دينوري (حنيفه)
Al-Dienouri (Abu Hanifah-) - Al-Dienouri (Abu Hanifah-)

الدينوري (أبو حنيفة -)

(…-282هـ/ … -895م)

 

أبو حنيفة أحمد بن داود بن وننْد الدينوري،نسبة إلى مدينة دينور الواقعة قرب الحدود بين العراق وإيران، موسوعي، يقول النديم[ر] في الفهرست إنه كان (مفتناً في علوم كثيرة منها النحو واللغة والهندسة والحساب وعلوم الهند وثقة فيما يرويه ومعروفاً بالصدق)، إضافة إلى شغفه بأعمال الرصد، كما يذكر في صدد ذلك الفلكي عبد الرحمن الصوفي[ر] (ت376هـ): «إنه رأى في دينور البيت الذي لبث فيه أبو حنيفة سنين طوالاً يرصد النجوم على سطحه»، كما برع بدراسة النبات ولذلك سمي بالعشاب، وكان يصفه معظم من ترجم لحياته أنه كان زاهداً ورعاً جليل القدر.

ولد في دينور ولم يذكر الرواة سنة ولادته، واختلفوا فيها، بعضهم يقول، كانت في السنين العشر الأولى من المئة الثالثة للهجرة، وبعضهم قال خلاف ذلك ومع ذلك فقد ظل تاريخ ولادته مجهولاً. كما اختلف التراجمة في سنوات وفاته، إلا أنه من المرجح أنها كانت سنة 282هـ/895م.

كان أبو حنيفة محباً للترحال والأسفار طلباً للعلم، فقد رحل إلى البصرة والكوفة وجلس إلى مجالس علماء اللغة فيها، وأخذ أكثر علومه اللغوية في مجلس ابن السكيت[ر] (ت244هـ) وأبيه. كما رحل إلى بغداد والمدينة المنورة وتجول في معظم أنحاء الجزيرة العربية لدراسة نباتاتها للتحقق من أسمائها عمن كان يثق بهم من أعلام أعرابها في اللغة. وعلى الرغم من ندرة أخباره وحياته الأسرية وشيوخه وطلاب العلم في مجلسه، إلا أن كثيراً من العلماء اهتموا بعلومه وغزارتها.

يقول أبو حيان التوحيدي[ر] (ت نحو 400هـ): «إنه من نوادر الرجال، جمع بين حكمة الفلاسفة وبيان العرب، له في كل فن ساق وقدم ورواء وحكم، وهذا كلامه في الأنواء يدل على حظ وافر في علم النجوم وأسرار الفلك».

كما اهتم بدراسته بعض المستشرقين، منهم المستشرق الروسي كراتشكوفسكي[ر]، إلى جانب المستشرق لوكلرك وسلفستر دوساسي وغيرهما، وأطروا أبحاثه ومؤلفاته وخاصة العلمية.

أحصى معظم من ترجم للدينوري كالنديم وياقوت الحموي وغيرهما آثاره ومؤلفاته وقدروها بعشرين مؤلفاً كما أحصاها المستشرق فلوجل Flugel وعدها عشرين مؤلفاً أيضاً.

واتبع أبو حنيفة أسلوباً غاية في الدقة والمنهجية العلمية وتميز من أنداده من علماء عصره باعتماده على منهج البحث العلمي الدقيق. فقد اعتمد الملاحظة المباشرة والتجربة ولاسيما في أبحاثه في علم النبات كما يظهر في كتابه (النبات)؛ وبذلك سبق غيره من السابقين واللاحقين وعلماء الغرب من اليونانيين وفي صدد ذلك يقول المستشرق كراتشكوفسكي ما مؤداه: «لقد كان أبو حنيفة دقيقاً في تصنيف العلوم، وبعيداً عن خلط بعض أبحاثه العلمية ببعض في مؤلف واحد وخصص لكل موضوع علمي مؤلفاً خاصاً كما يظهر في عناوين مؤلفاته وكتبه، ومن أهم ميزاته أنه كان مالكاً لزمام مواضيعها، فلم يكتف بالرواية أو النقل بل كان يسجل وجهات نظره الشخصية التي تعبر عن فكره». ومن أهم مؤلفاته:

ـ كتاب «النبات» وهو مؤلف قل أمثاله من كتب النبات ذكره ياقوت والنديم، ويتألف من ستة أجزاء كبار والنسخة الأصلية لهذا الكتاب مفقودة، طبع منه الجزء الثالث ونصف الخامس بعدما عثر عليهما، واعتنى بطبعهما محمد حميد الله، وكما كتب عنه المستشرق فان فلوتن G.Van Vloten وغيره. ومن أهم ميزات كتاب «النبات» هي الرسوم التي وضعها أبو حنيفة بنحو 200نبتة مع وصفها وتعريفها بشكل علمي دقيق لثمارها وطعمها ورائحتها ومنافعها الدوائية أو الصناعية، وعلى الرغم من أن هدف أبي حنيفة كان هو اللغة فقد أدخل على الكتاب منهجاً جديداً لم يكن متعارفاً عليه من قبل عند علماء اللغة. وفي صدد ذلك يقول إبراهيم بن مراد في بحثه عن هذا الكتاب: إن أهم سمات ذلك النهج الجديد إحلال أبي حنيفة في كتابه ما نريد تسميته بـ«الفقرة النباتية» ونعني التعريف الكامل بالنبات وهي مما اختصت به كتب الأطباء والصيادلة حول الأدوية المفردة، وقد ركز هؤلاء المادة على أركان متفاوتة العدد من عالم لآخر. وقد ظهر منها في كتاب أبي حنيفة أربعة أركان هي: التعريف اللغوي المحض، والتعريف العلمي بخصائص النبات، والتعريف بمنافعه، والتعريف بمواضع نباته، وهذه الأركان العلمية لا تقل علمية وأهمية تاريخية وتطويرية في منهجية دراسة النبات عن المصطلحات العلمية الأوربية التي وضعها كارل لينيس السويدي في تصنيف النبات وهي: الطائفة والرتبة والجنس والنوع، والتي لا تزال تستعمل حتى اليوم. ومن مؤلفاته أيضا كتاب «الأنواء» يقول عنه عبد الرحمن الصوفي إنه أتم كتاب في الأنواء. وكتاب «الرصد»، وكتاب «القبلة والزوال» ذكره ياقوت البغدادي، وكتاب «الكسوف» يقول كراتشكوفسكي إنه كتاب الرصد نفسه الذي صنفه في أصفهان. وكتاب «الجمع والتفريق» في جمع الأعداد وطرحها، وكتاب البلدان»، فيه أدب وتاريخ وجغرافية على غرار معجم البلدان لياقوت، و«جواهر العلم» بحث فيه الخواص الدقيقة لمباحث علمية. في «تفسير القرآن»، في ثلاثة عشر مجلداً، وكتاب في «إصلاح المنطق»، و«الأخبار الطوال» يضم تاريخ الفرس والساسانيين والروم، والصراع بين العرب والعجم والفتوح في زمن عمر بن الخطاب ثم الفتنة في زمن عثمان وما جرى من الحوادث إلى زمن خلافة المعتصم سنة 277هـ/890م.

زهير حميدان 

مراجع للاستزادة:

ـ ياقوت الحموي، معجم الأدباء (دار المأمون، القاهرة 1936م).

ـ إبراهيم بن مراد، «مسيرة علم النبات عند العرب من مرحلة التدوين اللغوي إلى مرحلة الملاحظة العلمية المحض»، مجلة التراث العربي (دمشق 1988-1990م ).

ـ مصطفى الشهابي، «أبو حنيفة الدينوري والجزء الخامس من كتاب النبات»، مجلة مجمع اللغة العربية، المجلد (6).

 


- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد التاسع - رقم الصفحة ضمن المجلد : 575 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة