هشام بن الحكم الثاني
هشام حكم ثاني
Hisham ibn al-Hakem II - Hisham ibn al-Hakem II
هشام بن الحكم الثاني
(354ـ403هـ/966ـ1013م)
أبو الوليد، هشام المؤيد ابن الخليفة الحكم الثاني المستنصر بالله بن عبد الرحمن الثالث، الخليفة الناصر لدين الله، من خلفاء الدولة الأموية في الأندلس. وُلِد بقرطبة وكان مولده في جمادى الآخرة، وولي ملك الأندلس وله تسع سنين، وأقام والياً عليها تسعاً وثلاثين سنة.
تولّى سنة 366هـ، وأمُّه صُبح أمُ ولدٍ، كان قد ربَّاها صِهرُ محمَّد بن أبي عامر وزير الخليفة الحَكَم والدِ هشامٍ المؤيَّد، وكانت تعرفه ويعرفها، فمن هنا كان ابن أبي عامر وكيلاً لابنها المؤيَّد هشام، إذ تولَّى الحجابة له ثمَّ وثب عليه فاستخلص منه الملك.
تمَّت البيعة لهشامٍ المؤيَّد يومَ وفاة أبيه فاستأثر بتدبير مملكته وزير أبيه ابن أبي عامر، ذلك أنَّه بعد وفاة الحكم خيف الاضطرابُ فضمنَ ابن أبي عامر لأمِّ الخليفة (صبح) سكونَ الحال، فأمدَّته بالأموال فاستمال العساكر إليه، حتَّى صار صاحب التَّدبير، فحجب هشاماً المؤيَّد ولقَّب نفسه المنصور، واستبدَّ بالبلاد، ومكر بأهل الدَّولة فقتل بعضاً ببعض، ولم يزل المؤيَّد متغيِّباً لا يظهر ولا ينفذ له أمر، ومنع المنصور الوزراء من الوصول إليه إلاَّ في النَّادر من الأيَّام يسلِّمون وينصرفون، ونفذت الكتب والمخاطبات والأوامر باسمه، ومحا رسمَ الخلافة كلَّه، ولم يبق لهشامٍ المؤيَّد من رسوم الخلافة أكثر من الدُّعاء على المنابر، وبعد وفاة المنصور خلفه ولده عبد الملك الملقَّب بالمظفَّر، وجرى على خُطَّة أبيه في إقصاءِ هشامٍ المؤيَّد، ثم خلف المظفَّرَ أخوه عبد الرحمن بن محمَّد الملقَّب بالنَّاصر، واستمرَّ هشامٌ المؤيَّد خليفةً في قفص، إلى أن طلب منه عبد الرَّحمن النَّاصر أن يوليه عهده فأجابه وكتب له عهداً بالخلافة من بعده، فثارت ثائرة أهل الدَّولة لذلك، فقتلوا صاحب الشرطة وهو في باب قصر الخلافة بقرطبة سنة 399هـ، ونادوا بخلع هشام المؤيَّد، وبايعوا محمَّد بن هشام بن عبد الجبَّار بن النَّاصر لدين الله، ولقبوه المهديَّ بالله، وقتلوا عبد الرَّحمن الوزير، وحبس المهديُّ المؤيَّدَ، وأساء التصرُّفَ في أمور الحكم فاشتجرت الفتن وكان فيها مقتل محمَّد بن هشام بن عبد الجبَّار فعاد الأمرُ إلى هشام المؤيَّد، وذلك يومَ الأحد السَّابع من ذي الحجة سنة 400هـ، وبقي في حكمه وجيوش البربر تحاصره مع سليمان بن الحكم بن سليمان، واتصل ذلك إلى شوال سنة 403هـ حتى دخل البربر مع سليمان قرطبة، وأخلوها من أهلها، خلا المدينة وبعض الربض الشَّرقي، وقُتل هشامٌ المؤيَّد.
كان هشام ضعيفاً، مهمَلاً، فيه انقباضٌ عن النَّاس، طاهرَ الثوب متنزِّهاً عن الرِّيَب، وكانت فيه غفلة وصحَّة مذهب، وفيه ميلٌ إلى العبادة، ولعلَّ غفلته عن أمور الحكم تعود إلى أمرين: وفاةِ أبيه عنه في صغره من غير أن يبقى له من يعلِّمه تدبيرَ شؤون الدَّولة حين تصيرُ إليه فنشأ غِرًّا، وعَزْلِ المنصورِ له عن شؤون الدَّولة وعن لقائه النَّاس وعن كل ما يثير طموحه إلى المُلك أو يقوِّيه عليه، حتَّى إنه زهد في آخر ما بقي له من الخلافة وهو لقب الخليفة فنزل عنه لعبد الرَّحمن بن محمد النَّاصر حين نازعه فيه.
ويقترنُ ذِكْرُ هشام المؤيَّد بذكر شبيهٍ له في الخَلْق هو خلف الحصري، وقيل الخضري والحضري، وهو محتالٌ بويع بالخلافة في الأندلس، على أنَّه هشام المؤيد بالله، وذلك بعد اثنتين وعشرين سنة من موت هشام المؤيَّد، وكانت النَّاس في فتنةٍ فبويع خلف على أنه هشام المؤيَّد، وخُطب له على المنابر بالأندلس، وقصَّتُه أنَّ قاضي إشبيلية محمَّد بن إسماعيل (ابن عبَّاد) كان قد انفرد بإمارتها، وقيل له: إن هشاماً المؤيَّد مازال حيًّاً، وأنَّه لم يُقتل سنة 403هـ كما قال النَّاس، وإنَّما اختفى فارّاً وهو منزوٍ في مسجد بقلعة رباح، وكان ذلك سنة 426هـ، فذهب إليه، فوجده يشبه هشاماً، فأتى به إلى إشبيلية، واستحضر بعض عبيد هشامٍ المؤيَّد، وعرضه عليهم، فقام أحدُهم وقال: هذا مولاي! وقبَّل قدمه، فألبسه ابن عبَّاد كسوة الخلافة، وأمر منادياً يصيح: «يا أهل إشبيلية اشكروا الله على ما أنعم به عليكم. هذا مولاكم أمير المؤمنين هشام قد صيره الله إليكم»، ونقل الخلافة من قرطبة إلى بلدكم، فتسابق النَّاس لرؤية الخليفة، ومن أبى أن يشهد حلَّ به البلاء، فقوي به أمره وانتعشت دولته، وانقطعت أطماع ملوك الطَّوائف عنها، وكتب ابن عبَّاد إلى ملوك الأندلس يرغِّبهم في طاعة المؤيَّد هشامٍ المزعوم. وأقام نيفاً وعشرين سنة، يُخطب له على المنابر ويُدعى بأمير المؤمنين وحجَّابه من آل عبَّاد يحكمون البلاد. ومات في أيام المعتضد فأخفى موتَه إلى أن أحكم أمره، ثمَّ أظهر ذلك سنة 451هـ.
ويبدو أن أولي الأمر في الأندلس ادَّعوا موت هشام بن الحكم مرَّة وادَّعوا حياته مرَّة أخرى لأمور اقتضتها مصالحهم، وقد روى الصَّفديُّ في أعيان العصر عن أبي محمَّد بن حزم قال: «أنذرنا الجفلى لحضور دفن المؤيَّد هشام بن الحكم فرأيت أنا وغيري نعشاً وفيه شخص مكفَّن، وقد شاهد غسله رجلان شيخان حكمان من حكَّام المسلمين من عدول القضاة، وخارج البيت أبي رحمه الله تعالى وجماعةٌ من عظماء البلد، ثم صلَّينا عليه في ألوف من النَّاس، ثم لم نلبث إلا شهوراً نحو التِّسعة حتى ظهر حيًّا وبويع بالخلافة، ودخلت إليه أنا وغيري وجلست بين يديه، وبقي كذلك ثلاثة أعوامٍ غير شهرين وأيَّام، حتَّى لقد أدَّى ذلك إلى توسوس جماعةٍ لهم عقولٌ في ظاهر الأمر، إلى أن ادَّعوا حياته، وزاد الأمر حتَّى أظهروا بعد ثلاث وعشرين سنة من موته على الحقيقة إنساناً [يريد خلفاً الحصري] قالوا هو هذا، وسفكت بذلك الدِّماء وهتكت الأستار وأخليت الدِّيار وأثيرت الفتن»، ويبدو أنَّ أهل إشبيلية ومن كان على رأيهم من أهل تلك البلاد لما ضيق عليهم يحيى بن علي الحسني والي قرطبة وخافوا أمرَهُ أظهروا أنَّ هشاماً المؤيَّد حيٌّ، وأنَّهم ظفروا به فبايعوه، وأظهروا دعوته، وبقي الأمر كذلك إلى نحو سنة خمسين وأربعمئة حين أظهروا موتَ هشامٍ المؤيَّد الذي ذكروا أنَّه وصل إليهم، وحصل عندهم، وانقطعت الخطبة لبني أمية من جميع الأقطار.
أسـامة اختيار
مراجع للاستزادة: |
ـ المقَّريُّ أحمد بن محمَّد، نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرَّطيب (دار الكتب العلميَّة، بيروت 1995م).
ـ ابن خلِّكان، وفيات الأعيان في أنباء أبناء الزَّمان (دار الثَّقافة، بيروت 1968م).
ـ عبد الواحد المرَّاكشي، المُعْجِب في تلخيص أخبار المغرب (مطبعة الاستقامة، القاهرة 1949م).
ـ محمَّد بن أبي نصر الحميدي، جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس (دار الكتاب اللُّبناني، بيروت 1983م).
- التصنيف : التاريخ - النوع : أعلام ومشاهير - المجلد : المجلد الواحد والعشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 466 مشاركة :