تعاون وتعاونيه.
Cooperation and cooperative - Coopération et coopérative

التعاون والتعاونية

 

اقترن مفهوم التعاون منذ القدم بتبادل العون والمساعدة بين الفرد وغيره من الأفراد والجماعات، ويمكن أن يعبر عنه بأنه: اتحاد قدرات وموارد كل فرد مع قدرات وموارد الآخرين لتحقيق الأهداف التي يسعى إليها المجموع.

أما التعاون، بوصفه نظاماً اقتصادياً واجتماعياً حديثاً، فهو نمط من أنماط التنظيم الإنساني الذي تتحد فيه مجموعة من الأشخاص تربطهم مصالح مشتركة، يقوم على تجميع القدرات والإمكانات الشخصية والمادية، على أساس من الطوعية والمساواة في الحقوق والواجبات، ويعتمد أسلوب الإدارة الديمقراطية، ويسهم في عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بهدف رفع مستوى حياة الأعضاء اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.

أولاً ـ التطور التاريخي للتعاون

مما لا شك فيه أن التعاون قديم قدم الإنسان، فحيثما وجد الإنسان الأول على وجه الأرض وجد نفسه مضطراً إلى التعايش مع قوى الطبيعة وموجوداتها الخيرة والشريرة مستفيداً من القوى الخيرة ومستعيناً بها، للحفاظ على بقائه ووجوده ضد القوى الشريرة والمخاطر التي تحيط به من كل جانب، فكان أول نمط من أنماط التعاون في التاريخ هو استعانة المخلوق البشري بموجودات الطبيعة وأدواتها ومخلوقاتها النافعة، لسد حاجاته وحماية نفسه من الأخطار والقوى الشريرة التي تهدد بقاءه، بدافع الحاجة وحب البقاء. لذلك يمكن القول: إن التعاون وليد الحاجة والحاجة أم التعاون. كما يمكن أن يعد التعاون صفة من صفات الإنسان الخلقية الفطرية.

ولما كان التعاون صفة ملازمة لحياة الإنسان جاءت الشرائع السماوية لتحض كلها عليه بصفته أحد المبادئ السامية التي تضمن للإنسان وللمجتمع حياة أفضل، فهذا هو المسيح ابن مريم عليه السلام يخاطب أتباعه قائلاً: «احملوا بعضكم أثقال بعض».

ثم جاءت الشريعة الإسلامية بأفضل مبادئ التعاون إذ نص القرآن الكريم في الآية /3/ من سورة المائدة قائلاً: )وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب(. ثم وردت الأحاديث النبوية الشريفة التي تحض على التعاون، منها قول الرسولe: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له طريقاً إلى الجنة» رواه مسلم.

وظهرت الأفكار التعاونية في كتابات الفلاسفة القدماء وآرائهم، إذ رأى أفلاطون «أنَّ الجماعات ظهرت قبل كل شيء نتيجة للحاجات البشرية التي لا يمكن إشباعها إلا حين يكمل الناس بعضهم بعضاً». وأن التنظيم الأمثل للمجتمع هو عندما يتسع نطاق التعاون الاجتماعي إلى أوسع حدوده.

وعندما انتقل المجتمع من مرحلة الإقطاع إلى مرحلة الرأسمالية، وما رافق ذلك من أزمات واضطراب وسوء حالة الطبقة العاملة، ظهر كثير من الفلاسفة وعلماء الاجتماع والاقتصاد والباحثين الذين أخذوا يفكرون بالحلول الناجعة لهذا الواقع الأليم المضطرب. وبرزت من بين العديد من الأفكار الجديدة فكرة التعاون الاقتصادي بعيداً عن كل أنواع الصراع الفكري أو الطبقي، وبموجبها تأسّست الجمعيات التعاونية الحديثة في القرن التاسع عشر في أوربة، ثم انتشرت في أنحاء العالم الأخرى.

وعندما جاءت الرسالة المحمدية اهتمت اهتماماً بالغاً بالتضامن والتكافل بين الأفراد في المجتمع، فكان دستور النبي الكريمe الذي وضعه عند قدومه إلى مدينة يثرب أول دستور في العالم يقوم على التضامن والتكافل الاجتماعي سابقاً بذلك كل القوانين في العالم، إذ تضمنت مواده من (3-13) النص على مساعدة المحتاجين والمدينين ومحاربة الربا وتقديم الهبات للفقراء والمعوزين من الوقف ومن أموال الزكاة ومن خمس الغنائم. وتعد مؤسسة الزكاة أهم نوع من أنواع التعاون بين الأغنياء والفقراء بمصارفها التي حددها القرآن الكريم في الآية /60/ من سورة التوبة التي جاء فيها: )إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل(، ولم يقتصر دور مؤسسة الزكاة في الإسلام على توفير حد الكفاية للفرد، بل تعدى ذلك إلى كفالة الأطفال واللقطاء، بتخصيص مئة درهم لكل مولود، ويزداد هذا المبلغ كلما كبر الطفل، ودفع البطالة بتحقيق فرص العمل للعاطلين عن العمل، وأعطت الفقراء من صندوق الزكاة للقيام بنشاط يضمن لهم العيش، ودفع غائلة الشيخوخة والمرض، وغرم الغارمين، وتيسير الزواج لكل فرد يخشى عليه من الفتنة، ومساعدة ابن السبيل. ثم إن موارد صندوق الزكاة لم تقتصر على أنصبة الزكاة على الأموال، بل أعطت الشريعة الإسلامية لولي الأمر سلطة فرض حقوق أخرى للفقراء في أموال الأغنياء بما يكفي لإزالة الحاجة كما تكفّل الأنصار المهاجرين، إضافة إلى الموارد الأخرى التي تأتي من الكفارات (كفارة اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة القتل الخطأ، وكفارة الإفطار في رمضان)، وكذلك الموارد التي تأتي من أعمال البر والإحسان والصدقات. هذه الصور وغيرها من صور التعاون والتضامن والتكافل الاجتماعي في الإسلام هي أرقى وأفضل أنواع التعاون الاجتماعي على الإطلاق.

غير أن صور التعاون الحديث التي نشأت في أوربة في القرن الثامن عشر والتاسع عشر انتقلت من أوربة إلى القارات الأخرى بما فيها البلاد العربية وأصبح لها كيانها ودورها الاقتصادي والاجتماعي الواضح في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد العربية، كما في غيرها من سائر بلاد العالم.

ثانياً ـ رواد الفكر التعاوني

يرجع الفضل في نشوء التعاون الحديث في أوربة والعالم إلى أفكار روبرت أوين[ر]، وهنري سان سيمون[ر]، وشارل فورييه[ر]، وفيليب بوست، وهرمان شولتز، وإيفايزن، ورواد روتشيلد.

ثالثاً ـ المبادئ التعاونية الأساسية

يقوم الفكر التعاوني على المبادئ الأساسية الآتية:

1ـ باب العضوية المفتوح: تعدُّ الحرية في الانضمام إلى التعاونيات أو الخروج منها السمة الأساسية في المبادئ التعاونية. ومع ذلك، هناك اتجاه نحو الإلزام في الانضمام إلى الجمعيات التعاونية عن طريق منح المساعدات الكبيرة للتعاونيات والميزات الضخمة للمشتركين، مما يجذب الأعضاء ويشجعهم على ضرورة الاستفادة من هذه الميزات والخدمات الاقتصادية والاجتماعية.

2ـ عدم التزام مبدأ الحياد السياسي: إن النظم السياسية لا يمكن أن تلتزم الحياد تجاه التعاونيات وذلك للأسباب الآتية:

أـ بعض الأنظمة السياسية تعد التعاونيات جزءاً من سياستها.

ب ـ النظام السياسي يعبر عن مصالح طبقة المستَغَلِّين فهو أيضاً لا يمكن أن يقف محايداً إزاء الحركة التعاونية بل لا بد أن يدعو إلى تحقيق أهدافه بوساطة التعاونيات التي تمثل الوعاء الأساسي لحركته أيضاً في المجتمع الريفي.

ج ـ التعاونيات هي الأخرى لها مصلحة في أن تدعم نفسها في إطار من الإيمان بالنظام السياسي القائم، لذا يجب ألا تقف موقفاً محايداً إزاء المبادئ التي تدعو إليها، ولا سيما أن تلك التعاونيات تحقق المبادئ والأهداف نفسها التي ينادي بها النظام السياسي، ولكن بصورة جزئية الأمر الذي لا بد أن ينعكس في إدخالها العنصر السياسي في الحركة التعاونية لا لزيادة التطاحن أو الانشقاق بل بهدف تدعيم البناء وتأصيله لدى التعاونيين.

3ـ الإدارة الديمقراطية: وهي من أهم المبادئ الأساسية التي تطورت مع تطور الحركة الفكرية والتطبيقية في مجال التعاونيات. وتطورت إلى شقين أساسيين:

أـ الديمقراطية التعاونية داخل التعاونيات.

ب ـ المركزية الديمقراطية فيما يتعلق بعلاقات الإنتاج مع المؤسسات العليا والحكومية.

وفيما يلي بيان لهذين الشقين:

أـ الديمقراطية التعاونية داخل التعاونيات: وتقوم على جملة من المبادئ هي:

ـ الحق الكامل لكل من أعضاء الجمعيات في انتخاب من يمثلونه في المستويات الإدارية.

ـ الانتخابات الدورية لمدد متقاربة حرصاً على إتاحة الفرصة لأكبر عدد من الأعضاء للمشاركة في تلك المراكز القيادية وتجديد النشاط الإداري المستمر وزيادة كفايتها.

ـ رفض فكرة نيابة شخص عن شخص آخر في التصويت حتى تكون المشاركة فعالة في بعض المجالات.

ـ تحديد الحد الأقصى لمجموع ما يمكن أن يمتلكه العضو من أسهم أو عناصر إنتاج الجمعية حرصاً على عدم استغلالها والسيطرة عليها.

ـ تحديد المسؤولية لكل فرد ولكل مستويات القيادة.

ـ الحق المطلق لأعضاء التعاونيات في حجب الثقة عن أي عضو في المستويات القيادية قبل انتهاء مدة الانتخاب وذلك لوضع هذه المستويات تحت الرقابة.

ـ الدعوة إلى ممارسة النقد والنقد الذاتي.

ـ تكامل الرقابة والإشراف والتوجيه بين كل من مجلس الإدارة والمستويات القيادية وأعضاء الجمعية.

ـ التأكد من موافقة نسبة كبيرة من الأعضاء عند إحداث تغيير جذري في نظام الجمعية ونشاطها.

ب ـ المركزية الديمقراطية: وتهدف إلى ما يلي:

ـ الربط السليم بين أهداف الدولة الاقتصادية والاجتماعية والأهداف التعاونية.

ـ إعطاء الدولة حق الإشراف والدعم وتوجيه أعمال الجمعيات.

ـ إعطاء التعاونيات حق إبداء رأيها في ذلك التدخل والدعم.

ـ إعطاء الدولة حق إحداث التكامل والتوازن بين قطاعات الحركة التعاونية وقطاعات الاقتصاد القومي للدولة.

ـ إعطاء الجمعيات التعاونية والاتحادات الإقليمية والمحلية السلطة في تغيير وتعديل مختلف جوانب حركتها.

4ـ توزيع العائد على المعاملات: الأصل في الجمعيات التعاونية، وخاصة جمعيات المستهلكين، أن تقوم بتأدية خدماتها للأعضاء بسعر التكلفة. ولكن ثمّة عدد من العوامل التي تفرض على الجمعية أن تقدم خدماتها بسعر السوق وأحياناً باقل منه مع تحقيق بعض الأرباح التي يجري توزيعها عادة على النحو الآتي:

ـ تكوين أموال احتياطية لمواجهة طوارئ المستقبل.

ـ دفع الفوائد على رأس المال.

ـ توزيع الباقي على الأعضاء بنسبة جهودهم في الجمعية، أو بنسبة تعاملهم معها ومدى إسهامهم في تحقيق الفائض، ويسمى ما يدفع للعضو بالعائد.

5 ـ الفائدة المحدودة على رأس المال: يعد هذا المبدأ من المبادئ الرئيسية التي اقترنت بظهور الفكر التعاوني وخروجه إلى حيز التطبيق كان هدفه الأساسي جذب رؤوس الأموال إلى التعاونيات للاستفادة منها في توسيع نشاطها. وقد صاحب هذا المبدأ بعض التطور عند التطبيق:

فهناك من ربط الفائدة بحجم الخدمات التي يحصل عليها العضو بمقدار مساهمته في رأس المال وبعضهم رفض توزيع فائدة على رأس المال على أساس الاستفادة منها في صورة أخرى.

6ـ التعامل نقداً: وقد كان من المبادئ المهمة في النظام التعاوني بسبب محدودية رأس المال وخشية ضياعه من خلال البيع لأجل في الوقت الذي كانت الجمعيات تحارب فيه من قبل المصارف والبيوتات التجارية والموِّردين.

ولكن سرعان ما تطور هذا المبدأ وتمّ الخروج عنه مع اتساع الحركة التعاونية وشمولها جانب الإنتاج، لاسيما الإنتاج الزراعي، باستخدام رأس المال في عناصر الإنتاج المختلفة، واضطرار الحركات التعاونية إلى مواكبة الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتغيرة، بغية دعم نشاطها، لكنها وضعت، في سبيل ذلك شروطاً تضمن استيفاء حقوقها عند الأعضاء.

7ـ نشر التعليم والتدريب التعاوني: اهتم رواد روتشيلد بهذا المبدأ وأنشؤوا قسم الكتب والصحف ومدرسة للأطفال، وكانت مسوغات هذا الاتجاه، في نظرهم، هي زيادة الوعي التعاوني للأعضاء وإيمانهم به وتأكيد مبدأ الإدارة الديمقراطية والعمل على نشر العلم والمعرفة بين جميع العاملين من الأفراد بصفة عامة والتعاونيين منهم بصفة خاصة، لأن إسهام التعاونيات في تعليم الأفراد وتثقيفهم أمر له أهميته البالغة في تدعيم الحركة التعاونية وفي بناء المجتمعات الإنسانية على أسس سليمة وقوية.

ورافق تطور الحركة التعاونية وتطور النظم السياسية وتطبيق مبدأ إلزامية التعليم تطور دور التعاون في التثقيف والتدريب التعاوني بغية شرح الأفكار والمبادئ التعاونية وتعريف التعاونيين وسائل الإنتاج المختلفة وإظهار دور التعاون في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وقد زادت أهمية هذا المبدأ في السنوات الأخيرة، نتيجة تزايد اهتمام الدول بهذا الجانب وشعورها بضرورة دعم الحركات التعاونية بوساطة وسائل النشر والإعلام ومؤسسات التعليم والتدريب وإيفاد بعثات تدريبية وعقد مؤتمرات وندوات مختلفة في مجال التعليم التعاوني.

8ـ التعاون بين التعاونيات: نشأ هذا المبدأ مع نمو الحركة التعاونية وتعاظم نشاطها، إذ بات من الضروري تحقيق الوحدة التعاونية بين القطاعات التعاونية النوعية على المستوى الوطني وعلى المستويين القومي والدولي، بهدف دعم المؤسسات التعاونية بعضها بعضاً في مواجهة المنافسة الاحتكارية الكبيرة مما استدعى إضافة مبدأ التعاون بين التعاونيات إلى المبادئ السابقة لتحقيق الأهداف الآتية:

ـ توحيد الإمكانيات المادية والبشرية التعاونية لمواجهة التكتلات الاحتكارية الكبيرة والمحافظة على بقاء الحركات التعاونية.

ـ سهولة تقديم المساعدة والدعم للحركة التعاونية وتطويرها مادياً وأدبياً وسياسياً واجتماعياً.

ـ التكامل بين التعاونيات في الأنشطة المختلفة وفي تقديم السلع والخدمات في مجال الإنتاج والاستهلاك والخدمات.

رابعاً ـ أنواع التعاونيات

يمكن تقسيم الجمعيات التعاونية إلى الأنواع التالية:

1ـ الجمعيات التعاونية الاستهلاكية: وهي الجمعيات التي يؤسسها مجموعة من الأفراد تجمعهم مصلحة مشتركة بصفتهم مستهلكين بهدف شراء السلع والمواد وبيعها للأعضاء بأسعار معتدلة وبمواصفات جيدة بعيداً عن الغش والتلاعب بحيث يتم توزيع صافي الربح وفق نسب محددة بموجب القانون، على أن يخصص القسم الأكبر من الربح الصافي عائداً على المعاملات (أي يوزع بحسب مشتريات كل عضو في الجمعية).

ويمكن أن يندرج تحت هذا النوع من الجمعيات:

ـ الجمعيات التعاونية متعددة الأغراض تمارس نشاطات متنوعة (استهلاكية وخدمية وإنتاجية وتسليفية).

ـ الجمعيات المدرسية التي تؤسس في المدارس لتلبية احتياجات طلبة المدارس من القرطاسية وبعض المأكولات المحضرة مسبقاً.

2ـ الجمعيات التعاونية الإنتاجية: وهي الجمعيات التي يؤسسها الأعضاء بصفتهم منتجين زراعيين أو صناعيين أو حرفيين بحيث يتم توزيع صافي الأرباح بحسب ما يقدمه كل عضو من عمل ويمكن أن تكون:

ـ جمعية إنتاجية زراعية: إذا كان نشاطها الأساسي في الإنتاج الزراعي.

ـ جمعية إنتاجية صناعية: إذا انصب نشاطها على إنتاج مواد مصنعة.

ـ جمعية تعاونية حرفية: إذا كان أعضاؤها من المشتغلين بحرفة معينة، كصانعي الأحذية، وفي هذا النوع من الجمعيات يوزع الربح بين الأعضاء بنسبة ما قدم كل عضو من حصص في رأس المال أو ما قدم من المواد الأولية.

3ـ الجمعيات التعاونية الخدمية: وهي الجمعيات التي تقدم الخدمات لأعضائها ومن أهم هذه الجمعيات:

ـ الجمعيات التعاونية السكنية: وهي التي تقوم ببناء المساكن التعاونية وتسليمها للأعضاء بسعر الكلفة.

ـ الجمعيات التعاونية للادخار: وتقوم بتجميع الاشتراكات الشهرية من الأعضاء وتسليمها لهم وفق جدول أولوية يتفق عليه الأعضاء أو تقوم بتوزيع الأموال بعد مدة معينة.

ـ الجمعيات التعاونية للتأمين: وتكون مهمتها تجميع الاشتراكات الشهرية أو السنوية في صندوق الجمعية ثم تقوم بدفع تعويضات لمن يصيبهم ضرر نتيجة حدوث الأخطار التي تهددهم. وفي مثل هذا النوع من الجمعيات يكون للعضو صفة المؤمن والمؤمن له في الوقت نفسه وإذا زاد شيء في رصيد الصندوق بعد دفع التعويضات يمكن توزيعه على الأعضاء أو تدويره للعام القادم.

ـ الجمعيات التعاونية للنقل: وهي الجمعيات التي توفر خدمات النقل للأعضاء وغيرهم باستثمار وسائط النقل المخصصة للركاب أو لنقل البضائع.

ـ الجمعيات التعاونية للتسليف: ويكون غرضها توفير القروض لأعضائها وبشروط ميسرة لقاء فائدة منخفضة.

ـ الجمعيات التعاونية الخيرية: وهي التي تقوم بتقديم المساعدات للفقراء والمحتاجين ويتكون رأس مالها ومواردها من التبرعات وأموال الزكاة وغير ذلك من الموارد الناتجة عن أعمال البر والإحسان.

خامساً ـ التعاون في الدول الاشتراكية

كانت اقتصاديات دول المنظومة الاشتراكية تتصف بوجود نوعين من الملكية لوسائل الإنتاج:

1ـ ملكية الشعب العامة.

2ـ الملكية الجماعية التعاونية.

وقد تطورت الحركات التعاونية في دول المنظومة الاشتراكية وأصبحت تنظيمات قوية لجماهير العمال في المدن والأرياف نتيجة تركيز هذه الدول على دور التعاون في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ويعود اهتمام البلدان الاشتراكية بالحركات التعاونية إلى ما يلي:

ـ ظروف بناء المجتمع الاشتراكي تتطلب تحديداً علمياً لدور التعاون في اقتصاديات كل بلد، وقد عد معظم علماء الاقتصاد والاجتماع الحركات التعاونية عامل دفع للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في مختلف المجالات التي ترسمها لها القيادة السياسية العليا.

ـ كانت البلدان الاشتراكية تعد نفسها صديقة لشعوب البلدان النامية، ومن مهامها دراسة أوضاع التعاون في الأقطار النامية وتنبيه حكومات تلك البلدان النامية إلى عدم التضييق على الحركات التعاونية وإعطائها مزيداً من الاهتمام والدعم كيلا تقع التعاونيات فريسة سهلة للاستعمار الجديد.

فالتعاون في البلدان الاشتراكية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بحياة تلك البلدان، وقد عبر الاشتراكيون عن مكانة التعاون في المجتمع الاشتراكي بعبارة مضمونها: «إننا نستطيع أن نبني بالتعاون، المجتمع الاشتراكي الكامل، وإن نظام التعاونيين المتحدين، عندما يملك المجتمع وسائل الإنتاج... إنما هو النظام الاشتراكي بعينه». وبذلك يكون التعاون ركيزة مهمة في بناء المجتمع الاشتراكي.

ويرى الاشتراكيون أنه لكي يستطيع التعاون أن يسهم في بناء الاشتراكية لابد من توفير الوسائل الآتية:

ـ دعم الدولة لهذا القطاع ومنحه امتيازات اقتصادية ومالية ومصرفية إذ لا بد من تقديم القروض للتعاونيات بفوائد مخفضة.

ـ كما لابد من توفير التوعية والتعليم التعاوني، إذ لا يكفي توجيه دعم الدولة للنشاطات التعاونية بل لابد من الاهتمام بالتعليم التعاوني لتهيئة الكوادر المؤهلة لقيادة الحركة التعاونية ونشر الثقافة التعاونية بين جميع السكان.

ـ كما لابد من توفير إدارة علمية للحركة التعاونية تكون قادرة على التخطيط والتنفيذ وقيادة الحركة التعاونية لتقوم بدورها المرسوم لها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي خدمة السكان.

ـ يعد النظام الاشتراكي المشروعات التعاونية كالمشروعات العامة يطبق فيها أسلوب الإدارة الديمقراطية المركزية شأنها في ذلك شأن المشروعات العامة.

ـ من المفيد الإشارة إلى أن القطاعات التعاونية في دول المنظومة الاشتراكية مازالت متماسكة وقوية بعد انهيار الأنظمة في تلك الدول.

سادساً ـ التعاون في العالم الثالث

تعاني غالبية بلدان العالم الثالث من صعوبات ومشكلات اقتصادية واجتماعية تقف عائقاً في وجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية فيها ومن هذه المشكلات:

ـ انخفاض مستوى الإنتاجية في الزراعة والصناعة.

ـ قلة الموارد المالية، لاسيما من القطع الأجنبي اللازمة لإقامة القاعدة المادية.

ـ اعتماد بعض الدول على منتوج واحد (كما في الدول النفطية).

ـ انخفاض معدلات الاستثمار.

ـ انخفاض مستوى الدخل الفردي (عدا دول النفط).

ـ ارتفاع معدل النمو السكاني.

ـ انخفاض مستوى التقنية المستخدمة في الإنتاج وعدم تحديثها.

ـ انخفاض مستوى وسائط النقل والمواصلات.

ـ انخفاض المستوى الثقافي وقلة الخبرات.

ـ ارتفاع معدلات التضخم النقدي وعدم توازن الدخل الفردي مع مستوى الأسعار.

هذه العوامل وغيرها مما لا مجال لذكره تجعل عمليات التنمية في الدول النامية معقدة وصعبة إلا أن غالبية البلدان النامية تأخذ بالتعددية الاقتصادية في تركيب البنية الهيكلية لاقتصادياتها. إذ يوجد لديها قطاع عام وقطاع تعاوني وقطاع خاص وقطاع مشترك وتختلف نسبة إسهام كل من هذه القطاعات في البنية الهيكلية للاقتصاد من بلد لآخر.

والعامل المشترك في اقتصاديات هذه البلدان هو اعتمادها على القطاع التعاوني بجميع نشاطاته ومجالاته، ويختلف حجم كل نوع من أنواع الجمعيات التعاونية من بلد لآخر ففي البلدان الزراعية تكون الجمعيات التعاونية الزراعية أكبر حجماً وعدداً، في حين تكون التعاونيات الاستهلاكية هي الأهم والأكبر في الحجم والنشاط في بلد آخر غير زراعي. ولكن الأمر المهم هنا هو أن التعاون في البلدان النامية يقوم بدور فعال في تنمية المجتمع وتطويره ويقوم بالوظائف الآتية:

1ـ نشر الفكر التعاوني في أوساط العاملين في الزراعة والصناعة، مما يؤدي إلى توسيع قاعدة العضوية التعاونية، وتحقيق جماهيرية التعاون.

2ـ التطبيق السليم للمبادئ والقواعد التعاونية (المساواة في الحقوق والواجبات بين الأعضاء التعاونيين وتحقيق الديمقراطية والمساعدة المتبادلة والتثقيف التعاوني) يؤدي إلى وجود حركة تعاونية قوية تستطيع البقاء والصمود في ظل المنافسة وتستطيع القيام بدور فعال في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

3ـ الإسهام في حل القضايا الاقتصادية الأساسية وتنفيذ جزء من خطة الدولة في الزراعة والصناعة والإسكان والتجارة الداخلية وتقديم الخدمات المختلفة.

4ـ الإسهام في تعليم المواطنين وتثقيفهم وتأهيل الأطر القيادية اللازمة لإدارة المشروعات الاقتصادية والاجتماعية التعاونية.

5ـ الإسهام في تحسين أوضاع أصحاب الدخل المحدود المعاشية والحياتية.

6ـ الإسهام في استخدام المدخرات الفردية في العملية التنموية والمساعدة في تكوين مصادر مالية تعاونية ذاتية وتنميتها بحيث يصبح لها تأثير فعال في تمويل المشروعات التعاونية.

سابعاً ـ التعاون في الوطن العربي وفي سورية

إن ما قيل عن التعاون في بلدان العالم الثالث ينطبق تماماً على دور التعاون في الأقطار العربية للتشابه الكبير بين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بلدان العالم الثالث والبلدان العربية التي هي جزء من بلدان العالم الثالث.

وتعتمد غالبية الدول العربية على التعاون أداة للتنمية، لاسيما في الريف، ومن الأدلة على اهتمام الوطن العربي بالتعاون تأليف لجنة خبراء التعاون العرب في نطاق الجامعة العربية التي تهتم بالتنسيق بين الحركات التعاونية في الأقطار العربية ومعالجة قضاياها المهمة والمصيرية. كما يعد تأسيس الاتحاد التعاوني العربي خطوة أولى على طريق تكامل نشاطات الحركات التعاونية في الأقطار العربية ـ وقد سعت لجنة خبراء التعاون العرب والاتحاد التعاوني العربي إلى توحيد المصطلحات التعاونية بين الحركات التعاونية العربية وتبادل الخبرات والخبراء وتنسيق التعامل مع الحركات التعاونية الدولية ومنظماتها.

وتشير إحصائيات الاتحاد التعاوني العربي إلى وجود /40/ ألف جمعية تعاونية منها (43٪) جمعيات تعاونية زراعية و(33٪) جمعيات تعاونية استهلاكية و(8.5٪) تعاونيات سكنية و(7.8٪) جمعيات متعددة الأغراض و(3.89٪) جمعيات خدمية و(3.4٪) جمعيات حرفية و(0.4٪) جمعيات أسماك و(0.01٪) جمعيات أنشطة علمية وثقافية، وتضم هذه الجمعيات في عضويتها أكثر من (16) مليون عضو تعاوني في مختلف أنواع التعاون.

أما التعاون في سورية فشأنه شأن التعاون في معظم الأقطار العربية من حيث دوره في التنمية ومشكلاته وصعوباته إلا أن إشراف الدولة على التعاون موزع بين عدة وزارات، ففي حين تشرف وزارة الزراعة على التعاون الزراعي تشرف وزارة التموين والتجارة الداخلية على التعاون الاستهلاكي وتشرف وزارة الإسكان على التعاون السكني ووزارة النقل على تعاونيات النقل ووزارة الصناعة على التعاونيات الإنتاجية الصناعية ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل على الجمعيات الخيرية. وكل قطاع تعاوني نوعي ينضوي تحت لواء اتحاد تعاوني عام يشرف على جمعياته، فالاتحاد العام للفلاحين يشرف على التعاون الزراعي ولكل من تعاون النقل والإسكان اتحاد عام في حين لم يؤسس اتحاد عام للتعاونيات الاستهلاكية ولا للتعاونيات الإنتاجية الصناعية ومن ثم لم يؤسس حتى اليوم اتحاد تعاوني عام أو مجلس أعلى للتعاون يكون مسؤولاً عن الاتحادات التعاونية النوعية بحسب نصوص القوانين النافذة.

يبلغ عدد الجمعيات التعاونية في سورية /6554/ جمعية منها /4980/ جمعية زراعية و/70/ جمعية إنتاجية و/147/ جمعية استهلاكية يتبع لها نحو /1000/ منفذ بيع بين مجمع وصالة ومركز صغير و/1200/ جمعية سكنية و/157/ جمعية نقل.

 

محمد البرتاوي

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ منير الحمش، التعاون، دراسة في النظرية التعاونية (1976).

ـ مكتب التعاون الدولي، التعاون، أصوله، وسائله، أهدافه، برامج الثقافة العمالية (1970).


- التصنيف : الاقتصاد - المجلد : المجلد السادس - رقم الصفحة ضمن المجلد : 586 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة