خلافه
Khilafah / Caliphate - Khilafah / Califat

الخلافة

 

الخلافة هي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، وهي عينها الإمامة الكبرى[ر:الإمامة]. فالإمامة والخلافة بمعنى واحد، على أن مباحث الإمامة هي التي سادت في مجال البحث النظري، ذلك أن الشيعة هم الذين بدؤوا بالبحث في الإمامة وأخذوا يجادلون خصومهم فيها، وانطلق خصومهم يجادلونهم باللغة نفسها؛ ونقل التفتازاني في «شرح العقائد النفيسة» أن الشيعة كانوا يذهبون إلى أن «الإمامة» أخص من الخلافة ومعنى ذلك أنها أكمل، فالإمام عندهم يعني صاحب الحق الشرعي سواء أكان متولياً السلطة بالفعل أم لا، أما الخليفة فيدل أولاً على صاحب السلطة الواقعة، وقد يكون غير ذي حق، فإذا تولى صاحب الحق الشرعي السلطة أضافوا إلى لقب الإمام لقب الخليفة.

نشأ منصب الخلافة يوم وفاة رسول اللهr، وإثر المداولات التي جرت في سقيفة بني ساعدة، فقد اتضح أن الجميع مهاجرين وأنصاراً على الرغم من تباين آرائهم، كانوا متفقين على ضرورة إقامة رئيس للدولة يخلف الرسول r، ووصف أحد المعاصرين إحساس الناس بأهمية هذا المنصب الجديد حين سئل «أشهدت وفاة رسول الله r قال: نعم، قيل فمتى بويع أبو بكر؟، قال، يوم مات رسول الله r كرهوا أن يبقوا يوماً أو بعض يوم وليسوا في جماعة».

بويع أبو بكر بيعة خاصة في السقيفة تلتها في اليوم التالي بيعة عامة في المسجد، وأرسيت منذ تلك اللحظة قواعد متعددة، ظل بعضها ملازماً لهذا المنصب طوال قرون بقائه كأن يكون الخليفة مسلماً ذكراً حراً عاقلاً وأن ينحدر من قريش، هذا الشرط الذي ظل يراعى في عالم الواقع وعلى صعيد النظر لدى السُنَّة.

اجتازت مؤسسة الخلافة أولى مراحل حياتها في فترة الخلفاء الراشدين (11-40هـ/632-660م)، الذين عُدَّ عهدهم العهد المثالي والواقعي، وتميز بكون الطابع العام لاختيار الخليفة ولممارساته طابع الشورى على الرغم من التباين الذي اختير فيه كل خليفة من هؤلاء الخلفاء.

حدد أبو بكر مبنى النظام السياسي ومعناه حينما خاطب المسلمين بقوله: «لا بد لكم من رجل يلي أمركم ويصلي بكم ويقاتل عدوكم»، فأوضح أن الخلافة نظام يتولى صاحبها رعاية التراث الديني والمدني، وذلك بالحفاظ على الدعوة الإسلامية ونشرها والإشراف على تماسك المجتمع الجديد في مجال الدين والدنيا سواء، كما حددت سلطة الخليفة بالرأي العام مع تقييدها بدستور الإسلام وهو القرآن والسنة، وتجلى احترام الخلفاء لهذا الالتزام في الخطب العامة التي كانوا يلقونها عقب إتمام البيعة، ومن ذلك ما قاله أبو بكر في المسجد: «أما بعد أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني...أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم».

صار إطلاق لقب خليفة رسول الله على أبي بكر، دلالة على التزامه بالسير على سنة الرسول r في الحكم، ثم انتقل اللقب إلى خلفائه من بعده إقراراً بالتزامهم أيضاً بالحدود الخاصة بسلطانهم وأنهم ورثوا سلطات الرسول r ما عدا النبوة، ولكن كان على الخلفاء كذلك أن يجتهدوا حيال الأمور المستجدة التي لم يرد فيه نص صريح في القرآن وأقوال الرسول وأفعاله، وهكذا اجتهد أبو بكر في حكم مانعي الزكاة وعدّهم مرتدين، على الرغم من إيمانهم بالله ورسوله واستعدادهم لأداء جميع فروض الدين باستثناء دفع الزكاة، وصادفت أيام خلافة عمر بن الخطاب مستجدات كثيرة نتيجة الفتوحات والتوسع الكبير للدولة، مما جعل ميادين اجتهاداته تتنوع في التشريعات الإدارية والمالية والجنائية،ومن ناحية أخرى شملت مهام الخلفاء القيادة العامة في الحرب، التي وجدت تعبيراً عنها في اللقب الثاني لهم وهو أمير المؤمنين.

الخلافة الوراثية: تطور هذا المنصب إلى نظام حكم العائلة الوراثي، وعدّ الكثيرون دعوة الخليفة معاوية بن أبي سفيان (41-60هـ) إلى مبايعة ابنه يزيد بدعة ليس لها سابقة عند العرب، بل عدوها تقليداً لملوك الروم والفرس إذ إن العرب في الجاهلية والإسلام كانوا جماعة شورى، حتى إنه في كثير من الأحيان كان ابن السيد المتوفى ينحى عن رئاسة القبيلة، وتسلم الرئاسة إلى آخر إذا لم يجتمع بابن السيد صفات الرئيس المطلوبة.

حاول معاوية الحفاظ على مبدأ الشورى عندما استشار الناس، وجعل ولاته يشاورون وجوه الناس في الولايات حول رأيهم في بيعة ابنه يزيد، وإذا كانت هذه الشورى تتسم بطابع الشكلية، إلا أنه من ناحية أخرى وسع نطاق الشورى، فبعد أن اقتصرت في عهد الخلفاء الراشدين على التشاور مع كبار الصحابة الموجودين في المدينة، أو أهل الحل والعقد، شملت المشاورات الآن وجوه القبائل والناس في الولايات.

زال طابع المشاورات في عهد المروانيين (64-132هـ) وأصبح الخليفة يعين خلفه في وثيقة رسمية هي «العهد» وأصبح العهد الطريقة المتبعة في تولي الخلافة فإما عهد إلى الولد أو إلى أحد أفراد الأسرة لئلا يخرج الحكم من أيديها، وكان الخليفة عندما يقرر من سيكون ولي عهده يرسل الكتب إلى ولاته، لكي تقرأ هذه الكتب على الناس، ثم يبايع الناس ويأخذون عليهم العهد والمواثيق، فإذا مات الخليفة جددت البيعة ثانية تأكيداً للعهد، فكانت البيعة تأتي من الآفاق، ويكتب إليه الولاة وتجيء الوفود.

لجأ الأمويون إلى جعل خلافتهم تستمد شرعيتها من كونها امتداداً لخلافة الخليفة الراشدي عثمان بن عفان، كما شجعوا الأفكار الدينية التي تنادي بالجبرية ونسبة الأعمال كلها إلى الله، وبالتالي تكون الأحداث التي رفعتهم إلى السلطة من عمل الله.

أما العباسيون فقد بنو حقهم في الحكم والخلافة على الوراثة من الرسول r، وقد ردوا على آل علي بن أبي طالب منافسيهم الذين ينحدرون من زوجته فاطمة بنت الرسول r بأن حقهم في الوراثة أقوى لأن العم أولى بالوراثة.

وقد اتسم منصب الخلافة في العصر العباسي بالصبغة الدينية، وذلك منذ السنوات الأولى لقيام الخلافة العباسية، وكانت هذه الصبغة الشيء الباقي للخلفاء العباسيين بعد زوال سلطانهم الفعلي في منتصف القرن الثالث الهجري حتى السقوط.

في المدة الأخيرة من النصف الأول من القرن الثالث الهجري بدأ الخليفة يفقد سلطاته بالتدريج، وسيطر القواد الأتراك على الخليفة ما يقرب من قرن فكانوا يتلاعبون بالمنصب بقتل هذا الخليفة أو عزل ذاك، وفرض تنفيذ أوامر وأحكام على ثالث، إلا أن القادة لم يسيروا على سياسة واحدة تجاه الخلفاء وفرض سيطرتهم عليهم، كما لم يكونوا دائماً أقوياء قادرين على فرض سلطاتهم يضاف إلى ذلك أنهم غالباً ما كانوا متناحرين، وهذا كله أفسح في المجال لظهور بعض الخلفاء العباسيين الأقوياء الذين مارسوا سلطاتهم.

رافق الضعف في سلطة الخلافة في المركز، زوال سلطانهم في الولايات، كما قامت لها خلافة منافسة هي الخلافة الفاطمية (296-567هـ/908-1171م). وإذا كان الأمراء الأمويون الذين سادوا الأندلس بعيد سقوط خلافتهم في المشرق، ظلوا يحترمون وحدة الخلافة، فإنهم تلقبوا بها سنة 314هـ/926م، وبذلك أصبح في ديار الإسلام ثلاث خلافات، الخلافة العباسية في العراق، والفاطمية في مصر، والأمويون في الأندلس، وكل منها تدعي أنها صاحبة الحق الشرعي في السيادة على المسلمين.

في سنة 334هـ/945م طرأ على الأوضاع في العراق تبدل كبير، إذ حلت أسرة البويهيين[ر] على رأس قوة عسكرية فيها الديلم وفيها الأتراك،ومارسوا السلطة على الخليفة وعلى الناس باسمه. ومما مكن لسلطانهم وجعله مستمراً لاينقطع هو توارث منصب إمرة الأمراء داخل أسرة واحدة دون أدنى تدخل من الخليفة، وقد شارك البويهيون الخليفة في كل امتيازاته في الخطبة والنقد، وضرب الطبول على بابهم وقت الصلوات.

بعد قضاء قرن على سيطرة البويهيين استنجد الخلفاء العباسيون بالسلاجقة[ر] الذين تربطهم بهم رابطة المذهب، فقد كانوا سُنَّة بينما كان البويهيون شيعة، ومع ذلك لم يستعد الخلفاء سلطتهم، لأن السلاجقة سلكوا سلوك البويهيين في ممارسة السلطة على الخليفة وفي مشاركته في كل امتيازاته، وقد حاول الخليفة الناصر لدين الله (575-622هـ/1180-1225م) عند ضعف السلاجقة أن يستعيد للخلافة العباسية بعض مكانتها السابقة منطلقاً من التأكيد على أهميتها الدينية، ولكن هذه المحاولة كانت كومضة المصباح الأخيرة، إذ لم يلبث المغول أن عاجلوا هذه الخلافة،وقضوا عليها بقتل الخليفة المستعصم بالله في صفر سنة 656هـ/1258م.

الخلافة في العصر المملوكي والعصور الحديثة

بايع المماليك بعد قيام حكمهم في مصر أحد أعمام الخليفة المستعصم بالله آخر خليفة عباسي في رجب سنة 659هـ/حزيران 1261م بلقب الخليفة المستنصر بالله، وكانت الخلافة هنا ذات سلطة شكلية بحتة، لاتتعدى مهمة الخليفة تفويض السلطة للسلطان، كي تظهر سلطة هذا الأخير مقبولة في عيون الناس، لكونه مملوكاً غريباً، ومنحها له ممن أُعطِي السلطة من الله،ويظهر أن الفكرة شاعت في ديار الإسلام وحذا الأمراء البعيدون حذو سلاطين المماليك في إعلان الطاعة للخليفة واكتساب خِلعة التعيين منه والتفويض له بالحكم في بلده،وركز الكتاب المعاصرون على هذه الفكرة، فكتب خليل الظاهري (ت 862هـ) «إن أمير المؤمنين نائب الله على الأرض ولا يمكن لأي أمير في الشرق أو الغرب أن يدعي السلطة دون تلقي الخلعة منه». أما ما عدا ذلك فقد فَقَدَ الخليفة كل مشاركة في امتيازات تدل على سلطة فعلية، فلم يعد اسمه يذكر في السكة (النقود) وكذلك في الخطبة، وأخيراً سقطت الخلافة نهائياً عندما قضى العـثمانيـون على دولة المماليك ســنة 923هـ/1517م، وأسر السلطان سليم (918-926هـ/1512-1520م) آخر الخلفاء، المتوكل، في جملة من أسر، ولم يستطع الخلاص من النفي إلا فيعهد السلطان سليمان القانوني عندما عاد إلى القاهرة حيث توفي950هـ/1543م، وفي أثناء إقامته الأخيرة أتيحت له فرصة ليظهر أثره المعنوي، عندما خلع خلعة السلطنة على الوالي أحمد باشا الذي ثار على العثمانيين.

أما الزعم أنه تمَّ نقل الخلافة للعثمانيين، فلا سند له في الوثائق التاريخية، كما أن السلطان سليماً وخلفاءه لم يحملوا في أي وثيقة رسمية من وثائق الدولة ولا في النقود سوى لقب «سلطان» أو «خاقان»، ولعل اللقب الوحيد الذي اتخذه السلطان سليم هو «خادم الحرمين»، وكان قبله أحد ألقاب السلطان المملوكي لاأحد ألقاب الخلفاء.

في أواخر القرن الثامن عشر ميلادي بدأ لقب خليفة يوضع ضمن ألقاب السلطان العثماني في المراسلات مع الملوك الآخرين، ثم ظهر بوضوح ومحدد أيام السلطان عبد الحميد الثاني (1293-1327هـ/1876-1909م)، ونص عليه الدستور الموضوع سنة 1876، فورد في مادته الثالثة «أن منصب خلافة المسلمين العليا يجب أن تؤول إلى أكبر أفراد العائلة»، كما ورد في المادة الرابعة «إن السلطان بوصفه خليفة وحامي الديانة الإسلامية». ثم ذهب كل ذلك مع إنهاء سلطنة آل عثمان زمن أتاتورك.

نجدة خماش 

الموضوعات ذات الصلة:

 

الأمويون ـ البويهيون ـ السلاجقة ـ العباسيون ـ العثمانيون ـ الفاطميون ـ المماليك.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ الماوردي، الأحكام السلطانية (البابي الحلبي وأولاده، مصر 1973).

ـ ابن خلدون، المقدمة، تحقيق عبد الواحد وافي (مؤسسة الأعلمي، بيروت 1971).

ـ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (دار المعارف، مصر 1973).

ـ أحمد بدر، الحضارة العربية الإسلامية (دمشق 1402هـ/1982م).

ـ محمد ضياء الدين الريس، النظريات السياسية الإسلامية الأولى (دار المعارف، مصر 1966 ـ 1967).


- التصنيف : التاريخ - المجلد : المجلدالثامن - رقم الصفحة ضمن المجلد : 868 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة