يابان ( ادب في)
Japan - Japon

الأدب

 

يُعدّ الأدب الياباني أحد أقدم الآداب القومية في العالم وأغناها، وقد حفظت تقاليد الرواية الشفاهية العريقة تراث هذا الأدب حتى بدايات تدوينه في القرن الثامن الميلادي، باستعارة الكتابة المقطعية الصينية[ر. الصين (اللغة)] ثم بتعديلها وتطويعها لما يناسب الألفاظ والمعاني اليابانية[ر. اليابان (اللغة)]، وفي قرنين بات ممكناً التعبير كتابةً عن جميع جوانب الحياة المادية والفكرية اليابانية الأصيلة وعن تفاعلها مع الثقافات المجاورة بداية والغربية المتنوعة لاحقاً.

وكتاب «كوجيكي»[ر] Kojiki أو «أسفار وقائع الماضي» الذي جُمع نحو عام 712 هو أول أثر أدبي ذي أهمية دينية وتأريخية، حفظ للبلد تراثه الشفاهي الغابر وأنسابه منذ الماضي البعيد. وتبعته سلسلة «ستة تواريخ قومية» Rikkokushi التي كان أولها «أحداث تاريخ اليابان» Nihon Shokiت(720) أسوة بسجلات تاريخ الصين المجاورة، والتي عُدَّت بدايات النثر الأدبي.

وتعدّ «مجموعة قصائد الأجيال المتعاقبة» Man’yõ’shu أول توثيق باقٍ للشعر الياباني، صدر أواخر القرن الثامن. تتضمن المجموعة 5000 قصيدة من أزمان مختلفة، تُبيّن تطور الموضوعات والصياغات الفنية[ر. الشعر] ومنها قصيدة تَنكا tanka القصيرة، وتشوكا chõka الطويلة، وهَنْكا hanka الخاصة. بقي بعض شعراء المجموعة مجهولي الهوية، أما الآخرون فمن انتماءات اجتماعية مختلفة، بعضهم من العامة أو المحاربين أو الموظفين، وبعضهم ملوك وأباطرة من الجنسين.

تميزت مرحلة هِيانHeianت(794ـ1185) بنمو تأثير الديانة البوذية[ر] وفكرها إلى جانب الشينتوية Shinto (ديانة اليابان المحلية القديمة)، وبفعالية البلاط في الحياة الثقافية عامة والأدبية خاصة. وأبرز أدباء هذه المرحلة هم من النساء، وفي الأجناس الأدبية كافة. وقد رعت أسرة فوجيوارا Fujiwara الحاكمة الشعراء والشاعرات، وأقامت لهم مسابقات سنوية ولقاءات قراءات مشتركة، كما أشرفت على إصدار إحدى وعشرين مجموعة شعرية، راعت في اختيارها الأناقة والبلاغة في التعبير الشعري ولاسيما في موضوعي الحب والطبيعة. وتعدّ مقدمة المجموعة الأولى «قصائد قديمة وحديثة» Kokin wakashu (عام 905) التي كتبها جامعها كي نو تسورايوكي K.N.Tsurayuki أول عمل بارز في النقد الأدبي الياباني، رأى فيها الكاتب أن أهم وظائف الشعر التعبير عن العواطف والأحاسيس الإنسانية، كما في أشعار أريوارا ناريهيرا A.Narihira وأونو نو كوماتشي O.N.Comachi والسيدة إيسِه Ise، إضافة إلى الكاهن البوذي هِنْجو Henjõ.

وظهرت في هذه المرحلة ـ على صعيد النثر ـ أنواع جديدة، مثل الأقصوصة setsuwa والرواية zuihitsu التي تشمل التأملات والانطباعات الذاتية والتاريخية في إطار حدثي، كما راجت المذكرات nikki، وكان أبرزها «مذكرات توسا» Tosa nikki (نحو 935) للكاتب تسورايوكي، و«مذكرات السنوات الخفيفة» Kagerõ nikki (نحو 974) للكاتبة فوجيوارا ميتشيتسونا نو هاها F.M.no Haha و«مذكرات السيدة إيزومي» (1005) للكاتبة Izumi Shikibu، و«مذكرات سَراشينا» Sarashina nikkiت(1060) للكاتبة سوغَوارا تكاسوِه نو موسومِه S.T.no Musume. وكان لهذه المذكرات الشخصية أهمية كبرى في إضاءة أساليب حياة شخصيات البلاط وأحداثه في تلك المرحلة.

يرجح الباحثون أن عدداً من الكهنة البوذيين في أواخر القرن الحادي عشرـ لأسباب إرشادية دينية ـ قد جمعوا «حكايات الزمن الغابر» Konjaku monogatari التي ضمت نحو 1100 أقصوصة تجري أحداثها في اليابان والصين والهند بخلفيات تاريخية وشعبية، في حين تتضمن «حكايات حطّاب الخيزران» Taketori monogatari (نحو 950) عناصر شعبية ذات طابع غيبي. أما «حكايات إيسِه» Ise monogatari (نحو 920) فتمزج الشعر مع السرد الحكائي في تناول غراميات حاشية البلاط.

وتعدّ «حكاية غِنْجي» للسيدة موراساكي[ر] Murasakiأبرز مثال عن الأدب الروائي في تلك المرحلة وأول رواية في تاريخ الأدب العالمي. وقد لا يقل عنها أهمية «كتاب الوسادة» للأديبة ساي شوناغون[ر] Shonagon. أما على صعيد الرواية التاريخية rekishi التي تصور أهم أحداث البلاط وشخصياته بمسحة خيالية أو بطولية أو بكلتيهما معاً، فقد ظهر في هذه المرحلة «حكاية الحظوظ المزدهرة» Eiga monogatari (نحو 1100)، و«المرآة العظيمة» Õ.Kagami نحو (1130) اللتين لم يستطع الباحثون تحديد هوية مؤلفيهما، مع أن الأخيرة تعدّ معارضة ساخرة لـ«المرايا الأربع» Shi-Kagami القديمة التي وردت في «أحداث تاريخ اليابان» الآنفة الذكر. واللافت هو أن كلا العملين قد صيغا بلغة بلاطية رشيقة، حاولت ما أمكن تجنب المؤثرات اللغوية الصينية، مثلما فعلت موراساكي.

نتيجة لوهن السلطة الأرستقراطية في العاصمة كيوتو سادت البلاد اضطرابات واسعة أدت إلى انتقال السلطة إلى طبقة المحاربين الريفيين (الساموراي Samurai) التابعين إلى القائد العسكري ميناموتو Minamoto الذي ألّف حكومة عسكرية في مدينة كماكورا Kamakura التي سميت المرحلة الجديدة باسمها حتى عام 1333. وقد نجم عن هذا التحول الكبير انتشار البوذية بين عامة الناس بوساطة طائفة بوذاـ أميدا Buddha- Amida التي روَّجت لفكرة الخلاص في أرض بوذا الطاهرة (جنة العالم الآخر) عن طريق التقشف الحياتي والزهد الديني. وكان فوجيوارا ساداييه[ر] بن فوجيوارا توشيناري[ر] أهم من أبرَزَ هذه التوجهات الجديدة على الصعيدين الفكري والجمالي ولاسيما في مجموعة «مئة قصيدة مفردة لمئة شاعر» (نحو 1235) التي أحيت تقاليد قصيدة التنكا التراثية. وإضافة إلى ذلك برز في الشعر كل من الأميرة شوكوشي Shokushi والكاهنين البوذيين سايغيو Saigyõ وجيين Jien.

وعلى صعيد الأجناس الأدبية الأخرى استمرت الأقصوصة في «مجموعة حكايات أوجي» Uji shui monogatari (نحو 1200)، مثلما استمرت المذكرات في «مذكرات القمر المنحسر» Izayoi nikki (نحو 1280) للكاهنة أبوتسو Abutsu، و«اعترافات سيدة نيجو» Towazugatari Nijõ بقلم غوفوكاكوسا Gofukakusa. ويرى الباحثون أن أهم كتابين نثريين ظهرا في تلك المرحلة، وكان لهما أصداء واسعة لاحقاً هما: «وقائع ما جرى لكوخي» Hõjõkiت(1212) للكاتب كامو نو تشومَي K.no Chõmei الذي وصف فيه بلغة مذهلة الكوارث الطبيعية والدمار الذي سببته الاضطرابات الاجتماعية والسياسية، وما عاناه الناس من آلام وأحزان. والعمل الثاني هو «في الكسل» (نحو 1230) للشاعر البوذي كِنكو يوشيدا[ر]. لكن النوع الأدبي الجديد الذي ظهر في «مرحلة كماكورا» هو «قصص الحروب والمعارك» gunki التي تصور أخلاقيات الساموراي وأفعالهم، وأشهرها «حكاية هَيكِه» Heike monogatari، وهي أشبه بالسيرة الطويلة التي تمزج الأحداث التاريخية مع البطولات والمآسي الذاتية والأخلاق البوذية في لغة شعرية غنية. بدأت سيرة هيكه نحو عام 1220، واغتنت بإضافات الرواة الجوالين biwa hõshi الذين كانوا يعزفون في أثناء سردهم على آلة وترية شبيهة بالعود.

اتسمت مرحلة موروماتشي Muromachiت(1333ـ1603) بالاحتكاك والتقارب بين القادة العسكريين Shoguns ومقاتليهم الساموراي من جهة وبين البلاط الامبراطوري في كيوتو من جهة أخرى، وقد نجم عن ذلك تطورات ثقافية ولَّدت أجناساً أدبية جديدة تمزج عناصر من الثقافة الأرستقراطية مع أخرى من ثقافة الساموراي والفلاحين والحرفيين والتجار في بوتقة واحدة، كما في نشوء مسرح النو [ر. اليابان (المسرح)] مثلاً الذي تطور برعاية الشوغون والساموراي للكاتبين والممثلين المسرحيين كانامي كييوتسوغو Kanami Kiyotsugu وابنه زيامي[ر] إلى فن تعبيري عميقٍ وراقٍ يمزج ببساطة إبداعية الغناء بالرقص بالأداء المؤسلب والدراما الإنسانية المتعددة الأسباب والمختلفة المصائر. وفي هذه المرحلة تفرع من قصيدة التَنْكا نوع جديد سمي رِنْغا Renga، وهو القصيدة المشتركة بين عدة شعراء يتناوبون فيها على نظم أطروحة يقدمها الأول في ثلاثة أبيات ليقدم الثاني الجواب في بيتين بالوزن نفسه، وهكذا دواليك حتى يبلغ طول القصيدة أحياناً عشرة آلاف بيت. وقد ازدهرت تقاليد فن الرِنْغا في القرن الرابع عشر، وصدرت مجموعاتها بإشراف كبار الشعراء، مثل شوتِتْسو Shõtetsu وشينكَي Shinkei وسوغي Sõgi ونيجو Nijõ. وفي الوقت نفسه استمر تطور «قصص الحروب»، بما فيها سير الأبطال التي صيغت بأقلام مجهولة عبر سنوات عدة، وأشهرها «وقائع السلام العظيم» Taiheiki (نحو 1372)، و«سيرة يوشيتْسونِه» Yoshitsune monogatari (نحو 1400) و«سيرة الإخوة سوغا» Soga monogatari (نحو 1375) التي صارت معيناً لا ينضب لكثير من الاقتباسات اللاحقة ولاسيما في موضوع انتقام الساموراي من أعدائهم.

كانت أبرز سمات مرحلة توكوغاوا Tokugawa  ت(1603ـ1868) مرتبطة ببداية الغزو الغربي لليابان تجارياً ودينياً وثقافياً وتعرُّف اليابانيين التقانات الغربية ولاسيما البندقية والمدفع، والديانة المسيحية ومفاهيم الحياة الغربية. وتميزت هذه المرحلة ـ في مركزها الجديد إدو Edo (طوكيو حالياً) بقيادة الساموراي الذين صاروا الأرستقراطية الجديدةـ بتأكيد الفصل ما بين الطبقات الاجتماعية التقليدية في التعامل الاجتماعي المتبادل، علماً أن التجار ـ وهم الأدنى اجتماعياً ـ قد احتلوا مكانة متميزة واستثنائية بسبب تراكم الثروة بين أيديهم نتيجة حالة الاستقرار والسلام التي أنعشت التجارة مما أدى مع نهاية القرن السابع عشر إلى نمو ثقافة مدينية مبنية على علاقات مغايرة جذرياً للبيئة الريفية التقليدية ومتجمعة مكانياً في مطارح الترفيه التي شملت المطاعم والمشارب، إضافة إلى المسارح المتنوعة (نو، كابوكي، بونراكو) وورشات فنون الخط والرسم والتزيين في ضاحية المدينة. وقد أدى دخول الطباعة الآلية إلى مدن اليابان إلى تزايد عدد القراء وانتشار الكتب المطبوعة على نحو ملحوظ، فصارت طباعة الكتب تجارة رائجة ورابحة في مرحلة غِنْروكو Genrokuت(1688ـ1704). وأهم ما يميز هذه المرحلة أدبياً هو التطورات الشعرية التي ولّدت شكل قصيدة الهايكو haiku ومضمونها، لاسيما في إنتاج باشو[ر] المتنوع، إضافة إلى بوسون[ر] وإيسَّا Issa. وقد تعارف اليابانيون على وصف الأجواء الثقافية ـ الترفيهية الجديدة بـ«العالم العائم» ukiyo في مواجهة صرامة الحياة الاجتماعية التقليدية، وكان أحد أهم مَن أبرزها في أعماله إيهارا سايكاكو[ر] مؤسساً للواقعية.

وفي ميدان مسرح بونراكو (مسرح العرائس، أو الدمى في التسمية الثانية جوروري Jõruri) برز اسم موزايمون تشيكاماتسو[ر] مؤلفاً مجدداً يمزج الخيال بالواقع، ويركز على نحو لا سابقة له على بطولة شخصيات من الطبقات الدنيا في مواقف مصيرية. وفي الوقت نفسه صاغ أويدا أكيناري Ueda Akinari «حكايات المطر وضوء القمر» Ugetsu monogatariت(1768) التي مزج فيها بلغة تحليلية عناصر من الحكايات الشعبية والبطولية بأحداث تاريخية واقعية مع ولوجٍ إلى أعماق الشخصيات الرئيسية لكشف دوافعها النفسية وتأثرها بالبيئة المحيطة. وعلى صعيد الشعر دخل الميدان كثير من الساموراي والتجار ولاسيما في الشعر الهزلي Kyõka المتداول في أثناء المآدب والسهرات التي تنتفي في أثنائها الحواجز الاجتماعية. وقد اتخذ هذا الشعر بنية قصيدة التنكا شكلاً فنياً، ولاسيما عند هيراغا غِنَّاي H.Gennai وسانتو كيودِن S.Kyõden وشيكيتَي سامبا Sh.Samba، أو في أكثر صياغاتها حدة نقدية كما في أعمال جيياتِشا إيكّو J.Ikku وتَكيزاوا باكين T.Bakin التي لاقت أصداءً واسعة لدى القراء الجدد.

تؤرخ بداية الأدب الياباني الحديث باعتلاء الامبراطور ميجي Meiji عرش الدولة عام 1868 بعد القضاء على حكم القادة العسكريين، وبانتقال العاصمة الامبراطورية من كيوتو إلى طوكيو. وهي مرحلة خروجٍ من عزلةٍ عن العالم الخارجي دامت نحو قرنين، وانفتاحٍ على تجارب الآخرين (الغرب) من أجل تطوير الذات. ونحو عام 1880 تبدت معالم أدب جديد كان مؤلفوه شباباً تلقوا تعليمهم في الجامعات الجديدة التي أسست وفق النموذج الغربي، واحتكوا فيها بالآداب الأوربية. فتبوأت الرواية موقع الصدارة بتأثير سيل الترجمات إلى اليابانية. وكانت بواكير الروايات المحلية ذات طابع رمزي سياسي، وبصدور كتاب «جوهر الرواية» Shõsetsu shinzuiت(1885) للناقد تسويوشي شويو T.Shõyõ تلقى فن الرواية دفعاً جديداً. ويرى النقد أن أنجحها هي رواية «غيمة مندفعة» Ukigamoت(1888) للكاتب فوتبَّاتَي شيمَي F.Shimei، وقد عالج فيها بلغة سردية عصرية وبتصوير واقعي توترات المجتمع الجديد وتناقضاته بوساطة تحليل دواخل الشخصيات في حيواتها الخاصة. حتى عام 1920 اتسم ميدان الرواية بمقاربات جديدة متأثرة بالغرب على صعيد الشكل الفني. وعلى صعيد المعالجة المضمونية ظهرت محاولات لمقاومة المدّ الغربي باستيحاء التراث السردي القومي، وأخرى بالدمج المثمر غالباً بين القديم والحديث. وأهم أديبين برزا في مرحلة ميجي هما ناتسومِه سوسيكي[ر] N.Sõsiki الذي درس في إنكلترا وأوغاي موري[ر] Õ.Mõri الذي درس في ألمانيا، أولهما على صعيد الرواية، وثانيهما في الأجناس الأدبية كافة. والجدير بالذكر هو اجتياح تيار الطبيعية[ر] Naturalismالأوربي لليابان، ولاسيما في أعمال توسون شيمازاكي[ر] T.Shimazaki وكَتاي تَياما K.Tayama، بيد أن الاجتياح لم يطل أمام صمود واقعية موضوعات كبار كتّاب المرحلة المذكورين آنفاً ـ إضافة إلى جونيشيرو تانيزاكي[ر] J.Tanizaki وكافو نَغاي K.Nagaiـ الذين احتفوا في أعمالهم بالجمال والخيال الفني الملهم.

لم تتوقف موجة التحديث في هذه المرحلة عند الرواية والقصة، بل طالت أيضاً الشعر والمسرحية عندما قام عدد من الشعراء الشباب بتناول القوالب الشعرية التراثية بروح وحيوية جديدتين، فبعثوها إلى الحياة لتحتل مكانها اللائق في سياق العصر. كان أبرزهم ناوبومي أوتشْياي N.Ochiai وتيكّان يوسانو T.Yosanoوالشاعرتان أكيكو يوسانو وتاكوبوكو إيشيكاوا Ishikawa، الأولى بديوانها «شَعر متشابك» Medare qamiت(1901) الذي أثار فضيحة في الأوساط المحافظة بسبب تعبيرها عن الحسية والفردانية بمفردات معاصرة وصريحة، في حين عاشت قصيدة التنكا في تجارب الثانية ابتكاراً جمالياً لافتاً. وعلى صعيد تحديث قصيدة الهايكو نجحت تجارب شيكي مَساوكا Sh. Masaoka. أما ترجمات الشعر الأوربي إلى اليابانية فقد نجم عنها «شعر الأسلوب الجديد» Shintaishi الذي تبدى في ديوان «باقة أعشاب طازجة» Wakanashu للأديب شيمازاكي[ر] Shimazaki. كما أدت ترجمة المسرح الأوربي المتنوع إلى تطورات تفرعت من مسرح الكابوكي باقتباس موضوعات من روايات معاصرة، أو بتقديم النصوص الأجنبية باللغة اليابانية. وفي أواخر مرحلة ميجي بدأت «حركة المسرح الجديد» Shingeki في جميع مكونات العرض المسرحي بعيداً عن الأشكال الفنية التراثية التي بدأ جمهورها ينحسر تدريجياً.

ظهرت في مرحلة ما بين الحربين العالميتين (1912ـ 1925) تيارات أدبية جديدة، أبرزها تيار «البتولا البيضاء» Shirakabaالتي روجت لتفاؤل إنساني في مواجهة كآبة تيار الطبيعية وسوداويته، وكان أحد أعلامها شيغا ناويا Shiga Naoya، كما برزت أيضاً شخصيات أدبية متميزة خارج التيارات مثل أكوتَغاوا ريونُسوكِه Akutagawa Ryunosuke صاحب الأسلوب الفريد في القصة القصيرة، كما في «راشومون» Rashomonت(1915) و«الأنف» Hanaت(1916) و«كابَّا» Kappaت(1927) و«عجلات مسننة» Hagrumaت(1927). وقد كان انتحاره عام 1927 بداية سلسلة من عمليات الانتحار اللافتة بين كبار كتّاب اليابان، وغالباً بسبب عدم القدرة على التكيف مع تسارع التحديث والتحولات على صعيد القيم والأخلاق. وفي موجة الشعر الحديث هيمن اسم الشاعر الرمزي هاغيوارا ساكوتارو Hagiwara Sakutaro الذي استخدم لغة الحياة اليومية بأسلوبية رفيعة. وفي العشرينيات ظهر «تيار البروليتاريين الثوريين» المتأثر بالواقعية[ر] الاشتراكية، و«تيار الحساسية الجديدة» Shinkankaku ha المتأثر بأدوات السرد السريالية[ر] وبأسلوب تيار الوعي stream of consciousness. وعلى الرغم من قصر حياة هذين التيارين، فإن الأخير ارتبط باسم ياسوناري كواباتا[ر] Y.Kawabata وريتشي يوكوميتسو R.Yokomitsu.

نحو أواخر العشرينيات شُهرت في النثر كاتبات مثل يوريكو مياموتو[ر] Y.Miyamoto وتايكو هيرابياشي[ر] T.Hirabayashi اللتين تناولتا حياة المرأة في مجتمع ذكوري معقد. وبعد أن خبت أضواء تيارات الربع الأول من القرن العشرين عاد عمالقة النثر والشعر ليحتلوا الساحة الأدبية بأعمال جديدة ومهمة، ولاسيما في الثلاثينيات في أثناء غزو اليابان كوريا والصين، حين ظهرت وراجت بعض الروايات التي عالجت حياة الجنود والضباط على الجبهة، في حين لجأ كثير من الأدباء إلى الصمت تجنباً لضغط السلطة العسكرية، ولاسيما إثر دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الثانية في عام 1941.

ومع تغير الأجواء على أثر هزيمة الحرب والاحتلال الأمريكي مدة سبع سنوات؛ ظهرت تيارات جديدة وكتّاب شباب، كما خرج معظم الكتّاب عن صمتهم، فنشروا ما كان محظوراً، وقدموا أعمالاً جديدة من وحي تجارب الحرب ومخلفاتها، ولاسيما في أجواء النهضة الاقتصادية والصناعية الجديدة التي رافقها نشاط هائل على صعيد النشر والإعلام. ومن الأسماء المهمة في هذه المرحلة أوسامو دازاي Dazai الذي انتحر عام 1948 بعد عدة روايات لافتة، وكذلك أنغو سكاغوتشي ٍA.Sakaguchi وجون إيشيكاوا Jun Ishikawaوساكونوسوكه أودا S.Oda وشوهَي أوكا Sh.Õoka وميتشيو تكياما M.Takeyama وماسوجي إيبوزِه M.Ibuse. وعلى صعيد الروائيات هناك فوميكو هَياشي F.Hayashi وفوميكو إنتشي F.Enchi وسواكو أريوشي S.Ariyoshi ويوميكو كوراهاشي Y. Kurahashi اللواتي استمررن في معالجة واقع المرأة في مجتمع اليابان الحديثة.

ويرى النقد أن الشخصية الأدبية الأكثر أهمية والأكثر إثارة للجدل في النصف الثاني من القرن العشرين هو يوكيو ميشيما[ر] Y.Mishima برواياته ومسرحياته وبانتحاره الاحتجاجي المثير عقب محاولة الانقلاب العسكرية التي قادها وأخفقت. لقد تُرجمت أعماله إلى ما يزيد على ثلاثين لغة عالمية، وكان لآرائه الاجتماعية ولرؤاه الجمالية كبير الأثر في تطور الأدب الياباني في الربع الأخير من القرن العشرين. وثمة أسماء مهمة أخرى جديرة بالذكر في المرحلة نفسها لاقت رواجاً محلياً وعالمياً لافتاً، مثل كوبو أبِه K.Abe وكنزابورو أويه K.Õe الذي حاز جائزة نوبل عام 1994.

وعلى الرغم من هيمنة الرواية دون منازع على الساحة الأدبية اليابانية استمر الشعر والمسرح في تطورات وتنويعات أقل لفتاً للنظر، ولاسيما أن المسرح مرتبط دائماً بالعرض ورؤيته الإخراجية، ومع ذلك برز اسم الشاعرة ماتشي تَوارا M.Tawaraبمجموعاتها التي لاقت رواجاً شعبياً ونقدياً.

يمكن القول: إن الشعب الياباني منذ سبعينيات القرن العشرين قد انشغل على نحو متزايد بوسائل الإعلام البالغة التطور والتأثير، كصحافة السوق والمحطات التلفزيونية وأفلام الرسوم المتحركة (الكارتون) والسينما وألعاب الحاسوب. وقد نجم عن ذلك ظاهرتان: تراجع تأثير الأدب في أشكاله المتداولة حتى ذلك الحين، وتحول التركيز نحو المصادر البصرية والسمعية عن طريق أشرطة الڤيديو والأقراص المدمجة (D.V.D.-C.D) والشابكة (الإنترنت). وقد أدى هذا بالضرورة إلى انجراف الأدباء الجدد مع التيار المهيمن في تجارب تستدعي التوقف عندها ودراستها في إطار التطورات العولمية، مثل التجارب الروائية عند هيساشي إنويه H.Inoue ويَسوتاكا تسوتسوي Y.Tsutsui. أما الكتّاب الذين ولدوا بعد الحرب العالمية الثانية الذين حققوا شهرة ما وانتشاراً بأعمالهم، مثل موراكامي هاروكي M.Harukiويوكو تسوشيما Y.Tsushima وموراكامي ريو M.Ryu ويوشيموتو بنانا Y.Banana؛ فقد تحولوا عن هدف الرواية التقليدي في البحث عن معنى الحياة والوجود في حياة الفرد في إطار بنية اجتماعية متينة التركيب؛ ليتتبعوها من خلال الشخصيات التي فقدت بوصلة التوجه في أي بنية مهما كانت، في عالم فَقَدَ المركز، وأضاع الماضي بفقدان دعامات العائلة والدولة ومكان العمل، وصار جزءاً من متاهة لا مخرج منها، كما يبدو.

 نبيــل الحفــار

 

 

 


- التصنيف : الآداب الأخرى - المجلد : المجلد الثاني والعشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 418 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة