المملكة المتحدة (التاريخ الوسيط)
مملكه متحده (تاريخ وسيط)
United Kingdom - Royaume-Uni
المملكة المتحدة (التاريخ الوسيط)
منذ منتصف القرن الخامس الميلادي أخذت القبائل الجرمانية الشمالية (الأنغلو Angles والساكسون Saxons والجوت Jutes) تغير من شمالي أوربا على بريطانيا، إلى أن تمكنت من الاستيلاء عليها في مطلع القرن السابع الميلادي.
في البدء شكل الأنغلو ساكسون في بريطانيا سبع ممالك صغيرة هي: كنت Kent (في الزاوية الجنوبية الشرقية من بريطانيا، أسستها قبائل الجوت) وسَسِكس Sussex ووسْسِكس Wessex وإسكس Essex (في الجنوب والجنوب الشرقي، أسستها قبائل الساكسون) وآنغليا Anglia أو إنكلترا الشرقية (في الشرق) و نورثومبريا Northumbria (في الشمال) وميرسيا Mercia (في الوسط والغرب)، وهذه الممالك الثلاث الأخيرة أسستها قبائل الأنغلو، وقد عرفت بريطانيا في ذلك العصر باسم بلاد السبع ممالك0
وفي القرن السابع الميلادي أخذت تظهر في تلك الممالك أفكار الدعوة إلى المسيحية، ويعد تودور Tudor الطرسوسي رئيس أساقفة كنتربري Cantrbury أول من أوجد النظام الأسقفي الذي أصبح الأساس لقيام دولة موحدة في إطار ماعرف بالقومية الإنكليزية، وقد نشأ نوع من الصراع المتأجج مابين تلك الإمارات على مدى قرن ونصف، استطاعت مملكة أوسكس في النهاية أن تخضع الممالك الأخرى لسلطتها ووحدتها في مملكة واحدة برئاسة ملكها إغْبِرت Egbert ت(802-839)م. ومنذ ذلك الوقت صارت بريطانيا كلها تعرف باسم إنكلترا 0
ساعد على توحيد بريطانيا في مملكة واحدة عوامل داخلية وأخرى خارجية. أما العوامل الداخلية فهي أن كبار الإقطاعيين عملوا على ضم الممالك البريطانية الصغيرة في مملكة واحدة بغية تشكيل جهاز إداري وعسكري قوي باستطاعته إخماد تمردات صغار الفلاحين، أما العوامل الخارجية فإنها تمثلت في غارات النورمانديين على تلك الممالك بين الحين والحين، الأمر الذي دفع تلك الممالك إلى الاتحاد في مملكة واحدة بغية توحيد الجهود للدفاع عن البلاد ضد أولئك الغزاة.
والنورمانديون كلمة تعني الشماليين أو سكان الشمال، ويطلق عليهم أيضاً الفايكينغ Viking أي سكان الخلجان. وهم يتشكلون من ثلاثة فروع: الدانيون أو الدنماركيون، والنروجيون، والسويديون، وكانوا يقطنون في البلاد الاسكندنافية.
شرع النورمانديون يغيرون على أوربا الغربية منذ أواخر القرن الثامن الميلادي، ونجحوا في غاراتهم بسبب تفتت أوربا الغربية إلى ممالك وإمارات إقطاعية تتصارع فيما بينها من جهة، ونتيجة لشهرتهم في الملاحة وكثرة السفن السريعة لديهم، إضافة إلى مهارتهم في القتال وتطور سلاحهم من جهة أخرى. ووصل النروجيون بغاراتهم إلى إنكلترا وإيرلندا واسكتلندا وإيسلندا وغرينلندا وشواطئ أمريكا الشمالية، في حين وصل الدنماركيون إلى ألمانيا وإنكلترا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا، أما السويديون فإنهم وصلوا إلى البحر الأسود وبحر قزوين.
شن الدنماركيون غارات عديدة على إنكلترا على مدى قرن من الزمن، وفي سنة 866 م، سيطروا على نورثومبريا وميرسيا وآنغليا الشرقية. وعندما وصل الملك ألفريد Alfred إلى حكم وسكس (871- 899 م) قام بالدفاع عن الجزر البريطانية على الرغم من صغر سنه إذ تصدى للغزاة في معارك عديدة لم يكن النصر فيها حاسماً لأي منهما، وفي عام 872 م عقد ألفريد صلحاً مؤقتاً مع الدنماركيين على مال قدمه إليهم ليتفرغ لتنظيم جيشه وبناء أسطوله، ولما نشبت الحرب بينهم مرة أخرى عام 878 م أنزل ألفريد بالدنماركيين هزيمة ساحقة عند إدنغتون Edington، ونتج من تلك المعركة أن أبرمت معاهدة بين الطرفين تقضي بسحب جميع قوات الدنماركيين من مملكة وسكس Wessex واعتناق زعيمهم غُثرَمGuthrum الديانة المسيحية، إلى جانب تعهده بعدم مهاجمة أملاك ألفريد بعد ذلك0 لكن الدنماركيين لم يلتزموا بتلك المعاهدة وهاجموا مجدداً مملكة وسكس عام 892 م بعد وصول مجموعة كبيرة من بلادهم بهدف الحصول على مستقر لهم في الجزر البريطانية، لكن ألفريد نجح في حصارهم حتى اضطرهم إلى الرحيل، ونعم بالهدوء في مملكته حتى وفاته عام 899م.
اهتم ألفريد مدة حكمه بالعمل على نشر الديانة المسيحية، واهتم بالتعليم، فأسس المدارس التي من أهمها مدرسة القصر التي استقدم إليها العلماء من جميع أنحاء أوربا. وشجع حركة ترجمة الكتب اللاتينية الشائعة في عصره وعلى رأسها كتاب التاريخ الكنسي للأمة الإنكليزية للمؤرخ بيده Bede، وكتاب «التاريخ» للمؤرخ أوروسيوس Orosius، و«سلوى الفلاسفة» للفيلسوف بوثيوس Boethius. إلى جانب ذلك اهتم ألفريد بتاريخ إنكلترا، واعتنى بالإدارة المدنية وأعاد سلطة القانون، وأقام كثيراً من الكنائس والأديرة بعد أن خرب ماكان موجوداً منها بسبب هجمات الدنماركيين.
وفي عهد خلفاء الملك ألفريد عاد الدنماركيون إلى احتلال إنكلترا في النصف الأول من القرن الحادي عشر الميلادي وشكلوا الامبراطورية الدنماركية بزعامة سفيند الأول Svend I ملك الدنمارك (1014- 1042م). وفي عهد أبناء سفين الذين لم يكونوا بمقدرة أبيهم تشكل مايعرف بالدوقيات الأربع الكبرى (وسكس ـ أنغليا ـ مرسيا ـ نورثومبريا) فضلاً عن باقي الإمارات، وظهر الدوق غودوين Godwin صاحب وسكس أقوى الأمراء في تلك المقاطعات، وهو الذي أعاد الأسرة الأنغلوساكسونية إلى عرش إنكلترا من خلال دوره في إعادة زوج ابنته، إدوارد Edward ت(1042-1066)م بن أثلرد Ethelred من سلالة ألفريد ملكاً على إنكلترا. ثم مالبثت إنكلترا أن خضعت للحكم النورماني وأسرة البلانتاغنت Plantagent بوصول وليم الفاتح William the Conqueror إلى الحكم ( 1066- 1087م). وفي الفترة الواقعة مابين عهد وليم الفاتح 1087م، وعهد أدوارد الثالث Edward III ت(1327-1377م) حكم إنكلترا تسعة ملوك. شهدت البلاد في عهودهم أحداثاً مهمة كأعمال التمرد والعصيان التي كان يقوم بها الأهالي ضد العناصر النورماندية، والحروب التي شاركت فيها إنكلترا فيما يعرف بالحروب الصليبية تجاه المشرق العربي، ومن جهة أخرى قطعت إنكلترا شوطاً كبيراً في مجال الإصلاحات الاجتماعية والثقافية وتطوير الأنظمة والقوانين مما أسهم في تسريع حركة الانتقال بالمجتمع الإنكليزي إلى مرحلة العصور الحديثة.
خلف إدوارد الثاني ابنه إدوارد الثالث ملكاً على إنكلترا، وفي عهده اندلعت حرب المئة عام (1337- 1453م) بين إنكلترا وفرنسا،وترجع أسباب تلك الحرب إلى أن ملوك إنكلترا النورمانديين احتفظوا بأملاكهم في غربي فرنسا، ورأى الفرنسيون أن تلك الممتلكات كانت تحول دون وصولهم إلى المحيط الأطلسي، إضافة إلى التنافس الاقتصادي بين الدولتين وتعارض مصالحهما السياسية في القارة الأوربية0
وفي منتصف القرن الرابع عشر الميلادي اجتاح أوربا مرض الطاعون، فعانت ذلك إنكلترا، وتعرضت لأزمة اقتصادية حادة بعد أن قلّت الأقوات ونقصت الأيدي العاملة وارتفعت الأسعار ارتفاعاً فاحشاً. وفي عهد إدوارد الثالث أيضاً ساءت العلاقة بين إنكلترا والبابوية بسبب مساندة البابا لفرنسا في حرب المئة عام، لذلك رفض البرلمان الإنكليزي حق تعيين البابا لكبار رجال الدين في إنكلترا، ومنع دفع الأموال التي كانت مقررة للبابوية. وظهرت في إنكلترا حركة دينية إصلاحية قادها جون ويكليف John Wyeliffe ت(1324- 1384)م، الذي نادى بحق الدولة في مصادرة ممتلكات الفاسدين من رجال الدين، كما نادى بعدم التقيد بالبابوية وبأن الإنجيل هو الدستور الوحيد الذي يجب أن يهتدي المسيحيون بهديه.
وبعد سنتين على مضي حرب المئة عام، نشبت حرب أهلية داخل إنكلترا عرفت بحرب الوردتين، دامت نحو ثلاثين عاماً (1455- 1485) بين فرعي الأسرة الحاكمة (لانكستر Lancaster ويورك York).
اتخذ الفرع الأول الوردة الحمراء شعاراً لرايته مقابل الوردة البيضاء التي اتخذها الفرع الثاني شعاراً له. وانتهت تلك الحرب بانتقال التاج الإنكليزي إلى أسرة تودور Tudor من فرع لانكستر، وتتويج هنري تيودور ملكاً على إنكلترا باسم :هنري السابع، عند نهاية القرن الخامس عشر.
عبد السلام زيدان
- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - النوع : سياحة - المجلد : المجلد التاسع عشر مشاركة :