زياد ابيسفيان
Ziyad ibn abi Sufian - Ziyad ibn abi Sufian

زياد بن أبي سفيان

(1ـ 53هـ/622 ـ 672م)

 

أبو المغيرة، من رجالات ثـقيف ودهاتها، ومن القادة الفاتحين والولاة الإداريين الأكفياء. كان من الخطباء المفوَّهين، ومن نبلاء الرجال رأياً وعقلاً وحزماً وفطنة، وكان يضرب به المثل في النبل والسؤدد.

اختلف في اسم أبيه، فعرف باسم زياد بن أبيه، ثم نسب إلى أمه سمية التي كانت مولاة للحارث بن كلدة الثقفي طبيب العرب (ت نحو05هـ)، ولما استلحقه الخليفة معاوية بنسبه، عرف باسم زياد بن أبي سفيان.

ولد في الطائف، وأدرك النبيr ولم يره، وأسلم في خلافة أبي بكر الصديق (11ـ13هـ) وكان بين المهاجرين الثقفيين إلى البصرة وهو ابن أربع عشرة سنة، وعهد إليه بتوزيع الغنائم على جند البصرة، لأنه كان يعرف القراءة والكتابة والحساب، وكان كاتباً بليغاً، كتب لأبي موسى الأشعري زمن إمرته على البصرة، وللمغيرة بن شعبة.

انضم زياد إلى علي بن أبي طالب في أثناء خلافته، وتولّى البصرة في غياب عاملــها عبد الله بن عباس سنة 38هـ، وأخمد وأصحابه فتنة ابن الحضرمي الذي أرسله معاوية لإثارة بني تميم، وعلى إثر ذلك بعثه الخليفة علي إلى فارس لتهدئة الأحوال فيها، فأعاد الاستقرار والأمن إليها بحنكته ودهائه مما جعل أهل فارس يقولون «ما رأينا سيرة أشبه بسيرة كسرى أنو شروان من سيرة هذا العربي في اللين والمداراة».

ولما قتل الخليفة علي بن أبي طالب سنة 40هـ بقي زياد على ولائه لآل علي، ولم يزل بفارس والياً حتى صالح الحسن بن علي معاوية سنة 41هـ، وللمزايا التي كان يتمتع بها زياد، فإن معاوية رأى أن يكسبه إلى جانبه، ويستفيد من خبراته الإدارية لدعم سلطان الأمويين، ونجح المغيرة بن شعبة بإقناع زياد بالانضمام إلى معاوية، فقبل والتحق به في دمشق حيث استلحقه بنسبه سنة 44هـ معترفاً بأبوة أبي سفيان لزياد، وفي سنة 45هـ أرسله والياً على البصرة، وضم إليه خراسان وسجستان والهند والبحرين وعمان.

قدم زياد البصرة والأمن فيها مضطرب والفسق ظاهر فاش نتيجة لسياسة اللين التي كان قد اتبعها عبد الله بن عامر (ت59هـ) في أثناء ولايته. أوضح زياد للبصريين سياسته التي سوف ينهجها في خطبته المشهورة المعروفة باسم البتراء (لأنه لم يحمد الله فيها) وأشار في بداية خطبته إلى أخطاء أهل البصرة، ونواحي الفساد فيهم وأعلن عزمه على القضاء عليها، وحث على تضامن الناس في حفظ النظام فقال: «وإني أقسم بالله لآخذن الولي بالمولى، والمقيم بالظاعن، والمقبل بالمدبر، والصحيح منكم بالعليل، حتى يلقى الرجل منكم أخاه، فيقول انج سعد فقد هلك سعيد، أو تستقيم لي قنِاتكم». فإن استقامت أمورهم فإنه عندئذ سوف يطبق «سياسة اللين في غير ضعف والشدة في غير جبرية ولاعنف».

كان لهذه الخطبة أثر حاسم في نفوس البصريين وسلوكهم لأنه أتبعها بالعمل وأظهر أنه ينفذ ما يهدد به، وعندما علم زياد أن لبعض البيوت حرّاسها خوفاً من تعرضها للسرقة، وأن المرأة تستغيث، فما يغيثها أحد، هاله الأمر، فمنع التجول ليلاً وبيّن عقوبة ذلك وأمهلهم ثلاثاً ريثما يُبَلغ الحاضر الغائب، ثم صار يؤخر صلاة العشاء حتى يكون آخر من يصلي، ثم يأمر المقرئ بتلاوة سورة البقرة، وبعد فترة يأمر صاحب الشرطة بالخروج إلى الطرقات، فكان لايرى إنساناً إلا قتله، فأمن الناس بعضهم بعضاً حتى كان الشيء يسقط من الرجل والمرأة فلايعرض له أحد حتى يأتيه صاحبه فيأخذه، وتبيت المرأة فلا تغلق بابها.

لم يكتف زياد بتوطيد الأمن داخل المدينة، بل اهتم بأمن الطرق المؤدية إليها، فبعث إلى رجال من بني تميم ورجال من بني بكر وطلب منهم أن يدلوه على صلحاء كل ناحية ومن يُطاع فيها فدلّوه، فضمّنهم الطريق وحدّ لكل رجلٍ حداً، يكون فيها المسؤول عن تطبيق الأمن والنظام في منطقته، فكان زياد يقول: «لو ضاع حبل بيني وبين خراسان عرفت من آخذه».

في سنة 50هـ توفي المغيرة بن شعبة والي الكوفة، فكتب معاوية لزياد بعهده على الكوفة والبصرة، فكان أول والٍ جمع له العراقين، فكان زياد يقيم ستة أشهر بالكوفة وستة أشهر بالبصرة، وبعث إلى الكوفة نائباً عنه عمرو بن الحريث (ت85هـ)، وكان أمر شيعة علي قد استفحل بعد ما بدا من لين المغيرة ابن شعبة وتسامحه، وقام الكوفيون على عمرو بن الحريث فحصبوه في مسجد الكوفة وهو يخطب فيهم بتحريض من حُجْر بن عدي الكندي[ر] (ت51هـ) رئيسهم الذي كان يجتمع إليه شيعة علي، ويظهرون لعن معاوية والبراءة منه، فكتب زياد إلى معاوية يستشيره في أمر حجر، ويذكر شغبه وتجميعه الناس على الأمويين، فطلب منه معاوية أن يحمله إليه مع نفر من أصحابه إلى دمشق حيث أمر معاوية بقتلهم، وبعد مقتل حجر بن عدي، اكتفى زياد بمراقبة تحركات الشيعة والحد من نشاطهم، واستمال سادات القبائل الذين كان يجتمع بهم ويتحدث إليهم ويستشيرهم في أمور الدولة ويجزل لهم العطاء، فوقفوا إلى جانبه صفاً واحداً.

كان من أهم الإجراءات التي اتخذها زياد بعد أن جمعت له الكوفة والبصرة وآلت إليه خراسان، إجراءان كان لهما أهميتهما، إذ وجد أن الأمر لن يستقر في منطقة ما وراء النهر إن لم يستقر في خراسان، فكان أول إجراء هو جعل مرو مركز ولاية خراسان، وولىّ عليها أمير بن أحمر الذي كان أول من أسكن العرب بمرو. أما الإجراء الثاني فكان خطوة واسعة بعيدة المدى حين حمل خمسين ألف أسرة على أن تهاجر من البصرة والكوفة وأن تستقر في خراسان سنة 51هـ. وما من شك أن هجرة خمسين ألفاً بعائلاتهم كان عملاً منظماً يستر وراءه الكثير من الأهداف البعيدة سواء في ذلك تأمين ما كان من فتوح، أو أقلمة هذه القبائل حتى تستطيع القيام بفتوح أخرى، أو نثر بذور التعريب والإسلام، أو كل ذلك جميعاً.

وإلى زياد يعود الفضل بتنظيم أحياء البصرة والكوفة، فجعل البصرة أخماساً والكوفة أرباعاً بعد أن كانت مقسمة إلى سبعة أقسام، وجمعت في هذه الأرباع قبائل مختلفة كوحدات ذات قوة متعادلة، ووضع على رأس هذه التقسيمات رؤساء عينهم من قبله، كما أنه جمع المقاتلين من كل قبيلة في فرق مختلفة بحيث لايقاتل أبناء القبيلة في فرقة عسكرية واحدة بل كانت الفرقة العسكرية عبارة عن خليط من أفراد عدة قبائل، وبذلك استطاع أن يجعل ولاء المقاتلين للدولة وليس للقبيلة.

لم يكن اهتمام زياد موجهاً إلى تثبيت سلطان البيت الأموي وتوطيد الأمن والنظام في الأقاليم التي عهد إليه بإدارتها فحسب، وإنما وجه اهتمامه إلى أمور أخرى، فكان أول من دون الـدواوين[ر] في العراق، ووضع النسخ للكتب، وأفرد كتاب الرسائل من العرب والموالي الفصحاء، وكان أول من بسط الأرزاق على عماله . كما شجع العرب على إحياء الأرض الموات، فكان يقطع الرجل قطعة من الأرض مساحتها 60جريباً (الجـريب =1592م2) ثم يدعه عامين، فإن عمّرها أصبحت له وإلا استردها منه، واهتم بشؤون الزراعة والري، وأنشأ جسراً ليمنع طغيان الماء في الكوفة، وظل هذا الجسر قائماً طوال الحكم الأموي، وقام بإصلاحه وتجديده كل من ابن هبيرة وخالد بن عبد الله القسري[ر] ويزيد بن عمر بن هبيرة.

وللأهمية السياسية للمسجد، فإن زياد زاد في مسجد البصرة زيادة كبيرة، وبناه بالآجر والجص، وسقفه بالساج، وبنى منارته بالحجارة. وفي الكوفة قرر إعادة بناء مسجد الكوفة، فدعا بنائين من بنائي الجاهلية فوصف لهم موضع المسجد وقدره وما يرى من طوله في السماء، فقال له بناء كان لكسرى: «إن هذا لايتحقق إلا بأساطين من جبال الأهواز تنقر ثم تـثـقب ثم تحشى بالرصاص وبسفافيد الحديد»، ويصف ابن جبير مسجد الكوفة عندما زارها سنة 580هـ/1184م بأنه لم يشهد مسجداً له أساطين طويلة وسقف مرتفع كمسجد الكوفة، ويذكر ابن الفقيه أن زياداً بنى سبعة مساجد فلم ينسب إليه شيء منها، وأن كل مسجد بالبصرة كانت رحبته مستديرة فإنه من بناء زياد.

توفي زياد في الكوفة ورثاه كثير من الشعراء، منهم: ربيعة بن عامر المعروف بـ«مسكين الدارمي» (ت89هـ) وحارثة بن بدر الغداني (ت64هـ) الذي قال:

أبا المغيرة والدنيا مغررة

وإن مَنْ غرَّت الدنيا لمغرور

قد كان عندك للمعروف معرفة

وكان عندك للتنكير تنكير

نجدة خماش

الموضوعات ذات الصلة:

 

معاوية بن أبي سفيان ـ المغيرة بن شعبة.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (دار المعارف، مصر 1970).

ـ البلاذري، أنساب الأشراف، الجزء الرابع (مؤسسة الدراسات الإفريقية الإسلامية، القدس 1972).


- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد العاشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 466 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة