التصنيف
تصنيف
Classification - Classification
التصنيف
التصنيف classification هو ترتيب التصورات أو المفهومات في سلم صاعد من الأفراد إلى الأنواع، إلى الأجناس فأجناس الأجناس. ويُشترط في التصنيف أن يستنفذ كل التصورات ولا يبقي منها شيئاً، وأن يكون بين موضوعات الصنف الواحد مشابهات أكثر مما يكون بينها وبين موضوعات تنتسب إلى صنف آخر.
والتصنيف مقصود به أن يُستخدم بشكل مستمر في العلم أو في النشاط العملي (مثل تصنيف الحيوانات والنباتات والنظم الاقتصادية والاجتماعية أو تصنيف الكتب في المكتبة). وتُؤخذ عادة السمات الجوهرية للأشياء المعنية كأساس للتصنيف. والتصنيف إما صناعي يقوم على الصفات الخارجية غير الجوهرية للموجودات، ويكون الغرض من التصنيف مجرد تنظيم الأشياء، ويكون أساس التصنيف السمات الملائمة للأشياء نفسها مثل القوائم المبوبة أبجدياً، وإما متحيز يقوم على علامات اصطلاحية، وهو تصنيف ناتج عن رسم تقريبي للحدود الحقيقية بين الأنواع لأنه يبقى دائماً اصطلاحياً ونسبياً. ومع تطور المعرفة تتغير التصنيفات لتصير أكثر دقة. وإما موضوعي يقوم على صفات من الموضوعات نفسها، وهو تصنيف مهم يقوم على معرفة قوانين الارتباط بين الأنواع والانتقال من نوع إلى آخر في عملية التطور، كتصنيف العناصر الكيميائية الذي وضعه مندلييف. وإما طبيعي يقوم على الصفات الجوهرية دون العرضية، ويكون للتصنيف هنا أهمية معرفية.
وهناك قواعد عامة ينبغي أن تراعى في التصنيف أياً كان نوعه أو تسميته، منها أن يكون ملائماً للغرض المعمول لأجله، وأن يكون له أساس أو مبدأ واحد فقط، وأن يكون متدرجاً إذا كان مؤلفاً من أكثر من خطوة، بحيث تفضي كل واحدة إلى التي تليها بشكل نسقي.
التصنيف الفلسفي للعلوم
يهدف تصنيف العلوم إلى تبيان العلاقات المتبادلة بينها، ومكانتها في النسق المعرفي الذي تعينه المبادئ المحددة التي تعكس صفات الموضوعات التي تدرسها العلوم المختلفة. وقد قُدمت تصنيفات عديدة للعلوم عبر التاريخ، اختلفت باختلاف المبدأ الذي قامت عليه، فهو مرة موضوع العلم وأخرى العلاقات بين العلوم، وثالثة بحسب القوة العقلية التي تدركها. ومن أشهر هذه التصنيفات تلك التي لأرسطو وابن سينا والفارابي وابن خلدون وبيكون ودونامبير وكنت وسبنسر وهيغل وأنغلز.
وقد صنف أرسطو العلوم وفقاً للغايات التي يهدف إليها العقل إلى ثلاث زمر:
علوم نظرية للاطلاع وهي الرياضيات والطبيعيات، وعلوم شعرية للإبداع وهي بلاغة وشعر وجدل، وعلوم عملية للانتفاع وهي أخلاق واقتصاد وسياسية.
وقدم الفارابي أول موسوعة لإحصاء العلوم المشهورة في عصره، اعتمد فيها على مبدأ تدرج العلوم وفقاً لتعلمها من الأبسط للأعقد، فبدأ باللغة ثم المنطق فالرياضيات ثم الطبيعيات فالإلهيات منتهياً بالعلوم المدنية التي يندرج تحتها الأخلاق والسياسة والفقه وعلم الكلام.
أما ابن سينا فقد تميز تصنيفه للعلوم من ذاك الذي لأرسطو بإضافته العلوم الإلهية إلى زمرة العلوم النظرية مبقياً على نوعين فقط للعلوم: علوم نظرية (طبيعية ورياضية وإلهية) وعلوم عملية (الأخلاق وتدبير المدينة وتدبير المنزل).
وقد كان لابن خلدون تصنيف مختلف قسم العلوم به إلى علوم مقصودة بالذات وهي نوعان: علوم شرعية (حديث وتفسير وفقه وعلم الكلام) وعلوم فلسفية (طبيعيات وإلهيات). أما العلوم الآلية (التي ليست مقصودة بذاتها) فهي وسيلة للأولى مثل اللغة والحساب والمنطق.
في العصور الحديثة اعتُمد مبدأ تصنيف العلوم وفقاً لموضوع العلم، فقد قسم أمبير العلوم بحسب العوالم إلى عالم المادة وعلومه: العلوم الكونية، وعالم النفس وعلومه العلوم العضوية، وكل عالم ينقسم إلى قسمين، وكل قسم إلى فرعين، وكل فرع إلى أربعة علوم أولية وكل علم أولي إلى أربعة علوم ثانوية، وبذلك ينتج تصنيف يحوي 128علماً يقترب من وضع العلوم في عصره، مع بعض التعسف في اصطناع التقسيم، أما كَنت فقد صنف العلوم أيضاً على أساس موضوعاتها معتمداً المقارنة بينها لإظهار علاقاتها المشتركة متدرجاً من الأبسط للأعقد، ومعتمداً على تبعية كل علم لما قبله واستقلاله عما يليه، آخذاً في الحسبان نشوء العلوم تاريخياً وتطورها، وبذلك بدأ الرياضات ثم الفلك فالفيزياء فالكيمياء ثم علم الحياة ثم علم الاجتماع.
وقد رفض سبنسر تصنيف العلوم تبعاً لدرجة عموميتها نافياً وجود التراتبية، إذ قسم العلوم إلى علوم مجردة، وعلوم عيانية مجردة، وعلوم عيانية، وهي كلها عامة بالقدر نفسه.
وبخلاف سبنسر، فقد تبنى سان سيمون فكرة كونت المعتمدة على معيار البساطة والتعقيد، وصاغ مخططه التصنيفي على النحو الآتي: الفلك، الفيزياء، الكيمياء، الفيزيولوجية.
أما هيغل فقد حاول أن يقدم تصنيفاً قائماً على فهم لتطور العلوم في ذاتها وشرح التحول من علم لآخر، فبدأ بالرياضيات ثم الفيزياء فالكيمياء ثم العلوم العضوية، وهذه الفكرة طورها انغلز إنما على أساس مادي أخذاً بعين الاعتبار الاكتشافات العلمية في عصره (القرن التاسع عشر). فقد أوضح في «جدل الطبيعة»، المبادئ المادية الجدلية لتصنيف العلوم، فوضع تصنيفاً يزيل أحادية الجانب في المحاولات السابقة لتصنيف العلوم عند سيمون وكونت من ناحية، وهيغل من ناحية أخرى. فقد عدوا العلاقات المتبادلة بين العلوم انعكاساً للروابط المتبادلة والتحولات بين أشكال حركة المادة: الموضوع الأساس لكل العلوم، وعلى ذلك فقد صنف العلوم إلى زمر ثلاث: العلوم الطبيعية (وتضم الميكانيك والفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء)، والعلوم الاجتماعية (وتضم علم المجتمع واللغة والتربية وعلم النفس والقانون والاقتصاد)، وعلوم التفكير (الفلسفة والمنطق ونظريات المعرفة)، وهناك علوم تربط بين هذه الزمر كالعلوم التطبيقية والرياضيات.
وهكذا نجد أن التصنيفات المقدمة من الفلاسفة للعلوم، قد اختلفت تبعاً للمبدأ الذي اعتُمد للتصنيف من جهة، وتبعاً لتطور العلوم وتمايزها ونشوء علوم جديدة من جهة أخرى.
إنصاف حمد
الموضوعات ذات الصلة: |
أرسطو ـ ابن خلدون ـ سبنسر ـ كونت ـ المنطق.
- التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد - المجلد : المجلد السادس - رقم الصفحة ضمن المجلد : 509 مشاركة :