خيام (عمر)
Al-Khayyam (Omar-) - Al-Khayyam (Omar-)

الخيّام (عمر -)

(432-517هـ/1040-1123م)

 

عمر الخيام Omar Khayyam اسمه عمر بن إبراهيم، كنيته أبو الفتح، ولقبه غياث الدين، وأُطلق عليه حجة الحق الإمام الفيلسوف، واشتُهر بالخيّام لقيام والده بهذه الصناعة. هو رياضي وفيلسوف وفلكي وشاعر فارسي مستعرب، وكان علاّمة عصره، فقد جمع الفلك إلى الفقه، والطب إلى قراءات القرآن الكريم، والفلسفة إلى علوم اللغة، والشعر إلى الكيمياء، واللاهوت إلى الرياضيات والتاريخ. أجمعت الروايات المختلفة على أنه كان قوي الذاكرة سريع الحفظ، وذكر الشهرزوري في كتابه «نزهة الأرواح وروضة الأفراح» أن عمر الخيّام تأمل كتاباً في أصفهان سبع مرات فحفظه ثم عاد إلى نيسابور فأملاه. يذهب معظم الباحثين إلى أنه ولد وتوفي في مدينة نيسابور، ولا يزال قبره فيها في المدفن المعروف بمشهد علي.

كانت نيسابور في العصر الذي عاش فيه الخيّام تموج بالتيارات الفكرية والعلمية، وكانت مصدراً من مصادر المعرفة في عدد من المجالات. وقد قرّب الحكّام الخيّام لصفاته العلمية والأدبية، فكان السلطان ملكشاه السلجوقي ينزله منزلة الندماء، وكان الخاقان شمس الملوك البخاري يجلسه معه على عرشه، كما كان صديقاً لنظام الملك وحسن الصباح. وقد ألبت هذه المكانة التي تبوأها الحساد والخصوم ضده وحاولوا النيل منه بأي طريقة، فطعنوا في عقيدته وذهبوا إلى أنه إباحي وباطني ومستهزئ بالدين ونسبوا إليه الزندقة واللاأدرية والدهرية، ودسوا عليه بعض الرباعيات للنيل منه. وكان الخيّام متصوفاً ومشهوراً بالشطح، فخشي على نفسه، فتكتم في لسانه وفي قلمه، ثم حج، وأقام مدة في بغداد، ثم عاد إلى نيسابور يتقي الناس بالتقوى،وسد الباب دون مريديه.

كان الخيّام متسامحاً يرى أن التسامح هو اللبنة الأولى في بناء الصداقة، كما كان عاشقاً للجمال والحياة والحب، روحه معلقة بالمحبوب دائماً. أحب الخمرة ووصفها في شعره عامة وفي الرباعيات خاصة، لكن الدارسين اختلفوا حول طبيعة هذه الخمرة، أهي من عصير العنب أم هي خمرة روحية صوفية.

أتقن عمر الخيام اللغتين الفارسية والعربية وكتب وألف فيهما، ومؤلفاته متنوعة ومختلفة في معظم المجالات والمعارف والعلوم، لكنها تعرضت للتلف والنهب والحرق ولم ينجُ منها إلا القليل. ومما كتبه «رسالة في الموسيقا»، كما ذاعت شهرته وبراعته في العلوم الرياضية والفلكية، فعهد إليه السلطان السلجوقي ملكشاه بناء مرصد لمراقبة النجوم، وطلب منه تعديل التقويم السنوي، فوضع تقويماً كان موضع إعجاب من عاصره واستمر الاهتمام به إلى الوقت الحاضر. وينسب إليه الباحث حنا برداق نظرية «إن حاصل مجموع عددين مكعبين لا يمكن أن يكون عدداً مكعباً»، ويرى أنه سـبق بـها العـالـم الرياضي الفرنسي بيير دي فِرما[ر] Pierre De Fermat. ولقد حقق الباحثان رشدي راشد وأحمد الجبار رسالتيه: «قسمة ربع الدائرة» و«مقالة في الجبر والمقابلة». والرسالة الثانية من أهم تصانيف الخيام، إذ يقول بروكلمان: «إنها أول محاولة ناجحة لحل المعادلات التكعيبية»، وقد طبعت هذه الرسالة في باريس عام 1815. وحقق الباحثان أيضاً مجموعة رسائل للخيام نشرها معهد التراث العلمي في حلب عام 1981 تحت عنوان «رسائل الخيام الجبرية» وتضمنت «رسالة في شرح ما أشكل من مصادرات إقليدس»، و«مسائل نجومية»، وترجمت هذه الأعمال إلى عدة لغات عالمية، وتوجد مخطوطاتها الأصلية في مكتبات العالم. وللخيام أيضاً رسالة في «الاحتيال لمعرفة مقداري الذهب والفضة في جسم مركب منهما» وتعرف باسم «ميزان الحكم». أما في العلوم الإنسانية والفلسفة فقد كتب «رسالة في الكون والتكليف» بالعربية، و«الرسالة الأولى في الوجود أو الضياء العقلي»، و«رسالة في الوجود»، و«رسالة في كلية الوجود» بالفارسية.

أما الرباعيات فهي مقطوعات شعرية نظمها الخيام بالفارسية وترجع شهرته منذ القرن التاسع عشر إليها، وخاصة بعد أن ترجمها إدوارد فيتزجيرالد[ر] Edward Fitzgerald إلى الإنكليزية شعراً. والرباعية مقطوعة شعرية من أربعة أبيات تدور حول موضوع معين، وتكوِّن فكرة تامة. وفيها إما أن تتفق قافية البيتين الأول والثاني مع الرابع، أو تتفق جميع الأبيات الأربعة في القافية. وقد تُرجمت الرباعيات إلى معظم لغات العالم الحيّة، ومنها العربية شعراً ونثراً وبالعامية، وزادت ترجماتها على الخمسين من الفارسية والإنكليزية والفرنسية. وممن ترجمها إلى العربية نثراً أحمد حافظ عوض ومصطفى وصفي التل ومحمد المنجوري وجميل صدقي الزهاوي، وممن ترجمها شعراً اسكندر معلوف ووديع بستاني وعبد الرحمن شكري وعبد اللطيف النشار ومحمد السباعي وأحمد رامي وعبد الحق فاضل وأحمد الصافي النجفي. وتنبغي الإشارة إلى أن يد الفساد والنحل قد لحقت بالرباعيات التي تناقلتها الأيام والسنون، فأصابها الحذف والتبديل والتحوير والزيادة، وأن بعضها اختلط ببعض، وأصبح من المتعذر التمييز بين الأصيل والدخيل. فمن المؤكد أن عدداً غير قليل من الرباعيات مدسوس عليها، حتى إن بعض الباحثين ومنهم أبو النصر مبشر الطرازي غالوا في رأيهم وذهبوا إلى أنها ليست من شعر الخيام. ومن ثم اخْتُلف في عددها فثمة من ذهب إلى أنها لا تتجاوز الأربعين أو الخمسين، وآخرون ذهبوا إلى أضعاف هذا العدد. كما أنها لم تكن مرتبة لكنها رُتبت فيما بعد حسب القافية، فضاع تسلسل أفكار الخيام، ولم تعد تقدم صورة عن تطور فكره وآرائه زمنياً، فاختلط المتفائل منها بالمتشائم، والقدري بالمتصوف، والتقي بالمستهتر، وهي بكاملها تشير إلى نفس قلقة حائرة تبحث عن الهدوء والحقيقة في هذا الوجود. فبرزت نزعة التشاؤم وكثرت فيها التساؤلات حول مصير الإنسان والشكوى والدعوة إلى اللامبالاة، واقتناص الفرص للعيش والنهل من لذائذ الحياة، والعيش في أحضان الطبيعة، وإرضاء النفس قبل إرضاء الناس. وفيها تأثر واضح بلزوميات أبي العلاء المعري[ر] وأفكاره، ولاسيما أن الخيام كان يتقن اللغة العربية، وأنه ولد في أيام شيخوخة المعري وإبان شهرته.

لم يقتصر اهتمام الأدباء العرب في العصر الحديث على ترجمة الرباعيات ودراستها والكتابة عن سيرة صاحبها، وإنما التفت بعضهم إلى سيرته فوجدوها مادة غنية للتعبير بوساطتها عن تجارب معاصرة، فاتخذه الشاعر عبد الوهاب البياتي[ر] قناعاً في قصيدته الطويلة التي نشرها في كتاب بعنوان «الذي يأتي ولا يأتي»، وفي مجموعته الشعرية «الموت في الحياة»، واستلهم حياته وحولها إلى أسطورة، وخاصة حبه لعائشة، الصبية التي أحبها الخيام حباً كبيراً، لكنها ماتت بالطاعون، ويصفها البياتي بأنها امرأة أسطورية ورمز للحب الأزلي. ويمثل الخيام في قصائد البياتي الإنسان الباحث عن الحقيقة والحرية في كل زمان ومكان، وهو الذي عاش عصراً تفسخّت فيه الحضارة العباسية، وقامت الحروب بين الشرق والغرب، وشهد بعض الخلافات المذهبية العنيفة، لذلك كان البحث عن عائشة سيدة النساء، وعن نيسابور المدينة الفاضلة.

وقد أسهم الفن السينمائي في تناول سيرة الخيام وعصره، فأُنتج في مصر فيلم يحمل اسمه، من بطولة الممثل عمر الشريف. كما أسهمت الشاشة الصغيرة بمسلسل عربي من ثلاثين حلقة عُرضت في عام 2002، كان معظم ممثليه وممثلاته من سورية.

خليل الموسى

مراجع للاستزادة:

 ـ البيهقي، تاريخ حكماء الإسلام (دمشق 1365هـ/1964م).

ـ زهير حميدان، أعلام الحضارة العربية الإسلامية في العلوم الأساسية والتطبيقية (وزارة الثقافة، دمشق 1996).

ـ القفطي، إخبار العلماء بأخبار الحكماء (مصر 1326هـ).


- التصنيف : الآداب الأخرى - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد التاسع - رقم الصفحة ضمن المجلد : 71 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة