حسان بن النعمان الغساني.

مراجع للاستزادة:

ـ ابن عذاري، البيان المغرب في أخبار المغرب (دار صادر، بيروت 1968).

ـ المالكي، رياض النفوس نشر حسين مؤنس، القاهرة 1951).

ـ ابن الأثير، الكامل في التاريخ (دار الكتاب العربي، بيروت 1967).


- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد السادس عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 28 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة