طيب لغوي (عبد واحد علي)
Abu al-Tayib al-Lughawi (Abd al-Wahid ibn Ali-) - Abu al-Tayib al-Lughawi (Abd al-Wahid ibn Ali-)

أبو الطيب اللغوي (عبد الواحد بن علي ـ)

(… ـ 351 هـ/… ـ 962م)

 

عبد الواحد بن علي العسكري، المعروف بأبي الطيب اللغوي الحلبي، ولد في بلدة «عسكر مُكْرَم» في إقليم الأهواز (خوزستان) شرقي العراق، وإليها نسبته (العسكري)، وفي هذه البلدة نشأ كثير من الفضلاء والعلماء الذين كانت تُشد إليهم الرحال ويُقصدون من جهات شتى، كأبي هلال العسكري (ت: بعد 395هـ) صاحب كتابي «الصناعتين» و«جمهرة الأمثال»، وأبي أحمد العسكري (ت:382هـ) صاحب كتابي «المصون» و«شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف».

عاش أبو الطيب اللغوي في النصف الأول من القرن الرابع، ولا تُعلم السنة التي ولد فيها، وهذا القرن يعد أزهى عصور الحضارة العربية وأغناها في العلم والثقافة، وأحفلها بالبحث والتأليف في فنون الآداب وعلوم العربية.

نشأ أبو الطيب في بلدته «عسكر مكرم» وقضى فيها سنوات فتوته الأولى بالدرس والتحصيل، وحذق النحو واللغة، وأصاب حظّاً موفوراً من العلم والأدب. ثم رحل إلى بغداد حاضرة الخلافة العباسية، وأم الدنيا حضارةً وعمراناً في ذلك العصر. وفي بغداد درس على أشهر علمائها من أمثال أبي بكر الصولي (ت:335هـ) الكاتب المشهور وصاحب الشعر والنثر والأخبار، كما أخذ عن أبي عمر الزاهد (ت:345هـ)، المعروف بغلام ثعلب أي تلميذه، وقرأ عليه كتب اللغة مثل كتاب النوادر لأبي عمرو الشيباني (ت:206هـ)، وكتاب الفصيح لثعلب (ت:291هـ)، وإصلاح المنطق لابن السكيت (ت:244هـ)، وكانت قراءته لهذين الكتابين الأخيرين على «الزاهد» حفظاً.

ومن تلاميذ أبي الطيب اللغوي في بغداد ابن القارح صاحب الرسالة المشهورة التي بعث بها إلى أبي العلاء المعري (ت:449هـ)، وأجابه المعري عنها برسالة الغفران.

وفي بغداد عظم شأن أبي الطيب اللغوي، وفيها ألف بعض كتبه ومنها كتاب الإتْباع الذي أعجب به البغداديون وتداولوه فيما بينهم، وذاعت شهرته في الآفاق، وغلب عليه الاشتغال باللغة، حتى عُرف باللغوي، ولزمه هذا اللقب بعد ذلك طوال حياته وبعدها.

ثم يمّم وجهه شطر مدينة حلب، وأميرها يومئذ سيف الدولة الذي عرف بميله إلى الشعر والأدب والنقد، وبإكرامه الشعراء والأدباء، وكانت حلب في أيامه من أبرز الحواضر الإسلامية، وأحفلها بالعلماء والأدباء والشعراء ممن اجتذبهم سيف الدولة وجاؤوا من بلاد شتى: كالفارابي وابن خالويه وابن جني وأبي علي الفارسي، وكان أبو الطيب اللغوي واحداً من تلك النخبة التي ضمها قصر سيف الدولة في حلب إلى جانب لفيف من الشعراء الذين قدموا من أطراف البلاد كالمتنبي والوأواء والنامي والسريّ الرفّاء وكُشاجِم وأبي بكر الصنوبري.

وفي حلب التقى أبو الطيب اللغوي عالماً كبيراً من علماء العربية قدم من بغداد إلى حلب أيضاً وهو ابن خالويه، فقامت بين الرجلين خصومة ومنافسة شديدة على التقدم والشهرة والتبريز، ولكن كان أبو الطيب صاحب قصب السَّبْق والتقدم، يقول تلميذه ابن القارح:»حدثني أبو علي الصقلّي بدمشق قال: كنت في مجلس ابن خالويه إذ وردت عليه من سيف الدولة مسائل تتعلق باللغة، فاضطرب لها ودخل خزانته، وأخرج منها كتب اللغة وفرّقها على أصحابه يفتشونها ليجيب عنها. وتركته وذهبت إلى أبي الطيب اللغوي وهو جالس، وقد وردت عليه المسائل بعينها وبيده قلم الحمرة، فأجاب به ولم يغيره، قدرةً على الجواب».

استمرت إقامة أبي الطيب اللغوي في حلب، واتخذها موطناً له ومستقرا،ً وعاش بقية حياته فيها ولم يغادرها قط حتى قضى شهيداً هو وأبوه ليلة الثلاثاء لثمانٍ بقين من ذي القعدة في حملة الروم الغزاة على حلب بقيادة الدمستق حين دخلها وأخذ منها خلقاً كثيراً من النساء والأطفال وقتل معظم الرجال، ولم يسلم إلا من اعتصم بالقلعة منهم. وهكذا كان استشهاد أبي الطيب اللغوي في تلك المحنة فاجعة أليمة للعلم والإنسانية، إذ ذهبت بكثير من أخباره وأوراقه وكتبه.

أما مؤلفاته التي سلمت فهي: «كتاب مراتب النحويين»، يُعد هذا الكتاب من المصادر الأولى لمن ترجم لأعلام اللغة والنحو والأدب، وقد أقامه أبو الطيب على ذكر مراتب العلماء ومنازلهم من العلم، وحظهم في الرواية منذ ظهور اللحن ووضع النحو حتى عصره، و«كتاب الأضداد في كلام العرب» يعنى بجمع الكلمات التي تستعمل كل منها بمعنيين متضادين مثل أسرّ بمعنى أخفى وبمعنى أظهر، و(وراء) بمعنى أمام وخلف، وقد رتّب ألفاظه على حروف الهجاء ويمتاز بغزارة مادته وكثرة شواهده من أشعار العرب ومن آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول عليه الصلاة السلام ومن أقوال الفصحاء الثقات من العرب، و«كتاب الإتْباع» صغير على حروف المعجم، ألفه في بغداد وتداوله البغداديون، و«كتاب شجر الدر» سلك فيه مسلك أستاذه أبي عمر الزاهد في كتاب «المداخل»، و«كتاب الإبدال»، و«كتاب الفرق»، و«كتاب المثنى».

وذكر أبو العلاء المعري في رسالة الغفران أن أبا الطيب اللغوي كان يتعاطى شيئاً من النظم. ولكنه نظم ضعيف.

محمود فاخوري

 مراجع للاستزادة:

 

ـ أبو الطيب اللغوي، الأضداد في كلام العرب (ومقدمة المحقق)، تحقيق عزة حسن (دمشق 1963م).

ـ أبو الطيب اللغوي، مراتب النحويين (ومقدمة المحقق)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (القاهرة 1955م).

ـ محمد راغب الطباخ، إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء، صححه وعلق عليه محمد كمال (حلب 1988م).


- التصنيف : اللغة العربية والأدب العربي - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد الثاني عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 666 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة