سوفوكليس
سوفوكليس
Sophocles - Sophocle
سوفوكليس
(496ـ406 ق.م)
سوفوكليس Sophokles هو أحد آباء المسرح الإغريقي، عاصر كلاً من إسخيلوس[ر] وأوربيديس[ر]، وكان صديق الحاكم بركليس[ر]. ولد في بلدة كولونوس Kolonos وتوفي في أثينا. كان والده سوفيللوس Sophillos أحد كبار تجار العبيد، ويمتلك ورشة لصناعة الأسلحة والأدوات المعدنية، مما وفر لسوفوكليس تعليماً شاملاً، تضمن أيضاً الموسيقا والرياضة. وإثر انتصار اليونانيين على الفرس في معركة سلاميس Salamis عام 480 ق.م قاد سوفوكليس احتفالات الفتيان بالنصر. شارك في تمثيل عدة أدوار مسرحية في المسابقات السنوية إلى أن اشترك في مسابقة خريف عام 468 بمسرحية من تأليفه وفاز بها أول مرة بالجائزة الأولى على أستاذه إسخيلوس، وذلك برباعية (ثلاثة أجزاء مترابطة ذات موضوع مأساوي وجزء رابع ساخر Satyr) تختلف من حيث الأسلوب والبناء عن سابقيه ومعاصريه من الكتاب. انتُخب عام 443ق.م مديراً لبيت مال حلف أثينا البحري. وبعد نجاح عرض مسرحيته «أنتيغونِه» 442ق.م Antigone عيّنه بركليس مع المؤرخ هيرودوت[ر] أعضاء في «مجلس القادة العشرة» Stratege المسؤول عن شؤون الدولة العسكرية والسياسية، وشارك في عام 441-440ق.م في الحرب ضد جزيرة ساموس الانفصالية.
بتكليف من مجلس المدينة أدخل سوفوكليس عام 420 عبادة أسكْلِبيوس Asklepios (إله الطب) إلى أثينا، وكتب بهذه المناسبة نشيداً خاصاً ابتهالاً وتبجيلاً للإله الجديد. وتقلد منذ عام 413 عدة مناصب عليا بصفته خبيراً. وعلى نقيض إسخيلوس وأوربيديس لم يغادر سوفوكليس أثينا، حيث توفي قبل سنتين من هزيمتها المروعة أمام إسبرطة في حرب البيلوبونيز Peloppones. وقد رفعه شعب أثينا من ثم إلى مرتبة البطل المبجل Heros Dexion.
تفيد وثائق أثينا بأن سوفوكليس ألّف 125 مسرحية، لم يتبق من نصوصها سوى سبع مآسٍ (تراجيديا) وأربعمئة سطر من المسرحية الساخرة (الساتيرية) «كلاب الصيد» Ichneutai. تدل هذه الشذرات على أن كائنات الساتير Satyrn من أتباع الإله ديونيسوس Dionysosيقمن بدور كلاب الصيد بحثاً عن أبقار الإله أبولّون Apollon التي سرقها منه الإله هرمس Hermes وأخفاها في كهف. أما المسرحيات المتبقية فهي حسب التسلسل الزمني لتاريخ عرضها في المسرح: «أياس» Aias (بعد 450) التي يعرض فيها نتيجة الصراع بين الإنسان الذي يعميه غضبه وتكبره وبين إرادة الآلهة. فعندما يدرك أياس أن لا مخرج له من ذنبه تجاه الآلهة أو لاستعادة كرامته المهدورة، ينتحر. والجديد في هذه المسرحية هي الصورة الإيجابية التي قدمها سوفوكليس عن أوذيسيوس الذي تصدمه برودة الآلهة وعجرفة البشر، فيتدخل في سياق الحدث بحكمته وحزمه ليعيد لأياس مجده محارباًً، وإن بعد موته، على الرغم من أن أياس كان يرى فيه عدوه. وفي مسرحية «أنتيغونه» يسقط الملك كريون في عزلة مطلقة بعد أن أدرك متأخراً أنه السبب في فقدانه جميع من يحب، نتيجة تكبره على قوانين الآلهة ومعارضتها بقانونه البشري. وهنا كما في المسرحية السابقة يغيب كل من أنتيغونه وأياس عن الفعل في منتصف المسرحية، وبالتالي فإن المسرحيتين اللتين تحملان اسمي بطليهما تقدمان شخصيتين أخريين بمستوى الفعالية نفسه، وهما أوذيسيوس وكريون. أما في مسرحية «نساء تراخيس» Trachiniai (بعد 438ق.م) فإن ديانيرا Deianeira زوجة هرقل Heraklesتنتحر لأن العباءة المغمسة بدم الوحش الخرافي نيسوس Nessosالتي أرسلتها إلى زوجها ظناً منها أنها ستعيده إليها، تقتله، فتتحقق بذلك نبوءة قديمة لا مهرب منها. وما يلفت النظر في بنية هذا العمل هو أن الشخصية الرئيسية، التي تشكل مركز الاهتمام والأفعال من قبل الجميع، أي هرقل، لا تظهر إلاّ محتضرة ً في خاتمة المسرحية. وفي مسرحية «أوديب ملكاً» Oidipus tyrannos(بعد 429ق.م) يقدم سوفوكليس نموذجاً فريداً للمسرحية التحليلية، التي تفكك بأسلوب تشويقي لغز حدثٍ وقع قبل بدء زمن المسرحية، وهو هنا مقتل لايوس ملك طيبة، قبل أن يُجيب أوديب على سؤال الهولة منقذاً المدينة من شرورها، فيصير ملكها ويتزوج ملكتها؛ يتبين باستقصاءاته في ما بعد أنه من حيث لا يدري قد حقق النبوءة التي هرب من وجهها، فقتل أباه لايوس وتزوج من أمه يوكاستِه فصار أخاً لابنيه وابنتيه، مما أدى إلى انتحار زوجته/ أمه وقيامه بفقء عينيه اللتين لم تريا الحقيقة. وتعد مسرحية «إلكترا» Elektra (بعد 413ق.م) نموذجاً نادراً للمسرحية الدائرية، إذ يتطابق بناء مشاهد الجزء الأول مع بناء مشاهد الثاني، مع الحفاظ على تصاعد حالة التوتر منذ المشهد الأول حتى ما قبل الأخير الذي يشكل الذروة الثانية للأفعال. وعلى نقيض معالجتي إسخيلوس وأوربيديس للموضوع نفسه، فإن أورست وإلكترا هنا لا يعاقبان من قبل الآلهة على قتل الأم. كان سوفوكليس نحو عام 409 قد تجاوز التسعين، وكان موضوع الساعة بين المثقفين حينذاك هو البرهان على أن التربية المكتسبة أبقى وأكثر فعالية من الفطرة. وكان جواب سوفوكليس هو مسرحية «فيلوكتيت» Philoktetes(بعد 409ق.م). وبطلها الفعلي ليس صاحب العنوان ولا أوذيسيوس، وإنما نيوبتوليموس Neoptolemos ابن أخيل Achilleus، الذي لم تكن لـه هذه الأهمية في معالجتي إسخيلوس وأوربيديس. ومن ثم فإن الكاتب قد عالج مادة أسطورية معروفة ومطروقة ليناقش موضوعاً اجتماعياً بالغ الحساسية في زمنه. أما النص الأخير «أوديب في كولونوس» Oidipus epi Kolono، فقد عرضه ابن أخيه بعد وفاة سوفوكليس بخمس سنوات، وهنا يعود إلى موضوعه الأثير ليبرهن على أن أوديب الشاب لم يكن مذنباً، فها هي الآلهة تستقبله في معبدها شيخاً ثم ترفعه إلى عليائها.
لا تكمن أهمية سوفوكليس في إبداعه الأدبي والفكري فحسب، بل كذلك في التجديدات العملية على صعيد العرض في المسرح. فالجوقة في مسرحياته وعروضه صار عددها خمسة عشر شخصاً، وأضعف تأثيرها الغنائي كما كان لدى إسخيلوس، ليجعلها جزءاً عضوياً من الفعل المسرحي؛ كما أضاف الممثل الثالث، فأغنى بذلك المشهد والفعل والحوار، مما أدى إلى شبه انقلاب في بناء المسرحية عما كانت عليه قبله. ثم إنه تخلى عن وحدة موضوع الثلاثية مركزاً على استقلالية موضوع كل جزء على حده. وأكثر ما يلفت النظر عند تحليل مسرحياته فكرياً هو تأكيده دور العقل في سلوك الإنسان ومواجهته مصيره، من دون أن يتخلى عن الموقف الديني التقليدي. والجدير بالذكر أن سوفوكليس قد نال الجائزة الأولى أربعاً وعشرين مرة في المسابقات المسرحية الأثينية.
نبيل الحفار
مراجع للاستزادة: |
ـ أحمد عتمان، «الشعر الإغريقي تراثاً إنسانياً وعالمياً»، عالم المعرفة 77 (الكويت 1984).
ـ تشارلز ألكسندر روبنصن، أثينا في عهد بركليس (مكتبة لبنان، بيروت 1966).
ـ شلدون تشيني، المسرح، ثلاثة آلاف سنة من الدراما والتمثيل والحرفة المسرحية (منشورات وزارة الثقافة، دمشق 1998).
- النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد الحادي عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 314 مشاركة :