الطيران (تاريخ-)
طيران (تاريخ)
Aviation history - Histoire de l'aviation
الطيران (تاريخ ـ)
راود البشر منذ الأزل حلم التحليق في الجو كالطيور، وثمة حكايات كثيرة تروى عن ملائكة و أولياء مجنحين أو يمتطون متون حيوانات مجنحة. وتتحدث الروايات اليونانية القديمة عن فيلسوف اسمه ديدالوس حلق وابنه إيكاروس في الهواء بأجنحة من ريش ثُبِّت بالشمع فلما قاربا قرص الشمس انصهر الشمع وسقط إيكاروس في البحر، وتوصل الصينيون إلى صنع الطائرات الورقية منذ القرن الرابع ق.م، وهي أصل الطائرات الشراعية. وحاول الفيلسوف والمخترع الأندلسي عباس بن فرناس (ت 274هـ/887م) الطيران بجناحين من ريش حلق بهما مسافة في الجو، وغفل عن الذيل، فسقط وتأذى ظهره. وفي أواخر القرن الخامس عشر وضع المصور والمخترع الإيطالي ليوناردو دافنشي (1452ـ1519) تصاميم آلات طائرة على الورق من بينها جهاز طائر أثقل من الهواء بجناحين ميكانيكيين شبيهين بجناحي طائر سماه أورنيتوبتر (خفاق الأجنحة) ornithopter. وبغض النظر عن المناطيد [ر: المنطاد] التي بدأت تظهر في أوائل القرن الثامن عشر، لم يتخذ التطور العملي للطيران مجراه جديا إلا في القرن التاسع عشر.
الشكل (1) ديدالوس وابنه إيكاروس حين حاولا الطيران بأجنحة من الجلد والشمع فسقطا في البحر وغرقا |
تركز اهتمام المخترعين الرواد على التحليق بمركبات أثقل من الهواء في أكثر من دولة، ولعل أول من يستحق لقب «أبي الطيران» هو المخترع الإنكليزي جورج كايلي (1773ـ1857)George Cayley الذي صنع أول طائرة شراعية ناجحة من أخشاب خفيفة وجناحين من ورق عام 1849، وطارت مسافة مقبولة.
في عام 1875 صمم ضابط في البحرية الفرنسية اسمه فيليكس دي تامبل Félix du Templeأول نموذج لطائرة مفردة الجناح بمحرك بخاري، و توصل بعد سبعة عشر عاماً إلى تصميم طائرة تتسع لرجل واحد مزودة بمحرك بخاري، غير أنها لم تنجح. ومع كل المحاولات المخفقة ثمة رجال لم يُثنهم الإخفاق عن تجربة الأفكار والنظريات المختلفة للتحليق بأجسام أثقل من الهواء.
كانت محاولات الطيران الشراعي أكثر نجاحاً، وخاصة فيما يتعلق بتصميم الأجنحة. ومن هؤلاء الفرنسي جان ماري لو بري J.M. Le Bris الذي اختبر شراعية بجناحين متحركين. غير أن أبرزهم على الإطلاق كان الألماني أوتو ليلنتال (1848ـ1896)Otto Lilienthal [ر] الذي صنع طائرة شراعية خفيفة حلّق بها مراتٍ فيما بين عامي 1894و1896، ولقي حتفه حين فقد السيطرة عليها.
الشكل (2) نموذج طائرة بمحرك بخاري |
بعد أن غدت فكرة الطيران مقبولة كانت المشكلة الرئيسية إيجاد المحرك الخفيف الوزن الصغير الحجم وأدوات التوجيه المناسبة. ويعد المهندس الألماني نيكولاوس أوتو Nikholaus Ottoأول من صنع محركاً رائداً للاحتراق الداخلي رباعي الأشواط سنة 1876.
استمرت محاولات تصميم طائرات بمحرك على قدم وساق، فيما بين عامي 1890و1901، ونجح الأمريكي صموئيل بيربونت لانغلي في صنع نموذج مصغر من دون طيار، قبل أن يعمد إلى صنع طائرة بالحجم الكامل، أنجزها عام 1903، وزودها بمحرك على البنزين وسماها أيرودروم aerodrome، وطارت دقيقة ونصف إلى مسافة 900متر ثم هبطت شراعياً في نهر بوتوماك بعد أن استهلك وقودها.
الشكل (3 ـ أ) طائرة كورتيس
|
الشكل (3 ـ ب) طائرة من تصميم جوزيف بليريو |
كان التقدم الذي حققه لانغلي وليلنتال وغيرهما مقدمة للإنجازات الكبيرة التي حققها الأخوان رايت [ر]. و مع توافر الأسس الضرورية من توازن واستقرار وقوة محركة وأجهزة تحكم، إضافة إلى الإصرار على النجاح، تمكن الأخوان رايت من التحليق بطائرتهما «فلاير» Flyer أول مرة عام 1903، وتوصلا عام 1908إلى بيع نسخة منها للجيش الأمريكي فكانت أول طائرة عسكرية في العالم.
في تلك الأثناء بدأت تلمع أسماء أخرى في عالم الطيران، من أبرزها الطيار الأمريكي غلين هاموند كورتيس.G.H.Curtiss الذي نال أول جائزة دولية للسرعة في عام 1909 في ريمس (فرنسا). ومنهم أيضاً الفرنسي هنري فابر وكان أول صانع وطيار لطائرة مائية (1910). أما أول من اجتاز بحر المانش من كاليه في فرنسا إلى دوفر في إنكلترا فهو المهندس الفرنسي جوزيف بليريو [ر] في حزيران 1909على طائرة من تصميمه وصنعه. وفي الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى طرأت تحسينات كبيرة جداً على الطائرات ومحركاتها، ولاسيما ذوات الجناح المزدوج والثلاثية الأجنحة.
تطور الطيران في الحرب العالمية الأولى وما بعدها:
شهد الطيران قبيل الحرب العالمية الأولى وإبانها تطوراً كبيراً، و ألهمت ضرورات الحرب المصممين لإنتاج طائرات كثيرة للاستطلاع والهجوم والمطاردة والقصف من الجو وغير ذلك، وكذلك أسهمت في تدريب أعداد كبيرة من الطيارين، وتسابق الطيارون والهواة بعد الحرب إلى اقتناء الطائرات التي فاضت عن الحاجة، فكانوا يجوبون بها الأجواء، ويقومون بأعمال تدرّ عليهم دخلاً مقبولاً، كنقل الركاب أو التصوير الجوي أو الدعاية أو التدريب أو السباق أو الاستعراضات الجوية.
الشكل (4) طائرة فوكرد، طائرة ألمانية من عام 1918، استخدمت في الحرب العالمية الأولى
|
الشكل (5) طائرة ألمانية ذات دفع صاروخي، استخدمت في نهارية الحرب العالمية الثانية |
أما أبرز الإنجازات الجوية التي تمت بعد الحرب الأولى فكان الطيران من دون توقف مسافة 1170كم من شيكاغو إلى نيويورك سنة 1919، وما قام به الرائد كوينتن براند Q. Brand والنقيب بيير فان راينفلد P.Van Ryneveld الإنكليزيان عام 1920، حين أقلعا من القاهرة إلى كيب تاون في جنوب إفريقيا، فضلاً عن قيام الأمريكي جون ماكريدي J.A.Macready بأول رحلة حول العالم في الفترة بين 6 نيسان و28 أيلول عام 1924.
أما أول من عبر الأطلسي منفرداً من دون توقف فهو الأمريكي تشارلز ليندبرغ يوم 20ـ21 أيار 1927، الذي طار من نيويورك إلى باريس قاطعاً مسافة 5810 كم، في 33ساعة ونصف الساعة. وفي الفترة بين 1930و1940 ازداد نشاط النقل الجوي التجاري إلى درجة كبيرة مع اجتياز المحيطات والطيران لمسافات بعيدة.
الحرب العالمية الثانية
كان للطيران الحربي دور كبير جداً في الحرب العالمية الثانية، وقد شجعت احتياجات الحرب معظم الدول المتحاربة على تطوير طيرانها، وخاصة القاذفات والمقاتلات وطائرات النقل والإنزال المظلي. وكان ذلك عاملاً مهماً في تطوير طائرات عالية الأداء وإنتاجها، وتحقيق تقدم كبير في تقنيات التصميم والتجهيز، ومن أهمها ظهور المقاتلات النفاثة والمقاتلات ذات الدفع الصاروخي الألمانية سنة 1944.
تطور الطيران في النصف الثاني من القرن العشرين
الشكل (6) طائرة بوينغ 747 تتسع لأكثر من 400راكب، دخلت الخدمة عام 1970 |
وُظِّفت الخبرات التي تحققت إبان الحرب في إنتاج الطائرات المدنية وتحسين أدائها، وزيادة حجمها وسرعتها، وأُدْخِلَتْ عليها تحسينات كبيرة. وفي الوقت نفسه أدخلت تحسينات على المطارات ووسائل التنبؤ بالطقس والأحوال الجوية وتجهيزات الملاحة الجوية والمساعدة والتوجيه. واتسع نطاق التجارب والاختبارات في مجال تحسين الانسيابية وديناميكية الهواء وأنواع المعادن والمحركات والتجهيزات الإلكترونية المناسبة، وكان من نتائج ذلك إنتاج طائرات عنفية نفاثة turbojet عابرة للمحيطات وطائرات فوق صوتية وطائرات صاروخية تجريبية، وطائرات الإقلاع والهبوط القصيرين، وأخيراً مكوك الفضاء.
وفي عام1986 جرت تجربة الطائرة فوياجير Voyager الخفيفة جداً، التي أتمت بنجاح أول طواف حول العالم من دون توقف أو تزود بالوقود. وكانت تتألف كاملةً من مُرَكَّبات لدائنية خفيفة الوزن. وقادها طياران اجتازا بها مسافة 40245كم في تسعة أيام وثلاث دقائق، وبلغ متوسط سرعتها 3.186كم/سا.
منظمات الطيران الدولية
أهم المنجزات في تاريخ الطيران | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
بدأت مشكلات الطيران تطل على المستوى الدولي منذ عام 1889، وعُقدِتْ من أجل حلّها مؤتمرات وندوات عدَّة، غير أن الاتفاق على إقامة منظمة متخصصة على المستوى الدولي لم يتم إلا في عام 1947حين أُنْشِئَتَ المنظمة الدولية للطيران المدني International Civil Aviation Organization (ICAO) الملحقة بهيئة الأمم المتحدة ومقرها في مونتريال، وتتعاون معها الجمعية الدولية للنقل الجوي International Air Transportation Association (IATA)ومقرها مونتريال أيضاً، وتنتسب إليها أكثر من مئة شركة خطوط جوية.
بعد الحادي عشر من أيلول سنة 2001، غدا أمن الطيران الشاغل الأول للهيئات العاملة في هذا المجال بعد أن تبين وجود كثير من نقاط الضعف في تنظيمات النقل الجوي وقواعده، وتطلّب ذلك سن قوانين، وعقد اتفاقات جديدة، وتوسيع مهام مراقبي المطارات والحمولات وزيادة أعدادهم، وتشديد التعليمات الخاصة بتحركات الركاب وأطقم الطائرات، والتحقق من أمتعتهم وغير ذلك من الإجراءات المشددة.
محمد وليد الجلاد
الموضوعات ذات الصلة: |
بليريو (جوزيف ـ ) ـ الحوامة ـ رايت ( الأخوان ـ) ـ الطائرة ـ الطائرة (قيادة ـ)، الطيران الحربي ـ الطيران (ديناميك ـ)، الطيران العمودي ـ ليلنتال (أوتو ـــ) ـ المنطاد.
مراجع للاستزادة: |
- DAVID F.R. MONDEY,The Illustrated Encyclopedia of Aircraft.
- التصنيف : الصناعة - المجلد : المجلد الثاني عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 673 مشاركة :