التجنيد الإلزامي
تجنيد الزامي
Compulsory recruitment / Conscription - Conscription
التجنيد الإلزامي
التجنيد الإلزامي:Compulsory Recruitment (conscription) هو سوق الشبان اللائقين صحياً إلى خدمة العلم في القوات المسلحة لمدة محددة بدءاً من بلوغهم سناً معينة (18-21 سنة) بهدف توفير الطاقة البشرية المؤهلة الضرورية لرفد القوات المسلحة في زمن الحرب أو الطوارىء.
يُنظر إلى التجنيد الإلزامي على أنه تكليف وتشريف، فهو يجسد مبدأ المساواة في الذود عن الوطن، ويزيل الفوارق الاجتماعية والإقليمية واللغوية بين أفراد المجتمع، وينمي لديهم الحس القومي ويصقل شخصيتهم ويبلور إرادتهم ويوفر لبعضهم مهناً جديدة وفق ما ينالهم من التخصص الفني. والتجنيد الإلزامي فرض على المواطنين جميعهم بغض النظر عن منشئهم أو وضعهم الاجتماعي أو ثروتهم أو انتمائهم.
لمحة تاريخية
وُجد نظام التجنيد الإلزامي منذ زمن الدولة المصرية القديمة (القرن 27ق.م)، فكان الفلاحون الأحرار يجبرون على الانخراط في الفرق الرديفة Nomos لمساعدة الجيش النظامي، المحدود العدد والمؤلف من الحرس الملكي والمفارز العسكرية التابعة لحكام المقاطعات، ولما جاء الإسلام غداالجهاد فريضة على كل مسلم قادر على حمل السلاح، إلا من كان له عذر، مما أضفى طابع الالتزام المقدس على واجب الخدمة العسكرية. ومع أنّ القبائل العربية التي انضوت تحت راية الإسلام كانت محدودة القوى البشرية نسبياً، فقد كانت كفاية المجاهدين المتَّقدين إيماناً والمدربين منذ الصغر على فنون القتال خير عوض.
و كتب الخليفة عمر بن الخطاب إلى القائد المثنى بن حارثة الشيباني «لا تدعوا في ربيعة ولا مضر ولا حلفائهم أحداً من أهل النجدات ولافارساً إلا اجتلبتموه، فإن جاء طائعاً ـ وإلا حشرتموه». ومن هنا بدأ التجنيد الإلزامي لدى المسلمين يتخذ شكلاً منظّماً ويستند إلى سجلات موثّقة، وصار الجهاد بالمال شكلاً من أشكال الجهاد للقادرين على الدفع والذين تحول أسبابهم دون الالتحاق بالجيش. إلّا أن وضع التجنيد الإلزامي موضع التطبيق لم يتحقق على أكمل وجه إلا في عهد الخلفاء الأمويين، حين بدأ الناس يتقاعسون عن الجهاد.
وفي الدولة البيزنطية وأوربة إبان العصور الوسطى، كان نظام الفروسية يضفي نوعاً من الالتزام العسكري، وكان أبناء الفلاحين ملزمين الخدمة العسكرية في قوات السيد الإقطاعي Feudal Levies. ويُعدُّ ماكيافيلي(1469-1527)Machiavelli من أوائل الذين فكروا بالتجنيد الإلزامي بمفهومه الجديد لرفد الجيوش بقوى بشرية كبيرة غير مُكْلِفة.
وراوحت شمولية التجنيد الإلزامي بين مستوى التجنيد العام المتميز باستدعاء كل من هو لائق صحياً إلى الخدمة العسكرية، حتى مستوى التجنيد الانتقائي Selective Recruitmen ولو في ظل حرب شاملة. وكان نظام التجنيد الإلزامي قد قام تاريخياً في فرنسة على مبدأ السوق الانتقائي بطريقة القرعة. وعمل الملك لويس الرابع عشر (1661-1715) على تعديل قانون التجنيد الإلزامي لصالح البحرية، فألزم كل بحار متمرس تسجيل اسمه لدى أقرب قاعدة بحرية من محل إقامته، إلا أن أول تجنيد إلزامي شمل الأمة بأسرها بدأ مع قيام الجمهورية في فرنسة في أعقاب ثورة 14 تموز 1789 وبلغ أوجه بعد أن صار نابليون بونابرت إمبراطوراً في عام 1803، غيرأن العمل بهذا النظام توقف إثر هزيمة نابليون في واترلو Waterloo عام 1815. ثم عاد نظام التجنيد الإلزامي العام إلى الظهور ثانية في فرنسة بعد هزيمة نابليون الثالث في حرب 1870. ولم يعف أحد من اللائقين صحياً، سوى بعض الاستثناءات.
التجنيد الإلزامي في الدول العربية
بعد أن تحررت الدول العربية من الاستعمار الغربي، وجدت نفسها أمام تهديدات مختلفة، أعتاها قيام الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي. وإزاء هذه التهديدات شرعت الدول العربية بسن قوانين للتجنيد الإلزامي بحسب تواتر استقلالها واستكمال بناء كياناتها. فمنها من فرض التجنيد الإلزامي مدة سنتين ونصف كسورية مع تخفيضها ستة أشهر للمكلفين الذين يتبعون دورات التدريب الجامعي العسكري، ومنها من فرضه لمدة سنة ونصف أو سنتين بحسب الاختصاص كالعراق، أما اليمن والسودان ففرض فيهما لمدة ثلاث سنوات، والكويت وموريتانية لمدة سنتين، والمغرب والجزائر لمدة سنة ونصف، ولبنان لمدة سنة. ومن الدول العربية من فرض التجنيد الإلزامي الانتقائي كمصر لمدة ثلاث سنوات، وليبيا لمدة سنة أو سنتين بحسب الاختصاص. وتونس لمدة سنة. وأحجمت كل من الأردن ودول الخليج عدا الكويت عن فرض التجنيد الإلزامي.
وبعد انتهاء الخدمة الإلزامية في هذه الدول، يجري تدوين أسماء المكلّفين في سجلات الاحتياط، ويدعون دورياً لاتباع دورات تدريبية قصيرة الأمد حتى سن 40-50 سنة وفق قوانين الدولة المعنية.
التجنيد الإلزامي في دول العالم
يخضع المكلّف الخدمة الإلزامية في فرنسة للتدريب الفعلي مدة من الزمن، يسرّح بعدها، ليبقى على سجلات الاحتياط مدة ثلاث سنوات على أن يتّبع دورات تدريبية في مواعيد محددة. يعفى بعدها من التدريب الدوري، ولا يُدعى إلى الخدمة إلا في حالة التعبئة العامة.
لجأت المملكة المتحدة في عام 1939 أول مرة إلى سوق المكلفين من الرجال الذين تراوح أعمارهم بين 18 و45 سنة، وأخضعت كل من بلغ العشرين من عمره من الرجال، إلى تدريب إلزامي مدة ستة أشهر، ثم وسّعت في أواخر العام 1941 نطاق السوق ليشمل النساء أيضاً.
وبعد الحرب العالمية الثانية أصدرت المملكة المتحدة عدداً من القوانين الناظمة للخدمة العسكرية (1947-1955)، نصّت على تسجيل كل من بلغ الثامنة عشر من عمره وسوقه إلى الخدمة الفعلية مدة سنتين.
أمّا في الولايات المتحدة، فقد ظل نظام التطوّع معمولاً به إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، على امتداد 125 عاماً، إلا مرحلة الحرب الأهلية(1861- 1865)Civil War، التي عمدت فيها الإدارتان الشمالية والجنوبية إلى تجنيد الشباب بين سن 18 و45 سنة من العمر بالترهيب والترغيب. غير أنّ الحاجة الحقيقية إلى القوى البشرية برزت إبان الحربين الأولى والثانية، فكان التجنيد الإلزامي عاماً، حيث أصدرت الإدارة الأمريكية قبيل دخولها الحرب العالمية الثانية، قانون 1940 الذي ينصُّ على التجنيد الإلزامي انتقائياً بطريقة القرعة Lots Drawing، وذلك للمرّة الأولى في تاريخ البلاد. ثم ألغت الإدارة الأمريكية عام 1973 الخدمة الإلزامية بكل صورها.
وفي ألمانية، كانت بروسية قد طورت بين 1807 و1813 نظام تجنيد إلزامي ناجحاً لمدة 3 أعوام، صار في حينه مثالاً يحتذى في أوربة كلها، وهدفه توفير احتياط كبير قوي من المجندين المسرحين بعد إتمام تدريبهم بأعداد غير كبيرة. وتجدر الإشارة إلى أن ألمانية اعتمدت نظام التجنيد الإلزامي العام في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
وفي روسية القيصرية، كان على الشبان المكلفين طبقاً لقانون 1860 أن يقضوا 15 عاماً من عمرهم في خدمة متصلة، وعدل هذا القانون في العقد الأخير من القرن التاسع عشر، فأصبح المكلفون الذين يبلغون الحادية والعشرين من عمرهم، يدعون إلى الخدمة الفعلية في الجيش لمدة خمسة أعوام فقط، يسجلون عند تسريحهم في سجلات الاحتياط لمدة 18 عاماً. وفي العهد السوفييتي فُرضت الخدمة العسكرية على كل من بلغ الثامنة عشر من عمره مدة ثلاث سنوات وبعد انتهاء الخدمة يدون اسم المكلف في سجلات الاحتياط، ويستدعى وفق نظام التعبئة على مدى خمسة عشر عاماً وبتواتر متناقص.
وفي تركية كانت الدولة العثمانية تطبق مبدأ السوق بالمفاضلة ثم بالقرعة، وفي الحرب العالمية الأولى طبقت الدولة العثمانية نظام التجنيد الإلزامي العام في جميع ولايات الدولة. واستمرت الجمهورية التركية في فرض التجنيد الإلزامي العام، مع وقوفها على الحياد في الحرب العالمية الثانية.
أمّاالكيان الصهيوني، فيعتمد التجنيد الإلزامي العام، الذي يشمل الفتيات أيضاً، سعياً لزيادة الطاقة البشرية المتاحة، وللتجنيد الإلزامي أثر بارز في تثقيف الشبان اليهود من جميع الأجناس، وخاصة تعليم اللغة العبرية، ودمجهم في المجتمع. وتُفرض الخدمة الإلزامية مدّة معينة وفقاً للفئة والجنس، فهي أربع سنوات للضباط، وثلاث سنوات لصف الضباط والأفراد، وسنة وتسعة أشهر للفتيات. وتُُدوّن أسماء المكلفين بعد انتهاء الخدمة الإلزامية في سجلات الاحتياط، ويخضعون لدورات قصيرة الأمد للذكور حتى سن 42 أو 54 سنة لبعض الاختصاصيين، وللفتيات حتى سن 24 سنة (أو الزواج).
حصيلة التجنيد الإلزامي
يتوقف عدد المكلفين المساقين إلى الخدمة الإلزامية على طاقة البيئة السكانية المتاحة، وقدرة الدولة وقواتها المسلحة على الاستيعاب. وتكون نسبة الأقران في قرعة السن الواحدة نحو 3-7% من تعداد السكان عادة.
تقدر حصيلة المكلفين Pool of Conscription المؤهلين للسوق سنوياً لكل عشرة ملايين نسمة بنحو نصف مليون شاب. ويمكن الاستفادة من هذه الطاقة البشرية بكاملها في زمن الحرب، أو الاقتصار على سوق جزء منها يتناسب مع الحاجة إليها سواء في زمن السلم أو الحرب للمحافظة على القدرة القتالية للقوات المسلحة. ويمكن أن يكون عدم قدرة الدولة على استيعاب مثل هذه الأعداد وتدريبها في وقت واحد أو الحرص على استمرار العمل في المرافق العامة والاقتصادية من أسباب خفض عدد المساقين من المكلفين إلى 1% فقط.
الإعفاء من التجنيد الإلزامي
يمكن إعفاء بعض المكلفين من الخدمة الإلزامية لأسباب يحددها القانون ومنها:
ـ الوضع العائلي، كأن يكون المكلّف وحيداً لوالديه أو لأحدهما. أو أن يكونا قد تجاوزا سن التقاعد ولا يوجد من يعيلهما.
ـ الوضع الصحي، كأن يكون المكلّف غير لائق صحياً للخدمة العسكرية بسبب عاهة أو قصر نظر أو اختلال عقلي أو غير ذلك. وقد لا يكون الوضع الصحي كافياً لإعفاء المكلّف من الخدمة الإلزامية، فيخضع عندئذ للخدمة الإلزامية غير المسلحة.
ـ الوضع الاجتماعي، كأن يكون المكلّف من رجال الدين. أو من أفراد بعض الطوائف الدينية التي تحرم القتل أو غير ذلك.
ـ الوضع الوظيفي، كأن يكون المكلف من أصحاب الكفايات المهمة والتخصص النادر.
ـ دفع البدل النقدي في حال النص عليه قانوناً، وقد حافظت أكثر الدول الغربية على نظام البدل النقدي إبان القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. إلّا أنّ الضرورة ألجأتها إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية إلى إلغاء البدل النقدي من قوانين التجنيد أو تجميدها إلى ما بعد الحرب.
تأجيل السوق إلى الخدمة العسكرية الإلزامية
تنص أنظمة التجنيد المختلفة على إمكانية تأجيل Deferment سوق المكلفين إلى الخدمة الإلزامية لأسباب يحددها القانون، منها:
ـ أسباب صحيّة، إذ تسمح بعض الأنظمة بتأجيل سوق المكلفين غير اللائقين صحياً لمدة سنة أو أكثر على أن يعاد النظر في وضعهم بعد انتهاء تلك المدة.
ـ أسباب دراسيّة.
هاني الصوفي
الموضوعات ذات الصلة: |
التسليح ـ التعبئة العامة.
- التصنيف : الصناعة - المجلد : المجلد السادس - رقم الصفحة ضمن المجلد : 54 مشاركة :