دقيق عيد
Ibn Daqiq al-Aid - Ibn Daqiq al-Aid

ابن دقيق العيد

(625-702هـ/1227-1302م)

 

أبو الفتح، محمد بن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري المنفلوطي تقي الدين، المعروف بابن دقيق العيد، وهو لقبٌ عُرفَ به جده ثم أبيه. قاض من أكابر العلماء بالأصول.

ولد بمدينة ينبع على ساحل البحر الأحمر، ونشأ بمدينة قوص حيث أقام والده القادم إليها من منفلوط، رحل في طلب العلم، وبخاصة الحديث النبوي الشريف، كما جرت العادة عليه، بأن يقصد الطالب المعاهد العلمية بحثاً عن العلماء ذائعي الصيت، دون النظر للمكان لذي يتواجد فيه أولئك العلماء، والتي كانت المساجد تمثل التجمعات العلمية الكبرى، وأولى المقاصد لطلاب العلم والساعين إليه. قصد ابن دقيق العيد القاهرة، ثم دمشق سنة 660هـ، والإسكندرية وأخذ عن كبار علمائها.

برع ابن دقيق في الفقه المالكي كوالده، وخرّج، وصنّف فيه إسنادا ومتناً. عاد إلى مدينته قوص بعد رحلته العلمية تلك، إلا أنه ما لبث أن غادرها من جديد في عام 665هـ/1266م، متوجهاً إلى القاهرة، فأكبَّ فيها على المطالعة والبحث والدراسة، بنهمِ غير محدود، وأمضى جُلَّ وقته على هذا المنوال، انتقل في هذه الفترة إلى المذهب الشافعي، اشتهر اسمه في حياة أساتذته،وشاع ذكره، وتخرّج به أئمة كبار، وكان لا يسلك المراء في بحثه، بل يتكلم بكلمات يسيرة بسكينة ووقار ولا يراجع.عُيّن في عام 680هـ/1281م مدرساً في المدرسة الجوّانية، المجاورة لقبة الإمام الشافعي بالقاهرة، ودرّس في غيرها، وقصدته جموع الطلبة من كل حدب وصوب، وانتهت إليه رياسة العلم في زمانه، وتولى إضافة لمنصب القضاء، مشيخة دار الحديث الكاملية، ومسجد الإمام الشافعي، وغيرهم، التقى بالإمام الشيخ تقي الدين ابن تيمية، ورأى أنه بحر علم لاينضب، فقال له ابن دقيق العيد «ما أظن بقي يخلق مثلك».تولى في عام 695هـ/1295م منصب قاضي القضاة،عوضاً عن تقي الدين ابن بنت الأعز، واستمر فيه إلى أن مات.

كان ابن دقيق العيد، وقوراً، قليل الكلام،غزير الفوائد، كثير العلوم في ديانة ونزاهة،وكان جريئاً في الحق، لايُداهن، ولاينافق، أو يداري، ولايهاب الملوك في قول الحق، فمن ذلك:

أن الملك الناصر محمد بن قلاوون، طلب من الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد إصدار فتوى تُجيز للملك جباية نفقات حملةِ كان يرمي الإعداد لها للتصدي لقوات التتار الغازية لبلاد الشام وطردهم منها من الرعية، بعد غزوتهم لها في عام (698هـ/1298م)، إلا أن الشيخ تقي الدين أبى على الملك أن يجبي شيئاً إلا بعد أن يستنفد أموال الأمراء، وقال له: «لقد بلغني أن كلاً من الأمراء له مالٌ جزيل، وفيهم من يجهز بناته بالجواهر واللآلىء، ويعمل الإناء الذي يستنجي فيه من فضة، ويرصعّ' مداس زوجته بأصناف الجواهر»، وهو أمر يدل على جرأة في الحق، وشجاعة وصدق العالم ورجل الدين .كان متعبداً خاشعاً لله، يُعدُّ نفسه ليومِ لاريب فيه، فكان يقول: «ما تكلمت بكلمة ولا فعلت فعلاً إلا أعددت له جواباً بين يدي الله تعالى».

أشاد بذكره والحديث عنه الكثير من العلماء والكتاب، فقال العز بن عبد السلام: «إن ديار مصر تفتخر برجلين في طرفيها ابن منير بالإسكندرية، وابن دقيق العيد بقوص».وقال ابن سيد الناس: «لم أر مثله فيمن رأيت ولا حملت عن أجلَّ منه فيمن رويت، قرأت عليه جملة من المحصول، وكنت مستمليَ تصانيفه والمتصدر لإفادة الطلبة بدار الحديث من جهته، وكان للعلوم جامعاً، وفي فنونها بارعاً». وقال الأسنوي: «له خطب بليغة أنشأها عندما كان خطيباً بقوص. وله شعر جيد بليغ، منه :

تمنيت أن الشيب عاجل لمتي

وقرّب مني في صباي مزاره

لآخذ من عصر الشباب نشاطه

وآخذ من عصر المشيب وقاره

وضع عدداً من المؤلفات منها: «الإلمام في أحاديث الأحكام»، مطبوع، وشرحه بكتاب أسماه: «الإمام في شرح الإلمام»، «الاقتراح في بيان الاصطلاح»، كتاب في «أصول الدين»، «علوم الحديث»، «شرح مختصر ابن الحاجب في فقه المالكية»، لم يتمه، «شرح عمدة الأحكام» للحافظ عبد الغني المقدسي، شرح الأربعين حديثاً النووية، كتاب في «العقائد»، «اقتناص السوانح»، «شرح مقدمة المطرزي في أصول الفقه»، «تحفة اللبيب في شرح التقريب»، وغير ذلك.

توفي بالقاهرة يوم الجمعة الحادي عشر من شهر صفر، وصلّي عليه بسوق الخيل، حضر جنازته جمعٌ غفير يتقدمهم نائب السلطنة وغيره من الأمراء والعلماء، ودفن بالقرافة الصغرى.

عبد الله محمود حسين 

مراجع للاستزادة:

ـ ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة (دار الجيل، بيروت).

ـ ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب في أخبار من ذهب (دار المسيرة، بيروت 1399هـ/1979م).

 


- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد التاسع - رقم الصفحة ضمن المجلد : 302 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة