الزندقة
زندقه
Zandaka - Zandaka
الزندقة
دين خاص من أديان الفرس كاليهودية والنصرانية، والواحد زنديق والجمع زنادقة واللفظ فارسي معرب أصله من (زندي) أي المؤمن بكتاب زند وهو »لزردشت« المجوسي فليس في كلام العرب زنديق، وإنما تقول العرب زندق وزندقي إذا كان شديد البخل، فإذا أرادوا المعنى الشائع عند العامة قالوا: ملحد ودَهري (بفتح الدال وقد تضم المنسوب إلى الدهر)، والزنادقة من الطوائف الثنوية المؤمنين بالاثنين، فقد زعموا أن النور والظلمة أزليان قديمان متساويان في القدم ومختلفان في الجوهر والطبع والفعل، والحيِّز والمكان والأجناس والأبدان والأرواح، وانقسموا عدة فرق منها: المانوية، والمزدكية، والديناصية، والمرقونية، والكُيْنَونية والصيامية، والتناسخية.
وقد كانت الزندقة تعني طائفة خاصة من المانوية أتباع ماني، ثم استعملت في المانوية جميعاً، ثم استعملت في الإلحاد والردة والنفاق.
فقد استعملها أبو يوسف (يعقوب ابن إبراهيم المتوفى 182هـ) صاحب أبي حنيفة (ت150هـ) للدلالة على الإلحاد فقال: ثلاثة لا يسلمون من الإلحاد، أحدهم من طلب النجوم لم يسلم من الزندقة، وكذلك النووي في لغات الروضة قال: الزنديق الذي لا ينتحل ديناً، وأطلقت على المرتدين، وأطلقت على المنافق الذي أظهر الإسلام وأخفى الكفر.
وقال مالك (ت179هـ): الزندقة ما كان عليه المنافقون، وجاء أن الذين أحرقهم عليٌّ رضي الله عنه طائفة من الروافض ادعوا في عليِّ الألوهية وهم السبئية، وكبيرهم عبد الله بن سبأ (ت نحو 40هـ) الذي كان يهودياً ثم أظهر الإسلام وابتدع هذه المقالة، فأظهر جماعة منهم الإسلام خشية القتل، وأطلقت الزندقةكذلك على الباطنية ممن زعم أن الله خلق شيئاً، ثم خَلق منه شيئاً آخر فدبر العالم بأسره، وسموا هذين الشيئين تارة «العقل الكلي» و«النفس الكلية» وتارة «العقل الأول» و«العقل الثاني»، محاكاة لقول الثنوية في النور والظلمة إلا أنهم غيروا الاسمين .
والزنادقة ـ كما يرى بعض المؤرخين ـ وسط بين النصرانية والزردشتية أتباع «زردشت»، ورأوا أن ذلك كان سبباً في تأثير الزندقة في أهل هذه النحل، حتى إن «براون» يقول: أن تعدَّ الزندقة زردشتية منصرة أقرب من أن تعد نصرانية مزردشة، كما أن شعائرها كانت قريبة الشبه بصورة شعائر الإسلام، فإن المانوي كالمسلم له عدد من الصلوات في اليوم والليلة، كما كانت لهم طهارة قبل الصلاة.
ومؤسس الزندقة «ماني» الذي احتال عليه «بهرام» جد كسرى حتى حضر عنده، وأظهر له أنه قبل مقالته، ثم قتله وقتل أصحابه.
وحاصل مقالتهم: أن العالم نشأ عن أصلين هما: النور والظلمة، وقد امتزجا امتزاجاً تاماً، والواحد لا يكون خيرِّاً وشرِّيراً بآن واحد، لهذا كان للخير فاعل وللشر فاعل آخر، وفاعل الخير هو النور «يزدان» إله الخير، وفاعل الشر هو الظلمة «آهريمن» إله الشر الشيطان.
ويتفق ماني مع زردشت في تعاليمه في الجملة لأنه آمن بكتابه زند، لكنه يخالفه في أمرين:
أحدهما: أن زردشت كان يرى أن العالم الحاضر عالم خير لما فيه من مظاهر نصرة الخير على الشر، في حين أن ماني يرى أن الامتزاج بين النور والظلمة شر يجب الخلاص منه.
و ثانيهما: أن زردشت يرى أن يعيش الإنسان عيشة طبيعية، فيتزوج ويتناسل ويعتني بزرعه ونسله وماشيته ويقوي بدنه ولا يصوم، وأنه بهذه المعيشة ينصر إله الخير على إله الشر.
أما ماني فقد نزع منزعاً آخر أشبه ما يكون بالرهبنة، فحرم النكاح حتى يستعجل الفناء ودعا إلى الزهد، وشرع الصيام سبعة أيام أبداً في كل شهر، وفرض صلوات عدة في اليوم، ونهى أصحابه عن ذبح الحيوان لما فيه من الإيلام، وأقر بنبوة عيسى عليه السلام وبنبوة زردشت وأنه هو نفسه (ماني) النبي الذي بشر به عيسى عليه السلام.
والزندقة نوعان: مطلقة ومقيدة، أما المطلقة فتنكر أصل المعاد عقلياً وحسياً، وتنكر الصانع للعالم أصلاً. وأما المقيدة ففيها نوع من الاعتراف بصدق الأنبياء، لذلك تثبت المعاد بنوع عقلي مع نفي الآلام واللذات الحسية، كما تثبت الصانع لكن مع نفي علمه بتفاصيل العلوم،وهي تبعد كل البعد عن تعاليم الإسلام وعقيدته، وتقوم على نوع من الديمقراطية الفاسدة التي تبيح المحرمات وتعبث بالآداب الاجتماعية وتعرض الحياة السياسية والأخلاقية والاجتماعية للخطر.
وقد انتشرت الزندقة في الأوساط العربية في أيام الجاهلية، فابن قتيبة يذكر أن الزندقة كانت في قريش أخذوها من الحيرة التي كانت تحت حكم الفرس، وفي عصر الخلافة حرَّق علي] الزنادقة وفي العصر الأموي كان كثير منهم في بلاط الدولة يشغلون مناصب خطيرة، فكان عبد الصمد بن عبد الأعلى مربي الخليفة الأموي الوليد بن يزيد بن عبد الملك زنديقاً، كما عد الجعد بن درهم (ت118هـ) الذي قتله خالد القسري (ت126هـ) في يوم عيد الأضحى زنديقاً وهو الذي نسب إليه مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية فسمي مروان الجعدي.وذلك لأن الجعد قال بالجبرية.
وكثر الزنادقة في العصر العباسي الأول في عصر المنصور (ت158هـ) حين كانت الزندقة ضرباً من ضروب الظَّرْف والتثقف فكان يطلق الزنديق على كل من يتأثر بالفرس في عاداتهم ويسرف في العبث والمجون، ولما أظهر له بعضهم معتقده لاحقهم بالقتل، وقد أكثر الخليفة المهدي (ت196هـ) من تتبعهم وقتلهم وحذر ولده الرشيد من الزنادقة وسماهم العصابة المارقة، وأمره أن يجرد همته لاستئصال شأفتهم. واتسع المدلول في أواخر العصر الأموي والعباسي ليشمل المعارضين السياسيين وكل من له رأي فقهي مختلف عن رأي الفقهاء الرسميين.
حكم الزنديق
اتفق الفقهاء على قتل الزنديق لكنهم اختلفوا هل يستتاب قبل القتل أم يقتل بلا استتابة؟
نص الشافعي على أنه يستتاب وتقبل توبته، فإن عاد تائباً رُفع عنه القتل، وإلا قُتل، وعن أحمد وأبي حنيفة روايتان أحداهما لا يستتاب، والأخرى إن تكرر منه لم تقبل توبته وهو قول الليث بن سعد (ت175هـ) وإسحاق بن إبراهيم (ت238هـ) وهو المشهور عند المالكية، وحكي عن مالك: إن جاء تائباً يقبل منه و إلا فلا، وبه قال أبو يوسف واختاره أبو إسحاق الأسفراييني (ت 316هـ) وأبو منصور البغدادي (ت429هـ).
وفرق بعضهم بين الزنديق الداعية فلا يقبل منه توبة، وغير الداعية فتقبل منه.
هشام برهاني
مراجع للاستزادة: |
ـ أبو حامد محمد الغزالي، فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة، تحقيق سليمان دنيا (دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي 1381هـ/1961م).
ـ أبو محمد علي بن حزم الظاهري، الفصل في الملل و الأهواء والنحل وبهامشه الملل والنحل للإمام أبي الفتح عبد الكريم الشهرستاني (مكتبة المثنى ببغداد والخانجي بمصر 1321هـ).
ـ أحمد أمين، فجر الإسلام (الحياة العقلية) (لجنة التأليف والترجمة والنشر 1360هـ/ 1941م).
- التصنيف : التاريخ - النوع : دين - المجلد : المجلد العاشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 414 مشاركة :