طبيه (نباتات)
Medical plants - Plantes médicales

الطبية (النباتات ـ)

 

عرفت القيمة الغذائية والعلاجية والتجميلية للنباتات الطبية منذ أقدم العصور، وما زالت بعض الأدوية ذات المنشأ النباتي كالأسبرين والديجيتالين لها دور مهم في المعالجة الحديثة، كما تعد النباتات الطبية اليوم مصدراً أساسيّاً لاستنباط أدوية جديدة كنبات الطقسوس الذي تستخرج منه مادة التاموكسيفين المضادة للأستروجين المستعملة في معالجة أورام الثدي.

إن غابت المعالجة بالنباتات الطبية عن الأنظار فترة معينة بسبب الأدوية الكيميائية فهي تعود اليوم لتحتل المكانة اللائقة بها بسبب عوامل عديدة أهمها الأضرار الدوائية التي تنجم عن المواد التركيبية، والأسس العلمية المبنية عليها المعالجة بالنباتات إضافة إلى الخصائص البيولوجية المتعددة للنبتة الواحدة.

الأضرار الدوائية

إن الدواء بالتعريف هو مادة غير فيزيولوجية، ولذا قد يكون سبباً لأضرار أو مضاعفات تصيب العضوية. ويمكن القول: إن الدواء سلاح ذو حدين، وتكفي قراءة النشرات المرافقة للدواء حتى تُعرف المضاعفات والتأثيرات الجانبية والتداخلات، وتُدرك أهمية الضرر الدوائي الآخذ بالازدياد بسبب كثرة الأدوية وبسبب التداوي الذاتي أحياناً.

لايقتصر الضرر الدوائي على حدوث أعراض جانبية بسيطة كالتحسس والغثيان والصداع، بل تصل أضراره في بعض الحالات إلى أبعد من ذلك ويصبح من الضروري أن يعالج المريض في المستشفى نظراً لخطورة المضاعفات التي قد تكون مميتة في بعض الأحيان. كما أن بعض الأدوية قد يدفع للانتحار بخاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية عصبية. وتفيد بعض الدراسات الفرنسية الحديثة أن نسبة الاستشفاء بسبب الأضرار الدوائية تقدر بنسبة 10 إلى 20% من حالات الاستشفاء.

الأسس العلمية المبنية عليها المعالجة بالنباتات الطبية

أصبحت المعالجة بالنباتات الطبية اليوم مبنية على أسس كيميائية حيوية متطورة، لأن وسائل الاستشراب chromatography الحديثة أتاحت الفرصة لتعرف مختلف مكونات النبتة الواحدة، ومن ثم استخلاصها، وهذا ما أتاح إمكانية إجراء الدراسات الكيميائية السريرية لتعرف الخصائص العلاجية لكل نبتة وتحديد استطباباتها ومحاذير استعمالها وآثارها الجانبية وتداخلاتها مع النباتات والأدوية الكيميائية الأخرى.

فالوردة الدمشقية Damask rose (Rosa damascene) مثلاً تحوي العديد من المكونات كالألياف والزيوت العطرية أهمها الجيرانيول والسيترونيلول والفارنيزول وهذا ما يكسبها خصائص بيولوجية متعددة. إن ما ينطبق على الوردة الدمشقية ينطبق على معظم النباتات، ولابد من ذكر عشبة الجنكة Ginkgo biloba الواسعة الانتشار في جميع أنحاء العالم، إذ تحوي هذه النبتة على الفلافونويدات والجينكولين والبيلوبين ومواد عفصية وغيرها مما يكسبها خصائص علاجية كثيرة. وتجرى الآن دراسات مقارنة بين الأدوية الكيميائية والنباتات الطبية لتحديد فعالية هذه النباتات بالمقارنة مع الأدوية، فهناك مثلاً دراسة حديثة حول فعالية الجنكة ومادة البنتوكسيفيلين في علاج نقص السمع المفاجئ والتي ثبتت فيها أن فعالية الجنكة كالبنتوكسفيلين.

الخصائص المتعددة للنبتة الواحدة

إن احتواء النبتة الواحدة على أكثر من مادة فعالة يكسبها تأثيرات بيولوجية متعددة، فالوردة الدمشقية بمكوناتها المختلفة تجد استطباباتها في معالجة الإمساك والاكتئاب والرشح والسعال. ولا يخفى دورها في رعاية البشرة فهي وسيلة جيدة للمحافظة على سلامتها.

أما نبتة الجنكة فهي مقوية للذاكرة، ومنشطة للدورة الدموية، ومضادة للتحسس والربو، ومضادة للأكسدة، وتمنع تكدس الصفيحات الدموية، وهذا ما يجعلها البديل الأمين لمادة الأسبرين الدوائية لحماية التروية لدى الأشخاص الذين يعانون من التحسس من الأسبرين.

ولابد من الإشارة إلى أن بعض النباتات كالخزامى lavender تحوي على أكثر من مئة مادة فعالة، وهذا ما يكسبها استطبابات متعددة كمعالجة الأكزيمة وبعض الآلام المفصلية والربو ورائحة الفم الكريهة وسوء الهضم وبعض حالات الصداع، إضافة إلى دورها المهم في معالجة الاضطرابات الحيضية (الطمثية).

دور النباتات في المعالجة الحديثة

ـ الرعاية الأولية first line treatment: للنباتات دور مهم في الرعاية الأولية لكثير من الأمراض، خاصة المزمنة منها، والغاية هي توفير العلاج اللازم بأقل كلفة وأدنى حد من التأثيرات الجانبية.

فمثلاً يستعمل نبات الزعرور hawthorn في علاج ارتفاع الضغط الشرياني في مراحله الأولى، وذلك استناداً إلى دراسة أجرتها NYHA (جمعية أمراض القلب لمدينة نيويورك).

لايمكن للرعاية الأولية النباتية أن تلغي مكانة الدواء الكيميائي إذ إن الهدف منها هو تأخير اللجوء إلى الأدوية الكيميائية بقصد تأخير التعرض إلى التأثيرات الجانبية للأدوية.

ـ الوقاية من المضاعفات المرضية: لكثير من الأمراض مضاعفاتها؛ فالتحسس الأنفي الآخذ بالازدياد في جميع أنحاء العالم له بعض المضاعفات أهمها الاضطرابات القصبية والربو التي يمكن الحد منها بتناول النباتات المقشعة كالوردة الدمشقية والزعتر والبيلسان. كما يمكن الوقاية من الاضطرابات الوعائية لداء السكري مثلاً بنبات الجنكة.

ومن الضروري الإشارة إلى أن الوقاية يجب أن يلجأ إليها المصاب في بداية تعرضه للمرض وقبل أن تظهر المضاعفات، كما يجب التزامها، وقد يكون هذا الالتزام ضرورياً لمدى الحياة في بعض الحالات بخاصة لدى المصابين بداء السكري وارتفاع الضغط الشرياني.

 التداخلات

إن تداخلات الحدثيات الحيوية الناتجة عن تناول مادتين (نبات أو دواء) بآن واحد تختلف عن الحدثيات الأولية التي تظهر لكل مادة على انفراد. ويمكن تقسيم النتائج الحاصلة إلى ثلاث مجموعات:

ـ التداخل الإيجابي أو التآزر: عند تناول نباتين من زمرة علاجية واحدة كالبابونج والمردقوش اللذين لهما خاصة مضادة للتشنج فهذه الخاصة تزداد عند تناولهما بآن واحد. وهذه الظاهرة تحصل أيضاً في عالم الدواء؛ إذ إن المشاركة بين دواءين من زمرة واحدة تؤدي إلى تآزر علاجي ومن ثم إلى فعالية أفضل. كما أن المشاركة بين نبات ودواء من زمرة مماثلة تعطي تآزراً علاجياً؛ فالقرنفل clove، الذي له أيضاً الخاصة المضادة للفيروسات، يتداخل إيجابيّاً مع عقار الأسيكلوفير acyclovir الذي له الخاصة نفسها، فيزيد من فعاليته، ويقلل من الجرعة العلاجية الدوائية والتي ينجم عنها الإقلال من التأثيرات الجانبية للدواء.

ـ التداخل السلبي أو تثبيط الفعالية: هناك من الأدوية ما يثبط فعالية أدوية أخرى كالريفامبيسين الذي يبطل فعالية الاستروجين. مثل هذه الظاهرة نادرة في عالم النبات.

ـ إبطاء الفعالية: هناك من النباتات ما يحتوي على مواد مخاطية كالخطمية، وبزر الكتان، ولذا فإنها تبطئ من امتصاص النبات أو الدواء الآخر، أي تبطئ من فعاليته دون أن تلغيها.

هذه الظاهرة قد تكون إيجابية في بعض الحالات إذ إن بطء الامتصاص يجعل الفعالية مديدة التأثير.

والتداخلات هي بحق علم المستقبل إذ يمكن عدّ النبات والدواء والغذاء وحدة متكاملة، ويطلق على الغذاء اليوم اسم: «الطب الثالث» alimentation: troisième médecineبعد الطب الدوائي والطب المثلي homéopathie. وربما ظهرت في المستقبل تداخلات غذائية نباتية وغذائية دوائية ومن هنا تبدو جلية أهمية المعرفة الجيدة للخصائص الحيوية لكل من النبات والغذاء والدواء بغاية تحقيق السلامة العلاجية.

أهم عوامل نجاح المعالجة بالنباتات الطبية

ـ يعد التشخيص الصحيح للمرض أول خطوة في نجاح العلاج، وللطبيب وحده حق التشخيص وتقرير العلاج، إذ من الملاحظ أنه في بعض الحالات يقوم بالمعالجة بالنباتات الطبية أشخاص غير أطباء.

ـ المعرفة الجيدة والتامة للخصائص البيولوجية للنبتة الواحدة: إن معرفة الاستطبابات ومضادات الاستطباب والتأثيرات الجانبية والتداخلات النباتية والدوائية لكل نبتة شرط أساسي للحصول على أفضل النتائج العلاجية.

ـ تجنب التداوي الذاتي: هناك من النباتات ما هو سام ومنها غير مثبتة الفعالية وأخرى ثبتت عدم فعاليتها.

ـ الجودة في الزراعة: هي عامل مهم في المعالجة النباتية إذ من الضروري أن يكون النبات خالياً من التلوث الجرثومي والكيميائي مع مراعاة زمن القطاف والحصاد الذي هو عامل مهم للحصول على أعلى نسبة من المادة الفعالة في النبات.

إن المعالجة بالنباتات الطبية هي الأقرب إلى طبيعة الإنسان، فهناك قواسم مشتركة بين النبات والإنسان، فكلاهما كائن حي يولد وينمو ويتكاثر ويهرم ويموت، وتبقى الطبيعة أول وآخر دواء وهي صيدلية الله عز وجل على حد تعبير العالم باستور.

يوسـف حتحوت

الموضوعات ذات الصلة:

 

الطب البديل.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ محمد العودات، موسوعة التداوي بالنباتات الطبية (دار الأهالي، دمشق 2001).

- Encyclopédie des plantes médicinales (Larousse Paris 2001).

- CH. REISSER & H.WEIDAUER, Ginkgo Biloba Extract or Pentoxifylline for the Treatment of Sudden Hearing Loss (Acta ORL 121:576-584 – 2001).


- التصنيف : طب بشري - النوع : صحة - المجلد : المجلد الثاني عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 533 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة