استصحاب
Istishab - Istishab

الاستصحاب

 

الأصل في الأحكام الشرعية الثابتة بأدلتها أن تبقى قائمة مستمرة ومستتبعة لآثارها إلى أن يرد من الشارع ما يغيّرها، أو يقطع استمرارها، والاستصحاب أصولياً، لايخرج عن هذا المعنى، إذ مفاده: استدامة حكم سابق ـ سلبي أو إيجابي ـ ثبت بدليله فيما مضى، وعده قائماً في الحال، والاستقبال، مستتبعاً لنتائجه، حتى يطرأ دليل آخر يغيّره، أو يزيله.

الاستصحاب لغةً واصطلاحاً

أما لغةً، فالاستصحاب طلب المصاحبة، ملحوظاً فيه معنى «اللزوم والمرافقة» ومن هنا قيل: استصحبت الحال، إذا تمسكت بما كان قائماً في الماضي، كأنك جعلت تلك الحال مصاحبة غير مفارقة. وأما اصطلاحاً ، فمؤاده أن: ماثبت في الزمن الماضي، فالأصل بقاؤه في الزمن الآتي، وكلُّ ما كان في الماضي، ولم يظنَّ عدمه، فهو مظنون البقاء.

وعلى هذا، فالاستصحاب ليس دليلاً جديداً مستقلاً، ولا أصلاً من أصول الاستنباط، وإنما هو تقرير لحكم ثابت بدليله في الماضي ، يلجأ إليه المجتهد، حين لا يظفر بدليل جديد مغير للحكم السابق، بعد البحث والنظر في المصادر التشريعية المعروفة، فيحصل له ظن بقاء الحكم السابق بدليله، وهو ما أشار إليه الخوارزمي في كتابه الكافي، فيما نقله الشوكاني إذ يقول:«فإن المفتي إذا سئل عن حادثة، يطلب حكمها في الكتاب، ثم في السنة، ثم في الإجماع، ثم في القياس، فإن لم يجده، فيأخذ حكمها من استصحاب الحال، في النفي والإثبات».

أنواع الاستصحاب عند الأصوليين

الاستصحاب من حيث الحكم السابق الثابت بدليله، أربعة أنواع، غير أن بعضها لايتحقق فيه معنى الاستصحاب الذي ذكر.

النوع الأول: العدم الأصلي، أو البراءة الأصلية الثابتة قبل الشرع. والواقع أن هذا حكم عقلي صرف، إذ لا تكليف قبل الشرع عقلاً، وبراءة الذمة مستمرة حتى يرد من الشرع ما يشغلها، فيستمر هذا الحكم بقيام دليله، وهو العقل، ولاحاجة إلى الاستصحاب، وإن كان الشرع يؤيد العقل، يقول الغزالي:«فاستندت البراءة الأصلية إلى الدليل العقلي».

النوع الثاني: مادل الشرع على ثبوته، واستمراره، لقيامه على سبب يقتضيه، كعقد الزواج، سبب لقيام الزوجية، فتُعدّ قائمة بالعقد شرعاً، والعقد نفسه يقتضي استمرارهاأيضاً، حتى يطرأ دليل جديد على إنهائها، وقطع استمرارها بالطلاق، وكذلك الملك الثابت بعقد البيع الذي أنشاه، يقتضي استمراره أيضاً، ولامحل للاستصحاب في هذا النوع، إذ لاحاجة إليه، والدليل على أن العقد يقتضي الاستمرار والبقاء، أن التوقيت يفسده.

النوع الثالث: الإباحة الأصلية في الأشياء شرعاً، لقوله تعالى: )هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً( (البقرة 29) ولقوله سبحانه: )وسخَّر لكم ما في السموات و ما في الأرض( (الجاثية 13)، ولايدرك معنى لهذا الخَلق، والتسخير، امتناناً، سوى إباحة الانتفاع وحلّ التصرف، باستثناء ما يوجبه العقل بالضرورة ، أو يمنعه لغلبة الضرر. وهذا متفق عليه لدى جمهور الأصوليين.

النوع الرابع: استصحاب حكم الشرع السابق الذي استوجبه وصف مظنون البقاء، ولم يظن عدمه، بعد البحث والنظر، ومثاله المفقود الذي لايدري أحي هو أم ميت، وكان قبل فقده حياً بيقين.

ولقد اختلف الأصوليون في مدى قوة هذا النوع من الاستصحاب وهم على مذاهب ثلاثة رئيسة:

الأول: أنه حجة مطلقاً، لأنه تقرير لحكم سابق، في الزمن الحاضر، وهو مذهب الشافعية، فيستتبع آثاره كافةً، حتى يرد الدليل المغيّر، فيصلح دليلاً على دفع دعوى المدعي طلب إرثه من المفقود، حفاظاً على حقوق المفقود، ولاتطلق زوجته، لاستصحاب حياته، وكذلك يثبت حقه في إرثه من غيره.

الثاني: أنه حجة في الدفع لا في الإثبات، بمعنى أنه يدفع دعوى الخصم، صيانة لحقوق المفقود، ولكن لايصلح لإثبات حقوق جديدة للمفقود لم تكن ثابتة له من قبل . وهو مذهب كثير الحنفية فلا يرث، ولايورث، ومنشأ الخلاف «هل سبق الوجود مع عدم ظن الانتفاء، هو دليل البقاء، أو لا؟»، أجاب الحنفية بالنفي، والشافعية بالإيجاب.

الثالث: أنه ليس حجة مطلقاً، لا في الحكم الوجودي ولا العدمي، ولايصلح حجة دافعة، ولامثبتة لأن دليل الوجود لايستلزم البقاء، لأن الوجود والبقاء أمران متغايران، فكان الاستصحاب استدلالاً بلا دليل، وهو باطل.

فتحي الدريني

 

الموضوعات ذات الصلة

 

الاجتهاد ـ الإجماع ـ الاستحسان ـ أصول الفقه(علم ـ) ـ المصالح المرسلة.

 

مراجع للاستزادة

 

- أبو سهل السرخسي، الأصول (دار الكتاب العربي ).

- محمد بن علي الشوكاني، إرشاد الفحول (مصطفى البابي).

- عبد الله بن أحمد النسفي، كشف الأسرار على شرح المنار، ج3 (المطبعة الأميرية، القاهرة).


- التصنيف : الشريعة - النوع : دين - المجلد : المجلد الثاني - رقم الصفحة ضمن المجلد : 185 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة