المناخ
مناخ
Climate - Climat
المناخ
المناخ climate هو مركب لطقوس (مفردها طقس) متعددة متعاقبة ومتمازجة مع بعضها في فترة طويلة من الزمن، تكفي تلك الفترة لأن تتردد فيها أشكال الطقوس كافة، المنتظمة منها وغير المنتظمة (الشاذة) ويمكن أن يعبر عنه بطريقة أخرى، ذلك: أن المناخ هو تعبير عن الحالة المتوسطة للجو في مكان ما في فترة زمنية طويلة، تتردد فيها أشكال الطقوس كافة.
أما الطقس weather فهو تعبير عن حالة الجو في مكان ما في فترة زمنية قصيرة، هي يوم أو جزء من يوم، وقد تكون حالة جوية لحظية.
وقد اختلف العلماء في تحديد الفترة الزمنية الممثلة للمناخ، يقول بروكنر Brokner: إنها فترة 35 سنة، وعرفت تلك الفترة بدورة بروكنر المناخية، وهناك آخرون يرون أنها فترة 11 سنة، لارتباط التقلبات بدورة البقع الشمسية التي مدتها 11 سنة، وعرفت تلك الدورة بدورة البقع الشمسية.
وإذا ما عُدّ المناخ أنه المتوسط الحسابي لقيم الحالات الجوية (الطقوس) بعناصرها المختلفة المكونة لها في فترة زمنية محددة؛ فهذا يعني أنه بالإمكان تحديد خصائص مناخ منطقة ما بالاعتماد على متوسط الفترة المحددة 11 ، 35سنة، لقيم العناصر المناخية المستَمدَّة من المتوسطات اليومية والشهرية والفصلية والسنوية.
وقد جرت العادة، أن يعبر عن المناخ السائد في منطقة ما، إما بمصطلحات عنصرية (حار، دافئ، بارد، صقيعي، مشمس، ريحي، عاصفي، ضبابي، ماطر مثلج)، أو مركبة (جاف، شبه جاف، رطب، مضطرب، مستقر، معتدل).
وتتمثل عناصر المناخ بالآتي: درجة الحرارة؛ وهي القوة الفعالة والمؤثرة في عناصر المناخ الأخرى، الضغط الجوي واختلافاته المحركة للهواء أفقياً وشاقولياً، الرياح بما تحمله من رطوبة وحرارة، وبما تثيره من أتربة، وبما تحدثه سرعاتها الشديدة من أضرار، الرطوبة الجوية بمدلولاتها المختلفة (المطلقة والنسبية والنوعية ..)، التكاثف ومظاهره السطحية(الندى) والقريبة من السطح (الضباب) والعلوية (السحب بأنواعها المختلفة)، التهطال وأنواعه المختلفة السائلة (رذاذ ، مطر..) والصلبة (برد، ثلج.. وغيرهما) . والحالة الجوية في مكان ما لايعبر عنها بعنصر واحد، لكونها ناتجة من تفاعل عناصر المناخ كافة، بحيث يُنتِج ذلك التفاعل مظهراً جوياً ونموذجاً معيناً من المناخ.
وهكذا فأن المناخ يهتم بالحالات الجوية المتوسطة والطويلة الأمد التي تضفي على المكان مظهراً جوياً متميزاً، تنعكس مؤثراته على جوانب البيئة الجغرافية الطبيعية المختلفة (مظاهر سطح، ونبات، ومياه) والبشرية والاقتصادية (لون البشرة، النشاط الاقتصادي..) والشذوذات المناخية - من صقيع شديد أوفيضانات أو رياح مدمرة... ـ التي قد تتعرض لها هذه المنطقة المناخية أو تلك مرة في دورة مناخية أو أكثر من دورة، لاتغير من الصفة المناخية السائدة. ومن الأمثلة على ذلك (من الصفة المناخية السائدة) أن صقيع شتاء عام 1951 في سورية الذي قضى على نحو ثلاثة ملايين شجرة زيتون في محافظة ادلب لم يغير من المناخ السائد؛ وإنما مثل حالة جوية عارضة وعابرة، وكذلك الرياح العاصفة التي تعرضت لها دمشق في شهر شباط/فبراير عام 2004 ما هي سوى حالة جوية عارضة .. وما أثر العوارض الجوية وتأثيراتها الآنية في الإنسان وأنشطته المختلفة، دون أن تغير من الخصائص المناخية العامة لمنطقة العارض المناخي.
ولايعني الكلام السابق أن المناخ حالة جوية ثابتة مستقرة عبر الزمن، بل إن المناخ يتغير، ويتبدل، ولكن تغيراته طويلة الأمد تتم في ألوف السنين، بل عشرات الألوف ومئات الألوف منها ، ولايمكن لجيل بشري أن يلحظ التغيرات المناخية بدقة لشدة بطئها، لأنه لايمكن الحكم عليها إلا من خلال عدة دورات مناخية لمعرفة الاتجاه العام الذي سار فيه المناخ نحو الرطوبة أو الجفاف، ونحو التسخن أو التبرد، ولتحديد مدى التغير المناخي ومقداره.
يتحكم في المناخ (تفصيلاً وجملة) - وتغيراته في الزمان والمكان، وفي الكمية والنوعية- مجموعة من القوى (العوامل)، منها ماهو فلكي ممثلاً بكمية الطاقة الشمسية التي تتلقاها الوحدات المكانية المختلفة من سطح الأرض، والمرتبطة مدتها وشدتها بالموقع الفلكي (خط العرض)، ومنها ماهو جغرافي ، كما في توزع اليابس والماء، والبعد عن المسطحات المائية والقرب منها، والارتفاع، والحواجز الجبلية، والحركات المائية، والغطاء النباتي، والتربة، ومنها ما هو بشري، بوساطة أنشطة الإنسان المختلفة، ومايتولد عنها من تزويد الجو والتربة بكميات كبيرة من الملوثات الكيميائية الغازية والصلبة، ولها تأثيرها الفعال في درجة الحرارة وعناصر المناخ كافة، خاصة الملوثات الكيميائية (ثاني أكسيد الكربون، أكسيد النترات، الميتان، مركبات الكلور وفلوروكربونية) التي تشكل في الجو الأرضي ظاهرة الاحتباس الحراري (الدفيئة الحيوية) بجانب ما أحدثه الإنسان من مناخات خاصة به من أجل راحته بالتسخين والتبريد؛ وبغية توفير الاحتياجات المناخية لمحاصيل زراعية معينة غير متوفرة طبيعياً (البيوت البلاستيكية) وغير ذلك.
ويعد المناخ من أهم عناصر البيئة الطبيعية والأكثر تأثيراً في عالم الأحياء، ولذا كانت آثاره كبيرة، وفوائده متعددة، ومجالاته متنوعة تشمل: الطاقة، الزراعة والصناعة والنقل والتسويق، السياحة والاستجمام والرياضة ومشكلات الغذاء، التصحر، التلوث الجوي، راحة الإنسان وصحته ، هندسة البناء وتصميمه، مناخ المدن، الموارد المائية، المحافظة على الموارد الطبيعية ، التخطيط الاقتصادي والإقليمي ،الحروب.
ويهتم المناخ بدراسة الغلاف الجوي المحيط بالأرض، خاصة ذلك الجزء منه الذي يحتوي معظم كتلة الجو، وتتمثل فيه معظم الظاهرات الجوية التي تؤثر في سطح الأرض ، والمعروف بطبقة التروبوسفير troposphere وهذا يفرض على دارس المناخ الأرضي الإحاطة ببنية الغلاف الجوي وتركيبه وخصائصه العامة الفيزيائية الكيميائية.
وهكذا فإن المناخ يقوم على مرتكزين أساسيين هما: الأرصاد الجوية (المتيورولوجيا) التي تقوم بالقياسات الرصدية .. وغيرها، والجغرافية التي تترجم تلك القياسات، وتفسرها، وتعلل تبايناتها المكانية والزمانية وآثارها في الطبيعة والإنسان؛ ولذا كان المناخ علماً جغرافياً.
علي موسى
مراجع للاستزادة: |
ـ علي حسن موسى، موسوعة الطقس والمناخ (دار الفكر، دمشق 2006).
ـ علي حسن موسى، أساسيات علم المناخ (دار الفكر ، دمشق 2005).
- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - المجلد : المجلد التاسع عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 504 مشاركة :