بغاء
Prostitution - Prostitution

البِغَاء

 

البغاء prostitution فعل استباحة الجسد وتسليمه إلى رغبات الآخرين الجنسية بغية الكسب المادي، واعتماده مهنة للكسب. وهو بهذا المعنى يحول الجنس إلى مهنة. ويُعدُّ البغاء شكلاً من الانحراف الجنسي وذلك لغياب العلاقة المتوقعة بين عاطفة الحب ولذة الجنس، أو بين الزواج ولذة الجنس، كما ينظر إليه على أنه سلوك غير مقبول اجتماعياً بل مناهض للمجتمع، فاعتماده وسيلة للحصول على المال أمر يرفضه المجتمع ويعدّه عدواناً عليه لابد للقانون من أن يعاقب كل من يمارسه أو يساعد على ممارسته سواء أكان من الرجال أم من النساء.

ارتبط البغاء في نشأته بالمرأة دون الرجل، إلا أن واقع الحال يشير إلى إمكان نسبة البغاء إلى الذكور والإناث معاً، فهناك بغاء مثلي (مع أفراد الجنس ذاته) وغيري (مع أفراد من الجنس الآخر) يزاوله كل من الذكور والإناث على السواء. ومن ثم فإن كلمة البغي prostitute تنطبق على كل من ينخرط في علاقة جنسية، رجلاً كان أم امرأة، لاعتبارات مادية وجنسية.

لايمكن أن يحدد بالضبط تاريخ ظهور البغاء بوصفه مهنة أو سلوكاً، ولكن التوراة تزخر بأحكام الزنى والبغاء والعقوبات بحق من يرتكبها مما يقدم دليلاً على انتشاره في عهد موسى عليه السلام. ومرَّ البغاء بمراحل أو صور متوالية إلى أن وصل إلى ما هو عليه اليوم. وتبدو صوره الأولى منذ أن قدّس الإنسان الدافع الجنسي وعده قبساً إلهياً يرتبط بالمقدس، ففي بلاد مابين النهرين كان البغاء المقدس يجري في معابد الآلهة ميليتا، وإنانا، وعشتار التي تشبه في شخصيتها ووظائفها الإلهة أفروديت عند اليونان، والإلهة فينوس عند الرومان، والإلهة عشتروت عند الساميين. وعليه فإن الإنسان القديم لم ير في الفعل الجنسي استجابة لزمن دنيوي أو تحقيقاً لمتعة فردية بل استجابة لنداء مبدأ كوني شامل، مما ربط الجنس بالطقس والعبادة. وإلى جانب البغاء المقدس هناك البغاء المدني الذي أقرته الشرائع والتقاليد لدى كثير من الشعوب. ثم ظهرت إبان العصور الزراعية العلاقة المديدة بين الرجل والمرأة؛ وكان ذلك خروجاً على قوانين آلهة السومريين والآشوريين والكلدانيين والفينيقيين واليونانيين وانتهاكاً لقانون عشتار سيدة الجنس الحر، وتقلصت مع الزمن حرية المرأة وتحولت إلى نوع من الكفارة الدينية التي تقدمها المرأة لقاء اختصاصها برجل واحد. وأعفيت بعد ذلك عامة النساء من تقديم هذه الكفارة وصار البغاء في المعابد وقفاً على البغايا المقدسات اللواتي كن يمارسن الجنس نيابة عن كل النساء.

ولم تعد البَغِيِّ امرأة ذات مواصفات بعينها ولم يعد القَوَّادون من الرجال والنساء يجوبون الشوارع والأماكن العامة لتلقف الفتيات بقصد التوسط بينهن وبين طالبي المتعة، بل صارت لهم وسائل أخرى، منها: ما يعرف بنظام الفتيات بالطلب Call girl system وفيه تتقابل البغايا والرجال بوساطة وسائل الاتصال المختلفة الحديثة والتقليدية، أو من طريق إرسال الرجل إلى البغي أو العكس. ناهيك عن وجود محطات فضائية أو مواقع معينة على شبكة الإنترنت تقوم بالدور ذاته.

كذلك ظهرت صورة جديدة لمهنة البغاء تتمثل بما يعرف بسيدة البيع بوساطة الجنس، وفيه يتخذ التعامل مع الجنس شكلاً آخر بحيث يحل مبدأ استثمار الجنس واحتكاره محل الشكل التقليدي للبغاء، إضافة إلى صور أخرى يصعب حصرها وتحديدها.

ويشير الباحثون إلى تفسيرات متعددة للبغاء يمكن إجمالها في ثلاثة اتجاهات: الاتجاه الاقتصادي والاتجاه الاجتماعي والاتجاه النفسي. وهذه الاتجاهات بمجملها تمثل عوامل إسهام في البغاء أكثر من كونها سبباً مباشراً ووحيداً.

الاتجاه الاقتصادي: يرى هذا الاتجاه أن البغايا يحترفن مهنة البغاء بسبب تدني المستوى الاقتصادي من دون أن تتوافر لديهن أي فرصة أخرى للكسب المادي اللازم للعيش، لأن هذه المهنة لا تحتاج إلى إمكانات وقدرات تعليمية أو مادية أو مهنية وغير ذلك.

من هذا المنظور يبدو البغاء مهنة لتأمين الحياة الضرورية وليس للحصول على الكماليات الحياتية، وخاصة إذا علمنا أن نسبة كبيرة من البغايا يعملن خادمات في منازل أو يمارسن مهناً بسيطة قبل أن يمتهن البغاء.

الاتجاه الاجتماعي: اعتمد هذا الاتجاه على تفكك الأسرة، وسوء التنشئة الاجتماعية وانحطاط القيم والمعايير السائدة في المجتمع والأسرة.

ويرى هذا الاتجاه أن عدم السماح بالعلاقات الجنسية خارج الزواج، والتمسك بالقيم والأخلاق كفيلان بحفظ المجتمع وغياب البغاء أو التخفيف منه.

تحول البغاء من طقس مقدس إلى ظاهرة اجتماعية، فحلت الرغبة في إشباع الدافع الجنسي محل العقيدة الدينية، وصار مهنة تقوم بها النساء، وأمراً مطلوباً لذاته ومنتشراً في بابل واليونان ورومة على وجه الخصوص. فقبل ظهور موسى عليه السلام بأربعة قرون تقريباً ظهر قسم من النساء يغطين وجوههن بالبراقع ويتجولن في الطرقات لإغواء الرجال والإيقاع بهم.

أما في الجاهلية فكانت البغايا يقمن في خيام يرفعن عليها أعلاماً حمراء إشارة إلى مهنتهن، وكان يطلق عليهن ذوات الرايات، فإذا حملت إحداهن ووضعت يجتمع لديها رجال من ذوي الفراسة يطلق عليهم اسم «القافة» ليلحقوا ولدها بالذي يرون دون أن يمتنع الرجل المختار عن ذلك.

منع الإسلام البغاء بأنواعه وحرّمه وعاقب من يزاوله، وتركزت حملة القرآن الكريم لاجتثاث ظاهرة البغاء والزنا والشذوذ الجنسي بمختلف أشكاله، بأجر أو بغير أجر، بين الجنسين أو في دائرة الجنس الواحد. وتجلت هذه الحملة باستنكار شديد لظاهرة الشذوذ الجنسي القديمة في قوم لوط، وسماها الله تعالى فاحشة عظيمة، فقال سبحانه موبخاً فاعليه أشد التوبيخ: }أَتَأتُونَ الفَاحِشَةَ ماسَبَقَكُم بهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ العَالمين؟{ (الأعراف 80)، }أَتَأْتونَ الذُّكْرَانَ مِنَ العَالَمِيْنَ؟{ (الشعراء 165). أما في الجاهلية العربية فكان الإنكار الشديد على إكراه الإماء على البغاء، فقال الله تعالى: }ولا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُم عَلَى البِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تحصُّناً{ (النور 33) وهذا وصف لواقع، فالبغاء حرام سواء أكان في حالة إرادة التعفف أم بالتراضي، أما الحرة العربية فكانت تمقت هذا الفعل، كما قالت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان: «أوَتزني الحرة يا رسول الله؟».

ولم تكتف الأديان بتحريم الزنا، بل عاقبت عليه إما بالقتل كما هو مقرر في التوراة، وإما بجلد البكر مئة جلدة وبقتل المحصن في الإسلام، قال الله تعالى: }الزَّانِيَةُ والزَّانِي فَاجْلدُوا كُلَّ واحدٍ مِنْهُما مِئَةَ جَلْدَةٍ{ (النور 2) وثبتت مشروعية قتل المحصن في السنة النبوية. وأما تحريم الشذوذ الجنسي فواضح في السنة النبوية، ولكن في حديث ضعيف عن أبي موسى الأشعري رواه البيهقي: «إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان، وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان»، وفي حديث موثوق عند أبي يعلى والطبراني: «سحاق النساء بينهن زنا». ولذا لم يكن يذكر أي شيء عن البغاء والزنا في العهد الإسلامي حتى نهاية العصر العباسي.

أما في أوربة وأمريكة فتارة يجاز وينظم على صورة فتح منازل مرخص لها وللبغايا العاملات فيها، وتارة يلغى وتفرض عليه العقوبات، وفي عام 1927 أصدرت الجمعية العمومية لعصبة الأمم توصية لكل الحكومات بإلغاء منازل البغاء لأنها من أقوى العوامل الميسرة للاتّجار بالرقيق الأبيض.

كان تنظيم البغاء نتاجاً لآراء مؤيدين له يرون فيه ضرورة صحية، إذ يترتب عليه إخضاع البغايا لفحص طبي دوري للوقاية من الأمراض الجنسية التناسلية من ناحية، ولحماية النساء الشريفات من الغواية والتغرير بهن من ناحية ثانية.

الاتجاه النفسي: ارتبط هذا الاتجاه بالتحليل النفسي أكثر من أي نظرية نفسية أخرى، إذ يرد سلوك البغاء إلى صراعات الطفولة، ونقص الحب الأبوي في هذه المرحلة بالذات. وتبدو هذه الصراعات على شكل عدوان يمارس ضد الرجل، ويتمثل بميل البغي إلى الانتقام من الرجل المشابه لصورة الأب بمنحه المتعة الجنسية فقط دون المشاركة الوجدانية.

وتبدو البغي منذ بداية حياتها ذات ميل للاستهتار واللامبالاة والضعف الأخلاقي، إنها تفتقد معنى قيمة الشخص الإنساني الأساسية، كما تفتقد معنى جميع القيم المتصلة بالإنسان كقيمة العمل وقيمة الحياة، وقيمة الحياء وفقدان الوازع الديني والأخلاقي، تميل إلى حياة الخمول وعدم الرغبة في تحمل المسؤولية وعدم الشعور بها، كما تتميز ببرود جنسي في الغالب مما يجعلها فريسة سهلة أمام أي تشجيع لممارسة هذا السلوك سواء من خلال الأسرة أو الصديقات أو ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية، لأنها في الأساس تفضل كسب المال ببذل أقل قدر ممكن من الجهد والتعب، وهو مايتحقق لها من البغاء. فالتكوين الشخصي هو الأقوى في دفعها نحو هذا السلوك ويأتي معه التشجيع الأسري والاجتماعي، في حين تبقى الحاجة المادية أضعف هذه العوامل وآخرها.

 

إيمان عز

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ محمد نجية اسحاق، سيكولوجية البغاء (مكتبة الخانجي، القاهرة 1984).

 

- N.ROBERTS, Whores in History, Prostitution in Western Society (Harper Collins 1992).

- J.WALKOWITZ, Prostitution and Victorian Society, Women Class and The State (Cambridge University Press).


- التصنيف : تربية و علم نفس - المجلد : المجلد الخامس - رقم الصفحة ضمن المجلد : 194 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة