تركمان
Turkmans - Turkmènes

التركمان

 

شعب تركي الأصل يقطن معظمه مناطق آسيا الوسطى ويعرف باسم «الأوغور» و«الأغوز» و«الغز» و«التغزغز» (العشائر التسع)، وقد ورد أول ذكر لاسم «الغز» في كتب الجغرافيين العرب ابتداء من النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وشاع استعمال هذا الاسم حتى في الوثائق الحكومية في القرن السادس الهجري، أما الاسم «تركمان» فإن المقدسي ـ وهو من جغرافيي القرن الرابع الهجري ـ كان أول من استعمله في كتابه «أحسن التقاسيم» في صدد حديثه عن كورة أسبيجاب، ثم استعمل الاسم منذ القرن الخامس الهجري في كتابات العرب والفرس، فأطلق على مجموعة كبيرة من الغز ومنهم القَرْلُق كما ذكر الكاشغري.

ويبدو أن اسم التركمان أطلق في بادىء الأمر على الترك الذين اعتنقوا الإسلام، يذكر ابن كثير أنه في سنة 349هـ أسلم من الترك مئتا ألف خركاه (خيمة) فسموا «ترك إيمان» ثم خفف اللفظ فقيل «تركمان» كما يذكر أنه في سنة 432هـ بعد مقتل زعميهم ميكائيل في قتال الكفّار من الأتراك، عظم شأن ولديه طغرل بك محمد وجغري بك داود في بني عمهما، واجتمع عليهما الترك من المؤمنين وهم «ترك الإيمان» الذين يقول لهم الناس تركمان. ولم يشع اسم التركمان إلا في القرن السابع الهجري /الثالث عشر ميلادي بعد تأسيس امبراطورية المغول، واستمر اسم التركمان حياً حتى وقتنا الحاضر، في حين اندثر اسم «الغز/الأوغوز» الذي يدل على هؤلاء.

تعد سهوب آسيا الوسطى موطن التركمان الأصلي، وقد عرف العرب هذا المكان باسم «تركستان»، وكانت بلادهم تمتد في مطلع القرون الميلادية الأولى حتى المجرى الأدنى لنهر سيحون، ومن أهم مراكزهم بلاج،وبروكت على نهر سيحون جنوب سَوْران وطشقند.

يختلف المؤرخون حول عدد قبائل التركمان، فقد جعلها رشيد الدين (مؤرخ المغول العظيم) أربعاً وعشرين قبيلة على حين جعلها محمود الكاشغري (من القرن الخامس الهجري) اثنتين وعشرين لكل منها سمة أو علامة على دوابهم يعرف بها بعضهم بعضاً،ويذكر أن قبيلتين منهما انفصلتا عن باقي قبائل التركمان قبل الإسلام، وكونتا شعب الخَلْج وبذلك يكون مجموع قبائلهم عنده كما عند رشيد الدين. ويذكر الكاشغري أن قَنَق هي القبيلة المتقدمة بين كل القبائل ومنها السلاطين السلاجقة، وكان لكل قبيلة منها أمير أو مقدّم دعاه المسلمون «دهقان».

أما أشهر قبائلهم فقبيلة التكة، وغوكلن، ويوموت (يومت) وارشاري وسُرق (ساريق) وورسق، وييرلي قاريق، وقاقن وجرفلغ ويازغر أو يازر (عرفت فيما بعد باسم قره دَشلي أو كَروشلي) وقَرلُق، وكانت أهم قبائلهم في الشام قبيلة دُلغار (ذي القدر) وهي القبيلة الوحيدة التي كان لها شأن سياسي بين القبائل التركمانية التي كانت في الشام أيام حكم المماليك.

هجرات التركمان: بدأ التركمان، الغز/الأوغوز يهاجرون غرباً بحثاً عن أسباب العيش منذ القرن الرابع/العاشر الميلادي.بسبب الأوضاع القاسية التي مروا بها، فدخل بعضهم بلاد ما وراء النهر نحو 420هـ. وكانت قبائل اليازغر أو اليازر من أقدم القبائل التي عرف لها موطن معين في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي.فقد كانوا يقطنون إلى الشرق من بلخان حيث قلعة تاق التي صارت فيما بعد مدينة درون، وقد غدت هذه المدينة اليوم أطلالاً بالقرب من محطة سكة حديد مدينة بوهاردن Boharden، وقد زاحمت قبيلة تكة اليازر على آخال ولم تتمكن من إجلائها عنها إلا في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر.

ومنذ القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، بدأ التركمان ينتشرون في خراسان وأذربيجان وفارس والعراق وبلاد الشام وآسيا الصغرى، وكان على رأس هؤلاء التركمان السلاجقة نسبة إلى زعيمهم سلجوق، وإن كان قد سبقهم جماعات تركمانية أخرى كانوا ينتظمون بزعامة رجل منهم مثل جماعة هارون بن خان، والناوكية، وغيرهم، ويعد معظم ترك الأناضول من القبائل التركمانية التي دخلت البلاد إبان الزحف السلجوقي باتجاه الغرب وبعده.

اصطدم التركمان في أثناء زحفهم غرباً في مطالع القرن الخامس الهجري بالدولة الغزنوية في أفغانستان، وأراد مسعود الغزنوي أن يتألف زعماءَهم فضمهم إلى جيشه، ولكنهم ما لبثوا أن انقلبوا عليه وقاتلوه وهزموه.

وكان لهجرة التركمان غرباً أثر في لغتهم وخلقتهم بصفة خاصة حتى لم يعد بينهم وبين من بقي من الترك في موطنهم الأصلي إلا تشابه يسير، ومن السهل تمييز التركمان الذين ظلوا يعيشون في أواسط آسيا من رؤوسهم المستطيلة، ويعود السبب في هذا إلى قيامهم بتغيير شكل جمجمة الطفل وهو في مهده، ولاختلاطهم بالشعوب الإيرانية المتبدية التي تقطن آسيا الوسطى.

التركمان ودورهم السياسي: تمكن التركمان من إقامة كيانات سياسية كان لها شـأن في غربي قارة آسيا وفي آسيا الصغرى، فقد أسسوا دولة السلاجقة منذ مطلع القرن الخامس الهجري، واستطاع طغرل بك في وقت قصير أن يضم إليه جرجان وطبرستان وخوارزم وأن يلحق به في سني 433-442هـ الجبال وهمدان ودينور وحلوان والري وأصفهان، وفي سنة 447هـ/1055م، دخل طغرل بك بغداد وتلقب بالسلطان ركن الدين، وقبض على الملك الرحيم أبي النصر البويهي وأزال دولة بني بويه، ولم تأت سنة 470هـ/1077م حتى كانت المناطق الغربية من آسيا من حدود بلاد الأفغان إلى حدود الامبراطورية البيزنطية في الأناضول والفاطمية في مصر قد دخلت تحت سيطرة السلاجقة، وكانت مملكتا القره قوينلو والآق قوينلو في القرنين الثامن والتاسع الهجريين قوتين لايستهان بهما، كذلك أسس التركمان الدولة الدانشمندية في آسيا الصغرى وكانوا من أبرز الشعوب فيها، وكان لهم أثر في سياستها إلى جانب العثمانيين، أما التركمان الذين استقروا في فارس وخوارزم وبخارى وأفغانستان فكانو يؤلفون جماعات شبه مستقلة ضمن الدول التي استقروا فيها، مما دفع هذه الدول إلى تسيير الجيوش لقتالهم وكثيراً ما ألحقوا الهزائم المتكررة بجيوش هذه الدول.

تراث التركمان: ظلت جذور الحياة القبلية راسخة في أعماق نفوس التركمان، مما أثر في دولهم وحاضرهم ومستقبلهم، فقد ظلّت حياة غالبيتهم أقرب إلى البداوة، وكانوا يعيشون في أوضاع قاسية، أما من اختلط منهم بعد هجرتهم، بسكان البلاد الأصليين العاملين بالزراعة والفلاحة، فقد مالوا إلى الاستقرار والتحضر، وكان للفارق في المستوى الحضاري والمعيشي بين الحضر والمتبدين من قبائل التركمان أثر في خلافاتهم. والتركمان عموماً رجال حرب ماهرون في الرماية من على ظهر الخيل، وكان القائد العسكري عندهم يعرف بلقب شباسي (أوشوباصي)، كما حمل زعيم الغز لقب «بيغو»، وتذكره بعض المصادر بالياء أولاً فيقال «يبغو» وهو لقب يقل في المرتبة عن لقب خاقان درجتين.

يمكن القول إن التركمان كانوا شامانيين قبل إسلامهم في القرن الرابع للهجرة، والشامانية مذهب يقوم على الكهانة والسحر والاشتغال بالطب بالاستعانة بالقوى الفائقة للطبيعة، وكان واسع الانتشار بين القبائل المتبدية التي تعيش في سهوب آسيا وسيبيرية، وقد بقيت آثار الشامانية بادية بشكل أو بآخر في عقائد التركمان بعد إسلامهم، وذلك بتأثير الدراويش الجوابين والمتصوفة الذين نشروا الإسلام بينهم كالقلندرية والحيدرية وغيرهم، ومن ذلك أنهم أخذوا أسماء اثني عشر صنفاً من الحيوان سموا بها اثنتي عشرة سنة من سنيهم، وكان متصوفتهم بعد القرن الخامس للهجرة يهتمون بالسحر ويمارسونه ـ كما هي حال شامان عند الشامانية ـ وكان التركمان يعتقدون أن هؤلاء ينبئون بالمستقبل ولهم القدرة على شفاء المرضى وعلى فعل الخوارق ـ الكرامات ـ وتستمر قدرتهم هذه بعد الوفاة، وظل التركمان بعد هجرتهم إلى آسيا الصغرى متأثرين بهذه الأفكار في حين انقرضت الديانات السابقة بينهم ولم يبق لها بقية إلا في بقاع قليلة.

وتعد لغة التركمان الأوغوز إحدى فروع اللغة التركية وكانت لغة من يقطن غربي آسيا وأوربة الشرقية منذ القرن الخامس الهجري، وهي تتبع الفرع اليائي من القسم الثاني الكبير من أقسام اللغة التركية. والقسم اليائي هذا هو أكبر الأقسام في الوقت الحالي لأنه ينتشر في بقاع شاسعة في آسيا وأوربة، وقد استخرج محمود الكاشغري مقياساً تفرّع بمقتضاه القسم اليائي إلى فرعين: «قلفان» و«قالان» ويضم القالان أوغوز القرن الخامس الهجري/الحادي عشر ميلادي وأعقابهم، سواء كانوا خلصاً أو مولدين وهم التركمان والأذريون وغيرهم.

وتتميز المفردات التركمانية بالميزات التي تميزت بها اللهجات التركية الجنوبية، ويمكن القول إن لهجة التركمان هي أساس اللهجة الفصحى التي ظهرت في آسيا الصغرى، وكان للهجة التركمان التي انسلخت عن بقية اللهجات التركية في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، أدب غني شائع، فهناك قصائد أوغوزية نظمت في العهد الغزنوي،وجاء الأوغوز الذين استقروا في آسيا الصغرى بجميع مأثوراتهم الأدبية، والواقع أن الأدب العثماني ليس إلا أدب الترك الأوغوز الذين استقروا في آسيا الصغرى أيام العثمانيين ويقوم هذا الأدب الذي استمر تطوره منذ عهد السلاجقة على آداب لهجات أقدم منه، وظل متصلاً بهذه الآداب في جميع عصور تطوره، وصار في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي أهم فرع من فروع الآداب التركية وأغناها، وكان له أثر في آداب اللهجات الأخرى.

كان الشعر من أبرز معارف التركمان، وجل شعراء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من قبيلة غوكلن، ولعل ذلك راجع إلى أنها قد أخذت في حياة الاستقرار قبل غيرها من القبائل، وفي طليعة هؤلاء الشاعر مخدوم قلي ووالده دولت محمد ملاَّ آزادي.

وظهر من بين التركمان علماء في اللغات، كان من أشهرهم محمود بن الحسين الكاشغري الذي ألف أول معجم عربي تركي سماه ديوان لغات الترك، وقد أخذ معلوماته عن أنسابهم وأحسابهم من الأمير إينانج الذي كان من أسنِّ القوم وأعرفهم بأنسابهم وأحسابهم.

كما صنف بعضهم في التاريخ، وهناك كتاب اسمه «ملك نامه» حوى أخبار التركمان والسلاجقة، ويرد في كتب التركمان هذه بعض المعلومات شبه الأسطورية عن عقائدهم وعباداتهم قبل أن يدينوا بالإسلام، من ذلك ما يذكر عن اجتماع أرواح الموتى كل سنة ليلاً ودخولها لأمصارها السابقة، وما يذكر عن اقتتال الجن المؤيدة لكل فئة من الناس قبل حدوث المعركة بين البشر، وأن الانتصار يكون للفئة من الناس التي يتغلب مؤيدوها من الجن.

اشتهر التركمان في آسيا الوسطى بصنع الطنافس التركمانية، ولاتزال شهرتها إلى الوقت الحاضر، وتقوم النساء والفتيات بصنعها،كما كان التركمان من أحذق الناس بعمل اللبود لأنه لباسهم، وكانوا يصنعون سهامهم من العظام، لأن الحديد قليل عندهم، وليس للتركمان في تركستان زرع إلا الدخن، وكان غذاؤهم ألبان الإبل ولحومها، وأكثر ما يأكلون لحوم الصيد.

توزع التركمان في العصر الحديث: اكتمل تكون الشعب التركماني منذ القرن الخامس عشر للميلاد وعقب انحسار المد المغولي، ونواته القبائل الآنفة الذكر، وقد انضم إليها بعض القبائل التركية الأخرى من غير الأوغوز، وأكثرهم من القبجاق (القفجاق)، وهم مسلمون على المذهب السني، غير أنهم لم يتمكنوا من إقامة دول مستقلة خاصة بهم، وكان تفرقهم في فارس وخوارزم وأفغانستان وإلى الشمال منها، واستقر بعضهم في حوضي نهر كورتة ونهر مانيج (مانتش) وبعد أن استولى الروس على كراسنافودسك (سنة 1869) وخيوه (1873) أصبح خضوع التركمان لهم أمراً واقعاً بعد حروب طويلة انتهت باستيلاء الروس على كوك تبة عنوة عام 1881 واستسلام مرو 1884 والأراضي إلى الجنوب منها عام 1885، وفي الأعوام التالية عقدت معاهدات حددت التخوم، وحددت نصيب التركمان من الأراضي الروسية والفارسية والأفغانية، وكانت شؤون التركمان الروسية تصرف أول الأمر على اعتبار أن مناطق سكنهم ناحية قائمة بذاتها من النواحي التي تلي بحر قزوين، ولكنها ضمت عام 1898 إلى ولاية تركمنستان الروسية، وفي عام 1924 بعد الحرب الأهلية غدت تركمنستان جمهورية سوفييتية اشتراكية.

وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 وتفككه انفصلت تركمنستان عن جسم الدولة السوفييتية وغدت جمهورية مستقلة وعدد سكانها نحو 3533925 نسمة 74٪ منهم تركمان (إحصاء عام 1991). كما يعيش في باقي الجمهوريات الآسيوية التي انفصلت عن الاتحاد السوفييتي نحو مليون ونصف مليون تركماني. وفي أفغانستان وإيران أكثر من 750 ألف تركماني وفي البلاد العربية نحو 150ألف تركماني وفي تركية نحو 80 ألف تركماني وكلهم يتكلمون اللهجات التركمانية.

 

أمينة بيطار

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

تركستان ـ السلاجقة

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ الراوندي، راحة الصدور وآية السرور في تاريخ الدولة السلجوقية، نقله إلى العربية إبراهيم الشواربي، وعبد المنعم حسين وفؤاد الصياد (القاهرة 1960).

ـ شاكر صابر، موجز تاريخ التركمان في العراق، (بغداد 1960).

ـ الكاشغري، ديوان لغات الترك (اصطنبول 1932).


- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد السادس - رقم الصفحة ضمن المجلد : 344 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة