مزيديون
Mazyadid Dynasty - Mazyadides

المزيديون

(403 ـ 545هـ/1012ـ 1150م)

 

المزيديون أو بنو مزيد سلالة حاكمة من الأمراء ترجع أصولها إلى عشيرة النواشر من بني أسد، حكمت أواسط العراق وباديته ما بين هيت والكوفة من أواخر القرن الرابع حتى منتصف القرن السادس للهجرة، ودخلت التاريخ مع بدايات القرن الخامس في الفترة التي سيطر فيها البويهيون ومن ثم السلاجقة على شؤون الخلافة العباسية.

برز اسم بني مزيد حين منح الحسن ابن محمد المهلبي وزير معز الدولة البويهي[ر] إمرة بادية العراق إلى مزيد بن مرثد الناشري الأسدي (ت نحو 370هـ). وتولى الإمارة بعد وفاته ابنه سند (سناء) الدولة أبو الحسن علي بن مزيد، فسار على نهج أبيه، وشق عصا الطاعة على بهاء الدولة سنة 378هـ، ثم رضخ له في خاتمة المطاف. وكانت له وقائع كثيرة مع بني دُبيس وخفاجة وعقيل وغيرهم من أجل السيطرة على البطائح (أرض واسعة بين واسط والبصرة)، والجزيرة الدبيسية (في نواحي خوزستان والأهواز). وعزز من شهرته ونفوذه خضوعه الظاهري للبويهيين ونوابهم في العراق ولاسيما فخر الدولة وبهاء الدولة اللذان أقراه أميراً على بادية العراق. وبعد وفاة بهاء الدولة سنة 403هـ أعلن علي بن مزيد استقلاله بما تحت يده، واتخذ من بلدة «الجامعين» على الضفة الشرقية من الفرات بالقرب من الحلة الحالية حاضرة له بعد أن استخلصها من العقيليين[ر] أصحاب الموصل، وأقره على ذلك سلطان الدولة البويهي والخليفة الطائع لأمر الله، وأرسلا إليه الخلع والهدايا. ويُعد ذلك التاريخ بداية دولة بني مزيد. إن علياً المذكور خاض حرباً طويلةً مع مضر بن دبيس وإخوته أخذاً بثأر أخيه، وكانت المعارك فيها سجالاً بين الطرفين، لكن بني دبيس تمكنوا في خاتمة المطاف من انتزاع الجزيرة الدبيسية من سند الدولة، واقتصرت إمارته على بادية الحلة حتى وفاته سنة 408هـ/1017م.

وقد كان استقرار المزيديين في أواسط العراق مرهوناً باستعدادهم الدائم لتبديل ولائهم وتحالفاتهم بما يتناسب مع القوى المختلفة التي كانت تتنازع السلطة هناك، ومحاولة المحافظة على التوازن بين سلطة الخلفاء العباسيين وسلاطين البويهيين (الديلم) ثم السلاجقة (الترك) الأوصياء على الدولة والمهيمنين على شؤونها، وكذلك ضمان عدم تمكين أي طرف منهم من فرض سيطرته الكاملة على البلاد. وزاد في تعقيد الموقف في تلك الحقبة حقيقة كون المزيديين ميالين إلى التشيع، مثل أكثر القبائل العربية في بادية الشام والعراق، وارتكاز حكمهم على منطقة الحلة التي تعد قلب الوسط الشيعي وتضم أهم مركزين مقدسين النجف وكربلاء.

ازداد ظهور بني مزيد ونفوذهم باعتلاء نور الدولة أبي الأعز دبيس بن علي (394- 474هـ/1004-1082م) سدة الإمارة بعد وفاة أبيه، ولم يكن قد بلغ من العمر 14 سنة. وفي عهد نور الدولة هذا أخذ ذكر «الجامعين» يختفي تدريجياً من المصادر التاريخية ليحل محله اسم «الحلة» (أي مكان الحِلِّ أو المضارب) التي أخذت تتسع مع مرور الوقت وازدياد نفوذ بني مزيد، فقصدها التجار وازدهرت، وأقيمت فيها دور السكن والقصور ليكتمل بناؤها وسورها في عهد رابع أمراء الأسرة حفيد دبيس سيف الدولة صدقة بن المنصور.

لم يتابع دبيس سياسة الخصومة والنزاع مع قبيلة بني دبيس التي تربطه بها صلات القرابة، وكانت الشغل الشاغل لأبيه في سنواته الأخيرة. ولكنه تورط سنة 415هـ في صراع طويل مع قرواش بن مقلد العقيلي صاحب الموصل والأنبار بسبب تمرد أخيه المقلد بن علي، الذي لجأ إلى قرواش المذكور. كما تورط سنة 416هـ في الصراع الذي دار بين جلال الدولة بن بهاء الدولة وأبي كاليجار ابن أخيه سلطان الدولة البويهيين المتنافسين على ملك العراق. وفي سنة 421هـ كانت أملاك دبيس قد تقلصت إلى درجة كبيرة واستولى أعداؤه على أكثر ما تحت يده، واضطر إلى دفع إتاوة سنوية إلى جلال الدولة. وزاد الأمر سوءاً تمرد أخيه الثالث ثابت بن علي وتحالفه مع القائد التركي أرسلان البساسيري[ر]، وكذلك تمرد قبيلة خفاجة البدوية في أرباض البصرة. وفي خضم الصراع الذي دار وسط العراق وانتهى إلى سيطرة السلاجقة بزعامة طغرلبك على بغداد، انضم دبيس إلى حركة البساسيري في الدعوة إلى الفاطميين في بغداد، فكان انحيازه إلى الجانب الخاسر، في حين انحاز خصمه قريش ابن بدران العقيلي إلى طغرلبك. ومع ذلك تمكن دبيس بعد أن استتب الأمر للسلاجقة من الاحتفاظ بإمارته، وتوفي سنة 474هـ عن 80 سنة تاركاً الإمارة لابنه بهاء الدولة أبي كامل المنصور بن دبيس، وأقره عليها ملكشاه بن طغرلبك وخلع عليه الخليفة. ولكن عهد المنصور لم يطل وتوفي سنة 479هـ، وخلفه ابنه سيف الدولة أبو الحسن صدقة (الأول) بن المنصور أميراً على بادية العراق ووسطه غربي دجلة بموافقة ملكشاه. لكنه تورط في الصراع بين ولدي ملكشاه بركياروق ومحمد، فانحاز في البدء إلى الأول، ثم تحول إلى مناصرة محمد سنة 494هـ وخطب له على منابر الحلة، ثم أسقط الخطبة لكليهما، واكتفى بالدعاء للخليفة المستظهر وحده. وينسب إلى صدقة هذا بناء مدينة الحلة على نحو ما ذكر، فاهتم بعمارتها وأدار أسوارها وجعلها حاضرته. واستفاد من الأوضاع غير المستقرة في العراق فوسع نفوذه ومد سلطانه إلى مناطق واسعة، فضم إليه هيت ثم واسط (497هـ) وتكريت (500هـ) ولقبه معاصروه «ملك العرب». وخشي السلطان محمد بن ملكشاه ـ الذي أصبح آنذاك السيد المطلق في العراق ـ من ازدياد نفوذ ابن مزيد، فسار إليه سنة 501هـ على رأس جيش كبير وهزمه وقتله عند النعمانية وأسر ابنه دبيس ثم أطلقه.

نال نور الدولة أبو الأعز دبيس (الثاني) بن صدقة (463- 529هـ/1071-1135م) ما ناله أبوه من العز والشهرة والنفوذ لما تحلى به من شجاعة وكرم وحسن معاملة، وإلمامه بالشعر والأدب، وهو الذي عناه الحريري[ر] في المقامة العمانية، فضرب به المثل في النبل والتقوى. وكان دبيس هذا قد عاد إلى الحلة سنة 512هـ بعد وفاة السلطان محمد، فأقامه أهلها أميراً عليهم مكان أبيه. وسرعان ما استرد مكانته نتيجة تدخله في النزاع بين محمود ومسعود ابني السلطان محمد على العرش، فانضم إلى مسعود وضايق محموداً والخليفة المسترشد وهددهما باحتلال بغداد. غير أن تقلب الأحوال في تلك الحقبة اضطره إلى اللجوء إلى الفرنجة الصليبيين في الرها في شمالي سورية سنة 518هـ/1124م والانضمام إلى بلدوين الثاني ملك بيت المقدس في هجومه المخفق على حلب، ومن ثم اللجوء إلى حميه (والد زوجته) إيلغازي الأرتقي في ماردين، ثم الالتحاق بالسلطان سنجر السلجوقي في الشرق. ومع استرداد الخلافة العباسية بعض سلطتها اضطر دبيس في خاتمة المطاف إلى اللجوء إلى السلطان مسعود في مراغة (أذربيجان)، الذي غدر بالاثنين، فقتل الخليفة، وحمّل دبيساً دمه، ودس له مملوكاً أرمنياً اغتاله على باب سرادقه في ماردين سنة 529هـ.

انضم سيف الدولة صدقة (الثاني) ابن دبيس إلى السلطان مسعود على ابن أخيه داود بن محمود، ولكنه وقع في الأسر وقتل في الحرب التي خاضها ضده سنة 532هـ، وخلفه على كرسي الإمارة أخوه محمد بن دبيس، لكنه اضطر إلى التخلي عنها لأخيه علي (الثاني) الذي توفي سنة 545هـ، وانقرضت بموته دولة بني مزيد. وانتقلت السلطة في الحلة إلى يد الخليفة المكتفي بالله وبعض القادة الترك من موالي السلطان محمد بن أرسلانشاه. واضطرت قوات الخليفة إلى الانسحاب من الحلة عام 551هـ، ثم عادت إليها سنة 558هـ في عهد الخليفة المستنجد بالله بعد أن قويت شوكته وضعف نفوذ السلاجقة، ولاحق حلفاؤه من بني المنتفق من بقي من آل مزيد و بني أسد فأبادوهم وطردوا من بقي منهم من الحلة والبطيحة فانساحوا في بوادي الشام والحجاز.

قائمة بأسماء الحكام المزيديين

سند الدولة علي الأول (403هـ/1012م)

نور الدين دبيس الأول (408هـ/1017م)

بهاء الدولة أبو كامل منصور (474هـ/1081م)

سيف الدولة صدقة الأول (479هـ/1086م)

نور الدولة دبيس الثاني (501هـ/1107م)

صدقة الثاني (529هـ/1135م)

محمد (532هـ/1137م)

علي الثاني (540- 545هـ/1145-1150م)

محمد وليد الجلاد

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

البصرة ـ البويهيون ـ الحلة ـ السلاجقة ـ العقيليون ـ واسط.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ ابن الأثير، الكامل في التاريخ (دار الكتاب العربي، بيروت 1967).

ـ ستانلي لين بول، الدول الإسلامية، القسم الأول (مكتب الدراسات الإسلامية، دمشق، د.ت).

ـ ياقوت الحموي، معجم البلدان، (دار الكتب العلمية، بيروت 1990).

ـ ابن كثير، البداية والنهاية (دار الفجر للتراث، القاهرة 2003).

 


- النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد الثامن عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 478 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة