خراش هذلي
Abu Khirash al-Hudhali - Abu Khirach al-Houdhali

أبو خِراش الهُذَلِيّ

(…- نحو 15هـ/…-636م)

 

خُوَيْلِد بن مُرَّة، أَحَدُ بني قِرْد، من هُذَيْل بن مُدْرِكَة بن إِلْياس بن مُضَر، واحدُ عشرة إِخْوة كلُّهم شاعرٌ داهيةٌ عدَّاءٌ، لايُدْركون عَدْوًا، مُخَضْرمٌ نابِهٌ في رَهْطِه، مَذْكورٌ في فُصحائهم وفُحُولهم، أَدْرك الإسلام فأسلم وحَسُنَ إسلامه.

كان صاحبَ مَعْدًى بعيدٍ، وخَطْوٍ عظيم؛ إِذِ اشْتُهِرَ بَسَبْقِه الخيلَ في غارات قومه وحروبهم، وله في ذلك أخبارٌ طريفة؛ منها أنّه خرج من أرض قومه هُذَيْل يريد مكّة، فمرَّ بديار قومٍ كانوا يطلبونه بثأرٍ، فتنَبَّوا عليه، وتَواثَبُوا إليه، ووَثَبَ يَعْدو، فزاحمه على الطّريق الّتي يسلكها ظَبيٌ، ففاته أبو خِراش، وتَصايَح عَدُوُّهُ يُنادُونَه، فأفْلَت منهم، وفي ذلك يقول:

رَفَوْنِي وقالوا: يا خُوَيْلِدُ، لم تُرَعْ

فقلتُ، وأَنْكَرْتُ الوُجُوْهَ: هُـمُ هُـمُ

فَوَاللهِ، ما رَبْداءُ أَوْ عِلْجُ عانَةٍ

أَقَبُّ، وما تَيـْسُ رَمـْلٍ مُصَمِّـمُ

بِأَسْرَعَ مِنِّي إِذْ عرفتُ عَدَيَّهُم

كَأَنِّي لأَوْلاهُمْ - مِنَ القُرْبِ - تَوْءمُ

أُثِرَ له شعرٌ عَزِيْز في رثاء إِخوتِه بني لُبْنَى، الّذين فَرَطوا بين يَدَيْه، وأورثوه نارًا حِراقًا، وحَسْرَةً نَفَثَها عَبَراتٍ مُدَوِّيةٍ، في قوافٍ عاليةٍ بليغةٍ، من ذلك قوله من قصيدةٍ مُسْتَحْسَنَةٍ له :

فَقَدتُ بَنِي لُبْنَى فَلَمَّا فَقَدْتُهُمْ

صَبَرْتُ، ولَمْ أَقْطَعْ عليهم أَباجِلِي

حِسانُ الوُجُوهِ طَيِّبٌ حُجُزاتُهُمْ

كَـرِيْمٌ نَثاهُمْ غَيْـرُ لُفٍّ مَعـازِلِ

رِماحٌ مِنَ الخَطِّيِّ زُرْقٌ نِصالُهَا

حِدادٌ أَعالِيْها شِـدادُ الأَســافِلِ

وله في مِطالِ الجُوعِ، ومُكابَدة الحاجة ومُعاناتها، أشْعارٌ جِياد؛ إِذْ يُذْكَرُ أنّه أَقْفَر مِنَ الزّاد أيّامًا، ثمّ مَرّ بامرأةٍ من هُذَيْل جَزْلةٍ شَرِيْفةٍ، فأَمَرَتْ له بشاةٍ، فذُبِحَتْ وشُوِيَتْ، فلمّا تاقتْ إليها نفسه، وقَرْقَرَتْ لرائحتها بطنُه، أَعْرَضَ عَنِ الشّاة، وقال: واللهِ، لاطَعِمْتُ منها شيئًا. ثمّ قال: يا رَبَّةَ البيت، هل عندك شيءٌ مِنْ صَبِرٍ أو مُرٍّ ؟ فأتتْهُ منه بشيءٍ فاقْتَحَمَه، ثمّ أهوى إلى بَعِيْرِه فركبه، وأنشأ يقول :

وإِنِّي لأَثْوِي الجُوْعَ حَتَّى يَمَلَّنِي

فَيَذْهَبَ لَمْ يُدْنِسْ ثِيابِي ولا جِرْمِي

وأَغْتَبِقُ المَاءَ القَراحَ فأَنْتَهِي

إذا الزّادُ أَمْسَى للمُزَلَّجِ ذا طَعْمِ

أَرُدُّ شُجَاعَ البَطْنِ قد تَعْلَمِيْنَهُ

وأُوْثِرُ غيري مِنْ عِيالِكِ بالطُّعْمِ

عاش أبو خِراشٍ في الإسلام حتّى خلافة عمر بن الخَطّاب، رضي الله عنه، ثمّ نَهَشَتْه أَفْعَى، وهو خارجٌ من داره يَلْتَمسُ ماءً لقومٍ يَمانِيْن نَزلوا عليه ضَيْفًا، وفي ذلك يقول، وهو يُعالج الموت:

لَعَمْرُكَ، والمَنايا غالِباتٌ

على الإِنْسانِ تَطْلَعُ كُلَّ نَجْدِ

لَقَدْ أَهْلَكْتِ، حَيَّةَ بَطْنِ أَنْفٍ

على الأَصْحابِ، ساقًا ذاتَ فَقْدِ

ثمّ كتمَ ضيفَه مُصابَه، وقال لهم: اطْبخوا شاتَكم وكُلوا. فباتوا على شاتهم يأكلون، حتّى أصبحوا وقد قَضَى أبو خِراش، فلم يبرحوا حتّى دفنوه.

وشعره - على نُدْرة ما انتهى إلينا منه - تَغلب عليه الجَزالة في اللّفْظ، والفَخامة في المعنى، مع قوّة ربطٍ، وجودة إِحكام، وحُسْنِ سَبْكٍ، من ذلك قوله من لاميَّته العالية :

أَبَى الصَّبْرَ أَنِّي لايَزالُ يَهِيْجُنِي

مَبِيْتٌ لَنا فِيْما خــلا ومَقِيْـلُ

وأَنِّي إذا ما الصُّبْحُ آنَسْتُ ضَوْءهُ

يـُعاوِدُنـي قِطْـعٌ عَلَيَّ ثَقِـيْلُ

أَرَى الدَّهْرَ لايَبْقَى على حَدَثانِهِ

أَقَبُّ تُبارِيْـهِ جَدائِـدُ حُــوْلُ

مقبل التام عامر الأحمدي 

الموضوعات ذات الصّلة:

 

الأَدب العربيّ في العصر الإسلامي.

 

مراجع للاستزادة:

 

 ـ أبو الفرج الأَصفهانيّ، الأغاني (دار الكتب المصريّة، القاهرة 1935).

ـ السُّكَّريّ، شرح أشعار الهُذَلِيِّين، تحقيق عبد السّتّار فرّاج (مكتبة دار العروبة، القاهرة 1965)

ـ ابن قتيبة، الشعر والشعراء، تحقيق أحمد محمّد شاكر (دار المعارف، مصر، القاهرة 1958).

 


- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلدالثامن - رقم الصفحة ضمن المجلد : 775 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة