هندسه اقليديه
Euclidean geometry - Géométrie euclidienne

الهندسة الإقليدية

 

ربما كانت شعوب ما بين النهرين ومصر هي أقدم الشعوب التي طرحت مسائل هندسية لحل ما يصادفها من مسائل تتعلق بمساحات الأراضي وأطوال محيطاتها وتمايز أشكالها، أو بأعمال بناء المساكن والمعابد والقصور الملكية، أو بإقامة الجسور والسدود وصناعة الأدوات أو غير ذلك من أمور.

ولكن أول من أرسى دعائم علم الهندسة geometry هم اليونان الذين سعوا إلى وضع عدد محدود من المقدمات، يتم اعتماداً عليها بناء علم الهندسة بناء منطقياً قائماً على البرهان والاستنتاج. ولكن محاولة إقليدس[ر] Euclid في مطلع القرن الثالث قبل الميلاد هي التي كُتب لها البقاء، وذلك لما تتميز به من دقة عن سابقاتها. حيث قدّم إقليدس بعض التعاريف والبديهيات والمسلَّمات (الموضوعات).

ولكن تعاريف إقليدس (365-300ق.م) التي جرى الناس عليها حتى مطلع القرن الماضي يغلب عليها الطابع الحسي. فالمستقيم مثلاً لا يُعرف وإنما يشبه بأنه كالخيط المشدود أو خيط المطمار أو حرف المسطرة.

أما البديهيات فقد وصفها بأنها كل ما كان واضحاً من ذاته، مثل: الكميتان المساويتان لثالثة متساويتان.

والمصادرات premises (المقدمات) أو الموضوعات postulates (المسلَّمات) التي حددها إقليدس - بعدّها واضحة إلى حد ما- هي خمس:

1ـ كل نقطتين متمايزتين تعيِّنان مستقيماً، وهذا المستقيم وحيد.

2ـ يمكن تقسيم كل قطعة مستقيمة إلى مجموعة منتهية من القطع.

3ـ تتعين الدائرة في مستو إذا عُرف مركزها ونصف قطرها.

4ـ جميع الزوايا القائمة متساوية فيما بينها.

5ـ إذا قطع مستقيم مستقيمين في مستو واحد، وكان مجموع الزاويتين الداخليتين اللتين صنعهما معهما في أحد طرفيه أقل من قائمتين؛ كان هذان المستقيمان متقاطعين في هذه الجهة.

وكان من السهل التحقق تجريبياً من صحة الموضوعات الأربع الأولى، وهذا ما كان مقبولاً إلى حد ما في زمن إقليدس، بيد أن التحقق من الخامسة يتطلب تمديد المستقيمين باستمرار إلى اللانهاية للتأكد من تقاطعهما، وهذا مالا يقدر عليه إنسان. وهذه الموضوعة هي التي عرفت فيما بعد بصيغة أخرى مكافئة هي: من نقطة خارج مستقيم لا يمر سوى مستقيم واحد يوازيه.

الموضوعات الحديثة

ومع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وانتشار الطريقة الفرضياتية axiomatic method في الرياضيات اعتمدت هذه الطريقة في إعادة بناء أسس الهندسة الإقليدية، فجاءت الفرضيات تتناول كلمات أولية لا تعريف لها، مثل: نقطة، مستقيم، مستوٍ، بين، متطابق مع (أو يقبل الانطباق على). واستطاع العالم الألماني هلبرت Hilbertت(1862ـ 1943) حصر فرضيات الهندسة الإقليدية في خمس فئات:

فرضيات الانتماء:

1- أي نقطتين متمايزتين تعيِّنان مستقيماً.

2- أي نقطتين متمايزتين من مستقيم تعيِّنان هذا المستقيم. وعلى أي مستقيم توجد على الأقل نقطتان.

3- أي ثلاث نقط ليست على مستقيم واحد تعيِّن مستوياً.

4- أي ثلاث نقط من مستوٍ ليست على مستقيم واحد تعيِّن هذا المستوي.

5- عندما تكون نقطتان من مستقيم واقعتين في مستوٍ ما، تكون كل نقطة من هذا المستقيم واقعة في هذا المستوي.

6- إذا اشترك مستويان بنقطة؛ كانا مشتركين بنقطة أخرى على الأقل.

7- يوجد في كل مستوٍ ثلاث نقاط ليست على مستقيم واحد، وفي الفضاء يوجد أربع نقاط على الأقل ليست في المستوي نفسه.

فرضيات الترتيب (أو علاقة بين):

1- إذا كانت ب، ج، د ثلاث نقط على مستقيم، وكانت ج بين ب و د، كانت ج بين د و ب. (أو يُقال: كل واحدة من جهة بالنسبة إلى ج).

2- إذا كانت ب، د نقطتين من مستقيم؛ كانت هناك نقطة ج على الأقل من هذا المستقيم واقعة بين ب و د، ونقطة ق على الأقل بحيث د بين ب و ق.

3- كل ثلاث نقط من مستقيم تكون واحدة منها بين النقطتين الأخيريين.

4- إن أيّ أربع نقط ب، ج، د، ق من مستقيم يمكن توزيعها بحيث ج تقع بين ب و د، وتقع أيضاً بين ب و ق.

5- لتكن ب، ج، د ثلاث نقط ليست على مستقيم واحد، و ل مستقيم من المستوي ب ج د لا يمر من أي نقطة من النقط ب، ج، د، فإذا مر ل من نقطة من القطعة ب ج، فسيمر عندئذ من نقطة من القطعة ب د أو من نقطة من القطعة ج د.

فرضيات الانطباق

1- إذا كانت ب ج قطعة من مستقيم ل، و بَ نقطة من مستقيم لَ؛ أمكن دائماً إيجاد نقطتين جَ، جً كل واحدة من جهة بالنسبة إلى بَ بحيث تكون القطعتان بَ جَ و بَ جً قابلتي الانطباق على ب ج - (أو يُقال: متطابقتين مع ب ج) - كل قطعة ب ج قابلة الانطباق على نفسها وكذلك قابلة الانطباق على ج ب.

2- القطعتان اللتان تقبلان الانطباق على قطعة ثالثة، تقبلان الانطباق إحداهما على الأخرى.

3- لتكن ب، ج، د ثلاث نقط من مستقيم ل، ولتكن بَ، جَ، دَ ثلاث نقط من مستقيم لَ لها الوضعية نفسها كالنقط الثلاث الأولى. فإذا كانت ب ج وبَ جَ متطابقتين، وكذلك ج د وجَ دَ متطابقتين، عندئذ تكون ب د و بَ دَ متطابقتين.

4- لتكن الزاوية (ل، ك) الواقعة في المستوي ي المعيّنة بنصفي المستقيمين ل وك. وليكن ق مستقيماً من مستوٍ يَ. ولتكن نقطة مَ من ق تحدد نصف مستقيم لَ من المستقيم ق. يمكن دائماً تعيين نصف مستقيم واحد وواحد فقط كَ في جهة مناسبة بالنسبة إلى المستقيم ق، ويمر من مَ بحيث تكون الزاوية (لَ، كَ) متطابقة مع الزاوية (ل، ك)؛ كل زاوية متطابقة مع نفسها والزاوية (ل، ك) متطابقة دائماً مع (ك، ل).

5- الزاويتان المتطابقتان مع زاوية ثالثة متطابقتان الواحدة مع الأخرى.

6- إذا كانت القطعتان ب ج، ب د من المثلث ب ج د متطابقتين مع مثيلتيهما بَ جَ، بَ دَ على الترتيب من المثلث بَ جَ دَ، وكانت الزاويتان ج ب د ، جَ بَ دَ متطابقتين؛ كانت الزاويتان ب د ج، ب ج د متطابقتين على الترتيب مع مثيلتيهما بَ دَ جَ ، بَ جَ دَ (وعندئذ يقال: إن المثلثين بَ جَ دَ، ب ج د متطابقان).

فرضية التوازي

من نقطة ب اختيرت خارج مستقيم ل يمكن أن يمر مستقيم واحد وواحد فقط واقع في مستويهما، ولا يتقاطع مع ل.

وقد برهن هلبرت على أن النظريات الهندسية جميعها يمكن استنتاجها بطريقة منطقية بحتة لا يجوز فيها الخروج من هذه الفرضيات المحدودة العدد التي قبلت أول مرّة. في حين كانت الطريقة التقليدية لا ترفض التجربة الحسية كحمل مثلث وتطبيقه على آخر، فهذا غير جائز في الطريقة الحديثة. كما برهن على أن هذه الفرضيات غير متناقضة، ولا يمكن استنتاج إحداها من الأخريات.

وعلى هذا النحو تتوصل الطريقة الحديثة إلى كل ما عرف سابقاً في الهندسة الإقليدية. قد تبدو الطريقة الحديثة بحاجة إلى زمن أطول للوصول إلى ما يفيد في الحياة العملية، ولكنها أضمن منطقياً، إضافة إلى أنها تفضي إلى مجالات أوسع بكثير، ولاسيما إلى عدم الدهشة من وجود هندسات أخرى. وقد ثبت أن هذه الهندسة صالحة للتطبيق حتى في مجالات تبلغ أقطارها ملايين السنين الضوئية، وكذلك في كل المجالات العملية اليومية التي تحتاج إلى معلومات هندسية حتى على الأقمار الصناعية والنجوم. أما الهندسات الأخرى فتستخدم لدراسات على مستوى الكون.

وائل الأتاسي

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ م.و.ب. الأتاسي، مدخل إلى هندسة لوبتشفسكي مع فكرة عن هندسة ريمن (مطبعة الخطيب، حمص 2001).

- BOYER & MERZBACH, A History of Mathematics (John Wiley & Sons, New York 1991).


- التصنيف : الرياضيات و الفلك - النوع : علوم - المجلد : المجلد الواحد والعشرون - رقم الصفحة ضمن المجلد : 578 مشاركة :

متنوع

بحث ضمن الموسوعة