تقمص
Reincarnation - Réincarnation

التقمص

 

التقمص reincarnation عند الحكماء هو انتقال الروح أو النفس الإنسانية عند انفصالها عن البدن من جسد إلى آخر، والتقمص يعني جعل الأجساد أقمصة للأرواح تنتقل من أحدها إلى آخر دوراً بعد دورٍ. يقال تقمص أي انتقلت روحه من جسده إلى جسد آخر، وفاعل الفعل هو الروح أو العقل الفعّال كما يقول أرسطو[ر].

والتقمص عقيدة تقوم على أساس خلود الروح وأزليتها كجوهر، أما الجسد فهو قميصها الذي يبلى فتستبدل به عندئذ قميصاً آخر تنتقل إليه، ومنه التناسخ[ر] metempsychosis.

التقمص عند قدماء المصريين

يعتقد المصريون أن في قدرة الإنسان العودة إلى الحياة بعد موته، لأن الموت هو عبارة عن رقاد في القبر إلى أن تعود روح الميت، فترتدي، أو تتقمص جسدها الثاني من جديد، والنفس تتقمص بالتتابع صور جميع الحيوانات التي تعيش على الأرض، لتعود بعد ذلك إلى جسد إنسان لكي تبتدئ ثانية بسياحتها الأبدية (ولادة ثانية)، وكان بعض المصريين يعتقدون أن الإله أوزوريس يتقمص جسد عجل، ومنه جاء العجل العبراني الذي تعرف به اليهودية.

التقمص عند الفينيقيين

لاشك أن الكنعانيين والفينيقيين كانوا يؤمنون بالحياة الأخرى، فقد كانوا يدفنون الميت ومعه، أو بقربه، متاعه وماله وسلاحه. وقد وُجدت جرار كثيرة كانت تستعمل كتوابيت، توضع فيها الجثة مطوية على نفسها بشكل متجمع، وبجانبها إبريق وصحن وكأس للاستعمال في حياة ما بعد الموت.

وكان العرب في الجاهلية يرون أن الناس يُحشرون ركباناً على البلايا، ومشاة إذا لم تُعكس مطاياهم عند قبورهم، أي إذا لم يُشدّ رأس الناقة أو الجمل إلى الخلف بعد عقر إحدى القوائم أو كلها إلى أن تنفق، وهو ما كان يعرف عندهم بعقيدة البليّة أو العقيرة. وقد وجدت في حوران نقوش تدل على أن البهائم كانت تساق إلى الأموات للأكل منها، وهذا يشبه اعتقادات قدماء المصريين.

أما بموجب النظرة الأقدم إلى الكون، في بلاد مابين النهرين، عندما كانت الآلهة هي ظواهر الطبيعة، فكان باستطاعة الإنسان أن يصير إلهاً بتقمص شخصية القوى الكونية الكبرى باتحاده بهوية القوة وتلبسها، فيؤثر فيها بممارسة الفعل والحركة في كل المهرجانات المراسيمية والطقوس كمهرجان الموت والبعث، وقد استمر ذلك إلى قبيل الميلاد ببضعة قرون.

التقمص عند الهنود

ترى العقيدة الهندية التي تقوم على اعتبار الوجود إثماً يجب التخلص منه، أن روح الفرد تتقمص أجساداً عدة ومختلفة، إنسانية وحيوانية ونباتية في أزمنة وأماكن متعددة، ويلاقي الفرد الثواب والعقاب في جميع مراحل تجدده، ويكمن الخلاص في انقطاع سلسلة تقمصه، وهنا يعيش في حالة يدعوها البوذي النيرفانا Nirvana أي الغبطة الكاملة.

وتؤمن البوذية[ر] بالحلول immanentism على أساس أن كل ذي حسّ قد سبق له أن عاش في الماضي عدة حيوات، وأن أفعاله هي التي تحدد ما ستكونه حيواته المقبلة المتجددة التي تتخذ مستويات لا حصر لها، يشكل مجموعها ما يُسمى «عجلة الحياة والموت» الدائمة الدوران دون رحمة لأحد، فالكل مرتبط بها حتى الآلهة، إذ إنه ليس في البوذية فعل رباني خالق. وعلى هذا تؤمن البوذية بأن النفس تنتقل من جسد إلى جسد أرضي كي تتطهر وتصل إلى درجة النيرفانا، فتنتقل عندئذ إلى كوكب آخر، وهم حين يعتقدون بالولادة الثانية، يميزون بين انتقال الروح من جسد إلى جسد آخر في هذا العالم الأرضي وبين انتقالها إلى كوكب آخر، إذ إن المتوفى يعطي الحياة أو القيامة للشخص الجديد، ويستثنى من التقمص إنسان واحد هو غوتاما بوذا[ر] Buddha Gautama، لأنه تحرر من عجلة المواليد أو دائرة الوجود.

وتعترف الهندوسية والجاينية والبوذية، بعقائد الكارما Karma (الولادة ثانية)، لأن العدالة والكمال الأخلاقي والروحي لا يتحقق في حياة واحدة، فالولادة ثانية تعطي الفرد فرصة للتقدم باتجاه الكمال.

تنص شريعة مانو Manie على أن الإنسان يحصل على النتائج السيئة أو الحسنة للفعل العقلي في عقله ونتائج فعل الكلام في كلامه ونتائج الفعل الجسدي في جسده، وكنتيجة للأفعال الخاطئة التي اقترفها الجسد، يصير الإنسان في الولادة الثانية شيئاً «غيرمي»، ونتيجة للأخطاء التي ارتكبها بالكلام يصير طيراً أو حيواناً، ونتيجة للأخطاء العقلية يولد الإنسان في طبقة منحطة.

لكن اللوكاياتا Locayata، التي تصنف مع البوذية والجاينية كاتجاهات لا أرثوذكسية، تقول إنه لا توجد حياة ثانية، وأن هذا العالم لوكا Loca هو وحده الموجود، وإن الروح لا توجد منفصلة عن الجسد، وإن فرضيات الدين: الله، الحرية، الخلود، هي أوهام، وأن الطبيعة ليست خيّرة ولا شريرة لأن الخير والشر اصطلاحات اجتماعية، عندما يحرقون جثتنا لا نعود مرة أخرى.

إن فكرة التقمص غير واردة في الإسلام والمسيحية وغير مقبولة في ديانات أخرى، إذ الحياة المستقبلية «الآخرة» هي الغاية، وليس عودة الروح إلى جسد آخر على الأرض، لكن الفكرة موجودة عند بعض الفرق الدينية.

 

عبد الحميد الصالح

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

البوذية ـ التناسخ.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ عبد الحميد الصالح، الفلسفة القديمة (مطبعة ابن حيان، دمشق 1985).

ـ قيس غوشة، التقمص (طرابلس 1991).

ـ أمين طليع، التقمص (منشورات عويدات، بيروت 1980).


- التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد - المجلد : المجلد السادس - رقم الصفحة ضمن المجلد : 756 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة