زنكيون (اتابكه موصل وجزيره وشام)
Zengides - Zenguides

الزنكيون (أتابكة الموصل والجزيرة والشام)

 

سلالة تنسب إلى زنكي (عماد الدين) مؤسس الدولة التي عُرفت بأتابكية الموصل والجزيرة والشام، وزنكي هو ابن أقسنقر قسيم الدولة من مماليك السلطان السلجوقي ملكشاه (465ـ485هـ/1072ـ1092م) الذي ولاه السلطان حلب سنة 478هـ/1085م. فلما خرج على السلطان تتش من سلاجقة الشام قتله سنة 487هـ/1094م.

لم يخلِّف قسيم الدولة أقسنقر غير ولد واحد هو زنكي، وكان عمره يوم مقتل والده عشر سنوات، فالتف حوله أصدقاء أبيه ورجاله وتعهدوه بالرعاية والتدريب، وصار من قواد أمير الموصل مودود بن التوتكين سنة 502هـ، ثم من قواد آقسنقر البرسقي الذي خلف مودود على الموصل بعد مقتله في مسجد دمشق سنة 507هـ/1113م . وقد حضر معهما قتال الفرنج (الصليبين[ر]) وأظهر شجاعة فائقة، ولذلك فإنه عندما أقطع السلطان السلجوقي الأمير آقسنقر البرسقي سنة 516هـ/1122م مدينة واسط وأعمالها إضافة إلى ولاية الموصل، سيَّر البرسقي عماد الدين زنكي إلى واسط وأمره بحمايتها، ثم سيَّره إلى البصرة ليحميها من هجمات العرب (البدو)، فأظهر من حمايته لها ماعجب منه الناس ولم يزل يقصد البدو ويقاتلهم حتى أبعدهم إلى البادية .

في سنة 518هـ/1124م قرر عماد الدين زنكي الالتحاق بالسلطان السلجوقي محمود (511ـ525هـ/1117ـ1130م) فقدم عليه بأصبهان فأكرمه وأقطعه البصرة ثم أسند إليه سنة 521هـ/1127م شحنكية بغداد (شرطتها) إضافة إلى ماله من الإقطاع، وسار السلطان عن بغداد، وقد اطمأن قلبه من جهة العراق من أن عماد الدين قادر على حفظ بغداد كما حفظ واسط والبصرة مما عجز عنه غيره.

بعد مقتل أقسنقر البرسقي ووفاة ابنه عز الدين مسعود سنة521هـ، أقطع السلطان محمود عماد الدين زنكي الموصل وأعمالها لما يعلمه من كفايته لما يليه.

كان زنكي عسكرياً له من الحزم والشجاعة وحب النظام والتقيد بالقانون ما أحله محل الزعامة، ومكنه من شغل الدور الذي ناسب مرحلة استفاقة الأمة آنذاك، وقد أدرك زنكي حجم المسؤولية التي ألقيت على عاتقه وأدرك أن عليه، حتى يحقق النجاح، أن يوحد بين أجزاء الأمة الممزقة سياسياً ويُزيل جميع العوائق والفوارق، ويُطور حركة اليقظة وينميها فينفي عنها الفوضوية ويلزمها بالجدية والنظام والعمل البناء. وكانت خطته في العمل ضد العدو تسعى إلى إزالة إمارة الرها الصليبية ثم إسقاط إمارة أنطاكية، وبهذا تسد الثغرة ما بين أعالي الرافدين وشمالي الشام، ثم تغلق المنافذ البرية للصليبيين وآسيا الصغرى .وقد ساعد عماد الدين على تحقيق بعض أهدافه إقطاع السلطان حلب إلى عماد الدين إضافة إلى الموصل والجزيرة، يذكر ابن الأثير «أنه لولا أن الله منَّ على المسلمين بالأتابك عماد الدين لملكها الفرنج» فالفرنجة كانت قد اتسعت بلادهم وعظمت هيبتهم، وتتابعت غزواتهم وامتدت سلطتهم من ناحية ماردين إلى عريش مصر، لم يتخللها من ولاية المسلمين غير حلب وحماه وحمص ودمشق، وانقطعت الطرق إلى دمشق إلا البرية منها، كما جعلوا على كل بلد جاورهم خراجاً وإتاوة يأخذونها منهم ليكفّوا أذيتهم عنهم، فلما ولي عماد الدين زنكي الموصل وحلب غزا الفرنجة في عقر دارهم واستنقذ منهم كثيراً من الحصون والمعاقل، فاسترد معّرة النعمان، وكفر طاب، وبارين والأثارب ,والمنطقة الشمالية الغربية لإمارة حلب، وسعى لمد نفوذه إلى الجنوب فضم حماه وحمص وبعلبك وحاصر دمشق ليحقق وحدة بلاد الشام، أو وحدة ما تبقى منها، وفي سنة539هـ/1144م انتزع من الصليبيين أولى دول الفرنجة تأسيساً وهي إمارة الرها، وقد حاصرها زنكي ثمانية وعشرين يوماً ولجّ في قتاله خوفاً من اجتماع الفرنج واستنقاذ البلد منه، وأخذ البلد عنوة وحاصر قلعتها واستولى عليها.

في الخامس من ربيع الآخر سنة541هـ/1146م قُتل عماد الدين زنكي وهو يحاصر قلعة جعبر، قتله مملوك من مماليكه غيلة وهرب إلى قلعة جعبر، ويذكر ابن الأثير نقلاً عن والده «أن البلاد كانت قبل أن يملكها خراباً من الظلم وتنقل الولاة ومجاورة الفرنج فعمرها وامتلأت أهلاً وسكاناً». ووصفه ابن العديم في كتابه «بغية الطلب في تاريخ حلب» بقوله: «كان زنكي ملكاً عظيماً جباراً، وهو مع ذلك يراعي أحوال الشرع ويكرم أهل العلم» ووصفه أحد معاصريه: «كان أتابك زنكي بن قسيم الدولة إذا مشى العسكر خلفه كأنهم بين خيطين مخافة أن يدوس العسكر شيئاً من الزرع.. وكان إذا بلغه من جندي أنه تعدى على فلاح قطع خبزه (أي راتبه) وطرده، حتى عمَّر البلاد بعد خرابها،وأحسن إلى أهالي مملكته، وكان لا يبقي على مفسد،ونهى عن المغارم والسُخره، والتثقيل على الرعية، وأقام الحدود في بلاده».

انقسمت دولة عماد الدين بعد وفاته إلى قسمين فكان لنور الدين محمود[ر] حلب وحماة وحمص، ولسيف الدولة غازي ثم لأخيه قطب الدين مودود من بعده الموصل وما حولها، وكان أقواهم شكيمة وأشدهم عزماً في مجاهدة الفرنجة نور الدين محمود الذي رافق والده في معظم غزواته، وكان نور الدين قد تربى في كنف والده تربية صلاح وتقوى، ونال ثقافة عصره الدينية، وعاش دينه الإسلام وأحداث زمانه بإدراك المتبصر ووعي السياسي العميق وشجاعة المحارب المقدام، ونذر نفسه بعد تسلمه حلب وحماة وحمص على أن يتابع خطوات أبيه فيما سنَّه من جهاد الفرنجة، فعندما حاول هؤلاء مغتنمين فرصة مقتل والده إعادة استيلاء الرها، تصدى لهم بسرعة وأحبط مسعاهم، وكان يرى بثاقب بصيرته أن دمشق هي واسطة العقد في مدن الشام بالنسبة لخطة جهاده، وأن الفرنجة لن يَدَعَوا مهاجمتها حتى يخضعوها لسيطرتهم، ولذا كان يأمل أن تلتئم دمشق مع حلب وحماة والموصل في تكوين نواة واحدة عربية إسلامية، ولاسيما أنها هي الأقرب مكاناً إلى مملكة الصليبيين في بيت المقدس وإقليمها غني بالحبوب الضرورية لتموين المدن الشامية الجنوبية، ومن ثم كانت مملكة بيت المقدس لاتنفك عن الإغارة على حوران والجولان لتستولي على محاصيلهما وتسيطر على ماشيتهما، وفي سنة 549هـ/1154م، تمكن نور الدين من فتح دمشق بعد حصار عشرة أيام واستقبله أهلها بالفرح والترحاب، وبعد فتح دمشق عمل نور الدين بعزم ومثابرة على إتمام الوحدة الشامية، فقوى مركزه في حلب وامتدت سيادته من الشمال إلى الجنوب من إعزاز والرها حتى بصرى وصرخد، وحمى دمشق من عدة هجمات حاول فيها الفرنجة الإغارة على أطرافها في حوران وداريا، وفي سنة 567هـ/1172م، أصبحت مصر جزءاً من مملكة نور الدين وتابعة لبغداد مقر الخلافة العباسية.

قضى نور الدين ثمانياً وعشرين سنة وهي مدة حكمه (541ـ569هـ/1146ـ1174م) في محاربة الفرنج والبيزنطيين في حملات لم تتوقف، وكانت ميادين القتال موزعة بين شمالي الشام ووسطها وجنوبها وبين داخلها وساحلها، وكان ينتقل بجيوشه بسرعة مذهلة، وإن المرء ليدهش لسرعة حركته هذه، وكانت أخبار تحركات الفرنجة تصله عن طريق عيونه الذين بعثهم في كل ركن، وبطريق الحمام الزاجل الذي بني له الأبراج وزودها بالحرس.

لم يكن جهاد نور الدين في سبيل العلم والدين يقل عن جهاده في حرب الفرنجة والبيزنطيين، فقد بنى المدارس والمساجد والجوامع، والرُبُط في معظم المدن التي انضوت تحت رايته، وأوقف لها الأوقاف، وأكرم العلماء والفقهاء والمتصوفة وأجرى عليهم وعلى القراء الرواتب، وبنى مكاتب للأيتام لتعليمهم القراءة والكتابة وجعل لهم نفقة وكسوة، وخص معلميهم بالرواتب الوافرة، وبنى مستشفاه الكبير المشهور في دمشق، ولقد اهتم نور الدين بكل الشؤون التي تريح الرعية، فقد أسقط الضرائب والمكوس غير الشرعية وكان لا يحكم إلا بالشرع وبعقد مجالس العدل ويتولاها بنفسه، وكان أول من ابتنى داراً للعدل في دمشق، وكان يجلس فيها في الأسبوع مرتين، وربما أكثر، ولا يحميه من الناس حاجب.

توفى نور الدين سنة 569هـ/1174م، فخلفه ابنه الصالح إسماعيل، وكان صبياً، فلم يستطيع القيام بأعباء الملك، وحلّ الضعف والتمزق في جسم دولة نور الدين، وأخفق أمراء الموصل من آل زنكي في أخذ محله، ذلك أن صلاح الدين[ر] تحرك من مصر وجاء الشام، وبعد عمل متواصل استمر عدة سنوات ورث دولة نور الدين وأقام مكانها دولة جديدة هي الدولة الأيوبية.

استمرت دولة آل زنكي في الموصل وديار بكر حتى سنة 631هـ/1233م حينما استولى على الحكم لؤلؤ مملوك ناصر الدين محمود آخر أتابكة الموصل، وبقي حكم لؤلؤ وأولاده حتى استيلاء المغول سنة 660هـ/1261م . وقد تأسس فرع جديد من آل زنكي حينما اقطع نور الدين، عماد الدين ابن أخيه قطب الدين مودود سنجار سنة 566هـ/1170م، واستمر حكمهم فيها إلى سنة 617هـ/1220م، حينما استولى أيوبية ميافارقين عليها.

نجدة خماش

الموضوعات ذات الصلة:

 

صلاح الدين ـ نور الدين.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ ابن الأثير، الكامل في التاريخ (القاهرة 1348هـ ).

ـ ابن الأثير، التاريخ الباهر في الدولة الأتابكية (القاهرة 1937م).

ـ عماد الدين خليل، عماد الدين زنكي (بيروت).


- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد العاشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 419 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة