خطيب (لسان دين)
Ibn al-Khatib (Lissan ed Din-) - Ibn al-Khatib (Lissan ed Dine-)

ابن الخطيب (لسان الدين -)

(713-776هـ/1313-1374م)

 

محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن أحمد بن علي السَّلماني والمعروف بلقبه لسان الدين، وزير ومؤرخ وشاعر، اشتهر بثقافته الواسعة في التاريخ والأدب، والشعر وعلوم اللغة، والشريعة مما جعله موسوعي المعرفة، تتلمذ ابن الخطيب على يد أبي عبد الله الفخار شيخ النحاة في عصره، وأبي القاسم محمد بن علي الحسني السبتي، والمحدث شمس الدين بن جابر الوادي آشي، وأبي عبد الله بن مرزوق فقيه المغرب، وقد لقبه معاصروه بذي الوزارتين، القلم، والسيف، كما لقبوه بذي العمرين لاشتغاله بالتأليف والتصنيف ليلاً وبإدارة أمور مهامه في الدولة نهاراً.

درس ابن الخطيب الطب والرياضيات والبيطرة والمنطق وألَّف كتباً ورسائل فيها.

ولد في لوشة الواقعة على مرحلة (المسافة التي يقطعها المسافر في يومه) من مدينة غرناطة، وكان أجداده قد قدموا من دمشق بعد أن انتقلوا إليها من اليمن، فهم قحطانيون من قبيلة مراد ومن أحد بطونها المسمى سلمان. ومن هنا جاءت نسبتهم «السَّلماني» وقد عرفوا بلوشة ببني الخطيب نسبة إلى جدهم الأعلى سعيد وكان قد تولى الخطابة في هذه المدينة.

وكان من أبرز أساتذة ابن الخطيب أبو الحسن بن الحباب، فقد عينه كاتباً عنده وعندما توفي أبو الحسن 749هـ/1349م، بالطاعون الذي اجتاح غرناطة وجنوبي أوربا استلم لسان الدين منصبه، كما أخذ عن يحيى بن الهذيل الطب والمنطق والحساب، وكان معاصروه يعدونه من فلاسفة عصره.

ولع ابن الخطيب بالأدب والشعر وامتدح السلطان أبا الحجاج يوسف الأول ابن أبي الوليد نصر بن الأحمر (733-755هـ/1333-1354م)، فقربه منه وأغدق عليه، وجعله في خدمته، وعينه في ديوان الكتاب ببابه تحت رئاسة ابن الحباب، وبقي في منصبه حتى وفاة رئيسه، فاستقل ابن الخطيب آنذاك برئاسة الكتاب، وأضاف إليه السلطان أبو الحجاج رسوم الوزارة، ولقبه بها.

وفي عام 755هـ/1354م قتل أبو الحجاج، وخلفه ابنه محمد الخامس الغني بالله في السلطة وذلك لأول ولاية له، فأبقى لسان الدين في منصبه وأرسله إلى أبي عنان المريني بفاس ليستنجده ضد ملك قشتالة، فمثل بين يديه وألقى على مسامعه قصيدة من نظمه، أعجب بها أبو عنان فقربه منه وسمح له بالجلوس بين يديه، وأعلمه بأن كل طلباته ستتحقق وبالغ في إكرامه، وأكرم الوفد المرافق له. إلا أن أبا عنان لم يستمر في سلطانه إذ إنه خلع، كما خلع في غرناطة محمد الخامس الغني بالله من قبل أخيه إسماعيل الثاني أبو الوليد 760هـ/1359م، فقبض على ابن الخطيب وأودعه السجن وبقي فيه حتى شفع له السلطان المريني أبو سالم إبراهيم 760هـ/1359م، وجعل إطلاق سراحه شرطاً في مسالمة الدولة وبقاء المودة، فاستجاب الأندلسيون لرغبته وأطلقوا سراح ابن الخطيب الذي ما لبث أن التحق بأبي سالم الذي استقبله استقبالاً حافلاً وأغدق عليه الجوائز والمكافآت والهدايا، وخصه براتب كبير فحسنت حاله وعاد ثراؤه فاشترى عدداً من الضياع والبساتين، فاستغل خصومه وحساده ما اقترفه ابن الخطيب وأوغروا قلب السلطان محمد الخامس الغني بالله الذي تولى ثانية السلطة في غرناطة 763-793هـ، حتى سمح لهم بالدعوى عليه في مجلس الحكم، وكانت التهمة الموجهة إليه الزندقة وسلوك مذهب الفلاسفة، ولقد حكم عليه بالموت وبتجريده من جميع أملاكه وأمواله، وأرسلت صورة عن الحكم إلى أبي سالم طالبين منه تنفيذ الحكم، إلا أن أبا سالم امتنع عن ذلك قائلاً: «هلاَّ انتقمتم وهو عندكم وأنتم عالمون بما كان منه؟ فلست مُسَلِمُه ما دام في جواري»، وتشفع به لدى الأندلسيين، فأعيد إلى منزلته وردت عليه أمواله وأملاكه، وزاد نفوذه حتى أصبح منافساً لعثمان بن يحيى متولي الجهاد في الدولة، وعمل ابن الخطيب على الإيقاع به، فأمر السلطان بنفيه مع أسرته، وبذلك خلا الجو لابن الخطيب، فزاد نفوذه وقصده وجهاء القوم وسراتهم لقضاء حوائجهم، فعاد أعداؤه والناقمون عليه للتربص به.

ويبدو أن ابن الخطيب خشي على نفسه من تنكر السلطان له والاستماع إلى الوشاة فاستأذن السلطان بتفقد الثغور الغربية، ولما وصل إلى جبل طارق ركب البحر مع مرافقيه إلى سبتة ومنها إلى تلمسان واستقر بمدينة فاس، وكان قد راسل السلطان عبد العزيز 768هـ/1366م وأطلعه على بغيته، وقد طلب السلطان من كبار حاشيته وموظفيه استقبال ابن الخطيب استقبالاً حافلاً وقربه إليه وأغدق عليه الكثير من النعم، وشفع له ثانية مع سلطات غرناطة فردوا عليه ضياعه وأمواله وسمحوا لأسرته بالسفر إليه. إلا أن هذا لم يدم طويلاً بسبب وفاة السلطان وخلفه في الحكم ابنه محمد الثالث السعيد 774هـ/1372م، الذي ما لبث أن خلع بتحريض من غرناطة ومساندتها، وتولى مكانه أبو العباس أحمد بن إبراهيم المستنصر بالله 776هـ/1374م، مشترطة عليه تسليم ابن الخطيب لصاحب غرناطة محمد الخامس، وكان قد بدأت ولايته الثانية، فقبض عليه المستنصر وأبلغ ذلك غرناطة، فسارع سلطانها إلى إرسال وزيره محمد ابن زمرك إلى فاس للإشراف على متابعة الدعوى، وقد حكم القاضي على ابن الخطيب بالسجن بتهمة الزندقة وسلوك مذهب الفلاسفة، فسيق إلى السجن بينما طالب أحد الفقهاء بإدانته وإعدامه.

وبعد يومين من المحاكمة أقدم بعض أعدائه على خنقه في سجنه وحرق بعض جثته، ثم دفن في مقبرة «باب المحروق» بمدينة فاس.

بلغت مؤلفات لسان الدين نحو ستين مؤلفاً في مختلف المجالات، لم يعثر منها إلا على عشرين؛ لأن التهمة التي وجهت إليه وهي الزندقة دفعت العامة إلى تمزيق كتبه وحرق ما وصلت إليه. ويعد كتابه «الإحاطة في أخبار غرناطة» الذي حققه محمد عبد الله عنان من أفضلها. أما جهوده في الطب فتبرز في رسائله الكثيرة في هذا الحقل وتعد رسالته المسماة «مقنعة السائل في المرض الهائل» من أهمها فهو يصف بها مرض الطاعون الذي انتشر في غرناطة وجنوبي أوربا عام 749هـ/1349م.

وله في مجال السياسة رسائل كثيرة منها: رسالة على لسان يوسف بن نصر إلى سلطان فاس، ورسالة على لسان الغني بالله إلى ابن عنان، ورسالة الغني بالله إلى الأمير السعيد، ورسالة عن ابن الحجاج إلى الرعايا، ورسالة توضح ضيق حال الأندلس، وإلى ما هنالك من رسائل لو جمعت لزادت على العشرة مجلدات كما يقول العسقلاني صاحب كتاب «الدرر الكامنة».

وله في مجال التاريخ: «اللمحة البدرية في الدولة النصرية»، ويبحث فيمن حكم غرناطة من بني نصر، و«نفاضة الجراب» يتحدث فيه عن الحوادث التي جرت له في أثناء إقامته الأولى في المغرب وسلا، و«طرفة العصر في دولة بني نصر»، ويقع في ثلاثة مجلدات، و«حمل الجمهور على السنين والشهور»، وكتاب «الإحاطة في أخبار غرناطة» يعد من أفضل تراث لسان الدين بن الخطيب الفكري، فهولا يقتصر على سرد الأحداث التاريخية التي أصابت غرناطة بل تعداها إلى أمور شتى كذكره لموقع المدينة وجغرافيتها وخططها وأقاليمها وما يجاورها من رياض وجبال، كما تحدث عن تاريخ المدينة منذ أن وطأ العرب أرضها، وعن النابغين فيها من الشعراء والأدباء ومن تتالى عليها من أصحاب السلطة والوزراء حتى عصره، هذا إضافة إلى تاريخ الدولة النصرية، وباختصار منذ أن أسسها محمد بن يوسف بن الأحمر حتى زمانه، ويضم الكتاب تراجم لملوك عصره سواء في الأندلس أو في المغرب، إلا أن اهتمامه انصب بالدرجة الأولى على الأدباء والشعراء، ولا عجب في ذلك إذ إنه أديب ينظم الأراجيز والشعر وله ديوان شعر ومن شعره:

جادك الغيث إذا الغيث همى

يا زمان الوصل بالأندلـس

لم يكـن وصلك إلاّ حلمـاً

في الكرى أو خلسة المختلس

وعلى اسمه صنّف المقّري كتابه العظيم «نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب».

عبد الرحمن بدر الدين 

مراجع للاستزادة:

 

ـ ابن حجر العسقلاني، الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة (حيدر أباد 1349).

ـ محمد كرد علي، كنوز الأجداد (دمشق 1370هـ/1950م).

ـ لسان الدين ابن الخطيب، الإحاطة في أخبار غرناطة (القاهرة 1398هـ/1978).

ـ المقري، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب (بيروت 1968).


- التصنيف : اللغة العربية والأدب العربي - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلدالثامن - رقم الصفحة ضمن المجلد : 852 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة