يمن (تاريخ وسيط)
Yemen - Yémen

التاريخ الوسيط

 

في الوقت الذي كان الصراع على أشده في اليمن بين القوى اليمنية المحلية مدعومة من قبل الفرس من جهة والأحباش حلفاء الروم البيزنطيين من جهة ثانية؛ بُعث النبي محمدr برسالته داعياً أهله وعشيرته إلى الإسلام، وبعد الهجرة إلى المدينة أخذ الإسلام ينتشر في الحاضر والبادية إثر خروج المبعوثين يحملون في جعبتهم رسائل النبيr إلى الملوك والأمراء يدعوهم فيها إلى الإسلام. وكان «باذان» عامل اليمن من قبل كسرى من بين الذين وصلتهم الدعوة، فكان من أوائل ملبيها، فأَمَّره النبيr على ما تحت يده من البلاد، وقبل وفاة النبيr تقاطرت وفود أهل اليمن إلى المدينة سنة 9هـ/630م حيث أجمع المؤرخون على دخولهم في الإسلام كافة على عهد النبيr فعرف هذا العام بعام الوفود، وكانت قبيلتا همدان ودوس في مقدمة القبائل الداخلة في الدين الجديد، ثم تلتهما مذحج والأشاعرة، ثم أرسل زرعة بن عامر بن سيف بن ذي يزن مبعوثه إلى المدينة يحمل كتاباً إلى النبيr يشير فيه إلى أن أهل اليمن فارقوا الشرك، ودخلوا في دين الله أفواجاً، أما من بقي منهم على يهوديته أو نصرانيته فإنه قبل بدفع الجزية، ثم مالبث أكثرهم أن دخل في الإسلام عن قناعة. وأرسل النبيr عمّاله إلى اليمن لإدارة شؤونها، وكان في مقدمة عماله علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وفروة بن مسيك، غير أن اليمن تعرض لعدد من حركات الردة قادها بعض من وجدوا أنهم فقدوا نفوذهم في الإسلام، منهم الأسود العنسي وعمرو بن معدي كرب الزبيدي والأشعث بن قيس في حضرموت، وقد أوجدت هذه الحركات حالة من الفوضى والاضطراب بالوقت الذي انتقل فيه النبيr إلى الرفيق الأعلى. فقام أبو بكر بعد مبايعته بتسيير حملتين عسكريتين الأولى بقيادة عكرمة بن أبي جهل، اتجهت إلى مهرة وحضرموت، والثانية بقيادة المهاجر بن أبي أمية نزلت إلى اليمن من جهة الشمال، وقضت على فلول الأسود العنسي، وأجبرت عمرو بن معدي كرب على الاستسلام، ثم توجه المهاجر إلى حضرموت، فالتقى عكرمة في مأرب، وقضوا على رؤوس ردة حضرموت. واستقام أمر اليمن، وكان لأبنائه دور مجيد في أثناء خلافة أبي بكر في عمليات الفتح الكبرى في الشام والعراق. وفي عهد عمر صارت اليمن أحد أهم الأقاليم التابعة للدولة العربية الإسلامية، وقد قسمت إلى ثلاث ولايات: هي الجند وصنعاء وحضرموت، وخضعت هذه الولايات منذ عهد النبيr لنظام الولاية الخاصة الذي يختص فيه الوالي أو الأمير بإمامة الصلاة والأمور المدنية والعسكرية كافة باستثناء القضاء والخراج، أما في العصرين الأموي والعباسي فقد حُكمت اليمن بموجب مفهوم الولاية العامة التي يكون فيها الوالي والأمير مفوض الصلاحيات في كل شيء، وفي بعض الأحيان أديرت اليمن من قبل والٍ واحد كما في عهد علي بن أبي طالب حينما جمع اليمن لابن عمه عبيد الله، وكذلك معاوية بن أبي سفيان الذي جمع اليمن لأخيه عتبة، وفي أحيان أخرى جمع اليمن والحجاز في ولاية واحدة، وفي مثل هذه الحالة كان الوالي يقيم في الحجاز، ويبعث من ينوب عنه إلى اليمن، فيقيم في صنعاء التي أصبحت مع الزمن عاصمة الولاية دون الجند وحضرموت، وعلى العموم فقد تميزت أوضاع اليمن في بداية العصر الإسلامي بالهدوء والاستقرار قياساً على ماكان سائداً فيها قبل الإسلام، لكن في عهد عمر بن الخطاب أجلي أهل الذمة من نجران تنفيذاً لوصية النبيr ومن بعده أبي بكر، وتم نقلهم إلى أماكن أخرى هم اختاروها، وتم منحهم أرضاً كأراضيهم إقراراً لهم بالحق ووفاء بذمتهم فيما أمر الله. وحكمت البلاد في عهد عمر بالعدل، وهو المشهود له بملاحقة عماله ومحاسبتهم، على أعمالهم وسياستهم ولا أدل على ذلك من طلبه «يعلى بن منية» الذي قدمت شكوى ضده من شخص ادعى أن أصحاب يعلى ضربوه حتى أحدث في ثيابه، فكتب عمر إلى يعلى أن يأتيه على قدميه ماشياً، ولم يكد هذا الوالي يبعد عن صنعاء عدة مراحل حتى أتاه الخبر بوفاة عمر وتولية عثمان، فأقره على ولايته، وعاد إلى صنعاء راكباً على فرسه، وثقلت وطأته على أهل البلاد بسبب لين عثمان. وحين ولي علي أمر بعزله وعزل العمال الذين كانوا على الولايات كافة في عهد عثمان. وولى على اليمن عبيد الله بن عباس، وفي أثناء خلافه مع معاوية بن أبي سفيان أرسل هذا الأخير من قبله بسر بن أرطأة الذي عبث باليمن مما اضطر عبيد الله إلى الخروج من اليمن والالتحاق بعلي في الكوفة، وحينما أرسل علي قوة عسكرية بقيادة حارثة بن قدامة السعدي أفلح بسر بن أرطأة بالإفلات، ونكل حارثة بأتباعه، واستقام أمر اليمن له حتى بلغه مقتل علي سنة 40هـ/660م، ورجع بسر إلى اليمن ثانية، وقد أسرف في استعمال سلطته، وانتهى الأمر بسوء خاتمته على نحو ماهو مبسوط في كتب التاريخ. وبعد أن تم الصلح بين معاوية والحسن استعمل معاوية على اليمن عثمان بن عفان الثقفي، ثم عزله بأخيه عتبة بن أبي سفيان، وتوالى من بعده إرسال الولاة طوال العهد الأموي، وقد بلغ عدد ولاة هذا العهد نحو 22 والياً لعل أشهرهم عروة بن محمد السعدي الذي تولى اليمن في عهد سليمان بن عبد الملك، ومكث فيها مايزيد على عشرين عاماً، وكان من أصلح عمال دولة بني أمية، وقد أشار المؤرخون إلى أن عروة خرج من اليمن سنة عزله بسيفه ورمحه ومصحفه، وينسب إليه قوله لأهل اليمن حين دخلها : «يا أهل اليمن هذه راحلتي، فإن خرجت بأكثر منها فأنا سارق»، وعلى العموم استقرت الأوضاع في اليمن طوال العهد الأموي، ولم يعكر صفوها سوى تمرد «عباد الرعيني» الذي ادعى أنه منصور حمير، وهي دعوة قامت على أسس أسطورية وردت الإشارة إليها في التراث اليمني القديم، تمكن الوالي يوسف بن عمر الثقفي من القضاء على مدعيها وأتباعه سنة 109هـ/727 م. وثمة تمرد آخر قاده عبد الله بن يحيى الحضرمي الملقب بطالب الحق، وهو أحد زعماء الخوارج الناقمين على الحكم الأموي، فقام بحركته سنة 129هـ/ 746م فاستولى على حضرموت، وتوجه إلى صنعاء، وطرد واليها القاسم بن عمر بن يوسف الثقفي، وأرسل قوة عسكرية إلى الحجاز تمكنت من إخضاعه. وحينما قرر التوجه إلى الشام سارع الخليفة مروان بن محمد إلى ملاقاته، فأرسل حملة عسكرية قطعت عليه الطريق في الحجاز، وقامت بملاحقته وأتباعه إلى اليمن إلى أن قضي عليه في صنعاء سنة 130هـ/ 747م.

في سنة 132هـ/749م زالت الدولة الأموية، وانتقلت الخلافة إلى بني العباس الذين ورثوا عن الأمويين كثيراً من المشكلات التي كانت تعانيها اليمن، كوجود بقايا من الخوارج في الجنوب إلى جانب توتر شبه دائم بين بعض القبائل التي أخذ يتعاظم شأنها في الشمال، وعلى العموم يمكن تمييز فترتين باليمن في حقبة العصر العباسي، تمتد الأولى حتى بداية القرن الثالث الهجري، وهي الفترة التي استمرت فيها البلاد خاضعة لسلطة الولاة العباسيين، وتميزت الثانية بظهور الدول المستقلة التي بدأت تشهدها الساحة اليمنية، واستمرت حتى الفتح العثماني. ففي الفترة الأولى تولى إدارة البلاد بعض الولاة الأكفاء، استقرت الأوضاع في عهدهم، وازدهر اقتصادها، وفي مقدمة هؤلاء معن بن زائدة الشيباني الذي ولاه المنصور سنة 142هـ/759م، وأحكم سيطرته على البلاد، وقضى على نفوذ الخوارج في حضرموت، وقتل زعيمهم عمرو بن زيد، وأخمد ثورة أخرى في مخلاف المعافر، وقد تميزت سياسة معن مع أهل اليمن بالكياسة والجود والكرم، وقرّب إليه كبار زعمائها. وحينما وليها ولده من بعده سار على نهجه، واستمرت البلاد على هدوئها بقية عهد المنصور والمهدي والهادي، فلما كان عهد الرشيد تولى على اليمن محمد بن خالد بن برمك الذي أجمع مؤرخو اليمن على عدالته، ونسبوا إليه العديد من الأعمال والإصلاحات، وقد أخصب اليمن في أيامه خصباً لم يعهد مثله من قبل، وكانت سنوات حكمه التي امتدت حتى عام 184هـ/800م من أكثر السنين خيراً وخصباً، غير أن هذا الرخاء سرعان ما أفسده الوالي الجديد حماد البربري الذي وصل إلى صنعاء، وتصرف باليمن تصرف الطغاة المستبدين، فنقم عليه اليمنيون، وقاموا ضده بثورة تزعمها الهيصم بن عبد الصمد الحميري استمرت فترة طويلة، لم يتمكن حماد بقوته المحلية من التغلب عليها حتى جاءه المدد من العراق، ومع بداية القرن الثالث تعرضت اليمن مرّة أخرى لأحداث عنف وانشقاقات بين طوائفه المختلفة لجملة عوامل، منها الصراع ما بين الأبناء (أبناء من بقي من الفرس في بلاد اليمن بعد الإسلام وأحفادهم) وبعض القبائل اليمنية كآل شهاب وخولان، ومنها الصراع الناشئ بين قبيلتي ربيعة وسعد لخلاف بينهما حول سلطة جباية الأموال، ومن جهة أخرى وصل على رأس المئة الثانية للهجرة إبراهيم بن موسى الكاظم الطالبي مرسلاً من قبل الإمام محمد ابن إبراهيم بن طباطبا الذي دعا إلى الإمامة في الكوفة، فانضمت إليه بعض قبائل صعدة، وساعدته على دخول صنعاء بعد أن أخلاها الوالي العباسي، ولكن وفاة مدعي الإمامة في سواد العراق أثر في حركة الطالبيين في اليمن بالوقت الذي وصل فيه محمد بن عبد الله بن زياد والياً على اليمن من قبل المأمون. مع وصول ابن زياد أخذت الساحة اليمنية تشهد قيام دول مستقل بعضها عن بعض على النحو الآتي:

 ـ الدولة الزيادية 203 ـ 402 هـ/ 818 ـ 1011م

تنسب هذه الدولة لمحمد بن عبد الله بن زياد الذي قدم إلى اليمن عاملاً للمأمون كما سبق، وأناط به تأديب العصاة من القبائل المتمردة، فأذعنت له معظم بلدان اليمن، واختط مدينة زبيد التي أصبحت عاصمة له ولأفراد أسرته من بعده. وقد بلغ عدد ملوك هذه الأسرة خمسة، آخرهم أبو الجيش ابن إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن زياد. وفي عهد هذه الدولة قدم إلى اليمن الإمام الزيدي الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم من سلالة الحسن بن علي بن أبي طالبt واستقر في صعدة سنة 284هـ/897م، وبايعه اليمنيون في الشمال إماماً على اليمن. وقد استمرت الإمامة في أبنائه وأحفاده وذريتهم، وكان الأئمة الزيديون طوال مدة الإمامة في حالة حرب دائمة مع جميع الدويلات التي شهدتها الساحة اليمنية حتى زوال نظامها مطلع ستينيات القرن الماضي على نحو ما سيرد. وفي مدة الدولة الزيادية أيضاً تعرضت اليمن لما يعرف بفتنة علي بن الفضل القرمطي الذي قدم إلى اليمن مع منصور بن حسن الكوفي، وعمل الاثنان على نشر مذهب الباطنية، واستباحا العديد من مدن اليمن، غير أن هذه الفتنة انتهت بمقتل علي بن الفضل سنة 303هـ/915م والمنصور سنة 331هـ/942م. وقد امتد نفوذ هذه الدولة ليشمل تهامة وحضرموت حتى إن بعض المصادر أشارت إلى اتساع نطاقها إلى جبال عسير وبعض الحجاز. ومن مآثر بني زياد إنشاء مدينة المذيخرة في العدين ومدينة الكدرا في وادي سهام، ولهم في هذه المدن كثير من المآثر العمرانية كالمساجد التي لايزال بعض معالمها قائماً إلى اليوم. وبعد وفاة إسحاق بن إبراهيم تمزقت دولتهم، وقام على أنقاضها دولة بني نجاح على نحو ما سيرد.

 ـ دولة بني يعفر: 225 ـ 393هـ/840 ـ 1002م

تنسب دولة بني يعفر إلى إبراهيم ابن يعفر الحوالي نسبة إلى ذي الحوال الحميري أحد أقيال اليمن، بدأت هذه الدولة سنة 225 هـ/839م من مدينة شبام، وامتد نفوذها إلى الشمال بعد أن انضم إليها عدد كبير من القبائل، وفي أعقاب دخول الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين إلى اليمن سنة 284هـ/897م جرت معارك عنيفة بين أتباعه وآل يعفر وحلفائهم (آل الضحاك وآل طريف). ومن أشهر تلك المعارك معركة أثافت 285هـ/898م والمعارك التي دارت حول سور صنعاء سنة 288هـ/901م، وانتهت بدخول آل يعفر إلى صنعاء التي أصبحت عاصمة لهم، واستمرت المواجهات بين آل يعفر والزيدية سنين طويلة بلغت ذروتها في معركة بيت بوس (ضاحية جنوب صنعاء) 290هـ/902م التي أسر فيها محمد المرتضى بن الإمام الهادي، وبقي في أسره نحو عام. وفي عهد أسعد بن أبي يعفر 282ـ331هـ دارت معارك طاحنة بينه وبين علي بن الفضل القرمطي بنواحي صنعاء وشبام استمرت حتى نهاية القرن الثالث الهجري، قتل فيها عدد كبير من أنصار القرمطي من بينهم ولده عبد الله الذي أرسل رأسه مع رؤوس أنصاره إلى الخليفة العباسي في بغداد، وقد بلغ عدد سلاطين هذه الدولة ستة، كان آخرهم أسعد بن عبد الله الذي انتهت الدولة اليعفرية في أيامه بدخوله في طاعة الإمام الزيدي القاسم بن علي العياني سنة 393هـ/1002م.

 ـ دولة بني نجاح: 403 ـ 555 هـ/1012 ـ 1160م

بنو نجاح أسرة حبشية ينسبون إلى الأمير نجاح أحد موالي بني زياد، أعلن نفسه سلطاناً على تهامة بعد زوال نفوذ الأسرة الزيادية، واتصل بالخليفة العباسي معلناً دخوله في طاعته، فأجازه الخليفة، ولقبه بالمؤيد نصير الدين. لم يكن بنو نجاح أقل عراقة من العرب، وصفهم نجم الدين عمارة اليمني فقال: «لم يكن ملوك العرب يفوقونهم في الحسب، فلهم الكرم الباهر والعز الظاهر والجمع بين الوقائع المشهورة والصنائع المذكورة والمفاخر المأثورة وفيهم فضلاء وعلماء». كانت عاصمتهم زبيد، من أشهر سلاطينهم سعيد بن نجاح الملقب بالأحول. جرت بينه وبين الصليحيين معارك عديدة أهمها معركة المهجم التي قتل فيها علي بن محمد الصليحي سنة 458هـ/1065م، وأُسرت زوجته السيدة أسماء بنت شهاب. ومعركة الشعر سنة 481هـ/1088م التي انتهت بمقتل سعيد بن نجاح، وأسرت زوجته أم المعارك في خبر طريف. بلغ عدد ملوك هذه الدولة سبعة، آخرهم فاتك بن محمد، تقلد الحكم سنة 540هـ/1145م، وكان ضعيف السلطان فتعرضت مناطق نفوذه لهجمات متكررة من قبل بني المهدي الحميري الذين طالت هجماتهم مدينة زبيد مما دفع الأهالي إلى مكاتبة الإمام الزيدي أحمد بن سليمان، فتصدى لآل المهدي، لكنه مالبث أن استولى على زبيد بعد مقتل السلطان فاتك، وبمقتله قضي على تلك الدولة.

 ـ الدولة الصليحية: 439 ـ 532 هـ/1047 ـ 1137م [ر].

 ـ دولة بني زريع: 470 ـ 569 هـ/1077 ـ 1173م:

بنو زريع يمانيون من قبيلة همدان استخدمهم الصليحيون أمراء على عدن بعد أن أمر المكرم الصليحي بتقسيمها إلى منطقتين، المنطقة الأولى ومقرها حصن التعكر في أعلى جبل شمسان المطل على عدن، تولى حكمها العباس بن المكرم اليامي الهمداني المعروف بابن زريع وأفراد أسرته من بعده. والثانية مقرها حصن الخضراء بعدن أيضاً، وكان الحكم فيها للمسعود بن المكرم اليامي الهمداني ولأفراد أسرته من بعده على أن يسوق كل منهم مبلغاً معيّناً من المال لبني صُلَيح، وبعد وفاة الملكة أروى الصليحية استقل بنو زريع بتلك النواحي إلى أن قضي على دولتهم من قبل طوران شاه شقيق السلطان صلاح الدين الأيوبي سنة 569هـ/1173م، وقد بلغ عدد حكّام هذه الأسرة في كلا القسمين أحد عشر سلطاناً، آخرهم أبو الدر جوهر المعظمي مولى بني زريع.

 ـ دولة بني حاتم: 494 ـ 569هـ/1100 ـ 1173م

تنسب هذه الدولة إلى حاتم بن علي المغلس الهمداني الذي استغل وفاة سبأ ابن أحمد الصليحي سنة 492هـ/1098م، فتغلب على صنعاء وما حولها، وأسس ما يعرف بدولة بني حاتم التي بلغ عدد سلاطينها ستة، آخرهم علي بن حاتم ابن أحمد بن عمر، انتهت باستيلاء الأيوبين على أملاكهم، وإلى أحمد بن حاتم بن علي المغلس مؤسس الدولة تنسب روضة حاتم المتنزّه المعروف شمال صنعاء اليوم.

 ـ دولة بني مهدي 553 ـ 569هـ/1158 ـ 1173م

ينسب بنو مهدي إلى مهدي بن محمد الرعيني الحميري الزاهد المتبتل من أهل قرية العنبرة بوادي سهام. أما الدولة فقد نشأت على يد ولده علي بن مهدي الذي تمرد على بني نجاح، وحث قومه على احتلال عاصمتهم زبيد، فتم له ذلك ودخلها عنوة، وتابع ولده من بعده، فقام بإرسال الحملات إلى تعز وإب والجند والمعافر، وقد استمرت دولة بني مهدي أكثر من خمسة عشر عاماً تداول الحكم فيها أربعة سلاطين، آخرهم عبد الله بن علي بن مهدي الذي زالت الدولة في عهده بدخول طوران شاه الأيوبي إلى زبيد سنة 569هـ/1173م.

 ـ الدولة الأيوبية في اليمن: 569 ـ 626هـ/1173 ـ 1228م

يتضح مما سبق أن اليمن كانت عند منتصف القرن السابع الهجري/الثاني عشر الميلادي ميداناً للصراع بين عدة قوى، فأرسل إليها السلطان صلاح الدين الأيوبي[ر] ـ بعد أن استقام له الأمر في مصر ـ جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل في مقدمته أخوه طوران شاه، فاحتل زبيد عنوة، واتجه إلى عدن، وقضى على كل من آل المهدي وبني زريع وبني حاتم. وفي عهد أخيه طغتكين اتسع نفوذ الأيوبين فاحتلوا صنعاء، وأصبحت معظم بلدان اليمن خاضعة لسيطرتهم باستثناء صعدة معقل الإمامة الزيدية في الشمال. وإلى عهد السلطان طغتكين يعزى إنشاء سور صنعاء العظيم والدار المعروفة إلى اليوم باسم دار البستان، وفي عهده أيضاً اختطت مدينة المنصورة بإقليم المعافر على مقربة من الجند، واستمر حكم اليمن في سلالة طغتكين بعد وفاته؛ إذ تولاها ولده المعز إسماعيل 594ـ599هـ/1197ـ2021م وأخوه الناصر 599ـ611هـ/1202ـ1214م، ثم المسعود يوسف بن الكامل 612 ـ 626هـ/1215ـ1228م. وفي أيامهم جرت حروب مستعرة مع أئمة الزيدية، عاد المسعود في إثرها إلى مصر بعد أن استخلف على اليمن نور الدين عمر بن علي بن رسول الذي استقل باليمن، وأسس دولته الجديدة على أنقاض دولة بني أيوب.

 ـ الدولة الرسولية: 626 ـ 858 هـ/1228 ـ 1454م

تنسب هذه الدولة إلى محمد بن هارون صاحب المنزلة المميزة في البلاط العباسي إبان سيطرة صلاح الدين الأيوبي على مصر وبلاد الشام، كان الخليفة العباسي المستضيء بالله قد أرسله من بغداد إلى مصر عدة مرات بمهام خاصة، فعرف بلقب الرسول، ثم عمل وزيراً للأيوبيين بمصر، وكان أبناؤه وأحفاده محل ثقة الأيوبيين. وعلى إثر مغادرة الملك المسعود الأيوبي بلاد اليمن عائداً إلى القاهرة أوكل إلى نور الدين بن عمر مهمة الإشراف على إدارتها، فأعلن هذا استقلاله بها، واتخذ من مدينة تعز عاصمة له مستمداً شرعيته من الخليفة الظاهر بن الناصر العباسي. وبعد وفاة نور الدين قام بالأمر من بعده ولده يوسف الذي مد نفوذه إلى مكة، وجرت بينه وبين أئمة الزيدية حروب طال أمدها، استمر عليها أبناؤه وأحفاده من بعده. وإلى بني رسول ينسب كثير من بناء المدارس والمساجد في كل من تعز وزبيد، وشهدت البلاد في عهدهم حركة علمية نشطة، ومن أبرز الأسماء التي لمعت في عهدهم علي بن الحسن الخزرجي صاحب المؤلفات التاريخية النفيسة ومجد الدين الفيروزأبادي صاحب قاموس «تاج العروس». بلغ عدد ملوك هذه الأسرة اثني عشر سلطاناً، آخرهم المسعود أبو القاسم بن الأشرف الذي تمرد عليه بعض أبناء عمه، فاضطربت أحوال اليمن، فانقض ولاتهم من بني طاهر، وأقاموا دولتهم على أنقاض الدولة الرسولية عند منتصف القرن التاسع الهجري.

 ـ الدولة الطاهرية 858 ـ 933هـ/1454 ـ 1526م

ينسب الطاهريون إلى طاهر بن تاج الدين بن معوضة الذي يرجع بعض المؤرخين اليمنيين نسبه إلى بني أمية، عمل أبناؤه وكلاء لبني رسول على أملاكهم، ثم أصبحوا ولاة لهم على بعض الأقاليم و النواحي حتى اشتد ساعدهم، وقويت شوكتهم، وحينما دب الضعف في أوصال الدولة الرسولية تمكن آل طاهر من إقامة دولتهم على أنقاض دولة أسيادهم، وكان عامر بن طاهر 858ـ870هـ/1454ـ1465م أول سلاطين هذه الأسرة. اتخذ الطاهريون مدينة المقرانة في إقليم رداع عاصمة لهم، وامتد نفوذهم إلى صنعاء وماجاورها، وأصبحت معظم أقاليم اليمن خاضعة لهم، وجرت بينهم وبين أئمة الزيدية عدة حروب ولاسيما في عهد الأئمة محمد بن الناصر 866ـ 908هـ/1461ـ1502م ومحمد علي الوشلي880ـ910هـ/1475ـ1504م ويحيى شرف الدين 912ـ965هـ/1506ـ1557م. وفي عهد هذه الأسرة وصلت طلائع القوات البرتغالية إلى عدن بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح بغية السيطرة على طرق التجارة عبر المحيط الهندي والخليج العربي، لكن الطاهريون تصدوا لهم بالوقت الذي وصلت معه حملة عسكرية مملوكية بعث بها السلطان قانصوه الغوري لمنع البرتغاليين من الوصول إلى البحر الأحمر وتهديد الأماكن المقدسة في الحجاز، فاستولت على بعض مدن الساحل اليمني ليصبح اليمن مسرحاً كبيراً للعديد من القوى الدولية والمحلية مطلع العصر الحديث.

 مصطفى الخطيب

 

 

 


- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - النوع : سياحة - المجلد : المجلد الثاني والعشرون مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة