بيرم (اسره)
Bayram (Family-) - Les Bayram

بَيْرم (أسرة ـ )

 

أسرة تونسية من أصل تركي، ولفظ (بيرم) تركي معناه العيد، وكان بيرم جد الأسرة أحد قواد الجيش العثماني الذي جاء مع الحملة التركية التي قادها سنان باشا سنة (981 هـ/1573م) لإنقاذ البلاد من الاحتلال الإسباني، فطاب لبيرم المقام بتونس وتزوج امرأة تونسية واستقرت أسرته في تونس.

وقد اشتهر من الأسرة البيرمية كثيرون تحلَّوا بالعلم والفضل منهم:

بيرم الأول: (1130-1214هـ /1718-1800م)

محمد بن حسين بن أحمد بن محمد بن حسين بن بيرم، من أعيان الأسرة البيرمية التونسية، عاش في تونس وتزوج امرأة من الأشراف.

استطاع بقراءته لعدد كبير من الكتب على علماء عصره، منهم حسن البارودي الذي أخذ عنه بيرم الفقه الحنفي، أن يبرع في الحديث والفقه الحنفي والنحو والبلاغة. وتتلمذ له جماعة تولوا فيما بعد أرفع المناصب، منهم المفتي المالكي بالحاضرة محمد المجذوب وعبد الرحمن الفراتي قاضي صفاقس والوزير الكاتب حمودة بن عبد العزيز الذي كتب عن بيرم الأول: «شيخنا المفتي الأكبر أبو عبد الله محمد بن حسين بن بيرم عالم الحنفية بالمغرب غير مدافع، ولا يوجد فيهم مثله منذ زمان شاسع».

أقام مفتياً في تونس خمساً وأربعين سنة، غير أنه في عهد علي باشا الأول الحاكم التونسي أُودع السجن مدة قصيرة، فلما أُطلق سراحه اختار لنفسه الإقامة في زاوية سيدي منصور بن جردان، ظلّ يدَّرس فيها حتى سقوط دولة علي باشا وقيام دولة أبناء حسين بن علي، فأعيد إليه اعتباره وسمي مفتياً للمذهب الحنفي، ثم صار رئيساً لفتوى الحنفية سنة 1186هـ/ 1773م.

من مؤلفاته اختصار كتاب «أنفع الوسائل» للطرسوسي في الفقه الحنفي وسماه «بغية السائل في اختصار أنفع الوسائل»، ويذكر في مقدمته أن اختصاره كان في نحو ثلثي الكتاب مع زيادات قيد أو تصحيح أمر مع ذكر ما عليه الفتوى. وله كتاب «الحمامات المعدنية» وفي الكتاب فوائد طبية للرجال والنساء والبنات هو مطبوع ، وكتاب «نبذة في بعض القواعد الشرعية لحفظ الإدارة الكلية»، ورسالة في موضوعات الحديث.

عمَّر طويلاً، ودفن بتربته المجاورة لزاوية الشيخ سيدي عبد الرزاق.

بيرم الثاني:( 1162-1247هـ /1748-1831م)

محمد بن محمد بن حسين بن بيرم، وهو ابن بيرم الأول أخذ العلم عن كثيرين من علماء التجويد والنحو، كما أخذ الفقه والحديث عن والده وعن المؤرخ أحمد بن أبي الضياف، وكان يعنى بالحديث والأسناد، كما أخذ باقي العلوم عن الشيخ صالح الكوَّاش.

أقرأ كثيرين بالمدرسة الباشيّة، وتولى الخطابة بجامع يوسف داي نيابة عن والده ثم درّس بالجامع الأعظم وغيره، وفي سنة 1192هـ تولى القضاء مدة عام ثم تركه وعاد إليه سنة 1194هـ/1780م.

مات أولاده الخمسة وأمهم بالطاعون الجارف عام 1199هـ /1785م فعزم على ألا يتزوج ،ولكن والده نصحه بالزواج لأنه لا ييأس من روح الله ورحمته إلا القوم الكافرون، فوكل أمره إلى أبيه الذي زوجه من بنت الشريف الفلاّري فرزق بابنه محمد، وعاش حتى رآه مفتياً معه كما رأى حفيده «محمد بيرم الرابع» طالباً نجيباً.

ثم تولى عام 1206 نقابة الأشراف لأنه ورث ذلك من جهة أمه، وبقيت هذه المهمة موكلة إليه إلى آخر حياته، واستمرت في ذريته حتى بيرم الرابع.

وفي عام 1214-1801 تولى رئاسة الفتوى وبقي في هذا المنصب حتى وفاته.

عُرف بيرم الثاني في عمله قاضياً بتحري الحق وتثبته من الحقيقة، وكان أول من سنّ الزيادة على القيمة المستحقة تجنباً للحبس.

كان غزير الحفظ واشتهر بأنه مجتهد، ومع أنه كان على المذهب الحنفي فقد كان واقفاً على المذهب المالكي يستمد منه حججاً في فتاويه.

من مؤلفاته: «حاشية على شرح الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي المصري على مختصر المنار لابن حبيب الحلبي» و«حسن البنا في جواز التحفظ من الوبا» وهو على شكل محاورة بينه وبين معاصره الشيخ محمد المناعي المالكي، ويبدو أنه ألفها إثر الطاعون الذي وقع في تونس سنة 1199هـ/1785م والذي دام أكثر من عامين. وكتاب «التعريف بالأجداد البيارمة» أو «التعريف بالأسرة البيرمية». وله رسائل كثيرة، منها: رسالة في بيع الوفاء ورسالة في الطلاق،ورسالة في رجوع الموصي عن وصايته. وله «عقد الدرّ والمرجان» وهي منظومة طويلة في سلاطين آل عثمان، وقد أكملها حفيده فيما بعد بذكر السلاطين المتوالين إلى منتصف القرن الثالث عشر الهجري، وله «منظومة في المفتيين الحنفيين» بتونس مع ترجمة لواحد وعشرين مفتياً.

بيرم الثالث: (1201-1259هـ/ 1786-1843م)

محمد بن محمد بن محمد بن حسين بن بيرم، ظهر نبوغه منذ صغره وكان بارعاً في الإلقاء، درّس في المدرسة الباشية نائباً عن والده، ثم درّس في جامع الزيتونة، تولى الفتوى عام 1229هـ. ولما توفي والده تولى بعده رئاسة المجلس الشرعي الحنفي ثم نقابة الأشراف ثم مشيخة الإسلام عام 1247هـ.

من مؤلفاته: «تحريرات فقهية» و«حاشية على المنار» و«شرح على إيساغوجي في المنطق».

بيرم الرابع: ( 1225-1278هـ/ 1810-1861م)

محمد بيرم بن محمد بيرم الثالث، فقيه محدّث، عُني جده بيرم الثاني بتربيته، وقد قرأ على والده الفقه وأصوله ثم أخذ ذلك عن مشايخ عصره.

تولى التدريس وله من العمر ثمانية عشر عاماً، فدّرس بالمدرسة العنقية والمدرسة الباشية وجامع الزيتونة، ولما مات جده تولى الإفتاء تحت إمرة أبيه، ثم تولى رئاسة الإفتاء ونقابة الأشراف بعد موت والده خلفاً له وذلك في سنة 1259هـ /1843م.

لقب بشيخ الإسلام في تونس في عهد أحمد باشا باي، وتولى خطابة جامع «صاحب الطابع» ثم الجامع اليوسفي.

كان بيرم مقرباً من الحكام، فقد كان أحمد باشا باي يستشيره ويجزل له الصلات، ولما تولى محمد باشا الحكم تزوج أخته وقربه وجعل أمر الخطط الدينية إليه فلا يتولى أحد منها شيئاُ إلا برأيه، وكان مستشاراً للأمير في الجهازين الإداري والقضائي وفي القضايا السياسية؛ مما جعل له مكانة كبيرة بين النخبة العلمية والإدارية، وقد عرف برجاحة الرأي والإنصاف. وإلى هذا فقد كان كاتباً وشاعراً،ولهذا كان محمد باشا يستعين به في الردّ على رسائل التهنئة التي ترده فيجيب عنها شعراً ونثراً.

وما اتصف به من إنصاف فقد أثار سخط كثيرين من أهل البلاد عندما انتخب عدداً معيناً من الشهود لا يتجاوز مئتي شاهد، وكان في حاضرة تونس أكثر من ستمئة شاهد، ولذلك عاداه كل من لم ينتخبه وأطلق لسانه في ذمّه.

صنّف محمد بيرم الرابع كتباً كثيرة منها: «التراجم المهمة للخطباء والأئمة»، وقد عرف في الكتاب بمن تولى الإمامة والخطابة من الفقهاء بالجوامع الحنفية، وأهمية هذا الكتاب تبدو في احتوائه على معلومات عن الجوامع لا توجد في المؤلفات السابقة له، وبعض المترجم لهم لا توجد تراجمهم في غير هذا المصنف، غير أن أشغاله عندما تولى محمد باي الحكم حالت دون إتمام الكتاب، كما نسب إليه كتاب «الجواهر السنية في شعراء الديار التونسية» ويشتمل الكتاب على طبقة واحدة من شعراء تونس، وهو يتحدث عن الشاعر بترجمة وجيزة مثقلة بأنواع الصنعة، ثم يورد شيئاً من شعر الشاعر دون تحليل أو نقد، وميزة الكتاب هي جمع ما عرف عن شعراء تونس.

وله نظم ذيل به على نظم جده بيرم الثاني في سلاطين آل عثمان المسمى «عقد الدر والمرجان» وصل فيه إلى سلطان زمانه عبد المجيد.

وله رسائل كثيرة في الفقه، منها: رسالة في شرح قواعد عهد الأمان، رسالة في الشفعة، رسالة في الصلاة بالنيشان (الوسام) الصليبي، وله كنانيش كثيرة فيها موضوعات أدبية وفوائد منوعة.

بيرم الخامس: (1255-1307 هـ /1839-1889م)

محمد بيرم (أو حمد بيرم) بن مصطفى بن محمد بيرم الثالث، فقيه، رحالة ومؤرخ وصحفي. ولد بتونس وأشرف والده وعمه بيرم الرابع على تربيته ووجهاه إلى طلب العلم بجامع الزيتونة بعد أن أنهى مرحلة التعليم الابتدائي، وهناك قرأ على أعلامه من المشايخ أمثال الشاذلي بن صالح ومحمد الطاهر بن عاشور. وتأثر بالشيخ محمود قابادو الذي كان يتردد إلى منزل والده وأعجبته أفكاره التقدمية ونظرياته الإصلاحية ورأيه في إحياء العلوم الصحيحة والاعتماد عليها لنهضة البلاد.

وفي السابعة عشرة من عمره أحرز شهادة التطويع من جامع الزيتونة، ثم تولى مشيخة المدرسة العنقية سنة 1278-1861 ثم اجتاز مناظرة التدريس سنة 1284-1867.

جاهر محمد بيرم الخامس بنصرة خير الدين باشا الصدر الأعظم في اصطنبول فأعجب الوزير بنشاطه ومؤازرته له في منهجه الإصلاحي فعهد إليه بتنظيم جمعية الأوقاف سنة 1291هـ/1874م، ولكن جهوده في ذلك نهكت جسمه وأجبرته على الذهاب إلى باريس لمداواة مرضه، وهناك بدأ تدوين القسم الأول من كتابه «صفوة الاعتبار»، وعند عودته عيّن ناظراً على المطبعة الرسمية ومشرفاً على تحرير جريدة الرائد. وفي سنة 1294هـ/1877م سافر إلى باريس ولندن والجزائر وأكمل مؤلفه «صفوة الاعتبار».

ولمّا عيّن مصطفى بن إسماعيل خلفاً لخير الدين في رئاسة الحكومة ضاق بآراء محمد بيرم الخامس الإصلاحية، إذ كان مناهضاً لأطماع الفرنسيين في بلاده فترك بيرم تونس متعللاً برغبته في أداء فريضة الحج، وفي طريقه إلى الحرمين الشريفين مرّ بمصر وبعدها زار سورية ثم سافر إلى اصطنبول حيث أُكرمت وفادته ،وقد أتهمه مصطفى بن إسماعيل باختلاس أموال جمعية الأوقاف وطلب عودته إلى تونس ولكن خير الدين باشا انتصر له.

ثم زار بيرم الخامس فيينة وبودابست وبلغراد، وعند رجوعه إلى اصطنبول حيكت حوله الدسائس لإزالة مكانته عند السلطان، فاضطر إلى مغادرة البلد، وكان قد يئس من العودة إلى تونس بعد أن رسخت أقدام الفرنسيين فيها، وتوجه إلى مصر حيث احتفل الخديوي والعلماء بقدومه، وفي القاهرة اسـتأنف نشاطه السياسي والثقافي وأصدر جريدة «الأعلام»، وكانت خطة الجريدة عدم التعرض للإنكليز، وفي ذلك يقول فيليب دي طرازي في كتابه «تاريخ الصحافة العربية»: «وكانت خطة الأعلام محاسنة الإنكليز والاستفادة منهم». وفي سنة 1887 سافر إلى باريس وعند رجوعه أسندت إليه مهمة تكوين جمعية الأوقاف، كما عُيَّن قاضياً بمحكمة القاهرة الابتدائية، وكان واسع الاطلاع فيما يتعلق بالقضاء الشرعي.

نشأ بيرم الخامس حرّ الضمير، جريئاً في أقواله وكتاباته، مخلصاً لوطنه، يكره الاستبداد ويقاومه كل قوته على الرغم مما كان يشكو منه من نحول ومرض في الأعصاب، وهو أول تونسي صرّح بآرائه السياسية والاجتماعية في بلاده على صفحات الجرائد، وقد عارض بكل ما أوتيه من قوة فكرة الاحتلال الفرنسي لتونس، غير أن موقفه من الإنكليز في مصر كان مختلفاً، ولعله كان يعتقد أن الوقوف في وجوههم ومعارضتهم ـ بينما أمور البلاد بأيديهم ـ لا يجدي.

ويرى بعض النقاد أنه المنشىء الأول لفن النشر الصحفي باختلاف أغراضه في تونس، توفي بحلوان ودفن في القاهرة قرب ضريح الإمام الشافعي.

من مؤلفاته: «صفوة الاعتبار لمستودع الأمصار والأقطار» في خمسة أجزاء، وفيه دوّن رحلاته إلى أوربة وآسيا وإفريقية. وذكر في جزء منها تاريخ تونس من الفتح الإسلامي إلى الاحتلال الفرنسي. وفي هذا الكتاب كثير من الحقائق التاريخية والاجتماعية. وله كتاب «التحقيق في مسألة الرقيق»، وهي رسالة يرى فيها أن منع الحكومات الإسلامية لتجارة الرقيق شرعي، وله «الروضة السنية في الفتاوي البيرمية» و«ملاحظات سياسية حول التنظيمات اللازمة للدولة العلية».

 

نهلة الحمصي

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ محمد محفوظ ، تراجم المؤلفين التونسيين(دار الغرب الإسلامي1982).

ـ جرجي زيدان، تاريخ آداب اللغة العربية ح 4 (مصر 1913-1914).

ـ فيليب دي طرازي، تاريخ الصحافة العربية(المطبعة الأدبية،بيروت 1914).


- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد الخامس - رقم الصفحة ضمن المجلد : 701 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة