يابان (تاريخيا)
Japan - Japon

التاريخ

 

عرفت الجزر اليابانية استيطاناً باكراً يعود إلى عشرين ألف سنة خلت، وقد تزاوجت عناصر هذا الاستيطان مع عدد من الأجناس من عناصر عرقية مختلفة تعود إلى سكان جزر المحيط الهادئ والبر الآسيوي المقابل وكذلك بعض العناصر القوقازية، ونتج من ذلك تركيبة جديدة من السكان أطلقوا على أنفسهم أسماء الجزر التي وجدوا فيها، لكنهم تكلموا لغة جديدة اختلفت عن لغات الأقوام المجاورة مع أنها حملت كثيراً من مفردات اللغة الصينية.

لا يُعلم كثير عن تاريخ اليابان القديم قبل القرن الثالث قبل الميلاد، إذ تعدّ حضارة «اليايوي» Yayoi أقدم حضارات اليابان التي استمرت نحو خمسة قرون أعقبتها فترة حضارية باهتة حتى القرن الرابع الميلادي عندما تمكنت إحدى القبائل القوية ـ وتدعى «ياماتو» Yamatoـ من توحيد سكان الجزر اليابانية تحت قيادة امبراطور انتزع لنفسه سلطة أوتوقراطية ورمزية تقليدية لتوحيد البلاد.

ومع بداية القرن الثاني الميلادي بدأ احتكاك اليابان تدريجياً بجارتيها كوريا والصين في عهد أسرة هان Han، واستوعبت اليابان وقتها معظم المؤثرات الحضارية التي وردتها عن هاتين الجارتين، وأبرزها الكتابة التي سهلت الاطلاع على إنجازات العلوم الصينية، وثانيها الدين عندما بدأ انتشار الديانة البوذية في اليابان أوائل القرن السادس. وفي القرن السابع نظمت اليابان عملية اقتباسها للعلوم الصينية عن طريق إرسال البعثات التعليمية التي عادت إلى اليابان في مطالع القرن الثامن للبدء بعملية التحول الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

وقد نجح هؤلاء المبعوثون في إدخال إصلاح اجتماعي اقتصادي إلى المجتمع الياباني المرتكز أساساً على الطبيعة الوظيفية، وقد دعي هذا الإصلاح إصلاح تايكا Taika الذي تضمن إلغاء النظام القبلي وتأسيس ملكية مطلقة وإعادة توزيع ملكية الأراضي. وفي القرنين العاشر والحادي عشر طور عدد من الأرستقراطيين الجدد نظام حياتهم بناء على قدرتهم على تقديم خدمات عسكرية في مجتمعاتهم، وألَّفوا بدءاً من القرن الثاني عشر طبقة حكمت فعلياً اليابان مع اعترافهم بسلطة الامبراطور الاسمية، عرفت هذه الطبقة باسم طبقة المحاربين. وبرز من هذه الطبقة أسرتان تنازعتا على السلطة؛ هما أسرة تايرا Taira وأسرة ميناموتو Minamoto، انتصرت الأولى فترة ربع قرن 1160ـ1185 أعقبها انتصار زعيم الأسرة الثانية يوريتومو Yoritomo الذي حمل لقب غنشوغون Genshogun الذي وضع في عهده معظم تقاليد الفروسية اليابانية، وأطلق على أتباعه لقب الساموراي Samurai الذين آمنوا بمبدأ الشرف الشخصي الذي يصل درجة تقديسه إلى حد تضيحة الفرد بحياته أو ما أطلق عليه اسم «هاراكيري» Haraـ Kiri، وفي الفترة التي تلت يوريتومو سنة 1199 لم يتمكن امبراطور اليابان وأعوانه في العاصمة كيوتو من الحد من نفوذ هذه الطبقة التي تسلمت السلطة فيها أسرة هوغو Hogo التي نجحت في خلافها مع الامبراطور، وأدت إلى تأجيج حرب أهلية وصراعات على الحكم استمرت معظم القرن السادس عشر.

وفي نهاية هذه الفترة تمكن القائد هيديوشي تويوتومي Hideyoshi Toyotomi من توحيد اليابان وتأسيس حكومة جنوبي العاصمة كيوتو، كما تمكن من فرض نظام جديد حقق سلماً داخلياً كانت البلاد بأمس الحاجة إليه.

وفي هذه الفترة بدأ احتكاك اليابان بأوربا حين نزل سنة 1543 أوائل التجار والمبشرين في الجزء الجنوبي من جزيرة كيوشو Kyushu مستهلين مجموعة من الرحلات التالية التي كان أهمها سنة 1549 حينما أسس الكاهن فرانسيس كزافيه F.Xavier أول إرسالية مسيحية نجحت في استمالة بعض اليابانيين للمسيحية، وأشعرت اليابانيين بأنهم في فترة سيستبدلون ولاءهم لإقطاعييهم بولاءات لباباوات روما. وفي سنة 1603 تمكن القائد إياسو توكوغاوا Ieyasu Tokugawa من الاستيلاء على السلطة وإرساء دعائم نظام جديد ينطلق من عاصمته الجديدة إيدو Edo، وارتكز على تقسيمات اجتماعية جديدة في مقدمتها طبقة المحاربين أو «الساموراي»، تليها طبقة الفلاحين ثم طبقة الحرفيين وأخيراً التجار، وفي عهد توكوغاوا صدرت الأوامر بإغلاق جميع الكنائس وتحريم الديانة المسيحية مما دفع بعض المتطرفين في المدن اليابانية إلى الاعتداء على قسم من الأوربيين وطرد القسم الآخر وهروب بعضهم المتبقي باستثناء قسم من الهولنديين الذين سمح لهم بالإقامة في مدينة ناغازاكي إلى جانب بعض التجار الصينيين والكوريين.

على أن تقسيم توكوغاوا لم يتمكن من الصمود في وجه حتمية التطورات الاقتصادية التي دفعت القسم الأكبر من التجار إلى قمة السلم الاجتماعي إلى درجة أن بعض أفراد الطبقات العليا بدؤوا بالتزاوج من طبقة التجار للحفاظ على مركزهم المالي في المجتمع، وما إن وافى القرن التاسع عشر حتى أصبح التجار يسيطرون على الاقتصاد الياباني ومن ثم على حركة التطوير العام في اليابان.

وقد استمرت عزلة اليابان حتى سنة 1850 باستمرار حكم أفراد أسرة توكوغاوا الذين كانوا يتغاضون عن الإيذاء الذي كان يتعرض له السفراء وممثلو الدول والشركات الأجنبية في اليابان، وكانت الولايات المتحدة أول الدول الغربية التي كسرت هذه العزلة عندما أرسلت سنة 1853 قوة بحرية طلبت فتح الموانئ اليابانية للتجارة مع الولايات المتحدة، واستجابت اليابان لهذا الطلب، كما وافقت سنة 1856 على عقد معاهدة تجارية مع الولايات المتحدة، أعقبتها معاهدات مع كل من روسيا وبريطانيا وفرنسا وهولندا مع تعهد بحماية الرعايا الأجانب. بما أن الحكومة لم تستطع حماية هؤلاء الرعايا وسفنهم التي أحرقت في الموانئ سنة 1860 فقد قامت الدول الغربية باستثناء روسيا بقصف بعض المدن اليابانية بالقنابل سنة 1864 وسنة 1868.

وكانت هذه الحادثة بداية تغيرات جذرية في تاريخ اليابان، فقد تمكن الامبراطور بمساعدة عدد من «الساموراي» المستنيرين من استعادة سلطته، فألغى النظام الإقطاعي بجميع الصور، وطوّر التعليم، وأحدث المصارف الحديثة، واعتمد التقويم الغربي، واحتذت اليابان القانون الفرنسي ونظام الوزارة في ألمانيا وطريقة الحكم في بريطانيا. وفي سنة 1889 اعتمدت البلاد دستوراً جديداً أتبعه انتخابات تشريعية وتشكيل حكومة جديدة سارعت في تطبيق مشروعات التحديث التي اعتمدت الصرامة في التنفيذ واجتثاث التسيّب الإداري. وكان للوزارات المتعاقبة فضل إدخال الصناعات الحديثة إلى البلاد ودعمها والتي نفذتها ثلاث شركات عملاقة هي Mitsui وMitsubishi وIwasaki. وهو أمر دفع اليابان إلى دخول معترك البحث عن أسواق في الخارج أسوة بباقي الدول الامبريالية، فافتعلت سنة 1894 حرباً مع الصين، واحتلت بنتيجتها عدداً من مناطق الشرق الأقصى. وفي سنة 1902 أبرمت اليابان حلفاً مع بريطانيا مكنها من مهاجمة روسيا سنة 1904 وإجبارها على منحها امتيازات في بعض المناطق الشرقية إضافة إلى إطلاق يدها في كوريا. وقد أسفرت مشاركة اليابان الحلفاء في الحرب العالمية الأولى عن بروزها دولة عظمى في عالم القرن العشرين، لكنها كانت ملزمة بحسب معاهدة الدول التسع الكبرى احترام القوى الإقليمية في الشرق الأقصى. وبسبب حالة السلم التي عاشتها اليابان بعد الحرب العالمية الأولى، تضاعف عدد سكانها عما كان عليه سنة 1870؛ مما سبب لها مشكلة اجتماعية زاد في تفاقمها عدم سماح الدول الصناعية لليابانيين بالهجرة إليها، وكذلك تأثر الاقتصاد الياباني بدءاً من سنة 1929 بالأزمة الاقتصادية العالمية، وقد أدى كل ذلك إلى انتعاش الروح العسكرية اليابانية مطالبة بالتوسع. وفي سنة 1931 هاجمت اليابان منشوريا، ونصّبت حكومة عميلة لها على الرغم من معارضة الدول الغربية. ووقفت الحكومة اليابانية بعد اضطرارها إلى الانسحاب من عصبة الأمم رداً على ذلك عاجزة أمام حوادث اغتيال الشخصيات المعارضة للعسكريين في طوكيو. ومنذ ذلك التاريخ كتم العسكريون ومناصروهم الأصوات المعارضة، وصادروا إرادة الامبراطور، وبدؤوا حملة لإيقاظ الروح الوطنية المتعصبة، واستغلوا حادثة بكين سنة 1937 بمهاجمة الساحل الصيني واحتلاله، وفي السنة نفسها تحالفت اليابان مع ألمانيا وإيطاليا. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية 1939 وقعت اليابان سنة 1941 معاهدة عدم اعتداء مع الاتحاد السوڤييتي، وهاجمت في 7/11/1941 الأسطول الأمريكي في بيرل هاربر Pearl Harbor، واحتلت معظم مناطق الشرق الأقصى مثل هونغ كونغ وسنغافورة وماليزيا والفيليبين وإندونيسيا ولاوس وكمبوديا وڤييتنام وتايلند، لكن كل هذه التوسعات والانتصارات لم تدرأ هزيمة اليابان التي انتهت بحادثتي إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناغازاكي.

دفعت اليابان خسائر كبيرة في أرواح المواطنين والأموال والمنشآت، وغدت معظم مدنها خرائب، لكنها شهدت بعد استسلامها غير المشروط وضع دستور جديد سنة 1947كفل عدداً كبيراً من الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي مهدت السبيل لانتعاش اليابان اقتصادياً بعد توقيعها معاهدات سلام مع معظم دول العالم وإعادتها كل المناطق التي احتلتها في الحرب إلى سكانها الأصليين وقبولها في الأمم المتحدة سنة 1956.

وقد عانت اليابان تقدم الاقتصاد البطيء فترة ما بعد الحرب، بيد أن الحرب الكورية دعمت هذا الاقتصاد. وفي ظل حكومات ليبرالية وطدت علاقتها مع الدول الغربية والولايات المتحدة خصوصاً التي دعمتها في كل المجالات، ونافستها في مجال الصناعة إلى درجة أن اليابان تعدّ اليوم أكبر منافس للولايات المتحدة في الأسواق العالمية وواحدة من أكبر عمالقة الصناعة؛ مما أدى إلى رخاء اقتصادي واجتماعي داخل اليابان وخارجه على مستوى إعانات سخية تقدمها اليابان إلى عدد من دول العالم.

 مفيد العابد

 

 

 


- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - النوع : سياحة - المجلد : المجلد الثاني والعشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 418 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة