خمج
Infection - Infection

الخمج

 

الخمج infection هو مجموعة تأثيرات تطرأ على البدن إثر استيلاء حي مجهري ممرض عليها كالجراثيم والفيروسات والفطور والطفيليات، ويتظاهر الخمج بأعراض سريرية أو بيولوجية أو بكليهما معاً توضح أثر فوعة virulence الحي المجهري ودرجة مقاومة جسم الإنسان له، وتبدو أهمية هذين العاملين في الشكل الذي يتطور به الداء، فقد يمتد المرض من إصابة خفية وتكون بيولوجية محضة إلى الإمراضية الخطرة التي قد تسبب الوفاة.

ولابد لأي مرض خمجي كي يظهر في جمهرة سكانية من إنسان أو حيوان مصاب به يؤلف منبع الخمج، كما هو الأمر بالنسبة للجذام والجمرة، ومع هذا فإن المصاب لا يكون معدياً في مراحل الإصابة كلها، فمن الأمراض الخمجية ما تكون معدية منذ دور الحضانة في حين لا ينشر بعضها الآخر الخمج إلا في أوج صولة الداء فحسب.

وتعود الفيزيولوجية المرضية للخمج إلى عاملين أساسيين هما: تربة المريض والحي المجهري المسبب. وقد ازداد الأمر تعقيداً في الآونة الأخيرة بنشوء ذرارٍ من الأحياء المجهرية تقاوم ما كانت تتأثر به من أدوية. كما أن تربة المريض قد تضعف مقاومتها لإصابة المخموج بعلة ثانية كالداء السكري أو آفة دموية أو إدمانه الكحول. ويضاف إلى هذه العوامل كلها الضعف المناعي الخلطي كعوز الغاماغلوبين الولادي أو الخلوي الذي يشاهد أحياناً منذ الأيام الأولى لحياة المرء ويتظاهر بعجز البالعات عن إتلاف قسم مما تبتلعه.

تبقى الأحياء المجهرية في بعض الأمراض الخمجية مستقرة في مكان دخولها في الجسم وتتكاثر في موضعها، وتعود خطورة الآفة في هذه الأحوال إلى إفراز الحي المجهري مواد سامة يطلق عليها اسم الذيفانات تنتقل إلى الدم وتفعل فعلها المؤذي كما هو الأمر في المطثيات الكزازية وعصيات الخناق الغشائي. ولكن الحالات الغالبة هي انتشار العامل الممرض في البدن، من نقطة دخوله عن طريق الدم أو اللمف كما يلاحظ ذلك حين الإصابة بالجراثيم العنقودية أو العصيات التيفية. وتمثل آفات القلب شكلاً ثالثاً من الفيزيولوجية الإمراضية. فقد تستقر جراثيم تأتي من الأسنان على أحد صمامات القلب، ولاسيما إذا كانت هذه مصابة بآفة، فتكوّن تنبتات أو تحدث قروحاً تستبقي الخمج وتحفظه.

مراحل الخمج

يمر كل مرض خمجي بعد دخول العامل الممرض إلى عضوية الإنسان بعدة مراحل: أولها الحضانة وهي حقبة صامتة سريرياً لأن حجم البؤرة الخمجية فيها صغير، وتختلف مدتها من مرض إلى آخر، فقد تكون شبه ثابتة كما في النكاف[ر] (18-21 يوماً)، وقد تكون غير ذلك كما في التهاب الكبد البائي، فالحضانة عادة تمتد فيه من 45 إلى 180 يوماً، وقد تقصر إلى أسبوعين، وقد تطول حتى 9 شهور، ويعود هذا الاختلاف إلى كمية الفيروس وطريقة انتقاله وإلى عوامل تتصل بالثوي نفسه.

ثم يأتي دور الاجتياح وفيه تظهر بعض أعراض المرض يليه دور الصولة وفيه تكون أعراض المرض كلها في أوجها مجتمعة، وأخيراً مرحلة الشفاء وفيها تختفي العلامات السريرية والبيولوجية، وقد يكون الشفاء كاملاً يترافق بزوال الأحياء المجهرية، أو جزئياً مع بقائها ساكنة. وإذا لم تستطع العضوية مقاومة العامل الممرض حدث الموت.

أشكال الإصابة بالخمج

قد تكون الإصابة خطيرة فتحدث ما يطلق عليه المتلازمة الخبيثة للأمراض الخمجية، ويترافق هذا الشكل من الإصابة باضطرابات في تنظيم الحرارة وظهور أعراض عصبية وتنفسية ودورانية وعلامات نزفية أحياناً. وهناك ما يطلق عليه اسم الصدمة الخمجية التي تسبب وهطاً يتظاهر بانخفاض الضغط الشرياني ويكون سبباً في ظهور قصور كلوي حاد إذا لم تعالج الصدمة في وقت مبكر، كما أن هنالك أخماجاً تظهر في أثناء تناول أدوية تكبت المناعة، وغالباً ما يكون سبب الخمج أحياء مجهرية لا يمكن السيطرة عليها بسهولة لأن المعالجة بالصادات وحدها لا تكفي إن لم تكن مقرونة بعوامل الدفاع المناعية. وعلى نقيض الأشكال السابقة هناك الأشكال الموهَنَة للإصابة الخمجية التي تظهر بعد إعطاء اللقاحات أو بعد تناول صادات قبل أن ينتشر الداء، يضاف إلى ذلك الأشكال الخفية وفيها يتطور المرض بصمت لاتظهر فيه علامة سريرية ملموسة تشعر بوجوده. وفي هذا الشكل من الإصابات لايتم التشخيص إلا بإجراء فحوص مخبرية. وهناك الخمج الكامن الذي يحتفظ به حامله دون أن يصاب بآثاره المرضية لكنه يقوم بنشره في المحيط، وقد يكون هو السبب في ظهور أوبئة. والبؤرة الخمجية في هذا الشكل تكون صغيرة الحجم أو عميقة لا تسمح وسائل الاستقصاء الأولية بكشفها وربما كان مكانها جذور الأسنان أو اللوزتين أو بعض العقد اللمفية أو الرئتين أو السبيل التناسلي.

تشخيص الخمج

قد يكون استفراد العامل الممرض ممكناً من العناصر المرضية كالقيح والقشع والبول والدم والسائل الدماغي الشوكي مما يتيح معرفة الحي المجهري المسبب للداء على نحو دقيق. وهذه الطريقة هي التي يطلق عليها اسم التشخيص المباشر، ولكنّ هناك طرق توصف بأنها غير مباشرة تتيح وضع التشخيص كبعض التفاعلات المصلية، وفيها يتم تحري الأضداد anticorps النوعية في مصل دم المريض كما يجرى في تفاعل فيدال حين الإصابة بالحمى التيفية[ر] وتفاعل رايت حين الإصابة بالحمى المالطية، وهناك الكثير من الأخماج التي يمكن كشفها عن طريق الفحوص المصلية ولاسيما الإصابات الفيروسية التي يكون زرعها واستفرادها على جانب من الصعوبة. وفي حالة الاعتماد على الفحوص المصلية وحدها لابد من إجراء فحصين مصليين يفصل بينهما زمن كاف لمعرفة تصاعد كمية الأضداد.

العدوى ودخول العامل الخامج في العضوية

لاتحصل العدوى دوماً في مراحل الإصابة كلها، ففي بعض الأمراض تبدأ في دور الحضانة مباشرة في حين لا يتم في أمراض أخرى إلا في أوج صولة المرض، وتبدأ خطورة العدوى بالتراجع في مرحلة النقاهة، ولكنها قد تحدث بعد الشفاء السريري. فهناك بعض الأمراض لا يترافق فيها الشفاء الظاهري مع الشفاء الجرثومي أو الفيروسي فيبقى المرء حاملاً لهذا الحي المجهري مدة قد تطول أو تقصر وتكون العدوى مستمرة أو متقطعة. ففي الحمى التيفية مثلاً يمكن أن يبقى المريض بعد الشفاء السريري حاملاً للجرثوم مدة شهرين أو ثلاثة فينتشر العامل الممرض في هذا الزمن، ومن هنا تنشأ الخطورة إذا كان عمل المريض يتصل بالمواد الغذائية.

يمكن للمرض الخمجي أن ينتقل بالتماس من إنسان مصاب إلى آخر سوي وهذا التماس المباشر يؤدي إلى حدوث العدوى، كما في الأمراض التي تنتقل عن طريق الجنس. وغالباً ما تكون الأحياء المجهرية الممرضة في مثل هذه الحالة عاجزة عن البقاء حية مدة طويلة خارج مضيفها لهشاشتها كما هو الأمر في النيسريات البنية، عامل حرقة البول والنيسريات السحائية، عامل ذات السحايا الوبائي. ويمكن للعامل الممرض أن يدخل الجسم البشري عن طريق جهاز التنفس بانتقال قطيرات ملوثة تم خروجها في أثناء السعال أو العطاس أو الكلام. ففيروس النزلة الوافدة[ر] (الأنفلونزا) مثلاً يمكن أن يعدي عدة ملايين من البشر في عدة أسابيع. وهناك أمراض خطيرة كثيرة تنتقل عن طريق جهاز التنفس كالسعال الديكي والحصبة. كما يمكن أن تتم العدوى عن طريق الجهاز الهضمي بالأغذية أو المشروبات الملوثة. وللأغذية دور كبير في حفظ العوامل الخامجة فتنقلها إلى البشر كالخضار والفواكه كما هو الأمر في التهاب الكبد الألفي والهيضة[ر] (الكوليرا)، فالحليب ومشتقاته، إذا كان منشؤها حيواناً مريضاً، انتقل العامل الممرض إلى الإنسان إن تناولها كما هي دون تعقيمها أو بسترتها، كما أن اللحوم تؤلف سبباً كبيراً في انتقال بعض الطفيليات ونشرها. وللقواقع أيضاً دور كبير في نشر الجراثيم وبعض الطفيليات.

وهناك نهج آخر للعدوى يسمى بالعدوى غير المباشرة، ويتصف الحي الدقيق هنا بأنه مقاوم بعض الشيء إذ ينتقل إلى الأسوياء عن طريق أفراد آخرين أو أدوات مختلفة تمّ تلوثها من قبل مصاب. ففيروس الجدري يقاوم كثيراً إذا وجد على أدوات أو أشياء انتقل إليه من مريض كالثياب والأغطية والكتب. وهناك أسلوب ثالث آخر لانتقال الأخماج يختلف كثيراً عن الطرق السابقة، وهو انتقاله عن طريق مفصليات الأرجل فبعضها ينقله عن طريق الأقسام الظاهرة لجسمه في حين ينقلها بعضها الآخر عن طريق مصها الدم المخموج، ونقلها لإنسان آخر بعد أن يتكاثر الحي المجهري في جسمها، فالطاعون ينتقل عن طريق بعض البراغيث، والبرداء عن طريق بعض أنواع البعوض. وللتراب دور كبير في العدوى لأن عدداً من العوامل الممرضة يبقى حياً في التراب، ويعود ذلك إلى خصائصه البيولوجية كما يعود أيضاً إلى الشروط الفيزيائية والكيمياوية للمكان ذاته، فجرثومة الجمرة مثلاً تقاوم عن طريق تبوغها وكذلك عامل الكزاز. وإلى جانب حمل المريض الناقه للحي المجهري هناك من يطلق عليهم اسم الحملة الأسوياء، وهم أفراد لا يشاهد في ماضيهم إصابة مرضية. ولكن غالباً ما يكون هذا الحمل قصير المدة ويلاحظ بين الأفراد الذين يحيطون بالمريض. ومثل هذه الإصابات لا تتظاهر بأعراض سريرية ولا يمكن كشفها إلا بالتفاعلات المناعية. وهناك انتقاء في الجسم البشري لتوضع العامل الممرض عند الإنسان أي إنه ينجذب نحو نسيج معين أو أكثر أو نحو جهاز خاص من أجهزة المرء، ففيروسات التهاب الكبد ذات انجذاب خاص للكبد. في حين هناك أحياء مجهرية ذات انجذاب لأكثر من عضو واحد كبعض الجراثيم. حينما يصيب حي مجهري ممرض عضوية بشرية تجابهه وسائل دفاع خلوية وخلطية يطلق عليها اسم المناعة.

عدنان تكريتي 

الموضوعات ذات الصلة:

تحسس الجراثيم للصادات ـ المناعة.

مراجع للاستزادة:

- E.PILLY, Maladies infectieuses (Editions C. et R, Edition 1990).


- التصنيف : طب بشري - النوع : صحة - المجلد : المجلد التاسع - رقم الصفحة ضمن المجلد : 7 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة