مساله شرقيه
Eastern Question - Question de l'Orient

المسألة الشرقية

 

المسألة الشرقية The Eastern Question اصطلاح تداوله الساسة والمؤرخون في وثائقهم ومؤلفاتهم للتعبير عن سياسات الدول الغربية تجاه الدولة العثمانية وما رافق هذه السياسات من تنافس وصراع مابين تلك الدول؛ منذ أن بدأ الضعف يدب في أوصال السلطنة العثمانية إلى أن انتهى الأمر بزوالها بعد الحرب العالمية الأولى.

قبل شيوع هذا المصطلح قام بعض سلاطين الدولة العثمانية عند نهاية القرن السادس عشر بمنح امتيازات لرعايا الدول الأوربية تحولت مع الزمن؛ لتصبح نظاماً وحقوقاً مكتسبة لم تعد الدولة العثمانية قادرة على إلغائها، وأصبح بالنهاية من حق الدول صاحبة الامتيازات حماية رعاياها الذين لم يعودوا يخضعون لقوانين الدولة العثمانية، بل أصبح لهم مرجعيّاتهم الممثّلة بالقناصل المعتمدين لدى البلاط العثماني.

بدأ مفهوم المسألة الشرقية يأخذ معناه عندما أصبح بطرس الأكبر Peter the Great قيصراً على روسيا (1688- 1725)، وقام بتحديث القوانين والأنظمة في بلاده، وعمل على بناء نهضتها، وأراد أن يكون لروسيا من الامتيازات في الدولة العثمانية ما لغيرها من الدول الأوربية الأخرى، وعندما تولت الامبراطورة كاترينا الثانية Katherina IIت(1762-1796) سدة الحكم كان هاجسها تحطيم الحاجز الفاصل مابين روسيا وأوربا ممثلاً بالمقاطعات العثمانية التي تفصل بينها، فبدأت حروبها مع الدولة العثمانية في الفترة مابين 1768- 1774 ثم 1787- 1792 فاحتلت الأفلاق والبغدان في الوقت الذي وصل أسطولها إلى البحر المتوسط، وأخذ يقدم المساعدات للمتمردين على سلطان الدولة العثمانية (علي بك الكبير في مصر، وظاهر العمر في فلسطين) وهو ما أثار خوف إنكلترا وفرنسا وبروسيا التي رأت في كل هذا تهديداً لمصالحها في المنطقة، فأقدمت فرنسا على احتلال مصر سنة 1798 على نحو مفاجئ، فأثارت حفيظة بريطانيا التي قامت بضرب الأسطول الفرنسي بموقعة أبي قير؛ في حين كانت تعزز وجودها بمنطقة الخليج العربي لضمان اتصالها بمستعمراتها في الهند. مع بداية القرن التاسع عشر اتفقت روسيا والنمسا على اقتسام المناطق الخاضعة للدولة العثمانية على شواطئ البحر الأسود وفي البلقان، ونشبت الحرب في الفترة ما بين 1806 - 1812، انتهت بصلح بوخارست Bucharest، حصلت روسيا بموجبه على بلاد القرم، وأصبح نهر دنيستر Dniester فاصلاً بين الدولتين، وفي عام 1815 استغلت روسيا الوضع المتفاقم في اليونان، فقامت بتحريض السكان عبر بعض الجمعيات اليونانية المناهضة للعثمانيين تحت شعار (اليونان لليونانيين) سعياً منها إلى إحياء الامبراطورية الأرثوذكسية في الشرق، فاشتعلت الثورة في اليونان عام 1821 ضد الوجود العثماني، واتسع نطاقها بفعل مشاركة أعداد كبيرة من المغامرين الروس والبلغار، وخوفاً من نتائج هذه الأحداث التي كانت روسيا عنصراً فاعلاً فيها سارعت بريطانيا وفرنسا إلى الضغط على السلطان العثماني، وأجبرتاه على توقيع صلح أدرنة Adrianople في شباط/فبراير 1830 الذي اعترف فيه الباب العالي باستقلال اليونان، ونزل لروسيا عن بعض المناطق حتى نهر الدانوب Danube مع السماح لها بأعمال الملاحة في البحرين الأسود والمتوسط، لكن هذه الحرب كشفت عن تنامي قوة محمد علي باشا في مصر الذي شارك في حرب البلقان إلى جانب الدولة العثمانية، وحقق لها بعض الانتصارات، لكنه ما لبث أن انقلب على السلطان لتنكر هذا الأخير لوعود بينهما، وألحق بالجيش العثماني هزيمة كاسحة، وهدد السلطنة بالاجتياح، فاتجهت روسيا إلى بريطانيا للحد من تنامي قوة محمد علي، وأعلنتا حمايتهما للسلطان، وخوفاً من أن تنفرد دولة دون غيرها بمصير السلطنة تداعت كبرى الدول الأوربية (إنكلترا - روسيا - بروسيا - فرنسا - النمسا) إلى عقد مؤتمر في لندن 1841 للتنسيق فيما بينها، وأصدرت مذكرة أعلنت فيها حمايتها مجتمعة لأملاك الدولة العثمانية وطلبت من السلطان العثماني ألا يقوم بأي مفاوضات مع محمد علي من دون العودة إلى هذه الدول، وانتهى الأمر بإجبار محمد علي على الانسحاب من سورية فيما بعد، لكن هذا الحلف لم يدم طويلاً إذ سرعان ما انهار حينما ادعى القيصر الروسي حق حماية الرعايا الأرثوذكس في السلطنة، وطالب بامتلاك مفاتيح الكنيسة الأرثوذكسية في بيت لحم، وحينما رفض السلطان العثماني هذا المطلب تحولت القضية من مسألة دينية؛ لتصبح مسألة سياسية، وقطعت روسيا علاقاتها الدبلوماسية مع الدولة العثمانية، وقامت على أثرها حرب القرم Crimea التي استمرت للفترة ما بين 1853 - 1856 وخوفاً من نتائج الحرب على مصير السلطنة وقفت بريطانيا وفرنسا على ما بينها من عداوة إلى جانب الدولة العثمانية، وخرجت روسيا من الحرب منهزمة، وأجبرت على توقيع معاهدة باريس 1856 مع كل من فرنسا وبريطانيا والنمسا وبروسيا، نصت على احترام استقلال الدولة العثمانية على أن تقوم الدولة بإجراء إصلاحات داخلية تراعي فيها مصالح الدول الموقعة على الاتفاقية. وفي عام 1876 استؤنفت الحرب مرة أخرى بين الدولة العثمانية وروسيا، وعبرت القوات الروسية نهر الدانوب بقيادة القيصر حتى أصبحت على مشارف العاصمة إصطنبول، وأملت على الدولة العثمانية صلح سان استفانو San Stefano، ومرة ثانية تدخلت بريطانيا، ودعت بتأييد من ألمانيا إلى عقد مؤتمر في برلين أجبرت روسيا على حضوره سنة 1878، وجردتها مما حققته في تلك الحرب، وأعادت إلى الدولة العثمانية بعض المناطق التي كانت قد احتلتها روسيا، لكنه أعطى البوسنة والهرسك Bosnia-Herzegovina للنمسا والمجر؛ ومنح الدول الغربية حق حماية رعايا الدولة العثمانية من غير المسلمين, وفي ظل هذا التنافس المحموم بين الدول الغربية على اقتسام تركة «الرجل المريض» فتح باب التفاوض وعقد الاتفاقات السرية والمعلنة بين تلك الدول على مصراعيه ليبلغ ذروته عند نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين, وكان اتفاق سايكس - بيكو Sykes- Picotآخر شكل من أشكال هذه التفاهمات؛ لينتهي الأمر بتمزيق أوصال الدولة العثمانية والقضاء عليها بنهاية الحرب العالمية الأولى.

مصطفى الخطيب

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

سايكس بيكو ـ كاترينا الثانية ـ محمد علي باشا.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ حسين لبيب، تاريخ المسألة الشرقية (القاهرة 1921).

ـ ساطع الحصري، البلاد العربية والدولة العثمانية (دار العلم للملايين، بيروت 1965).

ـ علي حسون، تاريخ الدولة العثمانية (المكتب الإسلامي، بيروت 2002).


- التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار - المجلد : المجلد الثامن عشر - رقم الصفحة ضمن المجلد : 503 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة