بلجيكة(الادب)
بلجيكه(ادب)
Belgium - Belgique
الأدب في بلجيكة
الأدب البلجيكي هو ما كتبه البلجيكيون إما باللغة الفرنسية التي ينطق بها سكان والونية جنوبي البلاد، أو الفلمنكية، وهي لهجة هولندية يتكلمها سكان فلاندر في شماليها. إلا أن عدداً كبيراً من البلجيكيين يتمتع بثنائية اللغة.
الأدب البلجيكي باللغة الفرنسية: تعد «أنشودة القديسة ايلالي» Cantiléne de sainte Eulalie في أقدم النصوص البلجيكية باللغة الفرنسية، إذ كُتبت في القرن التاسع الميلادي. وكذلك نظمت نحو عام 1200 في إمارة لييج «قصيدة أخلاقية» Poème Moral. وظل هذا النوع من الأدب الديني والأخلاقي مزدهراً في القرن الثالث عشر حين كتب أدنيه لوروا Adenet le Roiفي أواخر هذا القرن رواية مغامرات بعنوان «كليوماديس» Cléomadès. وازدهر الأدب التاريخي في القرن الرابع عشر إذ كتب جان لوبيل Jean le Bel «سجل تاريخي حقيقي» Vraies chroniques، وكتب جان دي اوتروموز Jean d’Outremeuse«أنشودة لييج» Geste de Liège الملحمية، كما كتب جاك دي إمريكورJacques de Hemricourt «مرآة نبلاء ايسبى» Miroir des nobles de Hesbaye. وظهر في القرن الخامس عشر بعض الكتاب الفلاندريين الذين يجيدون الفرنسية مثل جورج شاستيلانGeorges Chastellain والأديب والشاعر جان لُمير دو بيلج Jean Lemaire de Belges الذي كتب «انسجام اللغتين» Concorde des deux langages لملك فرنسة لويس الثاني عشر. وفي هذا القرن المليء بالثورات والجدل الديني برز الكاتب مارنيكس دو سانت ـ ألديغوند Marnix de sainte-Aldegonde بسجاله الساخر في «لوحة الخلافات الدينية» (1590)Tableau des différens de la religion.
أثرت مدرسة «البلياد (الثريا)»[ر] La Pléiade الفرنسية على أغلب الشعراء البلجيكيين، كما سيطرت المدرسة الفرنسية الاتباعية الجديدة في القرنين التاليين على جميع الأجناس الأدبية في بلجيكة. ولم يبرز من الأدباء من يستحق الذكر سوى شارل جوزيف دولينيه Charles Joseph de Ligne المتعدد المواهب الذي كتب «رسائل للمركيزة دو كوانيي» la marquise de CoignyLettresá،كما كتب «منوعات عسكرية وأدبية وعاطفية»Mélanges militaires, littéraires et sentimentaires في ثلاثة وثلاثين مجلداً.
تحررت بلجيكة من السيطرة الهولندية إثر ثورة عام 1830 في عهد ازدهار المدرسة الإبداعية (الرومنسية) في أوربة، وسعت هذه الدولة الفتية إلى تشجيع نشوء أدب وطني، يساعد على تعزيز الانسجام بين المواطنين. وتمشياً مع هذه الفكرة أخذ الكتّاب يطرقون موضوعات بلجيكية تاريخية تعود للقرن السادس عشر الذي كانت فيه مقاومة البلجيكيين للاحتلال الإسباني على أشدها. ولافتقارهم لتراث أدبي وطني ينهلون منه فقد شرعوا بتقليد الإبداعيين (الرومنسيين) الفرنسيين أمثال هوغو[ر]Hugo ولامارتين[ر] Lamartine، إلا أن الفلاندريين منهم قاموا بتقليد غوته[ر] Goethe وهاينه[ر] Heineوبايرون[ر] Byron وسكوت[ر] Scott. ويعد هذا التمازج الوالوني المتأثر بالثقافة الفرنسية والفلاندري المتأثر بالثقافة الجرمانية أحد خصائص الأدب البلجيكي بعد الاستقلال ممثلاً برواية هنري موك Henri Moke التاريخية الوطنية «فقراء البحر» Les Gueux de la mer. وبعد الإبداعية، قلد الكتاب البلجيكيون رواد المدرسة الواقعية[ر] مما سمح لهم بالتركيز على الأصالة الوطنية وعاداتهم والفكر السائد والأخلاق. وكان لويس هيمانس Louis Hymans وإميل غريسون Emile Greyson وإميل ليكلير Emile Leclere من أهم روائيي هذه المرحلة. كما نشر شارل دي كوسترCharles De Coster ملحمته النثرية الشهيرة «أسطورة دي أولِنسبيغل» (1867)La légende d’Ulenspiegelالتي تجمع بين الواقعية والإبداعية، وتتوالى فيها الأحداث المأسوية والمضحكة مع الحفاظ على توازن دقيق فيما بينها. ويعد هذا الأثر في النماذج التي تنم على العبقرية الوطنية، إذ إنه «مزيج من روح لاتينية وإحساس جرماني» كما وصفه مؤلفه الذي كان ذاته مثلاً لهذا الاختلاط إذ أنه ولد لأم والونية وأب فلاندري.
كان الإنتاج الشعري ضئيلاً في الخمسين عاماً التي تلت الاستقلال، إلا أنه مع هذا تميز بتركيزه على حضارة العصر ومبادئه الأدبية. وكتب الشاعر تيودور وسْتنرادThéodore Weustenraad عن النتائج المادية والاجتماعية للتطور الصناعي، واهتم أندره فان هاسِلت André van Hasseltبالموسيقى الشعرية، كما يُعد أوكتاف بيرمِز Octave Pirmezمن رواد الرمزيين. وفي السبعينات من القرن التاسع عشر قلد الجيل الجديد وعلى رأسه كميل لُمونييه Camille Lemonnier الأدباء الفرنسيين، وجمع في كتاباته بين الرومانسية الشاعرية والواقعية، وحازت روايته «ذكر» (1881)Un Mâleعلى نجاح باهر كما لقب بعميد الأدب البلجيكي. من آثاره الأخرى رواية «في قلب الغابة المنعش» Au coeur frais de le forétو«كما يجري الجدول» (1903)Comme va le Ruisseauالتي عالج فيها مبدأ وحدة الوجود. وكتب الروائي جورج إيكود Georges Eekhoud روايته «قرطاجة الجديدة»La Nouvelle Carthage (1888)متأثراً بأسلوب لُمونييه.
تابع الأدب البلجيكي تطوره فتأسست في عام 1881 مجلة «بلجيكة الفتاة» Jeune Belgique وشارك فيها كتاب أرادوا تحرير الفن من القيود الأخلاقية والاجتماعية، وانتمى أكثر هؤلاء إلى الحركة البرناسية[ر] Parnasse، إلا أن الشاعر الفرنسي بودلير[ر] Baudelaire بقي مثلهم الأعلى. وكذلك تأسست مجلة «الفن الحديث» L’Art Moderne التي دافعت عن الأدب الوطني الملتزم وعن الرمزية[ر] في حين أن مجلة «والونية» La Wallonie عارضت تلك الرمزية. وفي هذا الجو المفعم بالنشاط الأدبي برز فريق من الكتاب الشباب فكتب جورج رودنباخ Georges Rodenbach، الذي كان شاعراً أيضاً، روايته «بْروج الميتة»(1892)Bruges-La-Morte. إلا أن أبرز هؤلاء كان موريس مترلِنك[ر]Maurice Maeterlinck الذي أصدر عام 1889 مجموعة شعرية تعد الأكثر تعبيراً عن خصائص جيله وهي «البيوت الزجاجية الحارة» Serres chaudes كما رسخ المسرح الرمزي في مسرحياته «الأميرة مالين»(1890)La Princesse Maleineو«بيلياس وميليزاند»(1892)Pelléas et Mélisandeو«العصفور الأزرق» (1908)l’Oiseau bleuومنح على ذلك جائزة نوبل للأدب لعام 1911.
ومع سيطرته على المسرح البلجيكي حتى نشوب الحرب العالمية الأولى لم يكن مترلِنك المسرحي الوحيد، فقد كتب فرناند كروملينك Fernand Crommelynck مسرحيته «الزوج الرائع المخدوع» (1921)Le Cocu magnifigueوميشيل دي غيلديرودMichel de Ghelderode «هوب سينيور» (1947)Hop Signor. وبرز في الشعر ايضاً ماكس إلسكامب Max Elskamp الذي كتب «أغنية شارع سان بول»(1922)La Chanson de la rue Saint-Paul، وشارل فان ليربرغه Charles van Lerberghe الذي كتب شعراً رمزياً مرهفاً تسيطر عليه الأوهام كما في مجموعتيه «لمحات» (1908)Entrevisionsو«أغنية إيف» (1904)La Chanson d’Eve. ولم يؤثر بدء انحسار الرمزية في أواخر القرن التاسع عشر على نجاح الشعراء آنفي الذكر، إلا أن تأثر الشعراء البلجيكيين عامة بالسريالية[ر] الأوربية صار جلياً. ومن أبرز هؤلاء الشعراء في القرن العشرين إميل فيرهارن Emile Verhaeren وهنري ميشو Henri Michaux ومارسيل تيري Marcel Thiry الذي كان الشاعر الأكثر تجديداً وعمقاً وعالج في أعماله «تمثال التعب» (1934)Statue de la Fatigueو«العصور» (1963)Agesمحنة الإنسان المعاصر، وكان له الأثر الأكبر في الشعر البلجيكي الحديث.
أما في النثر فقد ساعدت الحركات الأدبية الفرنسية، وخاصة الواقعية والطبيعية[ر] التي سادت في القرن التاسع عشر، على ظهور روائيين وقصصيين بلجيكيين جدد، استقى كل منهم مادته الأدبية من محيطه الصغير، وقلد بطريقته الخاصة مبادىء هاتين الحركتين. وتربع كميل لُمونييه على عرش الرواية البلجيكية حتى عام 1914، إلا أن ماري جيفر Marie Gevers توصلت بلغة أنثوية رقيقة إلى نفس الاستنتاجات التي كان هو قد توصل إليها في كتاباته، نتيجة مراقبتها للطبيعة والعادات والتقاليد الشعبية في رواياتها «كونتيسة الحواجز»(1931)La Comtesse des diguesو«سيرة الحياة» (1937)La Ligne de vieو«حياة وموت بحرة»(1961)Vie et mort d’un étang. إلا ان التحليل النفسي أخذ يحل محل هذه الموضوعات المحلية رويداً رويداً، فاعتمد أندره بايون André Baillon على مذكراته الشخصية في روايته «هذيان»(1927)Délires. وكان شارل بليسنيه Charles Plisnier أول شخصية أدبية غير فرنسية تحصل على جائزة «غونكور» Goncourt، وقدم في روايتيه «زيجات» (1936)Mariagesو«جرائم» (1939- 1941)Meurtres وصفاً اجتماعياً شاملاً لمختلف جوانب الحياة اليومية المعاصرة. وانطلاقاً من الرواية الشعبية المطعمة بعنصر بوليسي نفساني صار جورج سيمينون Georges Simenon أشهر كاتب بلجيكي بعد مترلِنك ضمن إطار أنماط روائية متعددة في مختلف مراحل إنتاجه. وسلسلة الأعمال التي قدم فيها المفتش ميغريه والتي منها «جريمة المفتش ميغريه» (1932)Le Crime d’inspecteur Maigretوروايته «القطار»(1961)Le Trainأمثلة على ذلك. وعلى الرغم من انحسار النزعة المحلية إلا أن الحنين إليها أعادها بصورة ما إلى الرواية في «سور الراهبات»Le Rempart des béguines للكاتبة فرانسواز ماله ـ جوريس Françoise Mallet-Joris التي حصلت على جائزة «فيمينا» Femina لعام 1965.
الأدب البلجيكي باللغة الفلمنكية: يمكن عدّ «الإنيادة»(1190)L’Enéideالتي كتبها هندريك فان فِلديكه Hendrik Van Veldeke بداية هذا الأدب. كما ظهرت في المدة نفسها الأنشودات الغنائية الملحمية «كارل إنده ايليغاست» Karel ende Elegast التي تتكلم عن شارلمان[ر]، وكذلك أولى الكتابات الشعرية التصوفية في أوربة لامرأة تدعى هادفيش Hadewijch، وأيضاً ملحمة نقدية ساخرة تتكون شخصياتها من الحيوانات بعنوان «فان دن فوس راينيرده» Van den vos Reinaerde. وظهرت في القرن الرابع عشر أولى المسرحيات الدنيوية، وسميت مجموعة منها «مسرحيات فنية» Abele Spelen، وفي القرن الخامس عشر ظهرت المسرحية الأخلاقية «إيلكيرليك» Elckerlijc التي كانت مصدراً للمسرحية الإنكليزية «كل إنسان» Everyman، ولأخرى ألمانية ظهرت في العصور الوسطى اقتبسها كل من هوغو فون هوفمنستال Hugo von Hofmannsthal في «يدَرمان» Jedermann والشاعر كارل فان دي ووستين Karel van de Woestijne في «الريفي الذي مات» Le Paysan qui meurt.
أدت الصراعات السياسية والدينية في أوربة إلى توقف تطور الأدب في بلجيكة، إلى أن كان الاستقلال، فعبر هندريك كونسيانس Hendrik Conscience عن روح وطنية في روايته «أسد فلاندر» (1838)Le Lion de Flandre، كما نهض غيدو جيزيل Guido Gezelle بالشعر، وكان له الأثر الأكبر على الحركة الشعرية في القرن التاسع عشر. وساعد صدور مجلة «اليوم وغدا» Van nu en Straks في عام 1893 التي التف حولها العديد من الأدباء على نهضة الأدب البلجيكي الحديث. ومن أدباء الجيل الجديد اشتهر الروائي ستين سترويفلِس Stijn Streuvels والقصصي والمسرحي هِرمن تايرلينك Herman Teirlinck الذي حصل عام 1956 على جائزة الآداب الهولندية المشتركة بين بلجيكة وهولندة، كما برز كل من القصاص فيليكس تيميرمَنس Félix Timmermans والشاعر الرمزي كارل فان دي ووستين، وصار الأديب المتعدد المواهب هوغو كلاوس Hugo Clausمن أشهر شعراء ما بعد الحرب العالمية الثانية. ومنذ السبعينات برز الكثير من الكتاب أمثال إيفو ميشيلز Yvo Michiels، الذي ركز على اللغة، وهوغو ريس Hugo Raes ويوس دي هيس Jos de Haes وباول سنوك Paul Snoek وكانوا جميعاً تجريبيين في أدبهم. ويتوجه الأدب باللغة الفلمنكية بشكل عام نحو الواقع المعاصر، إلا أن الصفة الغالبة على الشعر هي الإبداعية الجديدة.
طارق علوش، زكي عروق
- التصنيف : الآداب اللاتينية - المجلد : المجلد الخامس - رقم الصفحة ضمن المجلد : 263 مشاركة :