العدوان (قانوناً)
عدوان (قانونا)
Aggression - Agression
العدوان (قانوناً)
مما لاشك فيه أن الجريمة الدولية هي أخطر أنواع الجرائم على الإطلاق، وأكثرها تهديداً لأمن المجتمع الدولي وسلامته واستقراره. تمثل الجريمة الدولية عدواناً على المصالح الأساسية للمجتمع الدولي، التي تتمتع بحماية النظام القانوني الدولي، ذلك أن المجتمع الدولي يستلزم لشيوع الأمن والطمأنينة في ربوعه ضرورة الحفاظ على عدد من المصالح ذات الأهمية الملحوظة لكفالة استمرار الحياة فيه على نحو مستقر. ويعد السلام من أهم هذه المصالح التي يتم انتهاكها عند ارتكاب جريمة العدوان aggression التي تشكل الخطر الأكبر على حفظ الأمن والاستقرار في المجتمع الدولي، وضمان استمرار الحياة فيه؛ فالعدوان هو مصدر الشر والخراب، وهو الجريمة الأم التي ترتكب من خلالها كل أنواع الجرائم الأخرى، كجرائم الإبادة وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
توصلت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها 3314 عام 1974 إلى تعريف للعدوان، منهيةً بذلك جدلاً استمر سنوات طويلة بين الدول حول أهمية تعريف العدوان، وبموجب قرارها هذا عرّفت الجمعية العامة العدوان بأنه: «استخدام القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد دولة أخرى، أو سلامتها الإقليمية، أو استقلالها السياسي، أو بأية صورة أخرى تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة». وأكدت أنه «ما من اعتبار أياً كانت طبيعته، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً أو غير ذلك يصح أن يتخذ مبرراً لارتكاب عدوان. وأن الحروب العدوانية جريمة ضد السلم الدولي والعدوان يرتب المسؤولية الدولية».
حرصت الجمعية العامة في هذا القرار أيضاً تأكيد شرعيةِ استخدام القوة من جانب الشعوب المحرومة والخاضعة لنظم استعمارية أو عنصرية أو لأشكال أخرى من السيطرة الأجنبية؛ ممارسة من هذه الشعوب لحقها في تقرير المصير[ر].
ويتخذ العدوان صوراً وحالات عديدة أشارت الجمعية العامة في قرار التعريف السابق إلى أبرزها، وتشمل:
1ـ قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى، أو الهجوم عليه، أو أي احتلال عسكري ولو كان مؤقتاً ينجم عن مثل هذا الغزو أو الهجوم، أو أي ضمِّ لإقليم دولة أخرى أو لجزء منه باستعمال القوة، وهذه هي الصورة التقليدية للعدوان. ومثال هذه الحالات الهجوم العسكري الذي شنته إسرائيل على الدول العربية صبيحة الخامس من حزيران 1967، واحتلالها الأراضي العربية في ما تبقى من فلسطين والجولان وسيناء، وقيامها بضم الجولان السوري المحتل؛ إذ اتخذ الكنيست الإسرائيلي قرار الضم هذا في 14/كانون الأول/1981، وكذلك غزوها جنوبي لبنان مرتين، مرة عام 1978ومرة أخرى عام 1982، وبقيت إسرائيل تحتل هذا الجنوب إلى أن طردتها المقاومة الوطنية المسلحة في أيار من عام 2000 عدا مزارع شبعا.
2ـ قيام القوات المسلحة لدولة ما بقذف إقليم دولة أخرى بالقنابل، أو استخدام دولة ما أية أسلحة ضد إقليم دولة أخرى. ومثال هذه الحالة حرب الأيام السبعة على لبنان في الفترة ما بين 25 إلى 31 /7/1993 وهو العدوان الإسرائيلي الذي أطلق عليه اسم عملية تصفية الحسابات؛ فقد كان إلقاء القنابل والقذائف الأسلوبَ الذي اتبعته إسرائيل لشن عدوانها؛ إذ أطلقت المدفعية الإسرائيلية على لبنان21000 قذيفة، فيما أطلقت الطائرات الإسرائيلية 1000 صاروخ في أثناء هذا العدوان.
3ـ ضرب حصار على موانئ دولة ما أو على سواحلها من قبل القوات المسلحة لدولة أخرى. ومثال هذه الحالة الحصار الأمريكي للسواحل الكوبية، في أثناء أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، والحصار الإسرائيلي شبه الدائم للمياه الإقليمية اللبنانية.
4ـ قيام القوات المسلحة لدولة ما بمهاجمة القوات المسلحة البرية أو البحرية أو الجوية أو الأسطولين التجاريين البحري والجوي لدولة أخرى، كالعدوان الإسرائيلي على مطار بيروت ليلة الثامن والعشرين من كانون الأول عام 1968، وأدى إلى تدمير الأسطول الجوي لشركة «طيران الشرق الأوسط Middle East» بكامله.
5 ـ قيام دولة ما باستعمال قواتها المسلحة داخل إقليم دولة أخرى بموافقة الدولة المضيفة على وجه يتعارض والشروط التي ينص عليها الاتفاق، أو أي تمديد لوجودها في الإقليم المذكور إلى ما بعد نهاية الاتفاق.
6ـ سماح دولة ما وضعت إقليمها تحت تصرف دولة أخرى بأن تستخدمه هذه الدولة الأخرى لارتكاب عمل عدواني ضد دولة ثالثة، ومثال هذه الحالة سماح بريطانيا للطائرات الأمريكية بالانطلاق من أراضيها لشن العدوان على ليبيا ليلتي 15ـ 16 نيسان 1986.
7 ـ إرسال عصابات أو جماعات مسلحة أو قوات غير نظامية أو مرتزقة من قبل دولة ما أو باسمها، ومثالها ما قامت به الولايات المتحدة الأميركية ضد حكومة نيكارغوا، وكان هذا موضوع نزاع عُرِضَ أمام محكمة العدل الدولية، التي أصدرت حكمها الشهير عام 1986 بإدانة هذا السلوك الأمريكي غير المشروع بعبارات واضحة.
وعلى الرغم من خطورة جريمة العدوان، وفداحة ما ينجم عنها من أضرار وخسائر؛ عارضت بعض الدول كأمريكا وإسرائيل إدراج هذه الجريمة ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية[ر] متذرعين بحجج سياسية، ومبررات واهية، وهو ما رفضته غالبية دول العالم التي أيدت إدراج العدوان ضمن اختصاص المحكمة، وهو الموقف الذي تبنته سورية والدول العربية الأخرى، ودول حركة عدم الانحياز، وعملت لأجله. وتسوية لهذا الخلاف نصَّ النظام الأساسي للمحكمة الذي أقر في 17/7/1998 اختصاص المحكمة بالنظر في جريمة العدوان (المادة الخامسة) بيد أنه أخضع هذا الاختصاص لآلية خاصة تخضع لأحكام المادتين 121و123 منه، وهما تقرران في هذا الصدد: أنه بعد انقضاء سبع سنوات من بدء نفاذ النظام الأساسي يقوم الأمين العام للأمم المتحدة بالدعوة لعقد مؤتمر استعراضي للدول الأطراف، وفي هذا المؤتمر ينبغي أن يتم الموافقة على تعريف العدوان وفق ميثاق الأمم المتحدة، والنظام الأساسي للمحكمة، الذي يعطي مجلس الأمن القول الفصل في تحديد صفة الحالة المعروضة عليه. وتتم الموافقة على التعريف بموافقة ثلثي الدول الأطراف في نظام روما الأساسي بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية.
ومتى تحققت الأغلبية المطلوبة فإن المحكمة تمارس اختصاصها بخصوص جريمة العدوان بعد مرور سنة واحدة من تاريخ إيداع صكوك التصديق أو القبول بالنسبة للدول التي وافقت عليه، وأما بالنسبة للدولة التي لم توافق على تعريف العدوان فإن المحكمة ليس لها أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بهذه الجريمة وذلك عندما ترتكب في إقليم هذه الدولة أو يرتكبها أحد مواطنيها.
وهذا يعني أنه إذا أمكن التوصل إلى تعريف متفق عليه للعدوان فلن تستطيع المحكمة أن تمارس اختصاصها بالنسبة لهذه الجريمة قبل انقضاء ثماني سنوات، على الأقل، من بدء دخول النظام الأساسي حيز النفاذ، وهي من غير شك فترة طويلة سينعم فيها قادة الدول المعتدية بالطمأنينة والأمان من أي إمكانية لملاحقتهم شخصياً على الصعيد الدولي، جزاءًً وفاقاً لما اقترفوه من جرائم، ولو تم ذلك فإن لمجلس الأمن بموجب نظام روما الأساسي (م 16) أن يمنع المحكمة من البدء بممارسة صلاحياتها بالتحقيق والمقاضاة أو بإيقافهما، إن كانا بدأا، وذلك لمدة اثني عشر شهراً قابلةً للتمديد من دون حدود.
إبراهيم دراجي
الموضوعات ذات الصلة: |
الجريمة ـ المحكمة الجنائية الدولية.
مراجع للاستزادة: |
ـ فتوح عبد الله الشاذلي، القانون الدولي الجنائي،النظرية العامة للجريمة الدولية (المكتبة القانونية لدار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية 2001).
ـ إبراهيم دراجي، جريمة العدوان ومدى المسؤولية القانونية الدولية عنها، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق (جامعة عين شمس، القاهرة 2002).
- FERENCZ BENJAMIN, Getting Aggressive about Preventing Aggression, the Brown Journal of World Affairs, Winter/ Spring 1999 Vol.VI, Issue 1.
- التصنيف : القانون - المجلد : المجلد الثالث عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 41 مشاركة :