المونوفيزيقية
مونوفيزيقيه
Monophysitism - Monophysitisme
المونوفيزيقية
المونوفيزيقية أو المونوفيزية monophysitism (كلمة يونانية مركبة من مونوس monosأي واحد و«physis» أي «طبيعة»)، هي المذهب القائل بالطبيعة الواحدة في المسيح، الذي تبنته الكنائس الأرثوذكسية الشرقية اللاخلقيدونية الملتزمة بدستور الإيمان النيقاوي (مجمع نيقية Nicaeaت325م) والمعارضة لتعريف الإيمان الخلقيدوني (مجمع خلقيدونية Chalcedon ت451م)، وهي الكنيسة الأرمنية في أرمينيا ولبنان، والكنيسة السريانية (كنيسة اليعاقبة) في سورية والهند، والكنيسة القبطية في مصر والكنيسة الإثيوبية في إثيوبيا.
ظهرت المونوفيزيقية في الشرق المسيحي في القرنين الخامس والسادس الميلاديين نتيجة للخلافات المذهبية العقائدية المبكرة المتعلقة بسر الثالوث المقدس وطبيعة السيد المسيح [ر. عيسى (يسوع المسيح)]، ورداً على النسطورية [ر] Nestorianism مذهب أصحاب الطبيعتين.
وقد تجسدت المونوفيزيقية في مذهبين رئيسين، اتّخذت فيهما أشكالاً مختلفة جداً، بدأت أولاً مع الأبوليناريّة Apollinarianism نسبة إلى أبوليناريوس اللاذقاني (310ـ390م) أسقف اللاذقية الذي ذهب إلى أن للمسيح طبيعة واحدة هي الطبيعة الإلهية (عدم وجود ناسوت كامل في المسيح). واستمرت ثانياً مع المبادئ التي نادى بها الأرشمندريت أفتيخي (أوطيخا) القسطنطيني Eutychesت(378ـ454م) رئيس دير القسطنطينية الذي تمسك بصيغة البابا كيرلس St.Cyril of Alexandria بطريرك الإسكندرية (376 ـ 444م) كما وردت حرفياً في مجمع أفسس الأول Ephesus، فقال: «أن الطبيعة الإنسانية للسيد المسيح قد تلاشت جوهرياً في الطبيعة الإلهية».
وقد أدى اللبس في المفاهيم والصيغ المتعلقة بسر الثالوث إلى تأويلات نتج منها مواقف عقدية كثيرة لم تكن الكنيسة راضية عنها دائماً، وكذلك إلى شقاق بين المدارس اللاهوتية الشرقية: منها مدرسة أنطاكية التي ركزت على ناسوت المسيح ومالت إلى القول بالإثنينية الأقنومية (بأن للمسيح طبيعتين). ومدرسة الاسكندرية التي نزعت إلى إبراز اللاهوت في المسيح، ومالت للقول بوحدة الأقنوم (بأن للمسيح طبيعة واحدة). فرفض نسطور [ر] Nestorius أسقف القسطنطينية (428م) ـ الذي درس في أنطاكية ـ العقيدة الآريوسية [ر] وغيرها من البدع، وأعلن تعليمه الجديد بأن للمسيح طبيعتين متباينتين لكل خواصها، وأن العذراء ليست أم الله حقاً وإنما أم المسيح الإنسان. وعُقد مجمع أفسس الأول المسكوني الثالث سنة 431م في عهد امبراطور الشرق ثيودوسيوس الثاني Theodosius II وامبراطور الغرب ڤالنتينيانوس الثالث Valentinianus III، للنظر في ادعاء نسطور ومناصريه من الآباء الشرقيين أمثال يوحنا الأنطاكي أسقف أنطاكية. وأقرّ المجمع عقيدة القديس كيرلس بطريرك الإسكندرية: «بأن للمسيح طبيعة واحدة ومشيئة واحدة (المذهب الأرثوذكسي)»، وأكَّد صحة لقب «أم الإله» المنسوب إلى السيدة مريم [ر]. ونحّى المجمع نسطور من منصبه وأدان تعليمَه، ونُفي إلى البتراء (435م) ثم إلى صحراء مصر.
ورفض الشرقيون قبول تحريم نسطور، فنتج من ذلك خلاف بين أنصار القديس كيرلس والأنطاكيين، لم تحسمه الصيغة العقدية (قاعدة أفسس الإيمانية) التي وضعها بابا روما (القديس سلِسْتينوس الأول Celestinus Iت(422ـ432م) والامبراطور ثيودوسيوس الثاني لمصالحتهما سنة 433م. كما اتهم كيرلس بالتخاذل أمام الشرقيين في دفاعه عن العقيدة التي أُقرّت صيغتها في مجمع أفسس الأول «القول بالطبيعة الواحدة في المسيح»، والتي آمن بها كثير من أتباعه منذ ذلك الحين أمثال أفتيخي.
وخلف ديوسقورس Dioscorusت(444ـ451م)كيرلس على سدة الإسكندرية، وتبنى الأفتيخية سراً ولكنه كان يدّعي أنه يدافع عن العقيدة الأرثوذكسية التي اعتنقها عن سلفه. فعقد مجمع خلقيدونية سنة 451 بطلبٍ من البابا ليون الكبير [ر] Leo the Great، وبدعوة من امبراطور الشرق مارقيانوس Marcianusت(450ـ457)، وانتهى إلى تأييد قرار مجمع أفسس الأول وإدانة بدعة أفتيخي المونوفيزيقية، ثم عَزْلِ ديوسقورس الإسكندريّ ونفيه. وأصدر المجمع الصيغة النهائية للإيمان الأرثوذكسي الخلقيدوني، مفادها أن للمسيح طبيعتين ومشيئتين إلهية وإنسانية في أقنوم واحد، بلا اختلاط ولا امتزاج (إزاء المونوفيزيقية)، وبلا انقسام ولا انفصال (إزاء النسطورية).
ورفضت مدرستا أنطاكية والإسكندرية قرارات مجمع خلقيدونية، فانتشرت الفوضى الفكرية في الشرق بين المؤمنين المدّعين أنهم المخلصون لتعليم القديس كيرلس. فكان منهم المونوفيزيقيون المتشددون، وهم أصحاب أفتيخي الذين أصروا على الصيغة التي كان كيرلس نفسه قد عدّلها فيما بعد (مصالحة 433م) منعاً إلى إثارة الشقاق في الكنيسة. وهؤلاء ظهر مذهبهم بمظاهر شتى في مصر وسورية، وكان من أقطابه في القرن السادس يوحنا النحوي[ر]، وبطريرك الإسكندرية داميانوس Damianos (توفي 577م)، الذي ثبّت دعائم المونوفيزيقية في الكنيسة المصرية، وعُرفت بالكنيسة القبطية [ر]. كما كان منهم المونوفيزيقيون (المعتدلون) الذين زعموا الإخلاص لصيغ القديس كيرلس العقدية. فنشأت بينهم فئات، قالت شكليّاً بوحدة الطبيعة، منها من تزعمهم أكاسيوس Acaciusبطريرك القسطنطينية (471ـ489م)، ومنها من أقام في الإسكندرية أمثال البطاركة ديوسقورس وتيموتاوس Timotheus (توفي 527م)، ومنها من انتشر في أنطاكية، وكان لسفيروس Severusت(511ـ539م)بطريرك أنطاكية في الجيل اللاحق الأثر الأكبر في ضبط المونوفيزيقية المعتدلة في سورية بصيغتها النهائية التي أخذ بها من عُرفوا باليعاقبة بعد ذلك، فقد انطلق من موقف القديس كيرلس العملي في العقيدة المتعلقة بالمسيح على أنها منطوية على سر من أسرار الله لابد من الإيمان به. وحاول بالارتكاز على مبدأ ترادف الألفاظ بين (الطبيعة ـ الأقنوم ـ الشخص) أن يوفق بين النسطورية والأفتيخية، موضحاً أن للمسيح طبيعة واحدة، أو أقنوم واحد، وهو الكلمة الإلهية التي تجسدت إنساناً. وهذا الناسوت الكامل قد اتحد بالكلمة الإلهية اتحاداً طبيعياً يمنع من القول باثنينية النسطورية، وبمزيج الأفتيخية، فالمسيح إله مساوٍ للآب في الذات والجوهر، ومساو للإنسان في الذات والجوهر. والتمايز بين الطبيعتين في المسيح تمايز ذهني وحسب، والأفعال الصادرة عن المسيح واحدة لأن المشيئة والإرادة واحدة.
واحتدم الخلاف ثانية بين الخلقيدونيين والمونوفيزيين اللاخلقيدونيين حينما أصدر الامبراطور الكاثوليكي جستنيان الكبير (يوستينيانوس) (527 ـ 565م) Justinianus بياناً حرّم فيه المونوفيزيقية، وأعلن تمسكه بمقررات أفسس وخلقيدونية، وكفَّر فيه ثيودوروس المصيصي Theodore of Mopsuestia وثيودوريطيس القورشي Theodoret of Cyrrhusت(393ـ458) وإيبا الرهاوي Ebas of Edessa، وحرَّم كتبهم سنة 544م. فأرغم أساقفة الشرق والبابا ڤغيليوس Vigilius على إدانتهم في مجمع القسطنطينية الثاني (553م)، وإصدار حكم يقضي بتحريم كتبهم، واحترام مقررات خلقيدونية.
ولم تنجح محاولاته في قمع المونوفيزيقية من الانتشار وتثبيت دعائمها في مصر وسورية، وتفاقم الانشقاق الديني، وأدى إصرارهم على موقفهم إلى حلول نظرية وتدبيرات سياسية في الكنيسة الجامعة الرسمية، حملتهم شيئاً فشيئاً على تنظيم فرقهم في كنائس قومية مستقلة بلغاتها الوطنية. فنظم المونوفيزيون أنفسهم في كنيستين قوميتين: كنيسة الأقباط في مصر، وكنيسة السريان اليعاقبة في سورية، نسبة إلى مؤسسها يعقوب البرادعي [ر] Jacob Baradai أسقف الرّها (543 ـ578م).
وفي مطلع القرن السابع قام سرغيوس Sergios بطريرك القسطنطينة (610ـ 638م) في عهد الامبراطور هرقل (610ـ641م)، بإيجاد صيغة مشتركة للإيمان ترضي المونوفيزيين أقباطاً ويعاقبة، وتبدو وسطاً بين المونوفيزيقية الصريحة والاثنينية الخلقيدونية، فانبرى يقول «بالمونتيلية» monothelitism بأن طبيعتي المسيح اتحدتا في مشيئة واحدة أو إرادة واحدة، هي المشيئة الإلهيّة وذلك من دون إنكار طبيعتهِ الإنسانية. ولم تنجح هذه الصيغة المتوسطة في سد الثغرة بينهما، ورفضها الكاثوليك ومنهم الطائفة المارونية [ر]maronism، وأدانها مجمع اللاتران Lateran سنة 649م، وكُفِّرت في المجمع المسكونيّ القسطنطينيّ الثالث سنة 680م.
عدنان شكري يوسف
الموضوعات ذات الصلة: |
الأرثوذكسية ـ السريان ـ القبطية (الكنيسة ـ) ـ المجمع ـ النسطورية ـ النصرانية ـ يعقوب البرادعي.
مراجع للاستزادة: |
ـ سمير عبده، المسيحيون السوريون قديماً وحديثاً (منشورات دار علاء الدين، دمشق 2002).
ـ نهاد خياطة، الفرق والمذاهب المسيحية منذ البدايات حتى ظهور الإسلام، ترجمة موسى ديب الخوري (دار أبجدية، دمشق 1999م).
ـ ميشيل يتيم وأغناطيوس الديك، تاريخ الكنيسة الشرقية وأهم أحداث الكنيسة الغربية (المكتبة البوليسية، بيروت 1991م).
- التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد - المجلد : المجلد العشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 135 مشاركة :