البلديات
بلديات
Municipalities - Municipalités
البلديات
البلديات municipalités نمط من التنظيم الإداري اللامركزي، يهدف إلى تنظيم الشؤون المحلية وإدارتها من السكان المحليين أنفسهم بوساطة هيئات ينتخبونها، وهي تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي وتقوم بجميع الأعمال المتعلقة بتنظيم المنطقة التابعة لها وإصلاحها وتجميلها، وتختص باتخاذ جميع التدابير اللازمة لتَقَدُّم المنطقة التابعة لها عمرانياً وصحياً واجتماعياً، وذلك مع خضوعها لرقابة السلطة الإدارية المركزية وإشرافها.
تُنْشَأ البلديات على أساس التخطيط الإقليمي الذي يتضمن تخطيطاً عمرانياً لبقعة مكانية معينة وتحقيقاً اجتماعياً للمجموعة السكانية التي تقطن في هذه البقعة المكانية، إضافة إلى التخطيط الاقتصادي للنشاطات الزراعية والصناعية والتجارية على مستوى الوحدة الإدارية البلدية التي يراد إنشاؤها. وبذلك يُبتعد عن الجمود والتسلط الإداري، وتُطَبَّقُ الديمقراطية عن طريق إشراك سكان المناطق المحلية في الأعباء والمسؤوليات في أمورهم العامة. وإن تقسيم الدولة إلى دوائر إدارية بلدية يساعد على المساواة بين جميع المناطق المحلية في الأعباء العامة كما يؤدي إلى التنمية الاقتصادية عن طريق حفز الجهود للوصول إلى أفضل مستويات الريعية الاقتصادية للمرافق المحلية.
مقومات التنظيم البلدي
تتلخص هذه المقومات بالنقاط الآتية:
ـ وجود مصالح إقليمية ذاتية على مساحة من الأرض تتضمن موارد اقتصادية كافية.
ـ يتولى الإشراف على إدارة المصالح المحلية هيئات منتخبة من سكان الدائرة البلدية بطريقة ديمقراطية حرة.
ـ التنظيم الإداري البلدي لا يعني بأي حالٍ من الأحوال الاستقلال التام عن السلطات الإدارية المركزية، مع استقلالها الذاتي إزاء السلطة الإدارية المركزية.
وتتخذ الرقابة على أعمال الوحدات الإدارية البلدية صوراً متعددة، بعضها ظاهر وبعضها خفي، وهذه الرقابة تتناول الأعمال نفسها، كما يمكن أن تتناول إجراءاتها، فهناك رقابة إدارية من جانب السلطات المركزية الحكومية على الأعمال الإيجابية للبلديات، تتمثل بخضوع هذه الأعمال لإذن السلطات التنفيذية المسبق، أو لتصديقها اللاحق، فلا يكون التصرف نافذاً إلا بعد موافقتها الصريحة أو الضمنية، وللسلطات التنفيذية المركزية حق إبطال قرارات المجالس البلدية أو إيقافها، ولكن لاتملك حق تعديلها، لأن حق التعديل مظهر من مظاهر المركزية الإدارية.
وإضافة إلى الرقابة على أعمال البلديات الإيجابية، تمارس السلطات التنفيذية المركزية الرقابة على أعمال البلديات السلبية، فللسلطة التنفيذية المركزية أنْ تَحلَّ محلَّ الهيئات البلدية، وتقوم مقامها إذا امتنعت تلك الهيئات عن القيام بعملٍ ما لا تراه ضرورياً لمنطقتها لسببٍ أو لآخر.
أنواع البلديات
تصنف البلديات أحياناً إلى بلديات صغرى وبلديات كبرى، والتفريق بين هذين النوعين يقوم على أساس عدد السكان والموارد أو على الأهمية الموضوعية، كأن تكون البلدية مركزاً للسياحة والاصطياف.
وتجدر الإشارة إلى أن التنظيم الإداري البلدي لا يكون الصيغة الوحيدة للإدارة المحلية في أغلب النظم القانونية في العالم، بل يوجد مقترناً مع مجالس محلية أخرى، ذات تسمية وبنية مختلفتين، كما هو الأمر في إنكلترة، حيث يُوجد نظام البلديات الخاصة إلى جانب المجالس الإقليمية، وفي فرنسة وبلجيكة، حيث توجد البلديات في الدرجة الدنيا للتنظيم الإداري المحلي وفوقها المديريات.
مهام البلديات
تختلف اختصاصات البلديات باختلاف الدول ونظمها القانونية، فمن هذه النظم ما يحدد اختصاصات الهيئات المحلية البلدية على سبيل الحصر كالنظام الإنكليزي، فلا يجوز للبلديات أن تتجاوز ذلك الاختصاص إلا بتشريع مستقل، وعلى العكس، توجد نظم قانونية لا تحدد اختصاصات الوحدات الإدارية البلدية على سبيل الحصر، بل يصاغ ذلك في قالبٍ عام يكون للبلديات فيه حق إنشاء جميع المرافق المحلية المتعلقة بالحاجات العامة لسكان الدائرة البلدية، وإدارتها إلا ما استثني منها بنص صريح.
الأجهزة الإدارية البلدية
تمارس البلديات سلطتي التقرير والتنفيذ، وذلك بوساطة أجهزتها التي تتألف غالباً من المجلس البلدي ولجانه ومن المكتب البلدي إضافة إلى رئيس البلدية:
1ـ المجلس البلدي: ويتألف هذا المجلس من أعضاء منتخبين من المواطنين المحليين مباشرة، انتخاباً حراً ونزيهاً، كما يمكن أن يضم المجلس البلدي أعضاء مختارين من الأعضاء المنتخبين، وأعضاء معينين من قبل السلطة الإدارية المركزية، ولكن في جميع الحالات يجب ألا تزيد نسبة الأعضاء المعينين والمختارين على نسبة الأعضاء المنتخبين.
وإن غلبة فكرة التخصص، وخاصة في العصر الحالي، ومبدأ توزيع العمل من أهم مبادئ الإدارة العامة، يعكسان عدم استطاعة المجلس البلدي ممارسة جميع وظائفه، على نحو متكافئ من التعمق والدرس والإدراك، فالمجلس البلدي يتفرغ مجتمعاً إلى رسم السياسة العامة، وإلى النظر في التوصيات والاقتراحات التي تقوم بها الجهات المتخصصة، ولا بد من الناحيتين العملية والإدارية من أن تقوم في نطاق المجلس لجانٌ متخصصة تنصرف إلى معالجة موضوعات محددة، تدرسها وتتخذ بشأنها توصيات ترفع إلى المجلس مجتمعاً، ليقول رأيه فيها ويصدر قراراً إدارياً نافذ المفعول، وللمجلس أن يفوض في بعض الحالات إلى أي لجنة من لجانه اتخاذ قرار في موضوعٍ معين، وعملية تأليف اللجان هي من الأعمال الأولى التي يقوم بها المجلس البلدي، وذلك استكمالاً لبنيته جهازاً إدارياً.
والمجلس البلدي بصفته سلطة تقرير ومراقبة ينهض بواجبات واختصاصات متعددة، لعلَّ أهمها وضع الموازنة العامة للبلدية، والتعديل في اعتمادات هذه الموازنة، وعقد القروض في حدود ما تسمح به القوانين والأنظمة، وإعداد المشروعات إعداداً دقيقاً وواضحاً، مما يسمح بإدارة مرافق البلدية على أتم وجه، وبما يكفل التنسيق مع مقتضيات إدارة المرافق التابعة للبلديات الأخرى أو مع ضرورات سير المرافق العامة القومية، ويدخل ضمن اختصاص المجالس البلدية أيضاً التخطيط لتنمية الموارد المحلية الإنتاجية، والعمل على توفير الخدمات العامة (كالماء والكهرباء والمتنزهات والمقابر وغيرها)، وإعداد المخطط العمراني للمنطقة البلدية وتعديله.
2ـ مكتب البلدية: ينهض هذا المكتب، إلى جانب المجلس البلدي بسلطة التقرير، والمكتب يتألف من أعضاء ينتخبهم المجلس البلدي من بين أعضائه، أو يتناوب أعضاء المجلس البلدي على عضويته، وذلك إضافة إلى عدد من الموظفين يتولون أمانة السر والشؤون الإدارية والهندسية والفنية والمالية والصحية.
ويتولى مكتب البلدية عدة اختصاصات، أبرزها ما يتعلق بإدارة أملاك البلدية، وإقرار الاستملاك، وإقرار تطبيق قوانين التنظيم، والإشراف المستمر على عمل المرافق العامة البلدية، وقبول الهبات والوصايا، وشراء عقارات البلدية وبيعها، كما يتولى المكتب البلدي في بعض النظم القانونية المقارنة اختصاصاً ذا طابع حقوقي يتمثل في مناقشة الدعاوى المقامة من البلدية وعليها ومتابعة هذه الدعاوى.
3ـ رئيس البلدية: إذا كانت المجالس البلدية ومكاتبها لها سلطة التقرير ضمن الدائرة البلدية فإن سلطة تنفيذ ما تقرره المجالس البلدية ومكاتبها تكون من اختصاص رئيس البلدية الذي تختلف طريقة توليه لمنصبه، فهو في بعض التشريعات منتخبٌ مباشرة من سكان الدائرة البلدية، وفي بعضها الآخر منتخبٌ من أعضاء المجلس البلدي، وقد يتولى منصبه عن طريق تعيينه من السلطة التنفيذية المركزية بصورة غير مباشرة من بين أعضاء المجلس البلدي المنتخب، أو بصورة مباشرة من غير الأعضاء المنتخبين.
الموارد المالية للبلديات
تعتمد البلديات في ميزانياتها على موارد مالية محدودة ذات مصادر مختلفة، وهي تتألف عموماً من ريع المرافق المحلية والخدمات والمشروعات الإنتاجية الخاصة بالبلديات، ومن الدعم الذي تقدمه السلطات المركزية للبلديات ومن ريع المستأجرات، ومن القروض الداخلية أو القروض الخارجية، وهناك مصدر تمويل مهم آخر يتمثل بالضرائب وبالرسوم البلدية، فهناك دولٌ تخص سلطاتها المحلية ـ ولاسيما البلديات ـ بضرائب عينية ذات طابع محلي كإنكلترة، وهناك دولٌ غيرها تكتفي بقصر الضرائب المحلية على نسبةٍ مئوية من الضرائب المركزية ومن هذه الدول فرنسة.
مشكلات التنظيم الإداري البلدي
يعاني التنظيم الإداري البلدي في غالبية نظم العالم مشكلات مهمة تمثلها هيمنة السلطة الحكومية المركزية على البلديات، وضعف الرأي العام المحلي، ونقص الأطر (العاملين) والخبرات المهنية والفنية والعلمية لدى البلديات ولاسيما الصغرى منها، وهناك مشكلات تكاد تكون خاصة بالدول المتخلفة، لعلَّ أبرزها هشاشة وجود البلديات كوحدات إدارية لا مركزية وعدم تجانسها، وذلك بسبب عشوائية بنائها وتوزيعها، إضافة إلى المشكلة الأهم ألا وهي توفير موارد مالية كافية لتنهض البلديات بمهامها ووظائفها، وهذا غالباً ما يكون مفقوداً، مما يوقع هذه البلديات في حالة عجزٍ مادي دائم.
وضع البلديات في سورية
يجب التفريق بين مرحلتين:
1 ـ المرحلة السابقة صدور قانون الإدارة المحلية رقم 15 لعام 1971: طبقت اللامركزية الإدارية في هذه المرحلة بأجلى مظاهرها في البلديات، وقد نظم المرسوم التشريعي 172لعام1956م أوضاع البلديات في القطر، إذْ منحها الشخصية الاعتبارية العامة والاستقلال المالي وفصَّل في مهامها واختصاصاتها «المادة 2 و3 منه»، وقد شدد هذا المرسوم على أنْ تكون المجالس البلدية منتخبة من المواطنين المحليين، إلا أنَّ مبدأ الانتخاب لم يطبق قط، بل لجأت السلطة التنفيذية المركزية إلى تعيين جميع أعضاء المجالس البلدية على الدوام مما أفقد اللامركزية الإدارية عنصراً أساسياً من عناصر تكوينها، وقد قسمت البلديات في ظل هذا المرسوم إلى أربع درجات، كما أُعطيت المجالس البلدية ومكاتبها سلطة التقرير والمراقبة وأعطي رئيس البلدية اختصاصات التنفيذ ومهامه.
2 ـ المرحلة اللاحقة لصدور قانون الإدارة المحلية رقم 15 لعام 1971: ألغى قانون الإدارة المحلية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 15 تاريخ 11/5/1971م التنظيم الإداري البلدي في القطر، وذلك بسبب اعتماده أسساً جديدة للامركزية الإدارية، تنسجم مع معطيات الواقع الجغرافي والاجتماعي في القطر من جهة وتمثل مبدأ الديمقراطية الشعبية من جهةٍ أخرى، فقسَّم هذا القانون الجمهورية العربية السورية إلى وحدات إدارية جديدة هي المحافظة والمدينة والبلدة والقرية والوحدة الريفية، وهذه الوحدات الإدارية تختلف من حيث البيئة القانونية عن البلدية، وقد نص قانون الإدارة المحلية على إلغاء جميع القوانين والأنظمة المخالفة له ومن ضمنها المرسوم التشريعي رقم 172 لعام 1956م المتضمن قانون البلديات.
ولكن قانون الإدارة المحلية طُبِّق تطبيقاً تدريجياً، فقد طبق عام 1972م على مستوى المحافظات فقط، إذ بقيت الوحدات الإدارية التي كانت قائمة قبل نفاذه قائمة، وكذلك التشريعات الناظمة لها، مما يعني بقاء التنظيم البلدي قائماً في القطر مع التشريعات الناظمة له في ما دون مستوى المحافظات، وقد بقي الأمر كذلك حتى طبق قانون الإدارة المحلية على مستوى المدن والبلدات سنة 1983م، وبقيت القرى والوحدات الريفية خارج نطاق تطبيق هذا القانون، مما يعني أن التنظيم الإداري البلدي والقوانين الناظمة له، مازالا قائمين على مستوى القرى فقط، ويوجد في سورية أكثر من ثمانين بلدية من هذا النوع حتى عام 1996م، وسوف يزول التنظيم الإداري البلدي نهائياً من دائرة الوجود القانوني في القطر العربي السوري، عندما سيمتد تطبيق قانون الإدارة المحلية ليشمل القرى إضافة إلى المحافظات والمدن والبلدات.
مهند مختار نوح
الموضوعات ذات الصلة: |
الإدارة المحلية ـ اللامركزية الإدارية.
مراجع للاستزادة: |
ـ زين العابدين بركات، مبادئ القانون الإداري (منشورات جامعة دمشق 1986-1987م).
ـ شاهر علي سليمان الرواشدة، الإدارة المحلية في المملكة الأردنية الهاشمية (دار مجد للنشر والتوزيع، عمان1987م).
ـ ماجد راغب الحلو، القانون الإداري، المركزية واللامركزية (دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية 1994م).
ـ محي الدين صابر، الحكم المحلي وتنمية المجتمع (المكتبة العصرية، بيروت 1988م).
ـ حسين محمد عواضة، الإدارة المحلية وتطبيقاتها في الدول العربية (المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت1983م).
- Alderfer. Harold. F, Local Government in Developing Countries (New York, Mcgrau-hill, 1964).
- C. K. Allen. Law and order. Steuens and Sons Limited. (London, 1945).
- Field government in ,modern society. M.C.Crawe-Hill look co. (New York, 1957).
- Humes and E.Martin. Structure of Local Government Through The World (London, 1961).
- التصنيف : القانون - المجلد : المجلد الخامس - رقم الصفحة ضمن المجلد : 279 مشاركة :