زلاقه (وقعه)
Al-Zalakah (Battle) - Al-Zalakah (Guerre)

الزلاّقة (وقعة ـ)

 

الزلاّقة أرض في غرب الأندلس على بعد 12كم شمالي بطليوس (Badajos اليوم) والزلاّقة: الموضع الذي لايمكن الثبوت عليه من شدة زلقه، وفيها كانت الوقعة المشهورة التي انتصر فيها المسلمون بقيادة يوسف بن تاشفين أمير المرابطين [ر] والمعتمد بن عباد ملك إشبيلية وقرطبة، على ألفونسو السادس ملك ليون وقشتالة سنة 479هـ/1086م.

استغل ملوك الأسبان الصراع بين دول الطوائف [ر] التي قامت في الأندلس عقب سقوط الخلافة الأموية سنة 422هـ/1031م، ليكسبوا أراضي واسعة، وينالوا مالاً وفيراً، مستنزفين بذلك الأندلس التي تزايد ضعفها يوماً بعد يوم، ومع استمرار حكم الطوائف جاءت فترة تالية أصبح فيها الإسبان يتطلعون إلى بسط سلطانهم على شبه الجزيرة الإيبرية برمتها، وخاصة في ظل هيمنة ألفونسو السادس (1065ـ1109م) الذي أصبح سيد الدولتين الإسبانيتين ليون وقشتالة، وغدا قادراً على ضم ما يشاء من أراضي الأندلس ولكنه اتبع في بادئ الأمر سياسة الاستمرار في أخذ الجزية منها حتى تضعف، وسياسة زيادة إضعافها، بتحريض هذه الدول بعضها على بعض، والحذر من تضخم إحداها على حساب الأخرى.

تغيرت هذه السياسة عندما احتل ألفونسو السادس طليطلة يوم 27رمضان 478هـ/25أيار 1085م، وكان ذلك ناقوس الخطر لملوك الطوائف ينذرهم أن ألفونسو لم يعد يرضى بالمال بل يبغي القواعد أيضاً، وأسهم ذلك في توفير الدوافع للاستنجاد بقوة المرابطين المجاورة القادرة على الوقوف في وجهه.

ترد الرواية الشائعة والمشهورة عن كيفية دخول المرابطين إلى الأندلس في العديد من المصادر القديمة، ومؤداها بشكل عام، أن المعتمد بن عباد (ت484هـ) كبير ملوك الطوائف آنذاك اختلف مع سفارة لألفونسو يرأسها يهودي جاءت لقبض الجزية، ورفض اليهودي قبول عيار نقودها، وهدد بأنّ سيده لن يقنع فيما بعد إلا بأخذ القواعد والبلاد، فغضب المعتمد وقتل اليهودي واسر بقية أعضاء السفارة، ولكنه خاف مغبة الأمر، وأيقن من توجه ألفونسو إليه، فاتصل بيوسف بن تاشفين (ت500هـ) أمير المرابطين في غرة جمادى الأولى 478هـ/14آب 1085م يطلب منه القدوم للأندلس للجهاد، وقد أقدم على ذلك، ضارباً عرض الحائط بنصائح بعض من حوله بعدم إدخال المرابطين إلى الأندلس خشية أن يسلبوه ملكه، فقال قولته المشهورة بأنه خير له أن يصبح راعي جمال في المغرب من أن يصبح راعي خنازير في قشتالة.

لبى يوسف بن تاشفين النداء واستنفر من قدر على استنفاره من القواد وأعيان الجنود ووجوه قبائل البربر، فاجتمع له نحو من سبعة آلاف فارس وعدد كبير من الجنود المشاة، وعبر البحر من مدينة سبتة، واتخذ يوسف الجزيرة الخضراء قاعدة له ولجنده، وهرع ابن عباد لاستقبال يوسف بن تاشفين على مقربة من القاعدة، وتقديم الضيافات له إذ سيكون المرور بأرضه باتجاه غرب الأندلس حيث كانت قوات قشتالة وليون تعيث فساداً. تجاوز السائرون أرض ابن عباد وعسكروا في أراضي بطليوس في الزلاّقة، وأمد ملوك الطوائف يوسف بن تاشفين والمعتمد ابن عباد بما قدروا عليه من خيل ورجال وسلاح متناسين الخلافات فيما بينهم.

حينما تأكد ألفونسو السادس من جواز يوسف بن تاشفين، استنفر جميع أهل بلاده وما يليها، فاجتمع له من الجلالقة والفرنجة عدد كبير، وقرر أن يمضي إليهم ويلقى المسلمين في بلادهم وليس في بلاده، لأنه، كما قال لخواصه ووزرائه، «ربما كانت الدائرة عليه فيكتسح المسلمون بلاده ويحصدون من فيها في غداة واحدة، ولكن إذا حدثت المعركة في بلادهم وكانت الدائرة عليه اكتفوا بما نالوه ولم يجعلوا الدروب وراءهم إلا بعد أهبة أخرى». وإذا كانت الدائرة على المسلمين اكتسح هو بلادهم واستولى عليها.

طلب يوسف بن تاشفين من ألفونسو، على عادة المرابطين، اتباع الشرع الإسلامي، أو الجزية، أو القتال قبل المواجهة، وكان رد ألفونسو بالطبع هو القتال، واتفق الجميع على يوم محدد للقتال، ولكن ألفونسو خرق الاتفاق ليفاجئ المسلمين إلا أن استطلاع ابن عباد وجواسيسه كشفوا ذلك، وأفقدوا ألفونسو عامل المفاجأة.

استهدف ألفونسو في هجومه القوة الأكثر خبرة بالأرض، ولكنها الأضعف قوة والتي اعتاد جنده التغلب عليها وهي قوة الأندلسيين، ونجح في تمزيق صفوفها، فلم يثبت له سوى القلب بقيادة المعتمد بن عباد، ردَّ يوسف بن تاشفين على هذا الهجوم، بإرسال المدد للقوة الأندلسية الباقية لتستمر في الصمود، بينما عمد هو بمهاجمة قاعدة ألفونسو وأضرم النار فيها، واحتجز ما استطاع من عدة، وسبى من وجد فيها من نساء، فاضطر ألفونسو المحاربة على جبهتين من الأمام والخلف، واستمرت المعركة يوماً كاملاً من بزوغ الفجر إلى حلول الظلام من يوم الجمعة في رجب 479هـ/تشرين الأول 1086م، وانتهت بتسلل ألفونسو السادس إلى رابية مع قلة من جنوده، ولم يتعقب المسلمون عدوهم بناء على رأي يوسف بن تاشفين الذي لم يُلق بالاً لنصائح المعتمد بن عباد في هذا الصدد إما خوفاً من تجمع العدو من جديد، أو على عادة الملثمين (المرابطين) من عدم اللحاق بالعدو عند فراره وإدارة ظهره.

كانت معركة الزلاّقة أول انتصار كبير حققه المسلمون منذ أكثر من ثلاثة أرباع القرن، وأوقفت هذه المعركة المدّ الإسباني نحو الجنوب في مجالي ضم الأراضي أو فرض السيادة المعبر عنها بدفع الجزية. كما رفعت هذه المعركة من مكانة المعتمد بن عباد الذي تحمل وصمد للهجمة المعادية دون سائر الأندلسيين، ولكن أعظم تألق كان من نصيب يوسف بن تاشفين والمرابطين، إذ بهم انتهت الهزائم وبدأت الانتصارات، وقد حرص يوسف على الظهور بمظهر الزاهد في ملك الأندلس وغنائمها والمتمسك بالاتفاق مع ملوك الطوائف من ناحية عدم التدخل في شؤونهم الداخلية وذلك بسرعة خروجه من الأندلس، والرد على شكاوى الناس ضد ملوكهم أن هدفه من القدوم إلى الأندلس، لم يكن إلا للجهاد، ولكن فكرة القضاء على دول الطوائف نضجت في ذهن يوسف خلال ما يزيد على سنة من إقامته في المغرب، لأنه رأى أن فرقة ملوك الأندلس وانشغالهم بمنازعاتهم وترفهم سيضيع الأندلس، وقد شجعه على ذلك تحريض الفقهاء من أعداء ملوك الطوائف على خلع الملوك وإقامة الحكومة الشرعية مكانهم، وانبهار قواد يوسف بحضارة الأندلس وما احتوته أيدي ملوكها من كنوز وذخائر جعلتهم يرون أنهم أحق بها منهم لأنهم يجاهدون ويدافعون عنها.

نجدة خماش

الموضوعات ذات الصلة:

 

المرابطون ـ المعتمد بن عباد ـ يوسف بن تاشفين.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ الحميري، الروض المعطار في خبر الأقطار، تحقيق إحسان عباس (بيروت 1975).

ـ زغلول عبد الحميد، تاريخ المغرب العربي (القاهرة 1960).

ـ أحمد بدر، تاريخ الأندلس (التجزؤ ـ السيادة المغربية، السقوط والتأثير الحضاري) (مكتبة أطلس، دمشق 1983).

 


- التصنيف : التاريخ - المجلد : المجلد العاشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 391 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة